كان لافتاً في الساعات الماضية الحضور الرئاسي في منطقة جبَيل وافتتاح رئيس الجمهورية ميشال عون مؤتمرَ «المساواة في الديمقراطية»، إلّا أنّه بالرغم من أهمّية هذا الحدث، فإنّ العلامة النافرة التي حجبَته، تجلّت في حرفِ التيار الوطني الحر لهذه الزيارة عن وجهتها، وتوظيفِها انتخابياً، عبر زرعِ كلّ الطرقات المؤدية إلى المنطقة بأعلام التيار وتسييرِ قوافل سيارات ترفع صوَر مرشّحي «التيار».
واللافت أنّ هذه الصوَر، بَعثت الامتعاض لدى أهالي تلك المنطقة، من استغلال الزيارة انتخابياً، وهو ما تجلّى بعدها في محاولة من قبَل مناصري التيار لاستثمار الزيارة بوصفها إشارةً رئاسية لاستنهاض الناس بحضوره شخصياً إلى هذه المنطقة في لحظة انتخابية حسّاسة.
وسجّلَ بعض أبناء تلك المنطقة مأخذاً على الرئاسة الأولى، وأكدوا أنّ الحيادية هي التي كان يجب أن تُعتمد، وكان الأجدر إبعاد الزيارة عن كلّ ما يمكن ان يحيطها بشبهة انتخابية. وقالوا: إن لم توجد نيّة لاستغلال قدوم عون إلى جبيل لافتتاح المؤتمر، فلماذا لم يتمّ الإيعاز إلى المناصرين والمؤيدين بعدم رفعِ الصور العملاقة وتسييرِ المواكب والتجمّع، أو على الأقلّ التشديد عليهم بالاكتفاء بحملِ الأعلام اللبنانية وصورِ الرئيس، من دون رفعِ أعلام «التيار» وصورِ المرشّحين»؟
على أنّ ما لفت الانتباه أكثر، هو ما قاله رئيس الجمهورية في كلمته خلال الافتتاح، حيث دعا إلى «الفصل بين العمل النيابي والوزاري، بحيث لا يكون من أوكِل إليه محاسبة الحكومة إذا أخطأت هو نفسُه عضواً فيها».
ورأى أنّ «غياب المحاسبة هو الذي أدّى إلى استشراء الفساد واهتراء مؤسسات الدولة»، ولفت الى أن «كلّما تعزّز دور مجلس النواب وتصلّبَ القضاء في أحكامه على الفاسدين، اقترَبنا من نموذج النظام الديمقراطي». وأشار الى أنّ «مبدأ المساواة لا يمكن أن يطبَّق في لبنان بشكل صحيح ومُرضٍ طالما إنّ نظامنا الطائفي هو الذي يحدّد هوية الأشخاص في مواقع ومراكز معيّنة ولا يتيح المساواة في تنافسِ الكفاءات».
المادة 49
على صعيدٍ آخر، وقّع رئيس الجمهورية قانونَ الموازنة للعام 2018 وأحاله للنشر، لكنّ البارز في هذا السياق كان إعلانه أنه سيَطلب من مجلس النواب إعادةَ النظر في المادة 49 من قانون الموازنة التي أثيرَت حولها اعتراضات ومخاوف، خصوصاً من المرجعية المسيحية، كونها تستبطن توطيناً للفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان. وأشار عون الى أنه سيوجّه رسالةً بهذا المعنى إلى المجلس. بحيث تأتي إعادة النظر تأسيساً على سلسلة من الملاحظات التي وضَعها رئيس الجمهورية والتي يمكن ان تشكّلَ ضمانات أقوى لمنع استغلال هذه المادة وتسخيرها لتوطين أيّ أجنبي من أيّ جنسية كان.
بعبدا
وقالت مصادر القصر الجمهوري لـ«الجمهورية»: أمام المجلس النيابي مهلة شهر كامل من ولايته وهو بكامل صلاحياته التشريعية للبتّ بالرسالة، وبإمكان رئيس المجلس وفور تسلّمِه رسالة رئيس الجمهورية في الأيام القليلة المقبلة الدعوة الى جلسة عامة تُتلى فيها الرسالة والرد عليها سلباً أو إيجاباً. فالأسباب الموجبة التي سيَتسند إليها رئيس الجمهورية في رسالته يمكِن اعتبارها أسباباً وجيهة تدعو الى تعديل هذه المادة وإعادة النظر في مضمونها، وخصوصاً في المرحلة الحالية التي تعيشها البلاد وعلى أرضها ما يفيض على ثلثِ الشعب اللبناني من نازحين ولاجئين غير لبنانيين.
النازحون
شَهد لبنان أمس، حدثاً بارزاً تجلّى في مغادرة دفعةٍ من النازحين السوريين الأراضي اللبنانية في اتّجاه سوريا.
وعلى محدودية العدد الذي بلغ قرابة 500 نازح سوري، غادروا بلدة شبعا على متن 15 حافلة كبيرة، في اتجاه منطقة بيت جن السورية، فإنّه يُنعش الأملَ في إمكان وضعِ هذا الملف جدّياً على سكة إنهائه بما يَفتح الطريق أمام إعادة مئات الآلاف من النازحين الى سوريا، في الوقت الذي يعلن فيه النظام السوري عن أنّ مناطق واسعة في سوريا صارت في دائرة الأمان، الأمر الذي لا يمنع من بدءِ عودة النازحين إلى الأماكن التي قدِموا منها.
