المشهد الداخلي معلّق على ملفَّين حسّاسين: سلسلة الرتب والرواتب والضرائب الملحقة بها وما سينتج عن الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون حولها تمهيداً لاتّخاذ القرار في شأن ردّها إلى المجلس النيابي أو عدمِه، وملفّ الإرهاب في جرود رأس بعلبك؛ ويبدو أنّ هذه الجبهة بدأت تدخل في مرحلة التمهيد للمعركة الفصل التي سيقوم بها الجيش اللبناني ضدّ «داعش».
يقوم رئيس الحكومة سعد الحريري اليوم بزيارة رسمية إلى الكويت يلتقي خلالها صباح غدٍ الأحد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وهي زيارة تقع على مسافة أسابيع قليلة من زيارة له إلى باريس مطلع أيلول للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، على أن تليَها زيارة إلى موسكو في 11 أيلول.
وقالت مصادر مواكبة للزيارة لـ«الجمهورية» إنّ اللقاء مع أمير الكويت يليه غداءُ عمل، وإنّ الحريري سيبحث مع عدد من المسؤولين الكويتيين في قضايا تهمّ البلدين، وسيؤكّد دعمَ لبنان للوساطة الكويتية بين قطر والدول المقاطعة لها، وسيعرض رؤية الحكومة لمواجهة أعباء النزوح السوري، ويشرح خطة النهوض الاقتصادي التي تعمل عليها الحكومة.
وأوضَحت المصادر أنّ قضية «خلية العبدلي»، والمتّهم «حزب الله» بارتباطه بها، هي بند على جدول أعمال البحث، علماً أنّ حكومة الحريري أصدرَت موقفاً قبل فترة، أدانَ مجتمِعاً أيَّ مساسٍ بأمن الكويت.
وكان المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية قد ذكرَ أنّ وزير الخارجية جبران باسيل أجرى اتّصالات عدة مع مسؤولين في الكويت «لمعالجة القضية المطروحة، أسباباً وتداعيات، ومنها أخيراً مع وزير خارجية الكويت صباح الخالد الحمد الصباح، حيث تمّ الاتفاق على كيفية متابعة المواضيع المثارة وحلحلتِها».
«سرايا الشام»
أمنياً، تصبح جرود عرسال، ولا سيّما منطقة الملاهي ووادي حميد نظيفةً بالكامل من الإرهابيين اعتباراً من اليوم، مع خروج 350 مسلّحاً من «سرايا أهل الشام» و3124 نازحاً سوريّاً من مخيّمات المنطقة باتّجاه منطقة الرحيبة في القلمون الشرقي.
وقالت مصادر أمنية لبنانية لـ«الجمهورية» إنّ الخروج النهائي للمسلّحين من المنطقة، يفتح البابَ سريعاً لتصبح بالكامل في عهدة الجيش اللبناني، وهو ما سيتمّ تدريجياً خلال الأيام المقبلة، علماً أنّ الجيش أولى المنطقة اهتماماً كبيراً، وجعلَها في رأس قائمة أجندته لإعادة الأمن والأمان لأبنائها».
إستهداف وتوقيف
وكان الجيش قد استهدفَ بالمدفعية الثقيلة، مركزاً لـ«داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع يَحتوي أسلحةً وذخائر، وحقّق فيه إصابات مباشرة، ما أدّى إلى تدميره. في وقتٍ دهمَت قوّة منه إحدى المزارع في منطقة شبيب في جرود عرسال، وأوقف 8 أشخاص للاشتباه بانتمائهم إلى «داعش» وسُلّم الموقوفون إلى المراجع المختصة لإجراء اللازم.
وقالت مصادر مواكبة لجبهة الجرود لـ«الجمهورية»: «إنّ قيادة الجيش تُقارب المواجهة المحتملة مع «داعش» في تلال رأس بعلبك والقاع ومحيطِها، من باب المواجهة الحتمية مع الإرهاب الذي يحتلّ أراضيَ لبنانية، والاستعداداتُ قائمة على قدمٍ وساق وعلى مراحل، والحديث عن رهنِ العملية بإخلاء مسلّحي «سرايا أهل الشام» والنازحين من جرود عرسال غيرُ دقيق، فالتحضيرات جارية بوجودهم أو عدم وجودهم، علماً أنّ إخلاءهم من المنطقة أفضلُ للجيش ويُريحه أكثر في تحرّكاته في المنطقة».
