لم تمض عطلة العيد على خير سياسي، بل تحولت بشكل مفاجىء الى منصة حربية أشعلت «حرب التغريدات» بين «التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي، تبادل فيها الطرفان نيراناً سياسية قاسية وزخّات من الاتهامات والاوصاف العنيفة، رفعت العلاقة المتوترة أصلاً بينهما الى مستوى عال من التوتر، قبل ان تخفف من وطأتها وتحد من اتساعها وساطات «سُعاة الخير»، ولكن من دون ان يتمكن هؤلاء من إطفاء الجمر الذي ما يزال تحت رماد قصر بعبدا ودار المختارة، والذي يُنذر باشتعال متجدد في اي لحظة، نظراً الى عمق التباين بين الطرفين، واحتدام الاشتباك بينهما على خط التأليف وما يتصل بالتمثيل الدرزي في الحكومة.
ما جرى صبيحة العيد عَكّر المزاج السياسي بشكل عام، وألقت تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط حول «العهد الفاشل»، وردات الفعل القاسية التي قابلتها، جمرة على الحلبة السياسية، واضافت مزيداً من الارباك والغموض على خط التأليف «المجمّد» بلا اسباب معلنة، وهددت بإعادة خلط الاوراق الداخلية ورسمت علامات استفهام حول موجبات إشعال الجبهة السياسية في هذا الوقت بالذات، وكذلك حول المستفيد من هذا التأزيم الذي عبّرت مستويات سياسية رفيعة المستوى، عبر «الجمهورية»، عن خشيتها من وجود محاولة لإدخال البلد في ازمة سياسية يصبح معها تأليف الحكومة أكثر استعصاء.
وعلمت «الجمهورية» انّ خراطيم إطفاء الازمة المتجددة بين بعبدا والمختارة، جرى مَدّها من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر اتصالات في اتجاهات مختلفة سعياً لنزع فتيل التفجير السياسي، وكذلك من قبل الرئيس المكلّف سعد الحريري الموجود خارج البلد، عبر اتصالات مماثلة خصوصاً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقيادة «التيار الوطني الحر» وجنبلاط. وكان للوزير غطاس خوري دور في هذا المجال. كذلك اتصل الحريري بالوزير علي حسن خليل ودعاه الى الانتظار ليكتمل عقد حضور المعنيين بمرسوم تعيين القناصل الفخريين لتسوية مسألة توقيعه على المرسوم، خصوصاً انّ وزير الخارجية جبران باسيل كان خارج لبنان وسيعود مساء اليوم الى بيروت. وتوازت حركة الاتصالات هذه مع حركة اتصالات تبريدية غير معلنة بين «حزب الله» و«التيار» وأطراف سياسية اخرى.
في هذا الوقت، تضج الأوساط السياسية بكلام كثير متناقض حول اسباب داخلية تعطيلية للتأليف، وكذلك خارجية. بالتزامن مع حركة خارجية تصبّ في السياق الحكومي، حيث ذكرت مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الجمهورية» انّ باريس فاتحَت الرياض في مسألة المفاوضات الجارية لبنانياً لتأليف الحكومة، غير انه لم يتم تبنّي وجهة النظر الفرنسية المبنية على تَمنّ داخلي لبناني، وهذا الامر سيكون له ترجماته علماً انّ «التيار الوطني الحر» ربط موقف جنبلاط وانتقاده «العهد الفاشل» منذ اللحظة الاولى»، بزيارة الاخير الى السعودية.
بري
وقالت مصادر رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية»: «انّ الضرورة باتت تحتّم تشكيل الحكومة في اقرب وقت، وعدم تضييع اي دقيقة في هذا السبيل، علماً انّ بلدنا على حافّة هاوية والاقتصاد يُنذر بمخاطر كبرى قد لا يستطيع البلد ان يتحمّلها. دعونا ننصرف الى التأليف، وعدم إدخال البلد في اي تقاصف سياسي او غير ذلك».
«المستقبل»
وعبّرت اوساط تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» عن أملها في أن يسود الوئام مجدداً على خط بعبدا ـ المختارة، مُستبعدة في الوقت نفسه ان يؤثر ذلك على مسار التأليف الذي رسمه الرئيس المكلّف، ويفترض ان يتبلور اكثر في الايام المقبلة. ووصفت «الكلام عن تأخير متعمّد من الحريري في التأليف، بكلام سخيف لا يمتّ الى حقيقة الامر بصِلة، ولا الى العمل الدؤوب الذي يقوم به الحريري وسيستكمله مع عودته الى بيروت فجر اليوم في سبيل توليد حكومته في أقرب وقت».
