Site icon IMLebanon

ترقُّب داخلي لتطوُّرات عرسال… وتأجيل الإشتباك حول الآلية

 

المشهد الداخلي ملبّد بملفات وعناوين ضاغطة على كل المستويات، تنتظر أن تجد لها سبيلاً الى المقاربة الجديّة من أهل السلطة، او الى ترتيبها بحسب أولوياتها وأهميتها وطرحها على بساط المعالجة الفعلية بعيداً من المناكفات والتباينات التي تطوّق هذه الملفات بأغلال السياسة والمزايدات والمصالح الخاصة. الوقت يمرّ، وشعار التفعيل والتنشيط والانتاجية المطروح رئاسياً وحكومياً معطّل، بمرواحة اهل السلطة واستغراقهم في الشكليات من دون التعمّق في الاساسيات لانتشال ولَو واحد من تلك الملفات الحيوية المتصلة بمصالح الناس، والمحبوسة ظلماً وبلا أي مبرّر في البرّاد السياسي. في وقت تتوالد عناوين إضافية اكثر حساسية وخطورة، وخصوصاً على المستوى الامني، في ظل الحديث المتزايد عن حرب وشيكة للحسم العسكري ضد المجموعات الارهابية في جرود عرسال، ربطاً بالكلام الاخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي انطوى على ما يشبه التمهيد غير المباشر لهذه الحرب.

إذاً، العين على جبهة عرسال، وترقّب لِما سيشهده الميدان، وتقدير التداعيات التي يمكن ان تتأتّى منه. في وقت دخل لبنان في ظل إجراءات ملحوظة وتدابير وقائية استباقية لاحتواء ايّ ارتدادات محتملة وسط توجهات أمنية رسمية لتشديد القبضة الداخلية والاجراءات ضد الخلايا الارهابية النائمة والمتفشّية في اكثر من مكان، وخصوصاً في مناطق ومخيمات النزوح السوري.

ولفت في هذا السياق موقف مجلس المفتين برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان صَبّ في إطار الغطاء السياسي والوطني الممنوح للجيش. حيث شدّد على أنّ «الجيش هو وحده من يحمي اللبنانيين من أي عدوان خارجي أو إرهابي، أيّاً كان على حدوده، بقرار من السلطة السياسية المتمثّلة بمجلس الوزراء الذي هو مكان إجماع اللبنانيين وشعورهم بتحمّل المسؤولية والأمن والأمان لكل المواطنين».

وقال المفتون في بيانهم أمس إنهم يتطلّعون «الى قيادة الجيش اللبناني بثقة وأمل في مكافحة الإرهاب، ونؤكد الدعم والتأييد للخطوات التي يقوم بها الجيش بالتعاون مع القوى الأمنية في مواجهة كل الأخطار التي تحيط بلبنان على جميع أراضيه». وطالبوا بـ»بسط سلطة الدولة وحدها على المناطق اللبنانية كافة، وخصوصاً في بلدة عرسال وما حولها، في إطار حماية وسلامة وحقوق المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين».

ترحيل اشتباك الآليّة

سياسياً، تجاوز أهل السياسة لغم نسف آليّة التعيين، بترحيل موقّت لهذا البند المتفجّر الى جلسة ثانية لمجلس الوزراء، حيث كشفت مجريات الجلسة التي عقدت في السراي الحكومي أمس اصطفافاً جديداً للقوى السياسية داخل الحكومة فَرضه بند آليّة التعيينات، على عكس الاصطفافات في ملف النازحين، ما يؤكّد خلط أوراق التحالفات التي أصبحت على «القطعة» ومرجّحة لأن تكون على المنطقة في الانتخابات النيابية المقبلة.

وبحسب المعلومات فإنّ وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» و«الاشتراكي» و«المردة» و«القوات اللبنانية» و»القومي»، وقفوا صفاً واحداً مع الآليّة مقابل وزراء التيار الوطني الحر» و«المستقبل».

