فجأة حلّ التفاؤل وفجأة تبخّر في مسألة تأليف الحكومة. ظلت العقد على حالها، وعاد التوتر بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» الى الواجهة مجدداً، مترافقاً مع أعنف هجوم عوني على «القوات».
في هذه الأجواء، بَدا رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل متشدّداً في مقاربته لكيفية توزيع الحصص المسيحية، وسط شعور لديه بأنّ رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع «انقلبَ على العهد، وبالتالي لم يعد يستحق أن نمنحه هدايا وزارية على غرار ما حصل في المرة السابقة». ونقل عن باسيل قوله في مجلس خاص: «على القوات ان تعرف انّ زمن العطاء المجاني قد انتهى…».
واتهم مصدر قيادي في «التيار»، «القوات» بـ«أنها أخَلّت بالتزاماتها ونكثت بالاتفاق، بعدما تحوّلت من داعم مفترض لرئيس الجمهورية الى متهجّم عليه»، مشيراً «الى انّ أهم «إنجازات» معراب و«مآثرها» بعد حصول المصالحة تمثّلت في اتهامنا زوراً وبهتاناً بالفساد، والتحريض على إسقاط سعد الحريري وحكومته قبل أشهر لإرباك العهد وإضعافه، ومحاولة تأليب الاميركيين على الجيش اللبناني، والطعن في مرسوم التجنيس الذي يحمل توقيع عون، والتَنكّر لحق الرئيس في الحصول على كتلة وزارية وفي اختيار نائب رئيس الحكومة». وتساءل المصدر: «هل المطلوب منّا بعد انقلاب «القوات اللبنانية» على جوهر الاتفاق السياسي معنا ان نقبل بإعطائها حصة وزارية منتفخة حتى تستخدمها ضدنا وضد العهد»؟
واعتبر انّ «القوات» يجب ان تتمثّل بثلاثة وزراء في الحكومة المقبلة «إذا جرى اعتماد المعايير الموضوعية والمنصِفة في التأليف». (التفاصيل ص 5)
سجال «تويتري»
وترافق ذلك مع سجال تويتري بين وزير العدل سليم جريصاتي ونائب «القوات» جورج عقيص على خلفية دور الاول في القضاء، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على السجال بين وزيري الطاقة سيزار ابي خليل والشؤون الاجتماعية بيار ابو عاصي على خلفية قضية النزوح السوري.
ودخل الوزير غسان حاصباني على خط السجال، فقال مغرّداً: «مَن عرقل عمل العهد وَشوّه صورته هو مَن تقدّم بمناقصات ملتبسة وأصرّ عليها لمدة سنة. ومَن حاول الحفاظ على صورة العهد هو نحن، عن طريق تصحيح مسار تلك المناقصات والتمسّك بالمعايير القانونية التي تشكل خريطة الطريق التي أرادها العهد لنفسه».
تفاؤل غير حقيقي
في هذا الوقت، قالت مصادر حزبية في 8 آذار لـ«الجمهورية» انّ تيار «المستقبل» هو من سعى الى خلق موجة تفاؤلية، الّا انّ هذا التفاؤل غير حقيقي».
وأضافت: «لقد سعى الرئيس المكلّف يوم الجمعة، بعد سفر المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، الى خلق جو تفاؤلي وبأنه يستطيع تأليف الحكومة خلال 24 او 48 ساعة قبل سفر الرئيس نبيه بري، إنما المشكلة تبقى في العقدة المسيحية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وحلّها ليس على عاتقه، رامياً بذلك الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، لكنّ حقيقة الامر انه لم يكن هناك اي اجواء تفاؤلية والجميع استغرب كيف خُلقت هذه الاجواء، والرئيس المكلّف كان مضطراً للعودة الى لبنان بسبب زيارة ميركل. ولكي لا يستغرب احد هذه العودة، قام بهذا الحراك في بيت الوسط، وزار بعبدا في اليوم التالي وأوحى بأنّ الحكومة قريبة، وخَلق تيار «المستقبل» وإعلامه موجة تفاؤل لم تكن حقيقية».
