بدا ممّا يدور في مجلس الوزراء، وما يقدّمه بعض الوزراء من وعود بسرعة تنفيذ ما يعلنونه من مشاريع لطالما نامت في أدراجهم، أنّ السلطة، وخصوصاً بعض القوى النافذة فيها، لا تريد ترك أيّ أمر إلّا وستُسيّله انتخابياً، وكأنها كانت في ما مضى تحتجز للمواطنين حقوقاً طبيعية في مختلف إدارتها فقرّرت الإفراج عنها الآن بغية استمالتِهم انتخابياً لمصلحة مرشّحيها. وتبيّن من جلسة مجلس الوزراء أمس أنّ «التيار الوطني الحر» يحاول وخلفَه حليفه تيار «المستقبل» استثمارَ موضوع الكهرباء، دافعاً إلى إقرار ملف البواخر بغية «رشوة» الناخبين بكهرباء 24/24 حتّى ولو كان الأمر سيكلّف خزينة الدولة أكثر من مليار وثمانمئة مليون دولار تدور الشكوك حولها، في الوقت الذي يمكن لبنان أن يشتري البواخر المستأجرة حالياً للتزوّد بالطاقة الكهربائية والتي لا يكلّف ثمنها هذا المبلغ، بل أقلّ بكثير، وفي إمكان الدولة إذا اشترَت هذه البواخر أن تستخدمها إلى حين إنجاز معامل توليد الطاقة الكهربائية الجديدة، ومن ثمّ تبيعها كما تشاء، أو تُبقيها معاملَ توليد احتياطية. ولا يقتصر الأمر لدى المعنيّين على الاستثمار الانتخابي في الكهرباء غداً، بل يتعدّاه إلى استحضار ملفات أخرى «دسمة انتخابياً» بهدف الاستثمار نفسِه، ومن هذا، ملفّ العاملين في المستشفيات الحكومية الذي دفعَ مجلس الوزراء، بإيعاز من المستفدين انتخابياً، إلى شربِ حليب السباع وعقدِ جلسة ثانية لمجلس الوزراء اليوم للنظر في هذا الملف، وطبعاً الهدف كسبُ تأييد هؤلاء العاملين في الانتخابات. لكنّ هذه التصرفات دفعت الأفرقاء السياسيين، ولا سيّما منهم أولئك الذين يتعرّضون لـ»حرب إلغاء» يشنّها بعض القوى السياسية ضدّهم، إلى رفعِ الصوت، كاشفين أهدافَها الانتخابية ووعودَها التي ستتبخّر في اليوم التالي للانتخابات المقررة في 6 أيار المقبل، حيث يكون «من ضَرب ضَرب…ومن هرَب هرَب» والخاسر الأكبر سيكون لبنان واللبنانيون كهربائياً وفي كلّ شيء.
فاجأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجلس الوزراء بطرحه ملفّ الكهرباء من خارج جدول اعمال جلسته، رافعاً سقف مقاربته لهذا الملف الى حدّ القرار بعقدِ جلسة قريبة للحكومة لبتّ «خطة البواخر» ما دامت الحلول البديلة غائبة.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ سبب طرحِ عون هذا ينطلق من قراره وضعَ الجميع امام مسؤولياتهم إزاء هذا الملف بعد مرور شهر على عدم ورودِ أيّ اقتراح أو ملاحظات على التقرير الذي كان قد وزّعه على الوزراء في جلسةٍ سابقة، ودعوته إلى ضرورة اعتماد حلول موَقّتة لإنتاج الطاقة الكهربائية ريثما ينتهي إنجاز معامل التوليد الكهربائي الجديدة، كذلك استند الى تركيز الدولِ المانحة على العجز المالي في مؤسسة كهرباء لبنان وغياب الإصلاحات في هذا القطاع.
وفي المعلومات انّه بعد كلمة عون التي دعا فيها الى الكفّ عن التأجيل والمماطلة، والعمل لإيجاد الحلول الكهربائية الموَقّتة ريثما ينتهي انشاء معامل توليد الطاقة، وبعد دعوة رئيس الحكومة سعد الحريري وزيرَ الطاقة سيزار ابي خليل الى رفعِ تقريره عن واقع الكهرباء والحلول المقترحة والبدائل تمهيداً لجلسةٍ لمجلس الوزراء تتّخذ فيها القرارات المناسبة، عُلِم أنّ الوزير ميشال فرعون اقترح تنفيذ مشروع المعامل الكهربائية الصغيرة على البر قرب منشآت الكهرباء، فردّ ابي خليل: «درَسنا هذا الاقتراح وكِلفته أغلى بنسبة 15% ، كما انّ عجز المحروقات مكلِف، فضلاً عن وجود أضرار بيئية له».
