باق من الزمن 22 يوماً على موعد الانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل. وعلى طريق هذا الاستحقاق، تنصرف القوى السياسية الى حشد عدتها وعديدها، وكل يوم يتكشّف أكثر فأكثر السقوط المدوي لقانون انتخابي أريد له ان يشكّل فرصة إصلاحية وتصحيحية للتمثيل، وكذلك سقوط قوى السلطة في ادارة الدولة، ونجاحها لا بل تفوّقها في التأسيس لدولة مزرعة مشوّهة، فاقدة لكل معانيها. كل هذا التأسيس، يجري فيما المنطقة، ولبنان جزء منها، ترقص على حافة هاوية وتوشك على السقوط فيها، وها هي الصواريخ الاميركية التي تنتظر ساعة الصفر لإطلاقها على الميدان السوري، وسط سيناريوهات خطيرة وتهديدات من الجانب الاميركي والغربي، ومن الجانب الروسي وحلفائه، تنذر بتحويل هذه المنطقة برمّتها ملعباً لاختبارات مصيرية وكارثية.
تكاد السلطة تتباهى بإعدامها قانون الانتخاب، من دون ان يرفّ لها جفن، وامام القاصي والداني أكدت بجشعها وفجعها كم هي مستميتة لإلقاء القبض على القانون والسطو على الانتخابات والانصياع لمحرّماته ومصادرة إرادة الناخبين بالترغيب والترهيب ودجل الوعود.
ولم يعد خافياً انّ السلطة تراكم يوماً بعد يوم، وبلا خجل او رادع، ارتكاباتها أكثر فأكثر حتى صارت اعلى من جبال نفايات اهلها، وبات سيل شعاراتهم الفارغة وطوفان وعودهم الكاذبة أعجز من ان يحجب هذه النفايات التي يفرزها أداؤهم، وروائحها الكريهة التي لوّثت أجواء البلد بالمزاد المفضوحة للرشاوى وشراء الاصوات، والتي يقدم من خلالها المتسلّطون على الدولة والناس شهادة لا لبس فيها على عزمهم وسعيهم الدؤوب للتأسيس لمستقبل مشوّه للبنان، مستقبل على مقاسهم، يتأتّى عنه واقع سياسي مريض وعاجز ومهترىء، ونيابي هَشّ او أخف من وزن الريشة السياسية والتمثيلية، وحكومي مصادر من فئات نافذة ومتحكمة يأكلها فجعها على السلطة وامتيازاتها وعلى الصفقات وبَلع اموال الخزينة وإفقار الناس.
الشكوى… لمن؟
في هذا الجو، صارت الناس معتادة على الشكوى، والمشكلة الكبرى انها لا تجد من تشكو له، خصوصاً انّ ما يفترض ان تشكو له هو من تشكو منه، ولا من يحاسبه على ارتكابات يحاول ان يجعلها القاعدة. وامّا النزاهة والحيادية والشفافية التي يفترض ان يتحلى بها، فيجعلها الاستثناء. وهذا ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول استحقاق انتخابي يديره من فقد الناس الثقة به ويسخّر بعض أجهزته الادارية والامنية في خدمة هذا المرشّح وذاك لقاء إكراميّات وحفنة من الدولارات.
باتَ من الضروري ان تعرف الناس كل الحقائق، تعرف انها تتعرض للالغاء والتهميش على يد فئة من السياسيين تستميت لاختزال التمثيل بمحاسيبها وأزلامها، وشطب كل من وما يمتّ الى تاريخ نظيف في لبنان، صار على الناس ان تعرف من يحاول ان يجعل لكل مواطن سعره الرخيص وشراء صوته، لا بل شراء مستقبله ببضع دولارات، وبتعليقه على حبل طويل من الشعارات التي فقدت صلاحيتها وصارت مقيتة ومُخجلة، ومن الوعود الكاذبة بالتوظيف او التوزير وبإغداق المكرمات عليه بعد الانتخابات.
أزلام وأتباع
صار من حق الناس ان تعرف انّ السكوت على ارتكابات هؤلاء لم يعد ممكناً ولا جائزاً. صار من الضروري ان يعرفوا ما يقوم به بعض الاتباع، الذين يقدّمون يوميّاً شواهد فاضحة على استزلامهم واسترضائهم لبعض المرجعيات والمستويات السياسية، والمثال هنا ما يقوم به جهاز أمن الدولة، من ضغوط وتهويل وتهديد للناس، وبتوجيه مباشر من قيادته، التي قدّمت شهادة صريحة بأنها لا تحترف سوى نقل البارودة من كتف الى كتف.
هذه القيادة، أكدت بأدائها انها ليست مؤهلة لتكون على رأس جهاز امن الدولة الذي ينفذ مهامه انطلاقاً من روح الدستور اللبناني، ويكرّس لذلك هدفاً وحيداً هو حماية لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات، ويلتزم ضمن هذا الاطار مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، ويؤمن أنّ الجميع هم سواء أمام القانون، فيصون حريتهم الشخصية، وبالتالي لا يأتي أداؤه إلّا وفقاً لأحكام القانون وليس وفقاً لمشيئة هذا الفريق او ذاك.