وعلمت «الجمهورية» انّ هذا الملف، الذي أخذ نحو ساعة من البحث، أصَرّ فيها الوزير جبران باسيل على عدم اعتماد الآلية، وقال: «كفى ضحكاً على بعضنا البعض، الكلّ يعلم انّ التوافق هو الذي يوصِل الاسماء الى المراكز.

أحياناً نقترح عدة أسماء للاختيار بينهم لكن غالباً ما نتّفق خارج مجلس الوزراء مسبقاً ونحضّر الاسماء الى المجلس كما حصل في التعيينات الاخيرة. اذاً، لماذا إشغال مجلس الخدمة المدنية والانتظار لشهور طالما نحن متفقون على انّ صلاحيات الوزير هي الأقوى بحسب الدستور. أمّا الآليّة ففضّلنا منذ البداية ان تكون تفاهماً لا قانوناً ولا قراراً لحماية صلاحيات الوزير؟».

رَدّ الوزيران علي حسن خليل ومحمد فنيش فأكّدا التمسّك بالآليّة التي تعزز منطق الشفافية والكفاءة وتُبعد عن المحاصصة، وأيّدهما معظم الوزراء. ولوحظ عدم تدخّل وزراء «المستقبل» باستثناء الوزير جان اوغاسابيان الذي لم يكن واضحاً في توجّه كتلته وقرارها بهذا الشأن. وانتهى البحث الى التأجيل.

وقال خليل لـ»الجمهورية»: «ضبطنا الاندفاعة نحو إلغاء الآلية التي نصرّ على اعتمادها، بل على التشدّد بضوابطها اكثر».

وقالت الوزيرة عناية عزالدين لـ«الجمهورية»: «بَحَّينالهُن» قَلبهم حتى أرجأوها».

امّا الوزير مروان حمادة فقال لـ«الجمهورية»: «أكثرية مجلس الوزراء ضد التخلي عن الآلية، والجميع متفهّم لضرورات الاسراع والترشيد وربما تعديل بعض النصوص، وهي أصلاً ليست قانوناً ولا قراراً لمجلس الوزراء بل هي توجّه الى الانضباط الذاتي، بالنسبة للسلطة السياسية».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ وزراءها أصرّوا على التمسك بالآلية واحترام النصوص ودور الجهات الرقابية، ورفضت مقولة انّ الآلية تؤخّر التعيينات وتعرقلها لأنه يمكن وضع مهل زمنية والالتزام والتقيّد بها بما يؤدي الى بَتّ التعيينات في الوقت المطلوب، ولكن لا يجوز إطلاقاً التفَلّت من وضع الضوابط الضرورية التي تؤكد على البعد المؤسساتي الذي من دونه لا قيام للبنان الدولة».

واعتبرت المصادر «انّ الدستور والقوانين والمؤسسات تشكّل المساحة التي تجمع اللبنانيين، و«القوات» تتمسّك بهذا النهج ليس استهدافاً لأحد بل حرصاً على ممارسة تُشكّل الضمانة لكل اللبنانيين. وفي هذا السياق شدّد الوزير بيار بو عاصي على «المزاوجة بين التمسّك الإلزامي بالآليّة، وبين السرعة ضمن مهل زمنية محددة تعطي الوزير العناصر التي تمكّنه من تقييم المرشحين بما يُسهّل عليه عملية الاختيار من داخل الملاك وخارجه».

ولفتت المصادر الى انّ وزراء «القوات» تقاطعوا في آلية التعيينات مع «حزب الله» و«أمل» و«الاشتراكي» و«المردة»، وموقفها ثابت حرصاً على المرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد بما يعزّز منطق المؤسسات ويحصّن الدولة ويطمئن الناس.

ولفتت، من جهة ثانية، الى انّ وزراءها اعترضوا في الجلسة على اقتراح مقدّم من وزارة السياحة للتعاقد مع شركة «فيزيت ليبانون» Visit Lebanon لإتمامها على قاعدة التراضي، وتقاطعت مع «حزب الله» على الاعتراض نفسه، لكنّ هذا البند سلك طريقه إلى القرار بفعل التصويت مع تسجيل «القوات» اعتراضها».