إبراهيم
وقال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ»الجمهورية»: «هي الخطوة الأولى من الألف ميل على طريق عودة النازحين الى سوريا بَعد استقرار الوضع في عددٍ كبير من المناطق، وهذه العودة مرتبطة بعوامل عدة، أهمُّها: عودة المناطق الآمنة وإنجاز المصالحات السورية ـ السورية. هذه العودة تمَّت بتنسيق ما بين السلطات السورية والعائدين أنفسِهم، وهذا التنسيق ظهر اليوم من خلال الاحتياجات اللوجستية التي تأمَّنت للنازحين الذين قرّروا العودة.
أضاف: جهاز الأمن العام كانت له مهمّة تأمين إدارة سير العملية لوجستياً وأمنياً مِن المناطق اللبنانية حتى الحدود السورية. والحديث عن فرزِِ طائفيّ أو ديموغرافي هو غير صحيح على الإطلاق، فالسوريون عادوا إلى بلداتهم وبيوتهم بملء إراداتهم بعدما أصبحت مناطقهم آمنة، ونحن بدورنا سنؤمّن كلّ عملية عودة بعد التنسيق بين السلطات السورية والراغبين بالعودة».
العودة الطوعية
وبحسب مصادر مواكِبة لهذا الحدث، فإنّ هذه الخطوة جاءت بتنسيق بين السلطات اللبنانية والسورية، وبإشراف الأمن العام اللبناني، وهي تفتح الباب مجدّداً لإنعاش احتمالات «العودة الطوعية»، في ظلّ تحسّنِ الأوضاع الأمنية في العديد من المناطق داخل سوريا. علماً أنّ هذه الخطوة هي واحدة من سلسلة خطوات مماثلة ومتلاحقة في الفترة القريبة المقبلة، مع الإشارة إلى أنّ العودة الطوعية للنازحين قد بدأت فعلاً منذ فترة وبشكل يومي، حيث يسجّل خروج بين 200 و300 و500 نازح يومياً. على أنّ المصادر نفسَها تؤكّد وجود معوقات عدّة تَحول دون تحديد العدد الدقيق للنازحين العائدين، خصوصاً أنّ جزءاً كبيراً منهم متواجد على الأراضي اللبنانية، وليس مسجّلاً كلاجئ، عدا عن أنّ الآلاف دخلوا لبنان خلسةً ولم يقوموا بتسوية أوضاعهم القانونية».
وإذ أشارت المصادر إلى أنّ هذه الخطوة تأتي على مسافة أيام من مؤتمر «بروكسيل 2» الذي ينعقد نهاية الشهر الحالي لمساعدة الدول المضيفة للنازحين ومِن بينها لبنان، إلّا أنّها عبّرت عن مخاوفها من ربطِ المساعدات الدولية بإطالة أمدِ النازحين على الأراضي اللبنانية. علماً أنّ لبنان لم يحصل من المساعدات الخارجية ربطاً بأزمة النازحين سوى الفُتات. وذلك على الرغم من الآثار السلبية التي أرخاها هذا الملف في ظلّ القدرات المحدودة للدولة، فضلاً عن أنه ألقى بثِقله على العلاقات الاجتماعية، وفاقمَ المشكلات على كلّ الصعد.
وقال مسؤول معنيّ بملفّ النازحين لـ«الجمهورية» إنّ معظم النازحين السوريين لديهم الرغبة في العودة إلى بيوتهم في سوريا، لكنّهم يدركون أنّ هذا أمرٌ متعذّر في ظلّ انقسام اللبنانيين حول هذا الأمر بين فريق يطالب بالتنسيق الجدّي والفعلي بين الدولتين السورية واللبنانية، وبين فريق رافضٍ لهذا الأمرِ محيلاً المعالجة على المجتمع الدولي. وفي ظلّ هذا الوضع لبنانُ عالق بين الشاقوفين، خصوصاً أنّ أولويات المجتمع الدولي في مكانٍ آخر وما زالت بعض الدول تصرّح علانية بأنّ الوضع في سوريا ليس مستقراً، وهو كلام لا نرى ما يوجبُه، خصوصاً وأنّه قابلٌ للتفسير بأنّ استمرار القول بأنّ الوضع في سوريا ليس مستقراً معناه الحدّ مِن العودة الطوعية أو غير الطوعية للنازحين، ودعوةٌ غير مباشرة لبقاء النازحين في أماكنِ نزوحهم.
صيّاح
إلى ذلك، رحّبت البطريركية المارونية بعودة قسمٍ من النازحين القاطنين في شبعا إلى بلداتهم. وأكّد النائب البطريركي العام المطران بولس صياح لـ»الجمهورية» أنّ هذه الخطوة إيجابية، ونتمنّى عودة كلّ مهجّر إلى وطنه وبلدته وأهله، لأنه يكفي النازحين معاناة.
وشدَّد على أهمّية معالجة ملفّ النزوح، مبدِياً أسفَه لأنّ جميع السياسيين مشغولون بالانتخابات، ولا يعطون هذا الملف الأهمّية اللازمة.
ورأى أنّ الدولة غارقة في الفساد ولا تقوم بواجباتها في هذا الشأن، فلبنان لم يعُد يتحمّل هذا الكمَّ الهائل من النازحين، ويجب التحرُّك سريعاً.
وأكّد أنّ المجتمع الدولي غيرُ مبالٍ بأزمة النزوح، ولن يتدخّل لحلّها، بل يجب على اللبنانيين أن يفتّشوا عن الحلول ولا يتّكِلوا على الدول الكبرى.اللواء ابراهيم لـ»الجمهورية»: بدأت الخطوة الأولى
من الألف ميل على طريق عودة النازحين
المطران صياح لـ»الجمهورية: الدولة غارقة في الفساد
ولا تقوم بواجباتها فيما لبنان لم يعد يتحمّل هذا الكمّ الهائل من النازحين