يقفل الأسبوع على تحضيرات لجلسة تشريعية، هي الأولى لمجلس النواب بعد تمديد ولايته وفتح دورة استثنائية له، ستنعقد الثلثاء والاربعاء المقبلين، على وقع تحضيرات مالية ـ سياسية لجلسة أخرى تعقد لاحقاً مخصّصة لمشروع الموازنة إذا حُلّت عقدة “قطع الحساب” التي تحول حتى الآن دون إقرار الموازنة لمحاولة البعض “التملّص” من قطع الحساب هذا لغايات معلومة ومجهولة، فضلاً عن تحضيرات لمعركة استكمال تحرير جرود عرسال من الجماعات المسلحة المتطرفة التي يحرص المعنيون على أن تكون “نظيفة” بمعنى تجنيب المدنيين اللبنانيين والسوريين أي شظايا من هذه العملية.
وسط استمرار الانقسام السياسي في البلاد، تلهب الملفات الساخنة الحكومة المتخبّطة بين الأداء والتباين حول سبل المعالجة. فيما حافظت أزمة النازحين السوريين على تصدّرها المشهد اللبناني، في ظل توالي التحذيرات من تفاقمها واستمرار السجال حول آليّة عودتهم الى مناطق آمنة في بلدهم، علماً انّ هذا الملف سيحضر اليوم في لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري مع سفراء الدول المانحة، وكذلك في لقاء وزير الخارجية جبران باسيل مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي.
وقد توزّع الاهتمام السياسي أمس على ملف الانتخابات النيابية الفرعية التي أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق من بعبدا الجهوزية لإجرائها في ايلول المقبل على اساس القانون الأكثري، كذلك على ملفات الأمن ربطاً بالتحضيرات الجارية لمعركة تحرير جرود عرسال من الارهابيين، فضلاً عن ملفات الاقتصاد والموازنة العامة وسلسلة الرتب والرواتب التي سيتابع مجلس النواب مناقشتها وسبل تمويلها في جلسة تشريعية عامة حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري الثلثاء والأربعاء المقبلين، في 18 و 19 الجاري.
وعلم انّ وزير المال علي حسن خليل سيجتمع في مقر وزارة المال اليوم مع ممثلي الكتل النيابية، وهم: الوزير جمال الجرّاح والنائبان جورج عدوان وعلي فياض، إضافة الى آخرين ممثلين لقواهم السياسية الذين عملوا على وضع بنود السلسلة في وقت سابق، وذلك استباقاً لعرضها في الجلسة التشريعية الاسبوع المقبل.
بري
وقال بري أمام زواره أمس، رداً على سؤال عن هذه الجلسة: “الجلسة محددة بيومين لأنّ جدول أعمالها دسم وفيه كثير من البنود التي تستوجب الإقرار.
وكما سبق وقلت، إنّ مشروع سلسلة الرتب والرواتب هو البند الأول الذي سيُطرَح للنقاش، وأؤكد مجدداً انّ هذه السلسلة حَق يجب أن يأخذه أصحابه. وبالتالي، أستطيع أن أقول انّ الجوّ مريح، خصوصاً انّ ثمة اجتماعات ستحصل، وربما اليوم، بين المعنيين في سبيل مزيد من التوافق حول هذا الموضوع”.
ورداً على سؤال آخر، قال بري: “لستُ في جَو انّ الحكومة يمكن ان تَستردّ مشروع قانون السلسلة من الجلسة، هذا الامر يجب ان يُحسَم، إن سُحِب، فربما تستكمل من خلال أن يتبنّاها نوّاب او كتل عبر اقتراح قانون معجّل مكرّر. هذا المشروع مَضت عليه سنوات، وآن أوان البَتّ به”.
تعليق المادة 87
وعلى هامش الإتصالات واللقاءات التي عقدت للخروج من مأزق “قطع الحساب” والمضيّ بالبَت بمشروع قانون الموازنة، كشفت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” عن اقتراح قَدّمه “التيار الوطني الحر” لتجاوز هذا المأزق ويقضي بـ”تجميد العمل لمدة محددة ولمرة واحدة” بمضمون المادة 87 من الدستور التي تتصِل بشرط تقديم “قطع الحساب” قبل البَت بمشروع قانون الموازنة العامة.
وقالت هذه المصادر انّ بري الذي تلقّى هذا العرض سجّل في اللحظة الأولى ملاحظاته عليه، ونَبّه من مجرّد طرح هذه الفكرة التي تمسّ الدستور في أهم بنوده. ونصح بري بعدم المضي في هذا الإقتراح “لأنه لا يشكّل مخرجاً للأزمة بمقدار ما يفتح الأبواب على قضايا أخرى ليس أوان البحث فيها”.
ولذلك، قالت المصادر، انّ هذا الإقتراح، وإن كان يرضي التيّارَين البرتقالي والأزرق ويعزّز التفاهم بينهما، إلّا انه يُلقي الشكوك حول إمكان تَحَمُّل التيار البرتقالي ومعه سيّد العهد تراجعاً عن موضوع البَت بقطع الحساب الذي بَنى عليه نظريّاته في “الإبراء المستحيل” في مرحلة سياسية هي الأدق. فالبلاد مُقبلة على انتخابات نيابية فرعية، وانّ استغلال هذا الخروج على الدستور قد يشكّل فضيحة للطرفَين.
ولفتت المصادر نفسها الى انّ تجاوز هذه النقطة – العقدة لا يكفي لإقرار السلسلة طالما انّ لتيار “المستقبل” رأياً في كثير من بنود تمويل السلسلة. فهو لم يوافق بعد على المضي في بعضها قبل تأمين الموارد المالية، على رغم تأكيد الأفرقاء كافة أنّ كلفتها موجودة وأيّ تعديل يرفع قيمتها يمكن جبايته من خلال التشدُّد في الإجراءات الجمركية وأبواب ضريبية مختلفة.
