بعدما ثبتَ أنّ تعديل قانون الانتخاب الجديد متعذّر، بل مستحيل، إستدار الطامحون إلى هذا التعديل، وأبرزُهم «التيار الوطني الحر»، إلى البحث في تعديل حكومي بهدفِ تغيير وجوه بعض وزرائهم في الحكومة، الأمر الذي قد يدفع أفرقاءَ آخرين إلى البحث في تعديل مماثل، على أمل معالجةِ الملفات الضاغطة والتي ينوء تحتها اللبنانيون؛ من الكهرباء إلى النفايات إلى خطر النزوح وغلاء المعيشة، وصولاً إلى الموازنة وقطعِ حسابها، وسلسلة الرتب والرواتب.
إتصَل رئيس الحكومة سعد الحريري بقائد الجيش العماد جوزف عون السبت ودعاه إلى اجتماع يُعقد ظهر اليوم في السراي الحكومي «لمناقشة التدابير والإجراءات التي ينفّذها الجيش اللبناني للحفاظ على الأمن والاستقرار وملاحقة التنظيمات الإرهابية والتصدّي لها في مختلف أنحاء البلاد».
واللافت في بيان المكتب الإعلامي للحريري أنّه أشار الى أنّ مجلس الوزراء كان قد «أصدر قراراً في جلسته الأخيرة طلب فيها من قيادة الجيش إجراء تحقيق شامل وشفاف في ظروف وفاة عدد من الموقوفين السوريين الذين قُبِض عليهم في الحملة الاستباقية التي شنّها الجيش على الخلايا الإرهابية المتغلغلة في بعض مخيمات النزوح السوري في عرسال مطلعَ الأسبوع الحالي، والتي كانت تخطط لتفجيرات وأعمال إرهابية على الأراضي اللبنانية».
إلّا أنّ المقررات الرسمية التي أذيعَت بعد جلسة الاربعاء الماضي خلت من أيّ ذِكر لمِثل هذا القرار، بل أشارت الى انّ مجلس الوزراء أكّد من ضمن مقرّراته «تقديرَه لدور الجيش وما قام به من عملية استباقية في ملاحقة الارهابيين وعدم تمكينهم من استغلال مخيمات النازحين للقيام بأعمال ارهابية تستهدف أمن اللبنانيين وتهدّد أمن النازحين، وإنّ كلّ صوت يشكّك بصدقية دور الجيش مرفوض. وستُجرى التحقيقات لتثبتَ أنّ الجيش ملتزم التزاماً كاملاً بواجباته القانونية والإنسانية».
وسألت «الجمهورية» بعض الوزراء فأوضَحوا أنه كان هناك توجّه ضمني في مجلس الوزراء نحو هذا الأمر بناءً على العرض الذي تقدَّم به وزير الدفاع.
الصرّاف
وعشية الاجتماع في السراي الحكومي، قال وزير الدفاع يعقوب الصرّاف لـ«الجمهورية»: «إنّ حملات التشكيك بالجيش اللبناني ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، والذين يعتقدون انّهم بذلك سيقلّلون من الدعم للجيش فهم مخطئون جداً، والجيش مستمر في القيام بكل مهماته، وليس مستمراً فقط في معركته ضد الارهاب، على رغم من كلّ ما قيل ويقال، وعلى رغم حملات تجنّي البعض عليه».
وأكد الصرّاف من جهة ثانية «أنّ التحقيقات في وفاة الموقوفين السوريين الاربعة سارية»، مشيراً إلى أنّه «لم يقُل أحد إنّهم نازحون أم غير نازحين، إلى حين انتهاء التحقيقات مع جميع الموقوفين».
إلى مَعلم مليتا
في غضون ذلك، لم تمرّ زيارة طلّاب الكلّية الحربية في لبنان إلى معلم مليتا السياحي في الجنوب والتابع لـ«حزب الله» مرور الكرام، بل ظلت تتفاعل وأصداؤها تتردّد في كلّ مكان.
وفي هذا الصَدد قال مصدر أمني لـ«الجمهورية» إنّ «ما حصَل هو أمر روتيني يأتي في إطار برنامج الزيارات التي يقوم بها طلّاب الكلية الحربية للمعالم التراثية والأثرية اللبنانية، وفقاً لبرنامج يوضَع بداية كلّ عام ويَشمل المناطق اللبنانية كافة، فضلاً عن أنّ المَعلَم يقدّم فكرة واضحة عن قتال «الغيريللا»، وبالتالي فإنّ الزيارة هي من باب العلم العسكري».
وأضاف: «إنّ الزيارة الى معلم مليتا ليست للمرّة الاولى بل هي للسنة الثانية على التوالي، لمَعلَم يمثّل حقبةً أساسية من تاريخ لبنان المعاصر، وبالتالي فإنّ طلّاب الكلية الحربية لم يكونوا في ضيافة أيّ جهة حزبية».