أبي خليل

وفي جانب آخر من الجلسة، أقرّ مجلس الوزراء البند المتعلق بالطاقة المتجددة بالرياح، وأعرب وزير الطاقة سيزار ابي خليل عن ارتياحه لإقرار هذا المشروع.

وقال لـ«الجمهورية»: «لقد تمّ إقرار المشروع مبدئياً بناء على طلبي، وفَوّضني مجلس الوزراء، بناء على طلبي ايضاً، بالتفاوض مع الشركات على تخفيض السعر، علماً انّ هناك ثلاث شركات موجودة تضع أسعارها، ونحن لسنا ملزمين أبداً بأن نوافق على اي رقم في المناقصة، وكل ما نهدف اليه هو تخفيض الارقام ما استطعنا للسير بهذا المشروع نحو التنفيذ، بالنظر الى إيجابيته الكبيرة على الناس».

وأوضح ابي خليل انه وقّع بالأمس قراراً يتعلق بتعيين خبراء لمعاونة ادارة المناقصات في دراسة العروض حول موضوع استئجار البواخر، مشيراً من جهة ثانية الى انّ زيارتَيه الى كل من الولايات المتحدة الاميركية وتركيا كانتا ناجحتين.

وقال انه خلال زيارته الاميركية وعرضه موضوع التراخيص قدّم عروضات تشجيعية للجانب الاميركي للمشاركة فيها، وثمّة تجاوب في هذا الشأن. كما انه لمسَ خلال مباحثاته في هذا الشأن رغبة كل من شركات ومؤسسات النفط في قطر، والهند والجزائر وتركيا في المشاركة بدورة التراخيص».

الحريري ـ جنبلاط

وعلى خط سياسي آخر، طرأ تطوّر بارز على خط المصالحة بين رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، إذ يبدو انّ الوساطات نجحت في تنقية الاجواء بين «بيت الوسط» والمختارة، وأعادت مجدداً ربط حبال العلاقة بينهما بعد «التمَلّع» الذي أصابها في مرحلة إعداد قانون الانتخاب والاختلاف الحاد بينهما حوله، ووصلَ بهما الى اشتباك سياسي وإعلامي عالي النبرة.

وعكست مصادر مواكبة لهذا الملف أجواء مريحة من الجانبين ورغبة مشتركة في إعادة وصل ما انقطع بينهما، وأدرجت اللقاء بين النائب وائل ابو فاعور ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري في هذا السياق.

وأكدت المصادر لـ«الجمهورية» انّ لقاء قريباً سيجمع الحريري وجنبلاط وقبل سفر الحريري الى الولايات المتحدة الاميركية، من دون ان تحدّد ما اذا كان هذا اللقاء سيتمّ خلال ما تبقّى من هذا الاسبوع او الاسبوع المقبل. وقالت: «لا نرى غيوماً في العلاقة بين الطرفين، وزاد من تبديدها الاتصال الذي أجراه جنبلاط بعد موقفه من الجيش.

وفي الخلاصة هناك بداية فتح أبواب، واللقاء بينهما حتمي، ولكن لا عناوين ولا تفاصيل ولا جدول اعمال مسبقاً له، بل انّ كل شيء سيطرح في اللقاء بصراحة وانفتاح، ومسار الامور في هذا الامر واضح نحو اللقاء والكلام والتفاهم».

فرنجية

الى ذلك، برزت أمس مواقف أطلقها رئيس تيار»المردة» النائب سليمان فرنجية أمام وفد نقابة المحررين، حيث دعا الى الحدّ من الفلتان الأمني الحاصل، مشيراً الى أنّ على اللبنانيين التوحّد حول موضوع النزوح السوري، مذكّراً بخلاف اللبنانيين سابقاً حول موضوع المقاومة الفلسطينية، هذا الخلاف الذي كلّف الوطن كثيراً من المآسي.

