مع دخول مهلة إعداد اللوائح الانتخابية أسبوعها الأخير، تشهد كل الساحات تصاعداً في محاولات الأخذ والرد بين القوى السياسية، التي تسبّبت حتى الآن في تفريق الحلفاء والاصدقاء، وفَرط تحالفات، وفي صَوغ تحالفات عجيبة غريبة بين تناقضات سياسية لا جامع بينها سوى تاريخ اشتباكي، بل جمعتها الشراكة المصلحية في مصادرة حق التمثيل، وقطع الطريق أمام فئات واسعة من اللبنانيين ومنعهم من العبور الى المجلس النيابي. يأتي ذلك في وقت انتهى فيه الفصل الإيطالي للمؤتمرات الدولية المتصلة بلبنان، والذي تخللته تظاهرة دولية دعماً للمؤسسات الامنية والعسكرية اللبنانية، لتبدأ المرحلة التحضيرية للفصل الفرنسي، الذي تستضيف فيه باريس مؤتمر «سيدر» في السادس من الشهر المقبل، والذي يعوّل فيه لبنان على الدول المانحة للحصول على قروض بنحو 16 مليار دولار لتمويل مشاريع البنى التحتية في لبنان.
يقفل الأسبوع الحالي على تحضيرات لعقد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا الثلثاء المقبل، وعلى انطلاق عجلة اللجنة النيابية للمال والموازنة اعتباراً من يوم أمس، في دراسة مشروع موازنة العام 2018، بتوقعات بإمكان الانتهاء منها في اقل من عشرة ايام، في وقت رفع العد التنازلي لانتهاء مهلة إعداد اللوائح الانتخابية في السادس والعشرين من الشهر الجاري، الحرارة الى أعلى درجاتها على الخط الانتخابي وحركة الاتصالات بين القوى السياسية.
واذا كانت السلطة من خلال الموازنة وأرقامها، وبالعجز الوهمي الذي حدّدته تحت عنوان تخفيض إنفاق الوزارات، قد قدّمت إثباتاً على عجزها في ايجاد العلاجات اللازمة والمطلوبة للكم الهائل من الازمات التي يعانيها المواطن، فإنّ هذه السلطة او بعضها، يقدّم إثباتاً جدياً بأنها غير قادرة على إدارة استحقاق انتخابي نظيف، ومن دون مداخلات او ضغوط.
تدخلات وضغوط
ليست خافية على أحد الشكوى العارمة للبنانيين من الفساد المستشري والاهتراء الاداري والبطالة المتزايدة والركود الاقتصادي، وفضيحة الكهرباء وغيرها من الفضائح التي تديرها سياسات ومحميّات، ومن عَجز الطبقة الحاكمة عن المعالجة، وانخراط بعضها في ملفات عليها شبهات والتباسات.
كل ذلك عزّز الشعور لدى الناس انّ التغيير او الحل يبدأ من صندوق الاقتراع، عبر إنتاج مجلس نيابي جديد تَتمخّض عنه سلطة تتمتّع بالحد الأدنى من المواصفات والمقدرة على التصدي للتحديات وكل الازمات.
الّا انّ طموح الناس هذا، إصطدم بممارسات شاذّة عن كل القواعد الوطنية، أبطالها جهات سياسية تعتمد سياسة إقصائية واستئثارية بالتمثيل، بالتكافل والتضامن والشراكة مع احد الاجهزة الامنية.
وقد ازدادت الشكاوى من ضغوطات تمارسها جهات سلطوية في بعض مناطق الساحل والجبل، تتضمّن في بعض الاحيان تهديدات شخصية وحتى بِلقمة العيش، فيما لو سلك المواطنون غير الوجهة الانتخابية لتلك الجهات.
جهاز أمني يضغط
الغريب في هذا الأمر هو الشراكة العلنية لأحد الاجهزة الامنية في هذه «الجريمة»، حيث بَدا انّ قيادة هذا الجهاز سخّرت طاقتها للتدخل في الانتخابات لترهيب الناخبين في المناطق المذكورة، وخصوصاً الذين يسيرون وفق نهج بعض المرجعيات والتيارات السياسية.
