IMLebanon

مانشيت:الأفق مسدود… عون: المعركة سياسيّة.. و«حــزب الله»: لا وساطة

 

راوحَت أزمة المراسيم مكانها أمس في ظلّ انسداد الأفق أمام إيجاد حلّ لها نتيجة تمسّكِ الأطراف المعنية بها بمواقفها، ما جعلَ البلاد تدخل سَنتها الجديدة مأزومةً، ولكن هذه المرّة بخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية تكاد الرئاسة الثالثة تقف إزاءَه محرَجة رغم شراكتِها في توقيع مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994 الذي غاب عنه توقيع وزير المال، ما استفزّ الرئاسة الثانية لأسباب اعتبرَتها «ميثاقية» اتّفِق عليها «عرفاً» في الطائف. واللافت أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفعَ مستوى المواجهة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من المرتبة القانونية والدستورية والميثاقية إلى المرتبة السياسية، إذ اعتبَر «أنّ المقصود من النقاش الحاصل اليوم ليس تحصيل الحقوق، وستُظهر الأيام المقبلة أنّه لا يتعلق بحقوق العسكريين، بل يتعلّق بنزاع سياسي على مواضيع أخرى». فيما خرَج الرئيس سعد الحريري عن صمته، داعياً إلى «التفاهم وعدم تضخيم الأمور».
ظلّ مرسوم منحِ الاقدميات لضبّاط ما سُمّيت «دورة عون» عالقاً في عنق الزجاجة، من دون ظهور أيّ مؤشرات تشي بحلّ الخلاف المستجدّ بين رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب والذي ترجِم أمس تراشقاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين مناصري «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل»، ما وسَّع الهوّة بين الطرفين. وإذ تراجعَت حدة المواقف السياسية، ظلّت المساعي مستمرّة على مستويات عدة لكنّها لم تؤدِّ بعد إلى مخرج يشكّل توافقاً بين بعبدا وعين التينة تحديداً .

وقالت مصادر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» أن «لا جديد على هذا المستوى بعد، وإنّ كلّ شيء مجمّد الى حين». واعتبَرت «أنّ ردَّ وزارةِ المال مراسيمَ ترقيةِ الضبّاط الى وزارة الدفاع إجراءٌ طبيعي بعدما استعاد وزير المال أو سحبَ توقيعَه منها بحجّة أنّ مِن بين الضباط الذين نالوا الترقية ضبّاط استعادوا قسماً مِن حقوقهم في مرسوم تسوية أوضاعهم، ما جَعل جميعَ الضبّاط المستحقين في سلّة واحدة ما سيُرتّب حقوقاً متأخّرة لهم، وعلى من جمَّد هذه العملية أن يتحمّل تبعاتها كاملةً، وهو أمر غير طبيعي على الإطلاق».

وقالت المصادر نفسها «إنّ هذه المواقف دفعت برئيس الجمهورية إلى دعوة قيادة الجيش برئاسة العماد جوزف عون إلى «نسيان ما تسمعه في السياسة، فالجيش هو الصامت الأكبر».

وأكّد أنّه سيواصل السعيَ «ليكون منصِفاً دوماً»، مشدّداً على «أن ليس من حق أحد أن يَحسم سنتين من حياة الآخر المهنية»، لافتاً إلى أنّه اتّخَذ قرارَه في موضوع مرسوم الأقدمية لدورة «الانصهار الوطني» للتعويض ولو جزئياً عن الخلل الذي أصابها. وقال: «بعد اليوم لن تكون هناك مخالفات ولن تُهدر حقوق أحد».

واعتبَر «أنّ المقصود من النقاش الحاصل اليوم حول الأمر ليس لتحصيل الحقوق، وستُظهر الايام المقبلة انّه لا يتعلق بحقوق العسكريين، بل إنّ الامر يتعلق بنزاع سياسي على مواضيع أخرى، وما نريده منكم أن لا تعلّقوا على هذه الأمور».

وفي تفسيرها لإشارات رئيس الجمهورية قالت مصادر بعبدا «إنّ أمام رئيس الجمهورية مجموعة من المراسيم السابقة المشابهة والتي أعادت حقوقاً مهدورة أو ضائعة لضبّاط الجيش أو لأهداف أخرى، واعتمد فيها الأسلوب عينه، خصوصاً بعد «إتفاق الطائف»، وإنّ الغوض في بعض الترقيات السابقة لن يكون في مصلحة المعترضين اليوم لأسباب سياسية لا تمتُّ بصلة الى القانون والدستور.

