تستمرّ السلطة في التخبّط عاجزةً عن تحقيق إنجازات تفرج الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي يَرزح تحتها اللبنانيون في مختلف المجالات، فيما الفساد ينخر كثيراً من الإدارات وتنكشف بعض فصوله من حين إلى آخر، وكان منها فضيحة الأدوية السرطانية المزوّرة التي اكتُشِفت في مستشفى بيروت الحكومي، والتي يبدو أنّها ستشكّل، مع ما يُكتشَف من فضائح أخرى في غير مجال، بداية ذوبانِ رأسِ جبل الفساد الذي سيطيح بالبلد إذا لم تبدأ مكافحته جدّياً على كلّ المستويات. وفي غضون ذلك، بعد إسدال الستارة على تحرير جرود عرسال من مسلحي «جبهة النصرة»، يبدأ العدّ العكسي لمعركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من مسلّحي تنظيم «داعش» والتي يتوقّع البعض حصولها قريباً، خصوصاً أنّ أولى مؤشّراتها بدأت أمس بتكثيف الجيش اللبناني قصفَه مواقعَ «الدواعش» وتحرّكاتهم في تلك الجرود، ما اعتُبر إيذاناً باقتراب موعد المعركة التي سيخوضها من الجهة اللبنانية، فيما سيخوضها الجيش السوري و«حزب الله» من الجهة السورية، على حدّ ما أشار الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية مساء أمس، داعياً «الدواعش» إلى مراجعة حساباتهم والانسحاب إذا أرادوا تجنُّبَ المعركةِ لأنّها حاصلة حتماً إذا لم يقبلوا بتسوية تُنهي وجودهم في تلك الجرود. وكذلك دعا الجيش اللبناني إلى تسلّمِ جرود عرسال من «حزب الله» في أيّ وقت يَرغب، لكي يعود العراسلة إلى أرضهم وبساتينهم ومقالعهم وأرزاقهم فيها.
علمت «الجمهورية» أنّ تنسيقاً عسكرياً مباشراً حصَل بين قيادتَي الجيشين اللبناني والسوري تحضيراً للمعركة ضدّ «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، حيث عقِدت اجتماعات مشتركة خلال الايام الماضية وضِعت فيها الخرائط على الطاولة وتمّ تقسيم المنطقة عسكرياً لمعرفة المهمّات التي سيقوم بها كلّ طرف وأين يقتضي الدعم والتنسيق والمساندة.
وفي المعلومات أيضاً أنّ التأخير في انطلاق المعركة سببُه الوقت الذي استغرقه هذا التنسيق المباشر ووضعُ اللمسات الأخيرة على الخطة العسكرية.
وأوضَحت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» أنّ كلّ ما يتمّ تداوله عن مشاركة روسيّة ـ اميركية في هذه المعركة عارٍ من الصحّة، وأنّ جلّ ما في الأمر أنّ رأياً سَرى في الأوساط الديبلوماسية ينصح لبنان بتأمين غطاء دولي وتحديداً روسي ـ اميركي لتغطية هذه المعركة، وتدرس الجهات المعنية راهناً هذا الأمر جدّياً.
وكشفَت هذه المصادر أنّ الجيش اللبناني سيستعين بالشعب للمساندة، على غرار سائر جيوش العالم عندما تستعدّ لخوض معارك. خصوصاً أنّ الغطاء السياسي الكامل لتحرير المنطقة الجردية قد أعطِي وبلا مواربة، حتى إنّ قيادة الجيش اللبناني أبلغت إلى المسؤولين أنّ خوض هذه المعركة بالتحديد لا ينتظر أيّ قرار سياسي، فالجيش يدافع عن أرضه ضدّ العدوان والإرهاب، وهذه مهمّته الاساسية، وتبقى الساعة الصفر بيدِ قيادة الجيش.
نصرالله
ولفت الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في كلمة متلفزة إلى أن «عملية تحرير بقية الجرود اللبنانية سيقوم بها الجيش اللبناني وهذا شيء واضح ومقدماته بدأت»، مؤكداً أنّ «الجيش اللبناني جاهز وقادر على خوض هذه المعركة والانتصار بها ولديه ضباط وجنود على استعداد عالٍ وبامتياز».
وأعلن «أن «حزب الله» في خدمة الجيش اللبناني وسننفذ كل ما يطلب ونحن مع الجيش وبتصرفه وإلى جانبه ونريد أن يحقق الجيش انتصاراً سريعاً حاسماً»، ناصحاً بـ«وضع النكد والكيد السياسي بعيداً عن المعركة لتكون الجبهة واحدة وتوقيت الجبهة هو في يد الجيش اللبناني لأننا في الجهة الثانية جاهزون لها».
وأضاف: «على قيادة «داعش» أن تعرف أن هناك قراراً حاسماً بالمعركة وما يفصلنا عن المعركة هو أيام قليلة وبالتالي البقاء في الجرود انتهى وستواجه «داعش» معركة تحظى بإجماع لبناني».
برّي
ومِن طهران التي وصَل إليها أمس للمشاركة في الاحتفال بقسَم الرئيس الايراني حسن روحاني لولاية جديدة، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري «أنّ الجيش اللبناني يمتلك كلّ المقومات التي تُمكّنه من استكمال معركة تطهير الجرود الشرقية من الإرهاب، لا سيّما الجزء المتبقّي منها، الذي لا زال تحت سيطرة تنظيم «داعش».