«المستقبل»
وكان إعلام «المستقبل» نقل مساء امس عن مصادر متابعة انّ الحريري قدّم لرئيس الجمهورية «خريطة طريق لتشكيل الحكومة على قاعدة حفظ حقوق الجميع، وتمثيلهم بما يتناسب مع أحجامهم». واضافت المصادر: «لا أعراف لتشكيل الحكومة خارج العرف الوحيد المتعارف عليه المتعلّق بتوزيع الحقائب الاربع الاساسية، اي الداخلية والخارجية والدفاع والمالية». وأكدت انّ «الجميع يعوّل على حكمة رئيس الجمهورية لتسهيل عملية التشكيل»، مشيرة الى «انّ مهلة تشكيل الحكومة لم تتجاوز المهل السابقة».
بعبدا و«بيت الوسط»
وفي هذه الأجواء بقيت بعبدا تنتظر جديداً من الحريري، وقال زوّارها لـ«الجمهورية»: ليس هناك أيّ موعد للرئيس الحريري في بعبدا، ما لم يكن لديه ما يوحي بوجود تطوّر جديد حيال مجموعة العقد التي باتت تتحكّم بعملية التشكيل التي بقيت على ما هي عليه.
تزامناً، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ العقد المشار اليها ما زالت كما هي، وتتلخص بثلاثة: عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» والعقدة الدرزية وعقدة توزير سنة «8 آذار». فالحريري لن يقبل بمَسّ تمثيله الكامل للوزراء السنّة، ولا يستبدل أيّاً منهم إلّا بوزير واحد يتبادله مع رئيس الجمهورية.
من جهة أخرى قالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية» انّ العقد تجددت، وفسّر كل من نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم إحدى العقد التي ما زالت قائمة، ولا سيما في إشارته الى انّ الحكومة يجب ان تترجم نتائج الإنتخابات النيابية، وهو ما يعني إصرارهم على تمثيل سنّي من خارج «تيار المستقبل».
بري: الحكومة متعثرة
ولوحِظ أمس انّ الاتصالات في شأن الحكومة غابت عن عين التينة بشكل كامل، ولم يسجّل في هذا الاطار أي نشاط لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يعكس أمام زواره اي أجواء تفاؤلية حول قرب تشكيل الحكومة. ونقل عنه انه لم يتلق أي اتصال في موضوع الحكومة بل «أمضيتُ يوماً كما أردته من دون منغّصات».
واشار بري الى انه كان يأمل في ان تولد الحكومة قبل نهاية الاسبوع الماضي، ولكن الامور بَدت عكس ذلك،«فقد وعِدت بإيجابيات، ولكن يبدو انّ الامور وصلت الى مكان حال دون ترجمة هذه الايجابيات وولادة الحكومة».
سُئل اين هي العقدة؟ فأجاب: «العقدة ليست عندنا، بل هي في عهدة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف. أعتقد انّ السبب هو انهما لم يتوافقا بعد على الأحجام، ولم يدخلا في الاسماء. هذه هي حدود المشكلة، ولكن لا اعلم ان كانت هناك اسباب اخرى طارئة وجديدة قد ظهرت على حافة التأليف».
اضاف: «أعود وأذكّر اننا في لقائنا مع الرئيس المكلّف اكّدنا له (كثنائي شيعي) اننا من باب تسهيل تأليف الحكومة، نحن مع ان تبقى لناحية الاحجام كما كان عليه الحال في الحكومة السابقة. ومن هنا كان طرحنا بـ 6 وزراء: 3 لـ«أمل» و3 لـ«حزب الله»، وذلك بمعزل عن حجمنا النيابي الكبير».
يُشار الى انّ بري لم يعدل عن زيارته الخاصة الى الخارج، بل انه سيقوم بها في وقتها المحدد. على ان يغادر لبنان في وقت بات قريباً جداً.