وإنّ التلطّي وراء الميثاقية وخرقِ الدستور لن يفيد في شيء متى كُشِفَ المستور، وإنّ التمادي في توجيه مِثل هذه التهَم الكبيرة لن يستمرّ طويلاً، وعلى من لديه ما يثبتُ هذه الاتّهامات الخطيرة أن يتحلّى بالجرأة والمجاهرة بها لتبيان الاتّهامات السياسية من غيرها التي لا تدخل سوى في لائحة التجنّي والظلم وهو في غير زمانه ومكانه».

وأضافت المصادر أنّ إشارة رئيس الجمهورية امام وفد قيادة الجيش الى خلفيات سياسية لِما يَجري وليست قانونية ولا دستورية ولا ميثاقية، هي خطوة تحذيرية، وإن لم تعالج القضية سريعاً قد يأتي الوقت المناسب للحديث عنها وكشفِها على علّاتها وعيوبها، لأنّ التمادي في الظلم غيرِ المبرّر لن يطول».

وخَتمت: «إنّ التحذير في هذه المرحلة يعني ضرورةَ سحبِ المواقف السياسية من التداول، ومَن سعى الى تحريف خلافٍ قانوني وتقني وتحويله سياسياً عليه التراجع عنه تلقائياً منعاً للتمادي في انعكاساتها السلبية على مرسوم ترقيةِ ضبّاط الجيش وهم جميعاً من مستحقّيها بجدارة، ومَن سعى الى التسييسِ لأسباب مجهولة ـ معلومة عليه أن يتحمّلَ المسؤولية إلى النهاية التي لن يضيع فيها حقّ بعد اليوم».

الحريري و«الحزب»

وفيما لوحِظ صمتُ «حزب الله» عمّا يَحدث، علمت «الجمهورية» أنّ الحزب يراقب بدقّة ما يجري، وهو لم يتدخّل في النزاع بين بعبدا وعين التينة، كذلك لا يقوم بأيّ وساطة حالياً لرأبِ الصدع و«إصلاح ذات البين» بين الرئاستين الاولى والثانية، نَقل زوّار بري عنه تأكيده «أنّ هناك دستوراً فليطبَّق، وما من أزمةٍ إلّا ولها حلّ». وأضاف: «المهم أن يربح البلد ونحفظه ونحفظَ وحدتَه».

وفي هذه الأثناء خرج الحريري عن صمته، فأكّد أنّ «الخلاف في شأن مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994 يجب أن يوضَع في مكانه الصحيح. فهو شأنٌ صغير في بلدٍ يعاني من مشكلات عدة»، وقال: «هناك وجهات نظرٍ قانونية ودستورية في شأن هذا المرسوم، وهناك حلولٌ في المقابل، شرط أن يتمّ وضع المشكلة في إطارها الصحيح، وعدم تضخيمِها أكثر ممّا هي عليه». وأضاف: «نحن لا نريد تصغيرَ المشكلة ونعتبرها غير موجودة.

فالإشكال موجود، والمسؤولية تقتضي أن نعملَ جميعاً على حلّه بِما يتوافق مع الأصول». وحذّرَ مِن «أنّ أيّ توتّرٍ سياسي ينعكس توتراً في البلد ككلّ. ونحن في غِنى عن أيّ توتر سياسي داخلي، خصوصاً في ظلّ ما يحصل حولنا في المنطقة من جنون وحروب ودماء».

وقال الحريري: «تجاربُ اللبنانيين مع الخلافات السياسية تؤكّد أنّ السبيل الوحيد لحلّها يكون في النهاية بالجلوس حول طاولة واحدة والتفاهم على إدارة البلد. من هذا المنطلق، لدينا مبادئ لن نتراجع عنها، ولدينا اختلافات سياسية مع بعض الأفرقاء الذين لن نلتقي وإياهم في شأنها، وخصوصاً في الملف الإقليمي، لكن هذا لا يعني أنّنا سنضع العصيَّ في الدواليب ونُجمّد البلد ونفتح المجالَ للاحتقان الطائفي أو المذهبي».

وأضاف: «هذه الأمور نعمل عليها، وهناك وحدة وطنية تجلّت أخيراً ويجب أن نحافظ عليها برموش العيون لأنّها هي التي تقوّي البلد وتُمكّننا من مواجهة الفساد وعدم الاستقرار الأمني وغير ذلك. ومن هنا نحن مستمرّون في هذه المسيرة، والحوارُ هو الأسلوب الذي سأعتمده لأنه يوصِل البلد إلى برّ الأمان».