ولكن هذه القيادة، يبدو انها تحاول ان تخلع عن هذا الجهاز ثوبه، وتلبسه ثوباً آخر يستجدي استرضاء هذا وذاك من السياسيين، ثوب تديره عقلية ميليشياوية تحوّل مراكز امن الدولة مكاتب انتخابية، وتسخّر العناصر في مواجهة الناس وعاملاً ضاغطاً عليهم ومتدخّلاً في أبسط شؤونهم، ومهدداً لهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لقد حاولت «الجمهورية» ان تسلّط النظر على الشكوى المتعالية لدى الناس، وعلى مكامن الخلل والثغرات الفاضحة التي برزت في الطريق الانتخابي، والدور المريب الذي يمارسه جهاز امن الدولة بقيادته الحالية. الّا انّ المثير انّ قيادة هذا الجهاز، وبدل ان تتّعِظ وتقرّ بما صنعت وتسبّبت من خلل وثغرات، وتستدرك خطأها او خطاياها التي ارتكبتها، هربت الى الامام، ونسيت هويتها الامنية، او بالأحرى نسيت موقعها كموظف محكوم بأصول وقوانين، ونصّبت نفسها طرفاً سياسياً، ناطقاً باسم طرف سياسي بكلام واتهامات لسياسيين، تَحطّ من قيمة جهاز أمن الدولة وقدره ومعنوياته، قبل ان تُسيء للآخرين.
جهاز مسيّر بـ«الريموت»!
من العيب ان يوضع جهاز امن الدولة في خدمة طرف سياسي، ايّاً كان هذا الطرف ومهما علا شأنه، هناك اصول وقوانين ينبغي الانصياع لها، ومن العيب اكثر ان يكون هذا الجهاز بقيادته الحالية «فاتح على حسابو»، والعيب الاكبر إن كان هناك في الدولة من يغطّيه، ويؤمن له الحماية السياسية، ويمدّ له الحبل على غاربه. وإن صحّ ذلك، فهنا المصيبة اكبر.
وبصرف النظر عن مشغّليه السياسيين، فإنّ هذا السلوك غير المسبوق، الذي قدمته قيادة جهاز امن الدولة، يعطي مثالاً عن الفلتان الوظيفي، وعن الفساد في الدولة، ويؤشّر الى حجم الاستهتار بهذا الجهاز الامني ومحاولة جعله فرعاً تابعاً لطرف سياسي مسيّراً بـ «الريموت كونترول»، ومنفّذاً رغباته وأوامره وأداة طيّعة وغب الطلب في يده لتنفيذ سياساته. كما انّ هذا السلوك يوجِب دق جرس الانذار لحماية هذا الجهاز من قيادته، التي قدّمت وما زالت تقدّم أداء مريباً يستوجب المساءلة والمحاسبة لدى الجهات المختصة في الدولة.
ريفي
وتعليقاً على تجاوزات «جهاز أمن الدولة» وتدخله في الانتخابات، يقول وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي لـ»الجمهورية»: «نبهنا السلطة مراراً من استعمال الوسائل غير المشروعة في الانتخابات، ونرى اليوم انها مستمرة في صرف النفوذ بكل الاشكال من توظيفات وتسخير للوزارات والادارات لشراء الذمم، والأخطر استعمال بعض الاجهزة للضغط على المواطنين. لقد سبق وتوجهت الى بعض الاجهزة بكل صراحة وناشدتهم ان لا يكونوا اداة للسلطة، فواجبهم هو حماية الامن وتأمين سلامة الانتخابات، وليس ترهيب المواطنين للتأثير في العملية الانتخابية».
ويضيف: «يتعرض مناصرونا كما يتعرض مناصرو قوى سياسية معارضة لحملة من الضغوط، ويطلب اليهم ان يغيروا إقتناعاتهم تحت طائلة التضييق عليهم، كذلك تكلف السلطة بعض الاجهزة الضغط على رؤساء واعضاء المجالس البلدية، وهذا سيؤدي الى ردة فعل عكسية، لأن السلطة تستغل النفوذ بشكل واضح، واركانها تقاسموا الحكومة والوزراء المرشحون للانتخابات يتصرفون وكأن الوزارات غرف عمليات انتخابية، كذلك الرؤساء حولوا المقرات الرسمية الى مقرات لإدارة حملاتهم الانتخابية وكل ذلك نضعه بتصرف هيئة مراقبة الانتخابات والهيئات الدولية المعنية بمراقبة نزاهة الانتخابات.
وقال: نسجل امام اللبنانيين والرأي العام العربي والدولي ان هذه الحكومة تفتقد للحيادية وان هذا العهد يغطي التدخل في سلامة ونزاهة العملية الانتخابية.
