Site icon IMLebanon

 السياسة تلتفّ على قرار المجلس الدستوري … و«سوء تفاهُم» بين «القوات» و«التيار»

 

السِمة العامة للمشهد الداخلي انه لا يثبت على صورة واحدة، فما ان تظهر صورة سياسية او غير سياسية وتضبط المشهد على إيقاعها، حتى تظهر أخرى تلغي الاولى وتفرض إيقاعاً آخر مختلفاً كلياً عن سابقه، وآخر تجليّات عدم الثبات هذا ما أحاط موضوع سلسلة الرتب والرواتب وسلة الضرائب المكمّلة لها، إذ كما تكوّنت الغيوم السياسية فجأة في الفضاء الداخلي وخلقت افتراقاً حاداً بين المستويات الرئاسية والسياسية المرتبطة بها ودفعت بها الى خلف متاريس التقاصف والسجال، حلّ التفاهم السياسي والرئاسي فجأة وانقشعت الغيوم ونزع فتيل التوتر الذي تفاعل وتمدّد من السياسة الى تحركات واعتصامات وتصعيد نقابي في الشارع.

إذاً، قالت التسوية السياسية كلمتها، من دون ان تتوضّح الاسباب التي أدّت الى تفاقمها من الاساس وإدخال البلد الى حلبة اشتباك سياسي دار على أكثر من جبهة خلال الايام القليلة الماضية، ولا الاسباب التي أدّت الى اعادة اجواء الوئام بين المشتبكين.

لكن ما تمّ تظهيره بالأمس، تجاوز قرار المجلس الدستوري بإبطال سلة الضرائب، وأعاد إدخال هذه الضرائب من الشباك السياسي بالتكافل والتضامن بين كل القوى السياسية سواء المؤيّدة لمبدأ تمويل السلسلة من الضرائب، او تلك القوى التي صَمّت آذان الناس طيلة الفترة الاخيرة برفضها للمنحى الضريبي وإثقال الناس بضرائب تُجبى من جيوبهم.

المخرج لعقدة السلسلة تمّ تظهيره في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، وتلخّص بإحالة مشروع قانون معجل الى المجلس النيابي بالمقترحات الضريبية المعدلة (التي تضمنها القانون المطعون فيه)، لإقراره في أقرب وقت ممكن على حد ما أعلن الحريري بعد الجلسة، مشيراً الى توافق على مخرج لصيغة قطع الحساب بما يمكّن من إقرار الموازنة بمعزل عنه.

وكشفت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ التعديلات شملت ثلاث نقاط اساسية: اولاً، تغيير عنوان القانون بحيث لا يكون مخصصاً لتمويل السلسلة، في اعتبار انه لا يجوز تخصيص ضريبة بعينها لتمويل بند محدد. ثانياً، تعديل المادة 11، وثالثاً تعديل المادة 17، والمتعلقة بوجود ازدواج ضريبي.

واوضحت المصادر انّ التعديل شمل فقط المهن الحرة، في حين انّ الضريبة على المصارف ظلّت كما هي، في اعتبار انّ المجلس الدستوري لم يعتبر انّ هناك خللاً دستورياً لناحية الضرائب المفروضة على القطاع المصرفي.

وكشفت المصادر انّ وزراء «القوات اللبنانية» حاولوا تسجيل موقف من خلال اعتراضهم على عدم تعديل المادة 87 في الدستور، المتعلقة بقطع الحساب لإصدار الموازنات، وانّ وزير الصحة غسان حاصباني خرج من الجلسة، وبعد مشاورات مع معراب إكتفى بتسجيل تحفّظ وزراء «القوات» في محضر الجلسة، فيما سجّل وزيرا «اللقاء الديموقراطي» ايمن شقير ومروان حمادة تحفظهما على البند المتعلق بالأملاك البحرية.
وفي هذا السياق، قال مصدر وزاري إن وزراء «التيار الوطني الحر» تحفظوا بدورهم عن موضوع تسوية قطع الحساب وعن الطريقة التي اعتمدت لإحالة قطع الحساب الى مجلس النواب.