باسيل

ومِن جهة ثانية، وبعد تداولِ مقطع مجتزَأ من حديث وزير الخارجية جبران باسيل في مقابلة متلفَزة تتعلق بموقفِه من إسرائيل، معتبراً أنّه «لا توجد قضية أيديولوجية معها»، أوضَحت وزارة الخارجية «أنّ الذين تناوَلوا موقفَه اجتزأوا منه و«أنّ الهدف من هذا الاجتزاء هو تحريف موقف باسيل وتشويهُه، وهو الموقف المعروف من إسرائيل ككيان معتدٍ يمارس إرهاب الدولة.

ومعروف من يتلطّى وراء هذه الحملة ومن يلتحق بها لتكونَ مبرمجةً ومنظّمة لضرب الموقف الذي عبَّر عنه الوزير باسيل في جامعة الدول العربية والمسّ بقضية القدس».

وفي هذا السياق، أكّدت مصادر مواكبة للمفاوضات في ما بات يُعرف بملف أقدمية دورة 1994 لـ«الجمهورية» أنّ «ثمّة جهات تحاول تعميقَ الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية في محاولةٍ واضحة لضرب الجيش وإضعافِه من خلال تحويل قضاياه مواضيعَ خلافية، محاولةً التصويبَ هذه المرّة على وزير الخارجية جبران باسيل أملاً في إصابةِ بعبدا في موضوع حسّاس ودقيق يتعلّق بالموقف من إسرائيل معتمِدين على تحويرٍ واضح للحقائق والكلام بهدف خلقِ شرخِِ لبنانيّ كبير، في الوقت الذي يعمل سُعاة الخير على حلّ الإشكال القائم».

واعتبَرت المصادر «أنّ مواقف الوزير باسيل والفريق الذي يقف خلفه معروفة وواضحة وغير قابلة لأيّ مساومة في موضوع العدو الإسرائيلي». ودعَت الجميع «إلى العمل للتقريب بين اللبنانيين وحلِّ الخلافات العالقة على أسسِ العدالة والحقّ لِما فيه خير ومصلحة لبنان ومؤسساته».

الكنيسة

وإلى ذلك، أكّدت مصادر كنَسيّة لـ«الجمهوريّة» أنّ «كلّ ما يدور من نقاش ونزاع حول المراسيم والصلاحيات هو في غير محلّه ويُعكّر الأجواء الإيجابيّة»، مشدّدةً على أنّ «مطالبة أيّ مِن الوزراء بأن يكون توقيعه ملاصقاً لتوقيع رئيس الجمهوريّة يدلّ الى أنّنا نعيش الزمن الرديء».

وأشارت الى أنّ «الدستور واضح جدّاً، ورئيس الجمهوريّة هو رئيس الوطن ورئيس كلّ المؤسسات، والمسّ بصلاحياته أمرٌ ممنوع ويَضرب تركيبة السلطة وهرميّةَ الحكم، ومَن يطرح المساواة بين صلاحيات الرئيس وإمضائه وإمضاء أيّ مِن الوزراء يَهدف الى تقزيمِ رئاسة الجمهورية وجعلِها عاجزةً عن ممارسة أيّ دور». وطالبَت هذه المصادر بـ«عدمِ تفسير الدستور والقوانين باستنسابيّة والنيلِ من هيبة رئاسة الجمهورية».

ودعت الى «حلّ الخلافات داخل المؤسسات وعدم التصعيد، والإنصراف الى حلّ مشكلات الناس بدلاً من الدخول في معارك جانبية نستطيع حسمها إذا قرأنا الدستور جيّداً وطبّقناه، وأعطينا كلّ ذي حقّ حقَّه وأصلحنا كلّ خللٍ نتجَ من ممارسات المرحلة الماضية».

جنبلاط
ومِن جهته، قال النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» «إنّ استمرار الخلافات وتفاقمَها نتيجة المرسوم الذي يتعلّق بالضبّاط سيزيد من الأمور تعقيداً. وكلّ ما ساد من تفاؤلٍ بعد عودة الحريري عن استقالته قد يذهب في مهبّ الريح نتيجة العجز المتصاعد للدين المستحيل تنفيذه من دون إصلاح وأهمّية التوافق. لذا فإنّني أحذّر قبل فوات الأوان من احتمال نكسات موجعة مقبلة».