وفي هذه الأجواء كشفت مصادر مواكبة لحراك الحريري لـ«الجمهورية» انّ الرئيس المكلّف قام بزيارة تهنئة بعيد الفطر الى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وقد حضر الى السعودية آتياً من موسكو برفقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الطائرة الأميرية، عقب انتهاء حفل افتتاح المونديال ومباراة روسيا والسعودية.
سبب التعطيل
وفي هذا المجال، أوحى مسؤول كبير لـ«الجمهورية» وكأنّ سبب تعطيل التأليف خارجي، ولكن من دون ان يحدّد مصدره او هويته. وقال: «بحسب معلوماتي لا يوجد قرار بالتعطيل من الداخل، وإن كانت مطالبات القوى السياسية بالنسبة للحكومة فيها شيء من التعجيز، والمطالبات أمر طبيعي يحصل دائماً في بازار التأليف حيث تحاول القوى السياسية رفع سعرها وحصّتها في الوزارات ونوعيتها. كلّ ذلك لا يمكن اعتباره عاملاً تعطيلياً من الداخل، وعدم وجود هذا العامل يجعلنا نفترض انّ سبب التعطيل خارجي».
ورداً على سؤال حول «المعطّل الخارجي»، قال: «لا توجد معلومات يقينية حتى الآن حول هذا الموضوع، ولكننا لا نرى جديّة خارجية حقيقية في تشجيع اللبنانيين على تشكيل حكومة. وفي اي حال، عودة الرئيس الحريري وحركته المرتقبة هي التي ستحدّد الخيط الابيض من الخيط الاسود، وثمّة إشارات اطلقها أخيراً حول نيّته بتزخيم حركة التأليف بعد العيد».
هدنة هشّة
وفي وقت بَدا انّ الامور بين بعبدا والمختارة دخلت في اتفاق غير معلن لإطلاق النار، الّا انّ الصورة الميدانية لـ«التيار» و«الاشتراكي» تَشي بـ«هدنة هشّة»، خصوصاً أنّ الطرفين على سلاحيهما، فضلاً عن انّ العقدة الدرزية، التي كانت إحدى مسبّبات الاشتباك، ما تزال على حالها حيث يتمسّك الطرف العوني في توزير النائب طلال ارسلان فيما يتشدّد جنبلاط في المقابل بمطلبه بالحصول على الحصة الدرزية «الثلاثية» كاملة في الحكومة، ووضع فيتو على تواجد إرسلان تحديداً في الحكومة «لانتفاء المعيار الميثاقي في توزيره».
وقالت مصادر إشتراكية لـ«الجمهورية»: «انّ الحزب التقدمي لم يكن البادىء في الاشتباك مع «التيار»، بل انه كان دائماً في موقع المتلقّي للسهام والافتراءات ومحاولات التحجيم من قبل بعض الرؤوس الحامية في تيّار جبران باسيل. وفي اي حال، قرارنا ألّا نسكت، وألّا نسمح لأي محاولة من هذا النوع لأن تمرّ على حسابنا او تتجاوزنا وتقفز فوق حضورنا وحجمنا. قلنا ما لدينا ولا تراجع عنه، خصوصاً في ملف التأليف، حيث كشفوا عن حقيقة توجههم وتبيّن انّ هناك من يريد إحراجنا لإخراجنا، ونؤكد مجدداً انهم لن يتمكنوا من ذلك، خصوصاً أولئك الذين يحاولون التفرّد بالبلد وقيادته نحو الوجهة التي يريدونها، ومحاولة تصغير أحجام وإلغائها وتكبير أحجام غير موجودة اصلاً، فقط لأنّ اصحاب هذه الاحجام الصغيرة صاروا من التابعين لهم».
كنعان
في المقابل، اكد امين سر تكتل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية» انّ «إطلاق النار على رئيس الجمهورية لم يتوقف لا بل تصاعَد، وإن أخذ اشكالاً وعناوين مختلفة، لكنّ الهدف واحد وهو شلّ حركة الرئيس وإدخال العهد في مرحلة من المراوحة القاتلة تحدّ من قدرته على مواجهة الاستحقاقات الخارجية والداخلية، ومنها ملف عودة النازحين السوريين وتأليف الحكومة والشروع بالاصلاحات الضرورية دولياً بعد موتمري روما وباريس، وداخلياً بعد الانتخابات النيابية الاخيرة. وهذا بالطبع لا يخدم اي مصلحة لبنانية، بل يريح البعض في الداخل والخارج ويشتّت الانظار عن الاولويات الوطنية التي سعى لها لبنان وحقّق بعضها بعد الانتخابات الرئاسية».
وشدّد كنعان على «انّ الردّ الوحيد المجدي بوجه هذه المحاولات القديمة – الجديدة يبقى بتأمين اكبر مروحة ممكنة من الاجماع اللبناني على مطالبة المجتمع الدولي بعودة النازحين الى بلادهم، كذلك على الشروع فوراً بتأليف الحكومة من خلال اعتماد معايير ديموقراطية واحدة للجميع، ما يقطع الطريق أمام المتضررين داخلياً وخارجياً من التسوية اللبنانية والحلّ اللبناني فينجح العهد كما هو حاصل حتى الآن، ويفشل المبشّرون بالفشل، وهذا ما سيحصل في الأيام القليلة المقبلة».