وقال الوزير غسان حاصباني: «ما من اسباب سياسية خلف موقفِنا، لكننا مع الحلول الموقّتة شرط ان لا تنسيَنا الحلول الدائمة. إذا كنّا نريد تأمين طاقة كهربائية موقّتة، فهناك اقتراحات عدة يتم فيها تأمين شروط تنافسية وتلبية سريعة. نعتبر انّ البواخر هي من الحلول الموقّتة، لكن لا بدّ من معرفة شروط التلزيم».
وردّ عون مؤكداً أنّ الحل الدائم لموضوع الكهرباء يكمن في المعامل الكبيرة، لكن قبل الانتهاء من إنشائها، لنجد حلولاً موَقّتة.
امّا الوزير جبران باسيل فقال: «لنكن واضحين، هل تريدون لا مركزية الكهرباء ام لا؟ وعارَض الحريري موضوع اللامركزية، امّا ابي خليل فذكر بأنّ ذلك يؤدي الى هدرٍ كبير بسبب اتصال شبكة الكهرباء بعضها مع بعض، وتكلفة عواميد الكهرباء باهظة.
وانتهى النقاش في هذا الملف على أن يَرفع ابي خليل تقريرَه الى رئاسة الحكومة تمهيداً لبحث الموضوع في جلسة لمجلس الوزراء لم يحدَّد موعدها.
الى ذلك، أثار الوزير مروان حمادة موضوع المدارس عشيّة انعقاد مجلس النواب لمناقشة مشروع الموازنة، وقال إنّ هناك 3 حلول إمّا اللجوء الى القضاء أو جدولة السنوات الثلاث من دون مفعول رجعي (وهو ما ترفضه نقابة المعلمين) أو مفعول رجعي مع تأمين الاستحقاق لنهاية العام 2018 على أن يتمّ دفع الرد الرجعي في العام 2020. وقال: «سنرى ما سيكون عليه مسار النقاش».
وقدّم الوزير بيار بو عاصي مداخلته وقال: «لسنا ضد البواخر إذا كانت هي الحلّ، لكنّنا نطالب بدفتر شروط مفتوح وضمانات، على ان يتمّ التلزيم بشفافية». وأثار وزير الاعلام من خارج جدول الاعمال كيفية نقلِ صناديق الاقتراع من الخارج، فأوضَح الوزير نهاد المشنوق: «سيتمّ شحنها من السفارات والقنصليات بالصناديق بعد ختمِ وتوقيع السفراء والقناصل، وهي تشمل عددَ الاصوات للمقترعين، لكن من دون فرز، والشحن سيتمّ بواسطة الـDHL، مع ضمانات لعدم فتحِها قبل وصولها الى بيروت». وكذلك دار نقاش حول آلية اقتراع المغتربين والترتيبات ومراكز الاقتراع، وطُرح من خارج الجدول مرسوم بتحديد اقلام الاقتراع في الخارج وهي تشمل 229 قلم اقتراع موزّعة على 20 بلداً و23 مركز اقتراع.
ولَم تكد تنتهي الجلسة حتى وزّعت الامانه العامة للمجلس جدول اعمال من 8 بنود وشكّلت الدعوة الى جلسة ثانية هذا الاسبوع بهذه السرعة مفاجأة ثانية للوزراء وحصَل لغط في البداية إذ وزّعت الأمانة العامة الدعوة ليوم الخميس فيما تمّ ابلاغ الوزراء انّ موعد الجلسة الأربعاء، ما أحدث بلبلة قبل تصحيح الموقف، وعلمت «الجمهورية» انّ سبب التسريع في عقد الجلسة هو اضراب المستشفيات الحكومية، إذ تضمَّن جدول الاعمال عرض وزارة الصحة لسلسلةِ الرتب والرواتب للمستخدمين والاجراء في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وعرض واقع المستشفيات الحكومية .
ورأت مصادر وزارية في هذا الجدول المستعجل اهدافاً انتخابية وتأمين تكاليف السفر الى مؤتمري «سيدر» وبروكسيل، خصوصاً وأنّ الجدول تضمّن تحديد موقع المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس ورفع الحدّ الادنى للأجور في بعض المؤسسات العامة.
«التيار»
وأوضَحت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية» أنّ عون سأل: «من لا يريد كهرباء في البلد؟ فأجابه وزير الاعلام ضاحكاً: أنا». وقال ابي خليل: «نريد تأمين الكهرباء بأسرع وسيلة وأقلّ كلفة، إذ انّ المشكلة تكمن في قلّة الانتاج والزيادة في الكلفة. لذا نحن مجبَرون على زيادة الطاقة الإنتاجية لتعديل التعرفة واعادة التوازن الى الكهرباء.