خليل
وفي حين أعلنت وزارة المالية أنها باشرت مساء أمس بتحويل الرواتب للموظفين والاساتذة والعسكريين، وانه تمّ الاتفاق مع مصرف لبنان للإسراع بدفعها اليوم كحد أقصى، قال الوزير علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: «كلامنا كان واضحاً منذ البداية، هناك حق للناس على الدولة أن تؤمّنه من خلال السلسلة، وهناك حق للدولة ان تحافظ على استقرارها المالي من خلال مشروع ضرائبي تمّت المحافظة عليه».

أضاف: «كنّا إيجابيين بمقاربة كل صيغ المعالجة، وقد تمّ تصويب كل النقاش الذي حصل خلال الفترة الماضية وأخذ ابعاداً دستورية، وتقررت الامور كما رأيناها منذ البداية».

أضاف: «الموازنة ستقرّ وستنشر قريباً، وقد أرسلنا قراراً من مجلس الوزراء هو اضافة مادة تسمح بنشرها فور إقرارها».

المصارف
واذا كانت الهيئات النقابية علّقت تحركاتها التصعيدية ربطاً بقرار الحكومة تنفيذ قانون السلسلة ودفع الرواتب، فإنّ تحرّكاً لافتاً يسجل اليوم لجمعية المصارف حيث تعقد اجتماعاً للبحث في ما استجَدّ على صعيد الضرائب، وخصوصاً تلك التي سيعمل مجلس الوزراء على تثبيتها في جلسته المقبلة ويضمّنها مشروع القانون المعجّل الذي تمّ التوافق على إعداده وإحالته الى المجلس النيابي لإقراره في جلسة تشريعية تعقد أواسط الاسبوع المقبل.

وتعقب اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس النيابي مطلع الاسبوع. وبحسب المعلومات، فإنّ المصارف التي تخشى ممّا يسمّى الازدواج الضريبي، ترفض أن يلقى عليها العبء الضريبي الثقيل، على نحو ما يتوجّه اليه بعض المعنيين في الدولة، وهي ستعدّ ورقة في هذا الاطار وترفعها الى رئيس الحكومة في موعد أقصاه بداية الاسبوع المقبل.

الخلاف السياسي
على انّ اللافت للانتباه بعد جلسة مجلس الوزراء هو ما أشار اليه الحريري حول استمرار الخلاف السياسي حول بعض المسائل الاساسية، ولا سيما حول العلاقة مع سوريا، مُعلناً انه ليس مستعداً للتعامل مع النظام السوري، لا من قريب ولا من بعيد، وكذلك عدم موافقته على اجتماع وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير الخارجية السوري وليد المعلّم.

«القوات»
ويأتي كلام الحريري هذا متوازياً مع جو من «سوء التفاهم» يسود العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، التي أكدت مصادرها لـ«الجمهورية» انها «لن تفسح المجال لأيّ طرف سياسي أن يجعلها تختلف مع «التيار» مجدداً.

وإذ أسفت «للانتقادات التي وجّهها الوزير باسيل اليها»، أوضحت انها «تجنّبت الرَد عليه في محطات عدة كان قد وَجّه فيها إليها انتقادات علنية»، ولفتت الى انّ «ما تقوم به اليوم ليس رداً، إنما هو توضيح لبعض النقاط التي أثارها حرصاً على الوضوح والشفافية، ولأننا نتمسّك بالتفاهم بين «القوات» و«التيار» بكل ما أوتينا من قوة».

وقالت المصادر: «الجواب البديهي لقول باسيل انّ «القوات» لا تنسّق معه ترشيحاتها الانتخابية هو أنها حزب مستقلّ على غرار «التيار»، والتفاهم لا يعني إطلاقاً انّ «التيار» تخلّى عن حقوقه العضوية ولا «القوات»، وليس من الحق ولا الطبيعي أن تطلب «القوات» من باسيل ان يُطلعها على ترشيحاته، وليس من الحق والطبيعي ايضاً ان يطلب باسيل من «القوات» الشيء نفسه.

