المنطقة تغلي؛ نار الأزمات تضرب من سوريا إلى العراق واليمن، وصولاً إلى الأزمة السعودية ـ القطرية المستجدّة والمفتوحة على كلّ الاحتمالات. ونار الإرهاب تزداد اشتعالاً وتتمدّد من أميركا إلى أوروبا إلى كلّ الشرق وصولاً إلى إيران بالأمس، في عملية مزدوجة نفّذها تنظيم «داعش» الإرهابي استهدفت البرلمانَ الإيراني ومرقدَ الإمام الخميني، وراحَ ضحيتَها ما يزيد عن 12 شخصاً. هذه المستجدّات تضع المنطقة كلّها أمام مصير مجهول، وأمّا لبنان الذي يقع في قلبِها فيبدو وكأنّ أهلَ الربط والحلّ لا يدركون مخاطرَ ما يجري من حوله، إذ بدل أن تكون الأولوية للتحصين الداخلي، تنصبّ كلّ الحواس السياسية في اتّجاه تحقيق مكاسب وأرباح ذاتية من القانون الانتخابي الجديد العالق في زنزانة الشروط والتعقيدات المسمّاة تقنية، والكيديات السياسية التي تكاد تهدم كلَّ الجسور المؤدّية إلى قانون جديد.
القوى السياسية على اختلافها شَغّلت محرّكاتها في أقصى طاقتها خلال الساعات الـ48 الماضية، سعياً للإفراج عن القانون الانتخابي القائم على النسبية الكاملة في 15 دائرة، وخصوصاً مع اقتراب موعد 19 حزيران وبدء العدّ التنازلي لانتهاء ولاية مجلس النواب.
وبرَز في هذا السياق الاجتماع الخماسي في «بيت الوسط» ليل امس الاول، وترأسَه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي غادر الى السعودية امس لأداء مناسِك العمرة، وحضرَه الوزيران علي حسن خليل وجبران باسيل والنائب جورج عدوان والمعاون السياسي لأمين عام «حزب الله» الحاج حسين خليل ونادر الحريري. إلّا انّ هذا الاجتماع لم يشكّل قوّة دفع نحو التوافق بل انفضّ على خلاف حول الشروط والطروحات التي تمنع التقدّم نحو الانفراج.
وقالت مصادر مواكبة للملف الانتخابي لـ«الجمهورية» انّ المواقف كانت متصلبة في الاجتماع، وقدّم باسيل سلة مطالب وشروط تحت عنوان إصلاحات وضوابط، قوبِلت باعتراض الوزير خليل وحسين خليل، خصوصاً حول الصوت التفضيلي الذي طرح باسيل ألّا يكون في القضاء خارج القيد الطائفي، بل ان يكون من ذات طائفة المرشّح، بحيث يمنح الناخب الصوت التفضيلي للمرشّح من مذهبه حصراً. فيما أصرّ «الخليلان» على اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء خارج القيد الطائفي. وبقيَ هذا الأمر محلَّ خلاف مع باسيل.
كما بقيَ التباين قائماً حول عتبةِ الفوز، ولا سيّما بعدما طرَح باسيل إبعادَ المرشح الذي لا يحوز على 40 في المئة من ناخبي طائفته. وكذلك على مقاعد المغتربين الذين يطرح باسيل تخصيصَ 6 مقاعد لهم أي مقعد في كلّ قارّة، واحتسابها من ضمن الـ128 نائباً، فيما وافق الوزير خليل على مبدأ تحديد 6 مقاعد للمغتربين تضاف الى عدد النواب الـ128، إلّا انّ حسين خليل عارَض تصويت المغتربين طارحاً جملة هواجس من قبيلِ انّنا لا نعرف هذا المغترب، ولا انتماءَه ولا امتداداته ولا ارتباطاته، وجذوره اصلاً في الخارج ولا نضمن كيف ولمَن يصوّتون.
وقالت المعلومات إنّ موضوع نقل المقاعد من منطقة الى أخرى لم يتمّ سحبُه من التداول كما قيل، بل ما زال مطروحاً في اجندة باسيل، على رغم اعتراضات بري وقيادات سياسية وحزبية عليه. يأتي ذلك في وقتٍ حضَّت مصادر بكركي عبر «الجمهورية» الأطرافَ على استكمال قانون الانتخاب في اقرب وقتٍ تمهيداً لإقراره والشروع في إعداد العدّة من أجل إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
وشدّدَت المصادر على أنّ مسيحيّي الأطراف هم في وجدان البطريركية المارونية، هذا يظهر من خلال الاهتمام الخاص الذي يوليه البطريرك الراعي بالبلدات الحدودية، لكن في المقابل فإنّ كلّ الكلام الذي قيل عن أنّ الراعي طلب من باسيل نقلَ مقعدٍ ماروني من كسروان الى بنت جبيل أو أي منطقة أخرى غير صحيح إطلاقاً».
وفي المعلومات ايضاً أنّ باسيل تمسّكَ بإنشاء مجلس الشيوخ على اساس طائفي، مع تثبيت المناصفة (في الدستور) بين المسلمين والمسيحيين في المجلس النيابي. ومع رفضِ ممثّل بري المتجدّد لهذا الطرح، بدأ الحديث عن مخرج يقبل به باسيل يتجلى في ان يقترن إقرار القانون بإعلان سياسي يلتزم بالعمل على إنشاء مجلس الشيوخ وتثبيت المناصفة وباللامركزية الادارية والمالية.