والجيش غير معنيّ بكلّ كلام يُقال عن تنسيق أو غير تنسيق، بل معنيّ فقط بمهمّتِه التي لا يشاركه فيها أحد، وبقراره الذي يتّخذه في شأن المعركة، وبالتوقيت الذي يحدّده لخوضِها بالقدرات القتالية التي يمتلكها لحسمِها. منبّهةً إلى أنّ التشويش على الجيش في أيّ مجال يسيء له وتترتّب عليه انعكاسات سلبية، فالجيش يخوض المواجهة العسكرية على أرضه ولا يَعنيه ما يقوم به الآخرون».
في هذا الوقت، وفيما أغار الطيران الحربي السوري على مواقع وتجمّعات نقاط انتشار لـ»داعش»في القلمون الغربي، المواجه لجرود عرسال ورأس بعلبك، دعَت مصادر«حزب الله» إلى التوقّف عند هذه الغارات والمغزى الذي تنطوي عليه في هذا التوقيت، وقالت لـ«الجمهورية» إنّها لا تستبعد أن يكون وجه الشبه مطابقاً بينها وبين غارات الطيران السوري قبل اندلاع معركة جرود عرسال ضدّ «جبهة النصرة»، مشيرةً إلى أنّ رصد الميدانِ العسكري في هذه الجبهة يجب أن يكون محطَّ العين في هذه المرحلة».
نصرالله
وموضوع الجرود سيحتلّ جانباً من كلمة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله غداً في سهل بلدة الخيام الحدودية. وقالت مصادر الحزب لـ«الجمهورية» إنّه سيؤكّد مجدّداً على أهمّية الإنجاز الذي تَحقّق في جرود عرسال وعلى أهمّية الانتصار الذي يُفترض أن يحقّقه الجيش اللبناني على الإرهابيين في جرود رأس بعلبك والقاع واقتلاعهم منها، وسيأتي كلامه بمجملِه في هذا الجانب من وحي ما قاله في خطابه الأخير بأنّ الحزب والمقاومة بأمر الجيش وخلفَه وإلى جانبه وأمامه».
وأوضَحت أنّ الكلمة «ستتمحور على معاني النصر الذي تَحقّق على العدوّ الإسرائيلي في آب 2006، وستؤكّد على الجهوزية العالية للمقاومة في مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي أو إرهابي تكفيري، وعلى أنّ تفكير إسرائيل بعدوان ضدّ لبنان سيكون حماقةً كبيرة، لن يكون بنتيجته سوى هزيمة جديدة لها، وهو ما أشار إليه جنرالات في الجيش الإسرائيلي وليس آخرهم قائد لواء المظلّيين الجنرال نمرود آلوني».
جعجع
على صعيدٍ آخر، كانت لافتةً زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى زحلة أمس، حيث استهلّها بلقاءات دينية وسياسية وشعبية، في خطوةٍ أدرجَتها مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» في سياق «استعداداتها للانتخابات النيابية التي أرادها جعجع هذه المرّة ليس عن طريق إعلان ترشيحات ستأتي لاحقاً، إنّما من خلال زيارة شخصية تعبّر عن حبّه للمدينة وأهلِها نسبةً لرمزيتها التاريخية والنضالية والحضور القواتي الوازن في صميم نسيجِها، كما نسبةً لجغرافيتها التي تُجسّد العيشَ المشترك المسيحي-الإسلامي وفي توقيتٍ داعمٍ للجيش اللبناني في معركته في جرود رأس بعلبك ورافضٍ من البقاع أيَّ تنسيقٍ رسمي لبناني-سوري».
حوار «السلسلة»
مطلبياً، ظلّت الدعوة الرئاسية لحوار السلسلة محلَّ متابعة، وفيما يعوّل الرئيس عون على إمكان خروج هذا الحوار بما يُسهّل عليه اتّخاذ القرار النهائي في شأن نشرِ السلسلة والضرائب في الجريدة الرسمية أو ردّهما، أو ردّ أحدِهما إلى المجلس النيابي، تُطرَح تساؤلات عن جدوى هذه الدعوة وما يمكن أن يخرج به أطراف معروفة مواقفُها سَلفاً، سواء المؤيّدون أو المعارضون، وهل إنّ ذلك يُسهّل على الرئيس اتّخاذ القرار، وكذلك عن سبب عدم مبادرته إلى استمزاج آراء خبراء جدّيين في الشأن المالي وخارج أيّ اعتبار سياسي، وبالتالي يبني قرارَه الذي سيتّخذه وفق صلاحيتِه الدستورية في نشرِ القوانين أو ردِّها.