الحق والطبيعي هو ان تجلس «القوات» و«التيار» وينسّقا معاً الأمور الانتخابية، وهذا ما لم يحصل حتى الساعة. وطالما الشيء بالشيء يذكر، كم وكم من المواضيع التي كان قد جرى التفاهم عليها من ضمن التفاهمات العريضة لم يجر ايّ تنسيق مُسبق فيها بين باسيل و«القوات».

ولفتت المصادر الى انّ «القوات» تمسّكت وما تزال وستبقى متمسّكة بالإجراءات القانونية في ملف الكهرباء، وجاءت المطالعات المتكررة لرئيس إدارة المناقصات لتَصبّ تماماً في هذا الاتجاه، بالإضافة الى رأي أكثر من نصف مجلس الوزراء تماماً. وتصرّف وزراء «القوات» له علاقة بموضوع الكهرباء وليس بـ«التيار»، والدليل انّ الموقف نفسه تكرّر في عقد الميكانيك وتلزيم البطاقة البيومترية بالتراضي وأخيراً المادة 87 من الدستور على رغم تخلّي معظم الكتل الوزارية عنها».

واوضحت «أنّ تمسّك «القوات» بالإجراءات القانونية والشفافية التامة هو من المبدئيات والأساسيات، ولا يمكن خلط شعبان برمضان، بمعنى انه لا يمكن خلط الجانب المبدئي بالعلاقة مع «التيار».

وأكدت انّ «مواقف «القوات» من محاولات التطبيع مع سوريا مثبتة، وعارضت علناً وتكراراً زيارات الوزراء الثلاثة إلى سوريا، إنطلاقاً من رؤيتها لهذه المسألة التي تعتبرها خلافية أولاً، ولا ترى انّ هناك دولة سورية مُعترف بها على أرض الواقع ثانياً، إنما مواقع نفوذ وتعدّد قوى، وتعتبر ثالثاً انّ العلاقة مع نظام الاسد ستؤخّر، اذا لم نقل ستمنع، النازحين من عودتهم، وستضع لبنان في عزلة عربية شديدة وعزلة دولية كبيرة».

وأشارت «الى انّ القاصي والداني يعرفان انّ دور وزارة الشؤون الاجتماعية يقتصر على الاهتمام بالنازحين من الناحية الاجتماعية كما يدلّ اسم الوزارة، أي انها تلعب دور الوسيط بين الدول والمنظمات المانحة وبين اللاجئين.

أمّا الدور الأساس لعودتهم إلى ديارهم فعائد إلى وزارة الخارجية التي عليها ان تحصل على موافقة وتأييد ودعم الدول الأجنبية المعنية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والدول المعنية كتركيا والأردن لكي تصبح عودة النازحين ممكنة وواردة عملياً».

وقالت: «يعرف القاصي والداني أنه، ويا للأسف، شابَت العلاقة بين «القوات» و«المردة» في الماضي شوائب جوهرية، ولم تستوِ بعد انتهاء الحرب كما كان يجب ان يحصل، وعمل الكثيرون على خط المصالحة لسنين وسنين حتى وصلنا الآن إلى برّ الأمان في هذه العلاقة. فما الذي جعل الوزير باسيل يَزجّ نفسه في عملية يعمل عليها أقلّه منذ عقد من الزمن، وفي ملف حسّاس جداً وله مقوّماته؟ وكنا نتمنّى كثيراً لو تمت معالجته سابقاً، وها هو قيد المعالجة الفعلية اليوم بينما باسيل أعطاها أبعاداً أخرى لا تمّت الى حقيقتها بصِلة».

نصر الله
من جهة ثانية، تُسجّل إطلالتان سياسيتان للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الاولى مساء اليوم، والثانية غداً في خلال المسيرة المركزية الضخمة التي ينظّمها الحزب في منطقة الكفاءات في الضاحية الجنوبية، الى جانب المسيرات العاشورائية في النبطية وصور وبعلبك والهرمل. وسيتناول نصرالله عدداً من المواضيع المحلية والاقليمية، وخصوصاً ما يحصل في سوريا، بالإضافة الى العقوبات الاميركية على الحزب وقياداته.

