Site icon IMLebanon

مانشيت:عون لـ«السلامة المالية».. واشتباك داخلي يتفاعل في «الطاقة»

المراوحة هي الحاكمة، سلسلة الرتب والرواتب في صدارة المشهد، وغداً تخضع للامتحان في مجلس النواب وسط خلافٍ جوهري حادّ حولها تزامنَ مع موقفٍ لافت لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أكّد فيه أنّ «المرحلة تُحتّم ارتفاعاً إلى مستوى المسؤولية الوطنية في مقاربة المسائل التي تحفظ استقرار الدولة والسلامة المالية فيها». وفي الموازاة، تبدو الصرخة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي هي المعبّرة بدقّة عن حقيقة الواقع. يأتي ذلك في وقتٍ تلقّى فيه لبنان دعماً فرنسياً متجدّداً عبَّر عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد لقائه رئيسَ الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في باريس، وأكّد فيه أنّ فرنسا ستُسهم في «دعم الاستقرار في لبنان باحترام جميع الطوائف الموجودة في البلاد، واعتماداً على المبادرات الديبلوماسية، التي ستَسمح بالحدّ من المخاطر في هذا المجال والقضاء عليها نهائياً». إلّا أنّه قال من جهة ثانية إنّ «فرنسا تُشاطر إسرائيل قلقَها من أنشطة «حزب الله» اللبناني جنوب لبنان، وتسليحِه هناك».

حذَّر الراعي خلال الاحتفال بعِيد مار شربل في عنّايا، في حضور عون أمس، من «تجاهلِ الدولة لخطر النزوح». وتوجَّه إلى رئيس الجمهورية مشدّداً على ضرورة تصويب مسار عودة النازحين واللاجئين الأكيدة إلى بلدهم، بعيداً من الخلافات السياسية التي تُعرقل الحلولَ المرجوّة».

وقال: «إنّ ما يُشدّد الشعبَ في الصمود والأمل بالانفراج، إنّما هو يقينه من أنكم تتحسّسون معاناته الاقتصادية والمعيشية والأمنية والاجتماعية وهموم المستقبل، وهي تتزايد وتكبر بوجود مليونَي لاجئ ونازح ينتزعون لقمة العيش من فمِه، ويَرمونه في حالة الفقر والحرمان، ويقحِمون أجيالنا الطالعة على الهجرة».

وشدَّد على «رفضِ الشعب اللبناني اللاإستقرارَ السياسي والممارسة السياسية الرامية إلى المصالح الشخصية، وإدانتِه الفسادَ المستشري، والتسابقَ المذهبي إلى الوظائف العامّة بقوّةِ النفوذ، وفرض الأمر الواقع، خلافاً لروح الدستور والميثاق الوطني والتقليد، ولقاعدة آلية التعيين وشروطه».

عون

وعشية إعادةِ طرحِ السلسلة على طاولة القوى السياسية الممثَّلة في الحكومة اليوم، تمهيداً لعرضها غداً أمام مجلس النواب، بَرز موقف لافت لعون شدّد فيه على «ضرورة تأمين سلامة المالية العامة للدولة من خلال إقرار الموازنة التي تحدّد إيرادات الدولة والإنفاق فيها».

وأبلغَ نوّاباً التقاهم أمس «أنّ ضبط الماليةِ العامة يكون من خلال حسابات ماليّة شفافة»، داعياً إلى «احترام حقوق المواطنين وإبعادها عن المزايدات الانتخابية». وقال: «المرحلة التي تمرّ بها البلاد دقيقة وتُحتّم ارتفاعاً إلى مستوى المسؤولية الوطنية في مقاربة المسائل التي تَحفظ استقرارَ الدولة والسلامة المالية فيها».

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ عون تَقصَّد توقيتَ موقفِه عشية مناقشة السلسلة تصويباً للأداء الحكومي والنيابي في هذا الإطار، مؤكّداً أنّ «سلامة الماليّة العامة» تتقدّم على «حقوق الموظّفين المستفيدين منها»، مشدّداً على أهمّية تحديد موارد الدولة وحجم الإنفاق وإصدار الموازنة لبتّ السلسلة، لأنّ مواردها هي مِن ضِمنها والالتزامَ بها يفرض توفيرَ مواردِها الكبيرة».