حمادة
لكنّ الوزير مروان حمادة قال لـ«الجمهورية»: إنّ الزيارة «كانت خطأً كبيراً ولو حاوَلوا تغليفَها بأنّها زيارة لمتحف، وقد قلتُ بصراحة لزميلي وزير الدفاع على هامش جلسة مجلس الوزراء: ماذا لو دعاك حزبٌ آخر الى زيارة مخيّماته ولو الكشفية؟». وأضاف: «نُميَ إليّ أنّ هذا الموقع هو الذي استشهد فيه النقيب الطيّار الشهيد سامر حنا…»
سعَيد
وقال النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية»: «هي زيارة مفاجئة، لقد فاجأت دوائر القرار اللبناني والعربي والدولي، لأن ليس هناك أيّ عادة أن تزور الكلية الحربية معالم حزبية.
ففي ذروةِ الحرب الأهلية عندما كان الرئيس بشير الجميّل قائد «القوات اللبنانية»، لم تزُر الكلّية الحربية المجلسَ الحربي في منطقة الكرنتينا من أجل أن تتعلّم فنّ القتال، وبالتالي هذه الزيارة فاجأت الجميع ولا تَخدم طبعاً المؤسسة العسكرية التي انتزَعت شرعية دولية من خلال قتالها على الحدود في وجه الإرهاب.
فعلى الجيش وقيادته تصحيح هذه الصورة لأنّ الشرعية الوطنية التي يتمتّع بها الجيش اللبناني والشرعية الدولية التي هي معطاة اليوم للجيش اللبناني يجب أن لا تُمَسّ ويجب ان تبقى صورة الجيش ناصعة البياض».
وعن تداعيات هذه الزيارة على المساعدات العسكرية الدولية، ولا سيّما منها الاميركية، فيما تستعدّ الإدارة الاميركية لفرض رزمةِ عقوبات جديدة على «حزب الله»، قال سعيد: «وضع الكلية الحربية تفصيل في موقع الجيش في الحياة الوطنية.
الجيش هو شريك القوات الدولية في جنوب الليطاني لتنفيذ القرار الدولي 1701 وهو شريك الميليشيات على الحدود الشرقية. هذا شيء لا يخدم المؤسسة العسكرية ولا نرضى للجيش اللبناني الذي يتمتع بشرعية لبنانية ووطنية وهو حليف ايضاً لجيوش الشرعية العالمية في مواجهة الارهاب وفي مواجهة الإسرائيلي، بأن يكون شريكاً للميليشيا».
تعديل وزاري
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة أنّ فكرة مطروحة في أوساط «التيار الوطني الحر» تتمحور حول إمكان إجراء تعديل وزاري يطاول بعضَ الوزراء المحسوبين على «التيار».
وفيما سبقَ للنائب آلان عون أن تحدّث قبل أيام عن احتمال إجراء تعديل وزاري جزئي بين وزراء «التيار»، فإنّ مصادر في «التيار» أكّدت بدورها وجود هذه الفكرة «إلّا أنّها ليست ناضجة حتى الآن».
وإذ أشارت هذه المصادر الى وجود بعض التفاصيل والخلفيات الدافعة الى هذا التعديل، إلّا أنّها قالت: «حتى الآن لا شيء محسوم، لكن هناك فكرة ما زالت قيد الدرس ويمكن ان تنضج ويمكن لا، فلنترُك الامور الى اوقاتها». وأوضحت «أنّ الدافع الاساس الى هذه الفكرة هو انّها قد تنسجم مع السعي الى تفعيل إنتاجية الحكومة، وإذا كانت هذه الفكرة تصبّ في خدمة التفعيل فمِن الطبيعي ان يُصار الى اتّخاذها بلا تردّد».
لكنّ المصادر نفسَها تحدّثت عمّا سمَّتها «تفاصيل أُخرى» تُعتبر دافعاً إلى اقتراح التعديل الوزاري الذي يطاول وزراء «التيار»، وفضَّلت عدم الدخول في تفصيلها أو تحديد أسماء الوزراء المرشّحين للاستبدال.
إلّا أنّ مصادر أُخرى رجّحت «أن يكون النقاش الجاري في أوساط «التيار» والتحفّظات عن أداء الوزراء واعتبار انّهم لم يكونوا في مستوى الطموحات، هو من بين الاسباب الدافعة الى هذه الخطوة».
ملفّ النازحين
إلى ذلك، ظلّت قضية عودة النازحين السوريين مادةً دسمة للنقاش السياسي وسط استمرار الانقسام في النظرة الى طريقة عودتهم بين معسكرَين: معسكر يرى عودتهم الى المناطق الآمنة في سوريا من بوّابة الامم المتحدة، ومعسكر يدعو الى الاتصال مع دمشق مباشرةً لتأمين هذه العودة.