العرقلة مستمرّة بسبب خروج مشروع من الباب ودخوله من الشباك، وهذا المشروع هو قصّة لامركزية انتاج الطاقة الكهربائية، اي في كل محطة تحويل رئيسية هناك قطعة ارض الى جانبها نضع وحدات إنتاجية ونغذّي المناطق بشكل لامركزي من التوتر المتوسطي.
وهذا لا يسير تقنياً ومكلِف اكثر مالياً، ولا نستطيع تأمين الفيول لكلّ المناطق لوجستياً وغير سليم بيئياً. وإذا كان هذا المشروع غير سليم فلا يعني ذلك انّ كلّ مشروع يقدّم غير سليم». وكرّر: «الخطة اقِرّت منذ سنة وعُرقِلت، ووضعت لجنة وزارية عليها كلّ الطروحات وطلب الوزراء مراجعة مرجعياتهم فذهبوا ولَم يعودوا».
«القوّات»
وقالت مصادر «القوّات» لـ«الجمهورية» إنّ وزراءها «أثاروا ملفّ الكهرباء مؤكدين انّ «القوات» كانت قد تقدّمت بخطة، وانّ الحلول متعدّدة، سواء كانت برّية او عائمة على الفيول او الغاز، لكنّها اصطدمت برفض تعديل دفتر الشروط لإفساح المجال امام مناقصة سليمة مطابقة للمعايير وتسمح بالمنافسة.
وبما انّ المنافسة الصحيحة والسليمة ضمن المناقصة لم تكن متاحة، لم يفسح في المجال أمام الحلول التي أثيرَت في الإعلام مراراً وتكراراً ومنها مراسلات مع رئاسة مجلس الوزراء من أن تأخذ مجراها. فالعمل جارٍ على الطاقة الموَقّتة منذ العام 2013، وما هو موقّت يجب ان لا يتحوّل دائماً، والمعامل الحالية في الذوق وديرعمار بين الصيانة وتصحيح العقود تستطيع تأمينَ الطاقة الكافية والدائمة التي تعوّض لبنان عن الطاقة الموقّتة».
وأكّدت المصادر «أنّ اللجوء إلى البواخر يتمّ فقط في حالات الطوارئ ولا تُستخدم لسنوات وكحلول دائمة، وبالتالي يجب ان تكون المناقصة واضحة ومفتوحة امام كلّ الاحتمالات المتاحة تقنياً ومالياً وزمنياً بغية الوصول الى الحل القادر على تأمين الكهرباء بأقلّ كلفة وأسرع وقت، فيما يجب التثبت من انّ الشبكة قادرة على حمل الطاقة، لأنّ زيادة الانتاج على شبكة غير مكتملة المواصفات تؤدّي إلى هدرٍ تقني وغير تقني يوازي 30% وربّما اكثر من ذلك، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الانتاج والهدر، وبالتالي زيادة الكلفة على المواطن والدولة».
وقالت المصادر «إنّ هذا الموضوع يُثار في كلّ جلسة أو جلستين من خارج جدول الأعمال، فيما اللجنة المكلفة دراسة الملف لم تتقدّم بأيّ اقتراحات لمجلس الوزراء، والمطلوب بكلّ بساطة إدخال التعديلات اللازمة على دفتر الشروط من أجل إجراء مناقصة واضحة وشفافة، والمعبر الأساس هو إدارة المناقصات، وكلّ ما هو خلاف ذلك لن يمرّ في مجلس الوزراء».
«المرَدة»
أداء «التيار الوطني الحر» وجد أصداءَه السيئة عند تيار «المردة» فهاجَم مرشّحها طوني سليمان فرنجية وبعنف «التيار»ورئيسَه، وقال خلال إعلان لائحة «معاً للشمال ولبنان»: «هم مبارح بسبب وعودِهم وبكرا ستقصيهم أفعالهم. يدّعون الإنجازات الرنّانة ويعيّروننا بالزفت، ولكن الحقيقة أن اختصاصهم هو الزفت ولكن للأسف بغير مكانه. نتائجهم في ملف الكهرباء زفت، نتائجهم في الخارجية زفت، نتائجهم في البيئة زفت. وفي الخلاصة، انّهم زفت أينما حلّوا».
ماكينة «الوفاء المتنيّة»
فيما تواصَلَ إطلاق الماكينات الانتخابية غداة إقفال باب تسجيل اللوائح في وزارة الداخلية ليل أمس الاوّل، أطلقت مساء أمس لائحة «الوفاء المتنية» ماكينتها الإنتخابية حصراً في بلدة بتغرين في دارة النائب ميشال المرّ، في حضور رئيسة اتّحاد بلديات المتن السيّدة ميرنا المرّ والأستاذ ميشال المرّ نجل الوزير الياس المرّ.
وينتظر أن تطلق اللائحة ماكينتها الإنتخابية في دائرة المتن عموماً في وقت لاحق.