وقالت: «إنّ بين يدَي عون دراسةً إحصائية حول كلفةٍ بأرقام كبيرة حول المتقاعدين تزيد على ألف ومئتي مليار لهذه السنة الأولى، وقد ترتفع إلى ما يقارب خمسة آلاف مليار نتيجة زيادة عددِهم في السنوات الخمس المقبلة».

جنبلاط

الى ذلك، عرض رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، مسألة سلسلة الرتب والرواتب والتطورات العامة في البلاد.

وقال جنبلاط بعد زيارته عين التية أمس: «كانت جولة أفق مفيدة جداً حول آخر التطورات، ونتمنى أن تقرّ الموازنة في الجلسات المقبلة وأن نحترم التعهدات فيما يتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب، على ألّا تتخطى الـ1200 مليار ليرة وأن تساهم القطاعات المنتجة بدعم الموازنة، لأنّ هناك قطاعات تربح لكن لا تساهم بشكل كاف».

وأضاف: «لست ضليعاً ببعض الأمور التقنية. نعم للمطالب، لكن أيضاً نعم للتقيّد بإقرار الموازنة والتقيّد بالـ1200 مليار، وهذا أفضل. وسنبحث التفاصيل مع معالي وزير المال»، مرجّحاً «بقُرب إقرار الموازنة».

الوزارة «مكهربة»!

إلى ذلك، بات ملفّ البواخر الكهربائية ثانوياً أمام ما يجري في وزارة الطاقة والمياه. فالملفّ عالق في إدارة المناقصات، حول كافة مراحِله الإدارية والتقنية والمالية بعدما تمَّ تصحيح قرار مجلس الوزراء بهذا الشأن، وليس ما يؤشّر حتى الآن ما إذا كان تقرير الإدارة سيُفرج عن هذا الملف أم أنه سيُبقيه معلّقاً حتى إشعارٍ آخر.

وفي معلومات المواكبين لهذه المسألة أنّ سبب التأخير مردُّه إلى وجود ما سمَّوها ثغراتٍ كبرى تعتري المناقصة المتّصلة بهذا الأمر، ما يجعل منها – أي المناقصة – غيرَ مكتملة، إنْ من حيث الإجراءات المتّصلة بها أو المواصفات القانونية التي يفترض أن تتوفّر فيها.

على أنّ السؤال الأساس: ماذا يَجري في الوزارة؟

المعلومات الموثوقة التي حصَلت عليها «الجمهورية» تشير إلى أجواء «مكهربة» تَسودها، تأتَّت من اشتباك بين وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل ومدير عام الاستثمار في الوزارة غسان بيضون، وتفاعلَ في الأيام القليلة الماضية الى حدٍّ وصَل فيه الوزير إلى توجيه تأنيبٍ خطّي لبيضون وأتبَعه بكتاب آخر بحسمِ عدةِ أيام من راتبه. ولا يبدو أنّ هذا الاشتباك توقّفَ عند هذا الحد، مع توجّهِ بيضون إلى الاحتكام لمجلس شورى الدولة وللطعن في كتابَي التأنيب والحسم.

وبحسب المعلومات، فإنّ الاشتباك اشتعلَ حول عرضٍ لعقدِ صفقةٍ بالتراضي مع إحدى الشركات «لتنفيذ أشغال استشارية» على صلة بـ»مشروع مقدّمي خدمات التوزيع».

وكان بنتيجته ان تفاقم الجدال والمراسلات بين وزير الطاقة ومدير عام الاستثمار غسان بيضون فأبرزَ الافتراق الحاد في نظرتهما الى العقد المذكور، حيث بدا انّ الوزير اصرّ على العقد فيما اعتبره بيضون مخالفاً للقوانين والانظمة.

واقترح على الوزير الاحتكام الى مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة للبت به وحول أحقّية الوزير بإبلاغ مؤسسة خاضعة لوصاية وزارته بمضمون مراسلاته الداخلية».