وأغرب ما في هذا الامر، انّ هذا التدخّل الذي لا يجيزه أيّ قانون، والذي كان معهوداً في زمن المكتب الثاني، يأتي في وقت ما زال وجه أحد الاجهزة يعاني ندوباً أصابته جرّاء الفضيحة التي كشفتها قضية المسرحي زياد عيتاني والمقدّم سوزان الحاج، وما شابَها من افتراءات وتلفيقات وفَبركات أسقطت الجهاز المذكور في ما هو أبعد من إحراج ولم يقم من ذلك بعد.
لعلّ هذه الصورة، التي تعكس محاولات واضحة للاستيلاء على حرية الناخبين ومصادرة آرائهم وسرقة تمثيلهم بالقوة، والتي تشوّه العنوان الديموقراطي السليم والنزيه الذي يفترض ان تسير وفقه انتخابات 6 أيار، والتي تعكس أداء ميليشياويّاً لبعض الاجهزة بما يشَوّه سمعتها ويحطّ من قدرها وهيبتها، كل هذه الصورة، هي كرة في ملعب المراجع الكبرى لإثبات مصداقيتها وصدق شعاراتها والضغط لوَقف هذه الحالة الشاذّة، ومحاسبة المسؤولين عنها.
مرجع سياسي
وفي هذا الاطار، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «لقد استبشَرنا خيراً في الوصول الى قانون انتخابي جديد، وقد تَوخّينا منه العدالة وأردناه قانوناً يعزّز فرَص التمثيل الصحيح لكلّ المكونات اللبنانية، ويعزّز حرية الناخب في ان يختار من يراه أهلاً لتمثيله بِلا إكراه او ضغوطات. لا نستطيع ان نقول انه القانون المثالي ولكنه افضل الممكن والموجود على أمل تطويره».
اضاف المرجع: «ما نسمعه من مداخلات يقوم بها احد الاجهزة الامنية، او بعض الجهات فيه، من عمليات ترهيب للمواطنين هو أمر مرفوض ومُدان وتَترتّب عليه مسؤوليات وعقوبات».
وإذ أكّد المرجع «وجوب وقف هذا الأسلوب الذي لا مثيل له سوى الانظمة الامنية والاستخباراتية»، حذّر «من انّ الامعان فيه سيدفعنا الى رفع الصوت وتسمية الامور بأسمائها، حيال جريمة ترتكب بحق الناس وحريتهم، وتترتّب عليها حكماً مسؤوليات جزائية ومسلكية وقانونية».
وقال: «ما نسمعه من شكاوى عن ممارسات إكراهية تقوم بها بعض القوى السياسية للضغط على الناخبين في بعض المناطق وتهديدهم، لا يمكن القبول به او السكوت عنه، وهنا المسؤولية تقع على الناس في المجاهرة علناً بكل ما يتعرضون له».
أمثلة وشواهد
الجدير ذكره هنا انّ شكاوى الناس تترافق مع سرد أمثلة وشواهد عديدة عن هذه الضغوط، كمثل إقالات لبعض الموظفين، وتعيين بدلاء عنهم محسوبين على تلك الجهات، بالاضافة الى تهديد وترهيب بعض رؤساء البلديات، لِحملهم على خيانة بعض المرجعيات السياسية وعدم المشاركة معها في حملاتها الانتخابية، وصولاً الى حدّ التصويت ضدّها في يوم الانتخاب.
وكذلك أمثلة كثيرة حول تسخير بعض المؤسسات الوزارات في خدمة الاهداف الانتخابية، وجعلها حلبات اشتباك دائمة بين القَيّمين على هذه المؤسسات والوزارات، وبين مجموعة من الموظفين تَمّ نَعتهم مؤخراً بالميليشيات، بسبب عدم مُماشاتهم لبعض الصفقات.
التفتيش المركزي
الحديث عن ميليشيات الادارة استَفزّ «التفتيش المركزي»، وردّ عليه عبر مصدر بارز فيه بمرافعة هجومية قال فيها: «ميليشيات الإدارة» هم المستشارون والإستشاريون الذين يجتاحون الوزارات، ويقيمون إدارة رديفة، تحلّ محل الإدارة الأصيلة، وتقوم بعملها، وتتقاضى مخصّصاتها من أموال الشعب اللبناني. وهم أولئك الذين يختزلون إدارتهم بشخصهم، ويحذفون مواقع المدراء العامّين، ويلغون تأشيرتهم بتشريعاتهم الخاصة بهم».