عون لـ“الجمهورية“
وقال عضو تكتل “التغيير والإصلاح” النائب آلان عون لـ”الجمهورية”: “بالنسبة الى ما يتعلق بالسلسلة، هناك حدّ أدنى من التنسيق والإتصالات التي يجب القيام بها بين الكتل لتجَنّب الوقوع في السيناريوهات السابقة التي أحبطت إقرارها.
هناك إشكالية الضرائب التي تسبّبت باعتراض كبير بعدما استغَلّتها بعض الفئات سياسياً، وهي تحتاج الى اقتراحات بديلة للإبقاء على سلسلة متوازنة، وهناك عقدة المتقاعدين، عسكريين ومدنيّين، التي تحتاج الى حلّ، فلا يجوز أن يتعرّضوا للتهميش بعد كل السنين والجهود وأحياناً التضحيات التي قدّموها في سبيل الخدمة العامة. فكلّ هذه الأمور في حاجة لتنسيق وإنضاج اتفاق لكي لا تتحوّل ألغاماً تفجّر السلسلة أو الجلسة”.
وعن الموازنة، أكد عون انّ “العمل جارٍ في لجنة المال لإنهائها، وقد أصبحنا في الكيلومتر الأخير ويجب عقد جلسة تشريعية خاصة بها لإقرارها فور انتهائها. وكما للسلسلة، يتطلّب إقرار الموازنة تنسيقاً واتفاقاً مسبقاً، فلا يمكن إقرار الموازنة بلا معالجة إشكالية قطع الحساب ونحن كـ”تكتل” نحبّذ تعليق المادة 87 من الدستور الى حين جهوزية الحسابات لدى وزارة المال”.
مسودة ديبلوماسية
وعلى صعيد آخر كشفت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية” انّ وزير الخارجية جبران باسيل سيترأس اليوم اجتماعاً ديبلوماسياً – إدارياً لوَضع مسودة أولى شاملة للتشكيلات والمناقلات الديبلوماسية في الإدارة المركزية والسفارات في الخارج، مبنيّة على نتائج المفاوضات التي جَرت على مستويات عدة منذ فترة، ولا سيما منها تلك التي شارك فيها ممثلون لبري والحريري وانتهَت الى تصوّر ما قبل النهائي لتوزيعة السفراء والديبلوماسيين من مختلف المواقع.
خطة العهد الاقتصادية
من جهة ثانية تبرز يوماً بعد آخر مؤشرات على ارتفاع منسوب الاهتمام الرسمي بالملف الاقتصادي والمالي، حيث يشدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ضرورة إعلان خطة اقتصادية شاملة. وقد أكد أمس، لدى استقباله وفد البنك الدولي، انّ لبنان في صدد إطلاق هذه الخطة.
ولفت المراقبون الى انّ عون يركّز على تحويل الاقتصاد من رَيعي الى منتج، وهذا يعني نوعاً من الانقلاب التام على السياسة الاقتصادية والمالية الحالية القائمة. وينتظر هؤلاء المراقبون بدء ترجمة هذه الفكرة، لاستبيان الخطوط العريضة التي يفكّر العهد في تَبنّيها للسنوات المقبلة.
ولوحظ انّ كلام عون تَزامَن مع إطلاق “التيار الوطني الحر” ورقته الاقتصادية، والتي تشكّل نوعاً من الرؤية حتى سنة 2020.
خوري
وفي ملف النازحين قال الوزير رائد خوري لـ”الجمهورية”: “نبحث في سبل ضبط النازحين السوريين لجهة أعمالهم ومؤسساتهم، إضافة الى ترتيب موضوع الولادات وورقة العمل التي قررت اللجنة الوزارية إعدادها عبر لجنة خبراء تحتاج الى عمل يستغرق من أسبوعين الى ثلاثة اسابيع. ليست كل هجرة السوريين الى لبنان هي هجرة أمنية، هناك شِق منها اقتصادي وإذا عالجنا وضعهم القانوني هناك كثيرون منهم يريدون العودة الى بلادهم ومن مصلحتهم أن يعودوا”.
أعمال دهم جديدة
أمنياً، وفي وقت أكّد قائد الجيش العماد جوزف عون انّ المعركة العسكرية والأمنية ضد الإرهاب “تقترن دائماً بالتزام القيم الثقافية والإنسانية والأخلاقية، التي يعتنقها الجيش وتشكّل جزءاً لا يتجزّأ من رسالته”، نَفّذ الجيش اللبناني عمليات دهم جديدة في عرسال، وأوقفَ صباح أمس في محلّة عين الشعب- عرسال، عبد المجيد علي أمون، المطلوب لإقدامه في أوقات سابقة على تجارة الأسلحة ومراقبة تحركات وحدات الجيش والتواصل مع إرهابيين. كذلك أوقف السوري محمد فيصل الواو، لانتمائه إلى تنظيم “داعش” الإرهابي ومشاركته في القتال ضدّ الجيش. وقد ضُبطت لدى أمون سيارة “فان” ودراجة نارية بلا أوراق قانونية. وسُلّم الموقوفان مع المضبوطات الى المرجع المختص.
وفي هذا الإطار أكد مصدر أمني لـ”الجمهورية” أنّ “التوقيفَين حصلا بناءً على معلومات سابقة ومراقبة، حيث دهمت مكان وجودهما دورية من فرع مخابرات البقاع وساقَتهما الى التحقيق”، وأوضح أنّ “الشخصين ما زالا موقوفين ولم يُفرج عن أيّ منهما، والتوقيف لم يحصل على حاجز كما قيل بل خلال عملية الدهم”.