الّا انّ الوزير، وفي خطوة غير مسبوقة، وجَّه قبل ايام قليلة «كتاب تأنيب» إلى بيضون وتضمّن عبارات قاسية بحق بيضون وبعضها يطال شخصه، واتهمه بالجهل بالقوانين الأمرُ الذي يستدعي الحاجة إلى إعادة تأهيلكم من النواحي كافة». وفي خطوة غير مسبوقة ثانية تمّ الإيعاز من اركان الوزارة بتعليق كتابِ التأنيب على لوحة الإعلانات في الوزارة.

إلّا أنّ المسألة لم تنتهِ عند هذا الحد، بل تفاعلت اكثر بين ابي خليل وبيضون بعد اجتماع لجنة المال والموازنة الأسبوع الماضي والذي حضَره الطرفان، حيث جرى خلاله نقاشٌ حول المركز اللبناني لحفظِ الطاقة، وطلب النواب إيضاحات حول أعمال المركز وكيفية إنفاقه الأموالَ التي يتلقّاها.

وبحسب مصادر نيابية، فإنّ أبي خليل وعندما سُئل عن هذا الأمر فاجأ الحاضرين بردَّ قال فيه: إنّ مدير عام الاستثمار يُشرف على أعمال هذا المركز، وهو الأمر الذي استغربه المدير المذكور ونفاه الأخير رفضاً لتوريطه في هذا الامر، مؤكّداً أن لا علاقة له ولا عِلم له.

والواضح انّ ابي خليل لم يمرّر ما بدر عن بيضون في لجنة المال، فبادر سريعاً وبعد اجتماع اللجنة الى إصدار قرار عقابي ثانٍ بحق بيضون في 14 تموز الجاري، «بحسمِ خمسة أيام تأديبياً من راتبه».

هذه المسألة كان مثارَ استغراب قانوني وإداري وكذلك سياسي، إذ انّ ما قام به ابي خليل، كان محلّ استياء واستنكار كبير لدى مراجع سياسية عبّرت عن تحفّظها لاعتماد لغة غير مألوفة في التخاطب بين وزير ومدير عام.

لا بل مستفزّة، وانتقدت ما سمّته هذا الاسلوب غير المفهوم وغير المبرر. وهو ما دفع مرجعاً سياسياً الى القول: يقولون انّنا في دولة قانون وما الى ذلك من شعارات، وها هم يقدّمون الدليل على تلك الدولة عبر معاقبة مدير عام، لأنه يطبق القانون».

وعلمت «الجمهورية» انه تمّ التأكيد من هذا المرجع على وجوب «ارسال رسالة بهذا المعنى الى وزير الطاقة «لأن هذه الطريقة ما بتمشي».

الواضح ممّا تَقدَّم، أنّ هذا الاشتباك يُعدّ سابقةً في تاريخ الإدارة والعلاقة بين وزير ومدير عام، ويستحضر سيلاً من الأسئلة: لماذا يعتمد فيها المنحى التشهيري؟ علماً انّ مرجعاً اكّد لـ«الجمهورية» انه بصرفِ النظر عمّا اذا كان مدير عام الاستثمار على حق، او غير ذلك، فإنّ لغة التخاطب بهذه الطريقة التي اعتمدها الوزير في مخاطبة مدير فيها من العبارات والتجريح الشخصي الذي لا يليق بهذا الموقع، انّها سابقة لم يشهدها تاريخ الادارة اللبنانية، يبدو انّ هناك من يحاول ان يكرّسها».

على انّ السؤال الأهم، هو ما هو سرّ ودوافع تلك اللغة القاسية المعتمدة في التخاطب؟ ؟ وما هو سبب انفعال الوزير الى هذا الحد وعلى هذه الطريقة بالتعامل؟ ولماذا اصراره على هذا العقد مع احدى الشركات لتنفيذ أشغال استشارية لمعاونة مؤسسة كهرباء لبنان في إدارة مشروع مقدّمي خدمات التوزيع؟ هل خلف ذلك قطبة مخفية او خفايا معيّنة أو سرٌّ ما، ام انّ وراء الاكمة ما وراءها، وأدّى الى هذا الانفعال وبالتالي الاشتباك بين الوزير والمدير؟