اضاف المصدر: «ميليشيات الإدارة هم أولئك الذين يحلّون محلّ مجلس إدارة المؤسسة العامة، وينفّذون مهمة إسقاط القطاع العام، لحساب قطاعاتهم الخاصة. وهم أولئك الذين يتجاوزون حدود سلطتهم المحددة في الدستور، بالسهر على حسن تطبيق القانون في نطاق إدارتهم، فيمدّون هَيمنتهم الى الإدارات الأخرى، لفرض عدم تطبيق القوانين، غير خَجلين من صيغة الإصرار، والتأكيد على مخالفة القوانين».
وختم: «ميليشيات الادارة، هم أولئك الذين ينتحلون صفة ليست لهم، ويصدرون بيانات بإسم إدارات لا علاقة لهم بعملها. وهم أولئك الذين يلتفّون على التكاليف الصادرة عن التفتيش المركزي للتحقيق في إدارات وبلديات، ويهددون لاسترداد هذه التكاليف، بحجة أنّ هذه الإدارات والبلديات هي ملك خاص لأسماء معروفة، وهم أولئك الذين فَرملوا عمل وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد، وضغطوا على الوزير، ومن تعاون معهم، لتحويلها من وزارة مكافحة الفساد الى وزارة الشاهد على الفساد».
50 مليون يورو
في المقلب الآخر للصورة الداخلية، يترقّب لبنان الهزّات الارتدادية لمؤتمر روما، وترجمة الوعود التي قطعت لتمكينه من تحصين ذاته، وتثبيت دعائم دولته كدولة قادرة على رد التحديات والنأي بهذا البلد عن كل المؤثرات السلبية عليه.
وقد تلقّى لبنان وعداً روسياً بهبة عسكرية، وكذلك جرعة دعم أوروبية بقيمة 50 مليون يورو، وفق ما أعلنت بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان، وذلك «لتعزيز حكم القانون، ودعم الأمن ومكافحة الإرهاب حتى عام 2020، ودعم أمن المطار».
ويأتي الدعم الاوروبي إنفاذاً لِما أعلنته الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني، خلال الاجتماع الوزاري الثاني في روما حول دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
هبة عسكرية روسية
وفي السياق نفسه، أعلنت روسيا أنها ستقدّم جزءاً من إمدادات المنتجات العسكرية إلى لبنان من دون مقابل. وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف خلال المؤتمر أمس «انّ موسكو تعتبر المساهمة في تعزيز القدرات القتالية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، الساهرة على أمن واستقرار البلاد، أمراً هاماً».
واضاف: «نظراً إلى القدرة المالية المحدودة من الجانب اللبناني، نتيجة الظروف الاقتصادية الإقليمية غير المؤاتية وتدفّق اللاجئين السوريين غير المسبوق، تمّ اتخاذ قرار توريد جزء من المنتجات العسكرية، ضمن إطار العلاقات العسكرية التقنية من دون مقابل».
غوتيريس
يتزامَن ذلك، مع دعوة أطلقها الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الى كافة المجموعات والمواطنين اللبنانيين «للكَفّ عن التدخّل في النزاع السوري».
واعتبر غوتيريس، في تقرير ينشر كل ثلاثة أشهر عن لبنان ويستهدف خصوصاً «حزب الله»، نَشرته وكالة «فرانس برس» أمس «انّ وجود أسلحة غير مشروعة بأيدي «حزب الله» يثير قلقاً جدياً».
ووصف غوتيريس الدولة اللبنانية بأنها ضعيفة، وقال: «لم يحرز اي تقدّم في نزع أسلحة الجماعات المسلحة». وأضاف: «انّ حيازة أسلحة من قبل «حزب الله» ومجموعات أخرى خارج إطار الدولة لا يزال يحدّ من قدرة الحكومة اللبنانية على بسط سيادتها وسلطتها على كافة أراضيها».