وقاربَ فرنجية العهد الحالي، مشيراً الى أنه لم يرَ انه حقّق شيئاً يُميّزه عن العهد السابق، ولا سيما على مستوى أمل الناس والوعود التي قطعت. وقال: إتهموا في السابق جهات كثيرة بالصفقات وعدم الشفافية، وها نحن نرى اليوم قضايا كثيرة تنقصها الشفافية كما في الكهرباء مثلاً، حيث يبدو انّ هناك «مناقصة مدبّرة».

وشَكّك فرنجية «في شفافية كلّ ما يجري»، مُستثنياً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «الذي لا علاقة له بكلّ ما يبتعد عن الشفافية، ولكن لا أستثني احداً حتى من عائلته او أقرب المقرّبين إليه».

النازحون

وفي تطور مهم، نقل الجيش اللبناني من منطقة عرسال نحو مئة شخص من عائلات سورية الى نقطة الحدود اللبنانية ـ السورية في جرود عرسال، ومنها انتقلوا الى بلدة عسال الورد في الداخل السوري.

وأوضح مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «النازحين الذين غادروا لبنان ينتمي بعضهم لـ«كتائب أحرار الشام»، وليس لـ«داعش» أو «النصرة»، ومهمّة الجيش كانت مواكبتهم الى الحدود السورية، علماً أن لا ملفات أمنية على أيّ منهم».

وكان موضوع النازحين محلّ بحث أمس في اجتماع عقد في السراي الحكومي تمّ خلاله البحث في كيفية التعامل مع مسألة النزوح السوري الى لبنان من جوانبها كافة، والاتفاق على تحضير ورقة عمل بهذا الاطار. كما تمّ التطرق الى مساعدات الأمم المتحدة للبنان وسُبل تطبيق القانون لناحية المنافسة والعمالة غير الشرعية للنازحين السوريين.

يُشار الى انّ حمادة سجّل موقفاً لافتاً بعد جلسة مجلس الوزراء، قال فيه: «أنا مُصرّ على انّ سوريا الاسد سجن كبير ونقطة على السطر. ولا احد يمكنه أخذ النازح السوري بالقوة الى هناك، يمكن ذلك عندما تحصل ضمانات دولية لعودتهم الطوعية. علماً أنّ بعض من هم في مجلس الوزراء لا يقبلون بعبارة طوعية».

«السلسلة»

وفي ملف سلسلة الرتب والرواتب، نقل النواب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ترأس اجتماع هيئة مكتب المجلس، تأكيده «أنّ سلسلة الرتب والرواتب هي حقّ لأصحابها ولا يمكن تجاهل هذا الحق». وقال: «كما هو معلوم، فإنّ السلسلة هي أول بند من بنود جدول اعمال الجلسة المقبلة، وسنكمل النقاش من حيث انتهى في الجلسة السابقة».

فضيحة الإحصاء المركزي

على صعيد آخر، تكشّف أمس فصل جديد من فصول الهدر والفساد في المؤسسات الرسمية السائبة، من خلال فضيحة إيجارات المباني التي تشغلها دائرة الاحصاء المركزي التابعة لرئاسة الحكومة. وقد تبيّن انّ مجلس الوزراء السابق وافَق على عقد إيجار جديد تبيّن لاحقاً انه لا يزال قيد الاعداد.

والمفاجأة كانت في البدء في دفع إيجار هذا المبنى غير الصالح للاقامة، لمدة سنة ونصف تقريباً، في حين تواصل دفع الإيجار التغريمي للمبنى السابق في منطقة القنطاري، بمعدل 3500 دولار لليوم الواحد!

هذه الفضيحة التي طلبت لجنة المال والموازنة وَقفها، سوف يؤدي التحقيق فيها الى تَكشّف حقائق مذهلة عن كيفية هدر المال العام وسرقته. علماً انّ الملف أحيل الى التفتيش والى النيابة المالية العامة. ويبقى السؤل هل سيتم التحقيق فعلاً وكشف تفاصيل هذه الفضيحة؟ أم انّ مصير القضية سيكون اللفلفة، بسبب التدخلات والضغوطات السياسية التي قد تطرأ؟ (تفاصيل ص11)