«الحزب»
واستعجل «حزب الله» تشكيل الحكومة في أسرع وقت، وتحدثت معلومات لـ»الجمهورية» عن إطلالة قريبة للامين العام للحزب السيد حسن نصر الله، سيتطرّق فيها الى عدد من المواضيع ومن بينها الشأن الحكومي.
وجدّد نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم المطالبة بحكومة وحدة وطنية، معتبراً انّ الإسراع في تشكيلها مصلحة للجميع، ودعا «إلى تمثيل الجميع بحسب حيثياتهم، وبحسب خصوصيات مناطقهم وعدم الإلغاء».
من جهة ثانية، دعا قاسم الى عودة آمنة للنازحين السوريين، معتبراً انّ الحل الأمثل هو أن تتّفِق الحكومتان اللبنانية والسورية على برنامج منظّم لعودتهم. وقال: «عندها تكون العودة شاملة وضمن برنامج زمني قد يكون لأشهر أو لزمن معيّن، لكن في النهاية يكون ضمن خطة مدروسة».
منصور
ولمس النائب البير منصور تراجعاً في الاجواء التفاؤلية، وقال لـ«الجمهورية»: «عندما يصبح تأليف الحكومة توزيع حصص ومنافع، يصبح تأخير ولادتها امراً طبيعياً بفِعل شد الحبال ومحاولة كل طرف تحصيل اكبر عدد ممكن من الحقائب».
ونصح منصور المعنيين بالتأليف «بتجاوز توزيع الحصص، وحصر المشاكل المطروحة التي تتطلّب معالجة، والتفتيش عن فريق عمل متجانس يستطيع العمل على معالجة المشاكل الاساسية المطروحة».
ونَبّه من تداعيات تأخير ولادة الحكومة، وقال: «صحيح انّ التأليف لا يزال ضمن المهلة الطبيعية، الّا انّ البلاد هي في وضع غير طبيعي، فالأزمات القائمة وخصوصاً الاقتصادية كبيرة جداً، لدرجة تستدعي تضامن الجميع والمعالجة السريعة، وكذلك الازمة الاجتماعية والعجز المالي غير المسبوق ووضع الادارة المهترىء وتردّي الخدمات والدين العام البالغ مئة مليار دولار، كلّ ذلك يهدّد وضع البلد».
من جهة ثانية، رأى منصور بعض المبالغة في توصيف الوضع في منطقة بعلبك ـ الهرمل، وشدّد على انّ المعالجة تبدأ في إنماء المنطقة بشكل جدي، ولاحَظ تراخياً أمنياً، داعياً الاجهزة الامنية الى التعاطي بحزم، «فالمطلوبون معروفون، وطرق التهريب معروفة، وحراميّة السيارات معروفون»، وأكد «انّ الدولة مسؤولة في النهاية، وان لا أحد يقف في وجهها لمنعها من القيام بواجباتها».
الراعي
وفي المواقف، اكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنّ الكل ينتظر ولادة الحكومة الجديدة، وهي مع الأسف ما زالت تتعثر. مشيراً الى انّ «الشعب لا يريدها مؤلفة من أشخاص عاديين لتعبئة الحصص وتقاسم المصالح وإرضاء الزعامات، بل يريدها حكومة مؤلفة من وزراء يتحلّون بالكفاءة التكنوقراطية والمعرفة وروح الرسالة والتجرد والأخلاقية والتفاني».
وقال: «إذا كان لا بد من تمثيل للأحزاب والأحجام، فليكن على هذا المقياس. ويجب عدم إهمال الأكثرية الباقية من خارج الأحزاب والأحجام النيابية، وفي صفوفها شخصيات وطنية رفيعة، يجب أن تكون جزءاً أساسياً في الحكومة العتيدة. وإذا كان لا بد من ألوان سياسية، فاللون المفضّل هو لون الوطن، دولة وشعباً ومؤسسات».