وقال: «الحمدلله، جيشُنا من أفضل الجيوش في المنطقة، وأثبتَ كفاية قتالية عالية في حربِه على الإرهاب. أمّا القرار في شأن توقيت المعركة فهو في عهدة قيادة الجيش التي تمتلك تقديرَ الظروف والمناخات والتوقيت للقيام بمهمّاتها».
وحول الانتصار على الإرهاب في جرود عرسال، قال برّي: هذا ليس بجديد على المقاومة فقبله كان الانتصار على العدو الاسرائيلي في تموز 2006، فالاعتداء اعتداءٌ سواء على الجنوب أو على الشرق، ما حصَل الآن هو تحوّلٌ كبير لعلّه من الناحية الوطنية يعادل، لا بل يضيف على موضوع الانتصار الذي حصَل عام 2006».
سعَيد
وتوقَّع النائب السابق الدكتور فارس سعيد أن لا تصمد الحكومة طويلاً، وقال لـ«الجمهورية»: «إستمرار هذا الوضع سيفجّر ما تبَقّى من الدولة، فبين الضغوط الخارجية والعربية وبين إمساك «حزب الله» بالدولة لن تستطيع الحكومة الصمود والاستمرار». وأضاف: «يقدّم «حزب الله» نفسَه وكأنه الضمان للبنانيين بدلاً من ضمان الدولة التي تتنازل عن وظيفة حماية لبنان وتوكِلها الى ميليشيا طائفية.
فما حصَل في عرسال وما تبعَه هو انهيار كامل لصورة الدولة وصعود لضمان الميليشيا التي تحاول تشكيلَ الدولة اللبنانية وفقاً لشروطها وليس بشروط الدستور والقانون اللبناني، ما يَجعل من «حزب الله» الحزبَ المميّز والفريقَ الذي يشكّل مصدرَ السلطات في لبنان بدلاً من أن يكون الشعب مصدر السلطات، أو الدستور مصدر ضمان للبنان».
وكان سعَيد قد زار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان متمنّياً عليه» أن يستعيد المبادرة، وأن يُذكّر الجميع بأنّ الدولة اللبنانية فقط هي الضامنة لجميع اللبنانيين، أكانوا مسيحيين أو مسلمين».
علّوش
وتوقّفَ النائب السابق مصطفى علوش عند المشهد في جرود عرسال، وقال لـ«الجمهورية»: «ما حُكيَ في الأيام الماضية عن مسرحية جرود عرسال يؤكّد أنّ «حزب الله» هو جزء وأداة من سيناريو بالتوافق مع «النصرة» أوّلاً لتسجيل انتصار محلّي، وثانياً لإعادة نفسِه الى الساحة المحلية والدولية فاعلاً أساسياً، وساهمَ في إتمام جزء من «الترانسفير» المذهبي الذي بدأه منذ احتلال القصير».
وأضاف: «إنّ السلطة غير موجودة، وهناك أمر واقع فرَض نفسَه وهو أنّ السلاح غير الشرعي أقوى من الشرعية».
واعتبر «أنّ فصول المسرحية لم تكتمل بعد لأنّ الوقائع فُهمت من اللبنانيين أجمعين خلال أيام لكنّ الاستثمار هو لحساب إيران كما كان دائماً، فإيران تريد أن تقول للدول التي تُحضّر لمستقبل سوريا إنّ لها حصّةً لا يمكن التغاضي عنها».
عون والفساد
في غضون ذلك، اقتصَر حديث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الاقتصاد والفساد، من دون أن يلامس في كلامه الشأنَ السياسي والأمني. إذ قال خلال استقباله وفداً موسّعاً من قضاء كسروان الفتوح شكرَه على إطلاق اسمِ الوزير والنائب السابق المرحوم لويس أبو شرف على دار المعلمين والمعلمات في جونيه: «إنّنا وفي كلّ مرّة نُفتش عن الحاجب الذي ارتشى من دون أن ننظر إلى «الكبير» الموجود في أعلى المراكز والذي يحصل على الملايين. فالحاجب يحصل على ما هو زهيد ولا تنطبق عليه صفة الرشوة، بل تنطبق على من يحصل على الملايين، فهنا تكمن مكامن الفساد الذي علينا مكافحته».
أضاف: «علينا في بعض الأحيان أن نتّخذ قرارات حاسمة قد تكون موجعة، لأنه من الضروري أن تَسقط الحصانات عن كلّ من يمارسون الفساد، وهؤلاء ليسوا بقليلين. إلّا أنّ ذلك، يتطلّب الكثير من الترَوّي، لأنّ الارتدادات السياسية التي قد تنتج عن الأمر صعبة، في ظلّ حيازة كلّ طرف لجمهوره».
وقال أحد السياسيين: «نسمع كثيراً عن مكافحة الفساد هذه الأيام، في الوقت الذي لا نرى محاكمة أيِّ فاسد، والمستغرَب أنّ الحديث عن الفساد وكأنّه أمرٌ في العهود الماضية، في وقتٍ لا يزال الفساد قائماً، ويكفي هنا استرجاع ما أُقِرّ في جلسات مجلس الوزراء وأثيرَت ضجّة حياله، وفي طليعة هذه الملفّات ملف صفقة البواخر».
كهرباء سوريّة
في مجال آخر، علمت «الجمهورية» أنّ وزير المال علي حسن خليل وقّع اتفاقية مع الحكومة السورية أرسِلت إلى مكتبه في وزارة المال، لتزويد لبنان بالكهرباء بـ 300 ميغاوات وبكلفة حوالي 400 مليار ليرة لبنانية سيبدأ الاستفادة منها في الساعات المقبلة، علماً أنّ بعض البلدات اللبنانية بدأت تستفيد منها.