«القوات اللبنانية»
ومع تأكيد الاطراف على انّ الاتصالات ستستمر، اكّدت اوساط الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» انّ الامور ما زالت تحتاج الى درس ونقاش، ووصَفت مصادر»القوات اللبنانية» ما يجري بأنه تفاوُض على حافة الوقت». وقالت لـ«الجمهورية»: «الجميع قدّموا تنازلات كبرى للوصول الى النسبية، والمطلوب اليوم تنازلات صغرى لتتويج هذه التسوية التاريخية».
اضافَت: «لا يجوز وضعُ اقتراحات تطيح بتسوية كبيرة، فالجميع يفاوض على حافة الوقت من اجل انتزاع ما يمكن انتزاعه في الساعات الاخيرة». وإنّ كلّ طرف يرى انّ على الطرف الآخر ان يتنازل.
وإذ اكّدت المصادر استمرار القوات في أداء دورها للوصول الى تسوية، لفتَت الى انّ ما تمّ التوصّل اليه مسألة كبيرة جداً، وبالتالي هذه التسوية لمصلحة البلد وكلّ الاطراف، وأيّ تنازل يقدّم هو تنازل لمصلحة لبنان.
وبالتالي الامور يفترض ان تُحسَم في اليومين المقبلين، قبل ان يضعَ مجلس النواب يده على هذه المسألة، ما يعني انّ هذا الاسبوع هو اسبوع الحسم حكومياً، والاجتماعات ستتواصل. بالأمس عقِد اجتماع مثمِر وهو سيُستكمل، وبالتالي لن تخرج هذه المفاوضات بغالب ومغلوب بل بتسوية لمصلحة كلّ الاطراف».
وأكّدت المصادر أنّ «المفاوضات شاقة، لكن لا احد مستعد لتجرّعِ كأسِ الفراغ، ولا احد مستعدّ للعودة الى المربّع الاول، لأنّ المربع الاول في الايام الاخيرة من ولاية المجلس، يعني الذهاب الى المجهول والفراغ».
يُشار الى انّ الموضوع الانتخابي احتلّ حيّزاً من نقاشات جلسة مجلس الوزراء امس، حيث اشار الرئيس سعد الحريري الى وجود عقبات يجري العمل على تذليلها وتحتاج الى وقت، فيما طلبَ الوزير علي قانصو ان يوضَع مجلس الوزراء في صورة المباحثات التي تجري، كما اكّد الوزير مروان حمادة أنّ الدورةَ الاستثنائية لمجلس النواب محصورة بالبحث بقانون الانتخاب ونقطة على السطر، وبالتالي نرفض ان يطرح خلالها ايّ موضوع آخر سواء تحت عنوان ضوابط أو إصلاحات.
المشنوق
وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية»: نحتاج الى وقت ضروري لإنجاز الانتخابات، خاصةً وأنّ هناك ستة آلاف قلم اقتراع و18 ألف موظف يجب تدريبُهم اضافةً الى عدد كبير من القضاة. فالأمور ليست سهلة، وكلّ هؤلاء يحتاجون الى تدريب. ومن هنا كان طلبي التمديد لأسباب علمية وتقنية بحتة.
اضاف: كلّ الامور تحتاج الى وقت، لقد طلبنا 7 أشهر، ولكنّ الانتخابات قد يصعب إجراؤها في الشتاء، إذ إنّ هناك قرى نائية، قد تقفَل بالثلوج، ما قد يؤثّر على نسبة المشاركة ويخفّضها، لذلك الأنسب أن تجري الانتخابات اوائل الربيع.
وردّاً على سؤال توقّع ان يكون هناك قانون قبل جلسة 12 حزيران. موضحاً انّ المطروح الآن يحتاج الى تفاهمات وطنية كبيرة غير متوفّرة حالياً. في ايّ حال البحث جدّي للوصول الى قانون لأنّ الفراغ ممنوع، وأصبح واضحاً أنه ليس هناك ايّ مجال لساعة فراغ.
وإذ أكّد صعوبة إعداد بطاقة انتخابية ممغنطة، قال: على الأرجح سنعدّ لائحة ممغنظة.
خطاب عون
وفي هذه الأجواء، تترقّب الأوساط السياسية خطابَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الاحتفال بالذكرى السادسة والخمسين بعد المئة لتأسيس قوى الأمن الداخلي، والذي سيقام صباح غدٍ في ثكنة اللواء الشهيد وسام الحسن – ضبية، وذلك للمرّة الأولى برعايته.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ عون سيحدّد في خطابه عناوين المرحلة كما يراها من جوانبها المختلفة، وخصوصاً الأمنية منها. وسيتناول بالإضافة الى الهمّ الأمني التطوّرات التي بلغَتها مساعي الوصول الى قانون انتخابي جديد. كذلك سيتناول موقف لبنان من تطوّرات المنطقة، ولا سيّما الأحداث الجارية في سوريا والمنطقة ومستجدّات الأزمة التي اندلعت في الخليج العربي.