«لبنان القوي»
بدورها، أبدت مصادر تكتل «لبنان القوي» لـ«الجمهورية» اعتقادها بأنّ التأليف يفترض ان يأخذ طريقه الى الحسم الاسبوع المقبل. وجَدّدت موقف «التكتل» المعلن «بعد خلوة زحلة، والرافض منطق عزل اي طرف، وتمثيل الجميع وفقاً لاحجامهم النيابية». وقالت: «لذلك، على الحزب التقدمي الاشتراكي الإقلاع عن ممارسة الابتزاز السياسي بهدف احتكار الساحة الدرزية بإقصاء النائب طلال ارسلان، كذلك على «القوات اللبنانية» ان توازن تمثيلها بحجم كتلتها النيابية، فاعتماد معيار واحد للتأليف يسقط الاستنسابية الّا اذا كان هناك أجندات اخرى لا علاقة لها بالحكومة».
«القوات»
من جهتها، اوضحت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ المفاوضات ستُستأنف بزخم وباندفاعة متجددة هذا الاسبوع، وقالت: «العقد باتت معروفة ومحددة، وكل القوى السياسية تدرك أنّ تأخير التأليف سيؤدي الى نشوب أزمات سياسية تعقّد الوضع فيما الجميع يستعجل التأليف». واعتبرت «انّ الكلام عن تأخير متعمّد ومقصود لا اساس له من الصحة، والرئيس المكلف لا يزال ضمن الفترة الطبيعية للتأليف، وهو يبذل اقصى جهده بغية تشكيل الحكومة العتيدة، إنما لا يمكن الاستهانة بحجم العقد الموجودة على رغم انها محددة ومعلومة، لكنها تستلزم اتصالات ومشاورات ولقاءات، الأمر الذي يحصل ويتم، و«القوات» على بَيّنة من هذا الامر من خلال تواصلها مع الرئيس المكلف ومع رئيس الجمهورية. لذلك، تبادل الافكار حاصل والعقد لم تعالج نهائياً بعد، إلّا أنّ هناك تفهّماً لرؤية «القوات» ولوزنها داخل الحكومة، إن على مستوى رئيس الحكومة او على مستوى رئيس الجمهورية. فالامور تتقدم بشكل ثابت، وهناك بعض التفاصيل التي نعمل على متابعتها. لا يمكن القول انّ كل شيء انتهى، ولكن لا يمكن القول انّ الطريق مقفلة، فالأمور تسير بشكل جيد، رغم انّ الصورة العامّة قد تبدو للبعض معقدة. إنما الاتصالات وراء الكواليس تجري على قدم وساق رغم عطلة العيد، والمشاورات قائمة على امل ان تتوضّح الصورة أكثر فأكثر في الاسبوعين المقبلين».
ملف النازحين
وفي هذه الاجواء، ظل ملف النازحين السوريين ضاغطاً، واستبعدت أوساط مراقبة معالجته من دون وجود حكومة، نظراً الى الحساسيات القائمة بين الاطراف الاقليمية، ونظراً لكون هذا الملف ليس له بعد سوري ـ لبناني فقط إنما بعد طائفي في لبنان.
وعلمت «الجمهورية» انّ سفراء الدول المانحة أبلغوا الى الدولة اللبنانية بأنّ مفعول قرارات مؤتمر «سيدر» غير مفتوحة في الزمن، ولا بد للبنان ان يشكّل حكومة متوازنة يرتاح اليها المجتمع الدولي لكي يأخذ المؤتمر مفعوله في الاشهر المقبلة، خصوصاً انّ البنك الدولي وضع اكثر من تقرير حول خطورة الوضع الاقتصادي في البلاد، وينتظر الاصلاحات لكي يمدّ لبنان بالهبات والقروض.
ابراهيم لـ«الجمهورية»
في سياق متصل، لاحظ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم «انّ هناك إقبالاً لدى شريحة واسعة من النازحين السوريين على العودة»، مرجّحاً «ان تكبر العودة تباعاً ككرة ثلج ستتدحرج على رؤوس اصحاب المصالح ممّن يحاولون تعطيل هذا المسار». وكشف في سياق آخر انّ «الأمن العام سينجز هذا الاسبوع مهمة التدقيق في الاسماء الواردة في مرسوم التجنيس، وحصيلة المسح حتى الآن تُظهر انّ أسماء عدة مُنحت الجنسية يجب ان تُشطب لأسباب أمنية وقانونية». (راجع ص 5)