طبّارة
وقَلّل السفير السابق في واشنطن رياض طبّارة من أهمية تأثير العقوبات على الاقتصاد اللبناني، وقال لـ«الجمهورية»: «أرى في هذه العقوبات رسالة اميركية موجّهة الى ايران كما هي موجّهة الى الحزب، فالكونغرس الأميركي الذي يمارس ضغوطاً على طهران أراد أن يتجنّب في هذا التوقيت زيادة حجم هذه الضغوط، لتجنّب ردّة فعل الأوروبيين المترددين في مساندة واشنطن في ملف الاتفاق النووي».

وأوضح طبّارة «انّ الاميركيين يضعون العقوبات على «حزب الله» بنحو متدرّج، وقد أعلنوا مراراً أنهم لا يريدون أن تمسّ هذه العقوبات الاقتصاد في لبنان والنظام المصرفي فيه، إذ يدركون جيداً حساسية الوضع المالي والاقتصادي لذلك يستهدفون الاشخاص والمؤسسات التي تتعلق بـ«حزب الله» وإيران».

السلاح الروسي
من جهة ثانية، أعادت زيارة الوفد الروسي الرفيع، الموجود في بيروت منذ أيام إستكمالاً للاتفاق الذي تمّ خلال زيارة وزير الدفاع لروسيا منذ فترة، الحديث عن تقديم الروس مساعدات عسكرية للجيش اللبناني وتسليحه.

وقالت مصادر مطّلعة على زيارة الوفد الروسي لـ«الجمهورية»: إنها تأتي في إطار وضع خطة تعاون بين الجيشين اللبناني والروسي لعام 2018، التي ترتكز على التدريب من خلال تقديم منح لضبّاط لبنانيين وبعض الفنيين لحضور دورات في روسيا، علماً أن لا وجود لمدربين من الجيش الروسي في لبنان لتدريب وحدات عسكرية لبنانية خلافاً لباقي الجيوش.

وإذ ركّزت الزيارة على برامج المساعدات بشقها التعليمي، طرحت التساؤل عن حقيقة تقديم روسيا مساعدات عسكرية للبنان، بعدما كان اتخذ القرار في إرسال أسلحة خفيفة ومتوسطة وقاذفات صاروخية من نوع «أر بي جي».

الأسير
على صعيد آخر، وربطاً بملف محاكمة احمد الأسير وحكم الاعدام في حقه، قالت مصادر قريبة من اليرزة لـ«الجمهورية» ان «ليس هناك مخاوف من أي ردات فعل كبيرة في الشارع نتيجة بعض التحركات، لأنّ الشعب اللبناني بات مدركاً لحقائق الأمور، خصوصاً أنّ الكثير من الأشخاص الذين كانوا يدعمون الأسير والجماعات المتطرفة أصبحوا اليوم في صف الجيش بعدما تكشّفت الحقائق أمامهم، وهناك حاضنة شعبية كبيرة للجيش على هذا الصعيد».

أضافت: «لقد أظهر الجيش جديّة مرة جديدة في التعامل مع الملفات المطروحة والأساسية، ووَفت قيادة الجيش بما وعدت به لجهة معاقبة وملاحقة كل من يمسّ بالعسكريين من باب أخذ الحق وتحصيله وليس الإنتقام».

واعتبرت أنّ «ما صدر عن المحكمة العسكرية من أحكام يدلّ على الشفافية المسؤولة وعدم خضوعها لأيّ ابتزاز أو تدخلات، رغم أنّ تنفيذ الحكم يبقى في النهاية منوطاً بالسلطة السياسية، صاحبة الكلمة الفصل في هذا الخصوص، لأنّ القانون يمنح رئيس الجمهورية صلاحية توقيع الإعدام».

الشعّار
الى ذلك، وفي موقف لافت للانتباه يدفع الى التوقف عنده والتمعّن في مضمونه، رفض مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، في حديث الى «المركزية»، حكم المحكمة العسكرية بإعدام الأسير و15 سنة من الأشغال الشاقة على فضل شاكر. واعتبر انّ هذه المحكمة «غير قانونية ولا يرأسها قاضٍ على دراية بقوانين الدولة، وقراراتها إستنسابية بدليل أنها لم تحكم على ايّ فرد من أعضاء «حزب الله».