ومِن المقرّر ان يُطرح ملفّ النزوح السوري في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة البحث في شؤون النازحين السوريين الذي سيُعقد بعد غدٍ الأربعاء في السراي الحكومي.
واستَبعدت مصادر وزارية أن تُحقّق اجتماعات هذه اللجنة أيَّ خرقٍ، وقالت لـ»الجمهورية»: «إنّ ملف النازحين أصبح اكبرَ مِن قدرة لبنان على اتّخاذ موقف في شأنه، وإنّ إثارتَه لم تكن إلّا أرباكاً في أداء السلطة بعد عملية عرسال الأمنية، ونوعاً من المزايدات».
واستَبعدت المصادر «أيّ حلّ قريب لملفّ النزوح، في اعتبار أنّ هذه الأزمة شائكة ومرتبطة بحلّ الأزمة السورية الذي لم تتّضِح معالمُه حتى الساعة، وكذلك مرتبطة بالسياسة الدولية».
وكان وزير المال علي حسن خليل قد أكّد «أنّ المصلحة الوطنية اللبنانية تقتضي وجوبَ التواصل مع الحكومة السورية لحلّ أزمة النازحين». فيما دعا رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الحكومة الى الكفّ «عن بعض الدلع والمزاح في مقاربة المسائل الكبرى العالقة»، وشدّد على «ضرورة مقاربة ملفّ النزوح السوري بشجاعة وحزم، من دون الرجوع إلى بعض الجهات لطلب الإذن في التواصل المباشر مع حكومة سوريا»، واعتبر أنّ «الرهان على الأمم المتّحدة في هذا الملف هو تسويف لا طائل منه».
آلية التعيينات
وفيما يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد بعد غدٍ الأربعاء في السراي الحكومي، بَرزت مشكلة إلغاء آلية التعيينات المعتمدة في الحكومة منذ سنوات عدة، تعود الى حكومات ما بعد «تفاهم الدوحة»، بحيث أنّه لا يُقرّ أيّ تعيين في مجلس الوزراء من دون المرور بثلاثية الوزير المختص ووزارة التنمية الإدارية ومجلس الخدمة المدنية بحيث يفسح المجال أمام عدد كبير من المتنافسين لبلوغ المركز الشاغر.
وذكرَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّ هذا الطرح الوارد في البند 20 من جدول أعمال الجلسة تحت عنوان «إعادة النظر في آلية التعيينات» من دون أيّ وثيقة أو اقتراح بديل، سيثير نقاشاً حامياً، خصوصاً أنّ مِن بين وزراء اليوم مَن ساهمَ في وضعِ هذه الآلية التي اعتمِدت لسنوات خَلت، ما يَدفع الى توقّعِ انقسامٍ وزاري حول هذا البند مخافة التفَلّتِ من أيّ قيود في التعيينات الإدارية.
وإلى هذا الملف، سيتجدّد خلال الجلسة البحثُ في بندي «إنتاج الطاقة من الريح» وإعادة النظر في «الرسوم الخاصة بالموارد البترولية في المياه البحرية» الذي أرجئ بتُّه الأسبوع الماضي في انتظار عودة وزير الطاقة من الخارج.
ولم يُعرف بعد ما إذا كان أحد سيثير ملفّ بواخر الكهرباء الذي أحيلَ إلى المديرية العامة للمناقصات، وسط جدلٍ حول مهمتِها وعمّا إذا كانت ستفرض البحثَ في دفتر الشروط الذي يشكّك به وزراء «القوات» وحركة «أمل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» و»حزب الله»، من أساسه، أو الإشراف على فضّ العروض المالية حسب ما يطالب وزراء «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل».
السياسة تتحكّم بالنقابات
نقابياً، أثبتت القوى السياسية المشاركة في السلطة قدرتَها مرّةً جديدة على التحكّم بالمفاصل الحسّاسة في المجتمع، من خلال نجاحها في إحداث تغيير جذري في نقابة المعلّمين في المدارس الخاصة، عبر هزيمةِ النقيب السابق نعمة محفوض، وتأمين فوزِ نقيبٍ جديد على رأس لائحةٍ تقاسمَت مقاعدَها الأحزاب والقوى السياسية.
وقد أسفرَت نتائج الانتخابات أمس عن فوز رودولف عبود على رأس لائحة دعَمها كلّ من: «التيار الوطني الحر»، «حركة «أمل»، «القوات اللبنانية»، و«حزب الله» وتيار «المستقبل».
وبعيداً من التداعيات المحتملة على ملفّ سلسلة الرتب والرواتب، وما إذا كان إبعاد محفوض، يؤشّر إلى تغييرات في نهج التعاطي مع هذا الملف أم لا، فإنّ التساؤلات المطروحة تتعلّق بمدى قدرة النقابات والجمعيات والمنظمات الأهلية على التحرّك وتقرير مصيرها، ما دامت القوى السياسية تمسِك بخِناقها، كما أثبتَت انتخابات نقابة المعلمين.