الى القمة
على صعيد داخلي آخر، يتوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري والوفد المرافق على متن طائرة واحدة الى السعودية، للمشاركة في القمة العربية الدورية السنوية التاسعة والعشرين التي تبدأ أعمالها غداً في الدمام.
وستكون لرئيس الجمهورية كلمة في القمة، على ان يعود في ختام أعمالها مساء اليوم نفسه الى بيروت، ومنها يسافر قبل ظهر الاثنين الى قطر للمشاركة في افتتاح المكتبة الوطنية تلبية لدعوة من امير قطر تميم بن خليفة آل ثاني.
من جهته، سيبقى الحريري في المملكة للمشاركة في المناورات العسكرية التي تشهدها، بمشاركة عدد من الدول الحليفة الى جانب الملك سلمان بن عبد العزيز.
المنطقة… غليان
غليان المنطقة لم يهدأ بعد، بل ينحى في اتجاه اكثر سخونة، وهو ما تؤشّر اليه الوقائع المرتبطة بالتهديدات الاميركية بتوجيه ضربة عسكرية الى سوريا ونظام بشار الاسد، واللهجة المتصاعدة من الجانبين الاميركي والروسي. اضافة الى التحركات العسكرية التي باتت ملحوظة في البحر والقواعد العسكرية، وكذلك الجو الاحترازي الذي بات مشهوداً في سوريا من خلال إخلاء جيش النظام لقواعد ومراكز حساسة، وكذلك الاخلاءات التي قام بها حلفاء النظام لمراكزهم وقواعدهم ومن بينها قواعد ومراكز «حزب الله»، الذي لوحظ انه اعتمد في الفترة الاخيرة سحباً تدريجياً لعناصره من المناطق والمواقع المهددة بالاستهداف.
واللافت للانتباه لبنانياً، حركة اتصالات مكثفة تجري على مستوى رفيع في الدولة في اتجاهات دولية مختلفة لجلاء الصورة الحقيقية لِما يجري. وبرز في هذا السياق «تقرير» وصِف بغير الرسمي، ورد الى بعض المراجع في الدولة، وفيه قراءة تقديرية للموقف في ظل التطور الاميركي حيال سوريا.
وكشفَ مرجع سياسي مضمون خلاصته لـ»الجمهورية»، والتي ورد فيها «انه ببضع تغريدات، دفع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالصراع مع روسيا، وليس سوريا، إلى نقطة الذروة ووضع العالم على تخوم حرب يصعب التوقّع بنتائجها الكارثية، وبات العالم بأسره مترقّباً للحظة التي تصدر فيها أوامر إطلاق «الصواريخ الذكية».
ويشير التقرير الى أنّ الاتصالات الديبلوماسية تتسارع على أكثر من خط، لاحتواء الموقف الخطير، في ظل هامش قليل من الوقت المتبقّي أمام ضربة عسكرية مدمّرة. وعليه، فإنّ المشهد العام يتحرك حالياً على وقع أربعة سيناريوهات:
السيناريو الأول، ان تتمكن الاتصالات الديبلوماسية من التوصّل الى تفاهمات، إنطلاقاً من تجارب سابقة.
السيناريو الثاني، مرتبط بالعمل العسكري الأميركي، وهو الأكثر ترجيحاً، ويقوم على إطلاق صواريخ «توماهوك»، في وقت واحد، أو على دفعات، على أهداف «أقل من كبيرة»، بمعنى أنها تتجاوز في بنك أهدافها الهجوم الأميركي في العام الفائت على مطار الشعيرات، ثم يعلن ترامب عن إنجازه المتمثّل في «معاقبة الطاغية بشار الاسد»، ويسير كل شيء بعد ذلك على النحو المعتاد.
السيناريو الثالث، وهو متوسط الترجيح، وأعلى خطراً، ويقوم على أن تستهدف الضربة الاميركية نقاطاً أكثر حساسية وأهمية، بما في ذلك المستشارين العسكريين الروس أو حتى وحدات من القوات المسلحة الروسية، وهو ما يتطلّب رداً كافياً من روسيا من أجل تَجنّب الخسارة المعنوية.
السنياريو الرابع، وهو الأقل ترجيحاً، والأشد خطورة، ويقوم على ضرب المرافق الرئيسية المشتركة بين روسيا وسوريا، بما في ذلك قاعدتي حميميم وطرطوس، ما يعني الحرب الفورية، التي لن يكون هناك مفر منها. ويحدد التقرير في هذا السياق، مجموعة عوامل ترجّح كفّة السيناريو الثاني.
ويلحظ التقرير حرص المؤسسة العسكرية الأميركية على تجنّب الاحتكاك المباشر مع القوات الروسية المتواجدة في سوريا، فيما لو تقررت الضربة. الّا انه يشير في خاتمته الى «انّ المخاطر تبقى قائمة