وفيما سُجّلت في الأوساط القريبة من عون تساؤلات حول غياب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن حوار السلسلة، بدت أجواء عين التينة في حال ترقّبٍ لِما سيحصل في بعبدا، دون أن تبدي موقفاً إيجابياً أو سلبياً منه، علماً أنّ مصادر نيابية قريبة من بري قالت إنّ المجلس قام بما عليه في ما خصَّ السلسلة إضافةً إلى الرسوم والضرائب الملحقة بها، وأقرّها في حضور كلّ القوى، وإذا ما استثنينا حزب الكتائب، فقد أُقِرّت السلسلة بإجماع كلّ الكتل النيابية الأخرى، ومن بينها تكتّل «الإصلاح والتغيير». وفي النهاية، وكما قال بري، فإنّ السلسلة حقّ يجب أن يُعطى لأصحابه، وأمّا في ما خصَّ رئيسَ الجمهورية، فله صلاحياته المنصوص عليها في الدستور، وحقّه أن يتّخذ القرار الذي يراه مناسباً.
وبرَزت أمس دعوة بري إلى جلسة تشريعية الأربعاء المقبل، لدرسِ وإقرار جدول الأعمال المتبقّي من الجلسة السابقة التي أقِرّ فيها قانونا السلسلة والضرائب.
وقالت مصادر نيابية بارزة لـ«الجمهورية» إنّ الجلسة المخصّصة لدرس جدول أعمال عادي، يمكن أن تتحوّل في أيّ لحظة دراسةَ قانونِ السلسلة والضرائب إذا ما قرَّر عون ردَّه إلى المجلس الذي إمّا سيأخذ في الملاحظات والأسباب التي استند إليها في ردّه، وإمّا سيؤكّد على الصيغة نفسِها التي أقِرّت في الجلسة السابقة بالأكثرية المطلوبة، في هذه الحالة (الأكثرية المطلقة 65 نائبا).
الإهراءات
إلى ذلك، اتّخَذ القرار الذي أعلنَه وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري بطردِ مدير الإهراءات في مرفأ بيروت وخمسة موظفين في الملاك الرسمي منحى التصادمِ السياسي.
وفيما برَّر الوزير الخطوةَ بأنّها إصلاحية، قال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل «إنّ مسلسل إقصاء الأوادم وتركيع القضاء والإدارة مستمرّ، وهو استنساخ لأيام الاحتلال التي ولّت إلى غير رجعة. وغرّد عبر «تويتر»: «بوَقتها ما رضَخنا، وما رَح نرضخ اليوم . أمّا وزير الاقتصاد والتجارة السابق آلان حكيم فاعتبَر أنّ الخطوة استعراضية ولا تخلو من الانتقام السياسي.
وكان خوري قد أعلنَ أمس عن إجراءات اتّخَذها تتمثّل بالاستغناء عن خدمات مدير الإهراءات في مرفأ بيروت (المهندس موسى خوري) و5 موظفين آخرين، لأنّ مخالفاتهم كبيرة»، وأكّد أنّها «الخطوة الأولى من ضِمن سلسلة خطوات سيتّخذها في إدارة واستثمار الإهراءات». وقال إنّه استند في قراره إلى تقرير أعدَّته الشركة الدولية PWC التي كان قد كلّفها إجراءَ تقييم شامل لسيرِ العمل في الإهراء من النواحي الإدارية والمالية وآليات العمل، خصوصاً آلية تفريغ الحبوب وتسليمها إلى أصحابها.
حكيم لـ«الجمهورية»
من جهته، تساءلَ حكيم: «هل هي صدفة أنّ كلّ المطرودين مِن قبَل الوزير هم كتائبيّون»؟ وقال لـ«الجمهورية»: «ما جرى لم يكن خطوةً في اتّجاه الإصلاح، ولو كان كذلك لَما اعترَضنا. لكنّ طرد 6 موظّفين في الملاك الرسمي، وتعريضَهم مع عائلاتهم لصعوبات اجتماعية، من دون أسباب مُقنِعة، عملٌ خطير، ومِن حقّنا أن نسألَ لماذا لم تتَّبع الاجراءات القانونية التي ينصّ عليها قانون العمل. وأين دورُ التفتيش المركزي في ملفٍّ من هذا النوع»؟ واعتبَر أنّ ما قام به خلفُه في الوزارة عمليةٌ استعراضية لا تخلو من الانتقام السياسي. (تفاصيل ص 11).