إنقضى أكثر من شهر على التكليف ولم يحصل التأليف، لكنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري حمل الملف الحكومي إلى قصر بعبدا، وخرج منه متفائلاً مِن جهة ومعوِّماً تسوية 2016 التي أوصَلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وأوصلته هو إلى رئاسة الحكومة، من جهةٍ ثانية، ومتحدّثاً عن «حلحلةٍ قريبة» للعقَد التي تعترض ولادة الحكومة. وتترقّب الأوساط السياسية ما سيُعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية اليوم، حول الشأن الحكومي، والتي سيتناول الحيّزُ الأكبر منها الخطةَ الأمنية في البقاع عموماً وفي محافظة بعلبك ـ الهرمل خصوصاً، كذلك سيتحدّث عن الوضع اليَمني. وعشيّة إطلالةِ نصرالله، أطلقت كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها الأسبوعي جملةَ مواقف قالت فيها «إنّ الحكومة التي تضمن أوسع مشاركة للقوى التي أفرَزتها وكشفَت أحجامَها نتائجُ الانتخابات هي الحكومة الأقدر على التصدّي لاستحقاقات المرحلة الراهنة».
في معلومات لـ«الجمهورية» أنّ لقاء عون ـ الحريري أمس سادته أجواء إيجابية، وشدّدا خلاله على التسوية والتفاهم القائم بينهما، وأكّدا «أنّ المسيرة التي بدأت مع بداية العهد ستتواصل بالصلابة والوتيرة نفسِها».
وبعدما عرَضا لسبلِ معالجة العقَد التي تعوق تأليفَ الحكومة واتّفقا على أطُرٍ للحلّ، على أن يكون منصب نائب رئيس مجلس الوزراء خارج البحث، لم يمانع عون في أن يبحث في موضوع الحقائب الوزارية السيادية بين الحريري والكتل النيابية، علماً أنه كان قد أبلغَ موقفَه هذا إلى موفد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أمس الأوّل. وقد اقترَح الحريري أن يُعقد لقاء بين عون وجعجع، فرحّب رئيس الجمهورية بأيّ لقاء بعد أن تُستكمل الحوارات مع الكتل لكي تؤسّس لبداية نضوج الحلّ. وتقرّر أن ينطلق الحريري إلى جولة مشاورات جديدة على نار هادئة بغية إنضاج حلّ، على أن تنطلق المعالجة على ثلاثة محاور: المحور المسيحي، المحور الدرزي، والمحور السنّي. وفي المعلومات أنّ الحريري سيستأنف مشاوراته انطلاقاً من التوزيعة الثلاثينية الأخيرة للحصص.
من جهتها، قالت مصادر اطّلعت على أجواء لقاء عون والحريري إنّ الأخير لم يحمل إلى بعبدا أيّ جديد في شأن التشكيلة الحكومية والعقَد الثلاث التي تعترض إنجازَها، وإنّما ركّز على تصويب الأمور وإعادةِ إحياء وترميم التسوية الرئاسية التي تشظَّت في الساعات الماضية نتيجة ما سمّاه البعض «حرب الصلاحيات»، وسعى الحريري للحصول من «التيار الوطني الحر» على التزام تهدئة مماثلة لتلك التي أعلنَ جعجع التزامها إثر لقائه الأخير مع الرئيس المكلف في «بيت الوسط». وناشَد الحريري رئيسَ الجمهورية أن يساعده في هذا الاتجاه، واتّفقا على التعاون، كلٌّ من موقعه، لتذليل العقَد، ولا سيّما منها العقد التي قلّصها الحريري من ثلاثة إلى اثنتين، حيث قطعَ بموقفه الطريق نهائياً على أيّ مشاركة للسُنّة المستقلين، ولم يبقَ أمامه سوى العقدتين «القواتية» والجنبلاطية. أمّا بقيّة الأمور فليست سوى تفاصيل تُحلّ في لحظتها».
وكان الحريري قد أكّد بعد زيارته قصرَ بعبدا «أنّ الدستور واضح جداً لجهة تشكيل الحكومة، وأنّ حامي الدستور الأوّل هو رئيس الجمهورية، وصلاحيات رئيس الحكومة معروفة». وقال: «أنا والرئيس عون متفاهمان على كلّ كبيرة وصغيرة». وأوضَح أنّ «هناك أموراً تحتاج إلى العمل على نارٍ هادئة من أجل تأليف الحكومة»، مُشيراً إلى «أنّنا قريبون من الحل، والجميع يتعاون في هذا الشأن». وتمنّى على الجميع «الابتعاد عن الخلافات الإعلامية، التي لن تقدّم شيئاً لتأليف الحكومة». وأوضَح أنّ «النواب السنّة بلال عبدالله ونجيب ميقاتي وفؤاد مخزومي وأسامة سعد ليسوا من المعارضة السنّية»، مؤكّداً أنّ «الحكومة ستكون من 30 وزيراً».
عودة نازحين
وفي جديد ملفّ النازحين السوريين، وفي خطوة خجولة ولكنّها تُحتسَب الخطوةَ الثانية على طريق الألف ميل بعد عودة الدفعة الأولى منهم إلى «بيت جنّ»، غادرَت أمس دفعة جديدة من النازحين عرسال إلى الأراضي السورية، بمواكبة الأمن العام ، وعلم المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ولم تشُب هذه العملية أيَّ شائبة، بل لاقت العودة ارتياحاً واسعاً لدى السوريين، وكذلك لدى اللبنانيين، وعكسَت معادلة أنه إذا كانت هناك إرادةٌ لعودتهم طوعياً فإنّ هذا الأمر ليس بعيد المنال، ويمكن أن يتحقّق دفعةً بعد دفعة لبلوغ أكبرِ عددٍ ممكن من المليون ونصف مليون نازح، من دون انتظار الحلّ السلمي ولا غيره، ومن دون أن يشكّل هذا الأمر اشتباكاً سياسياً داخلياً وسجالاً حول التنسيق مع الحكومة السورية أم عدمِه.
إبراهيم
وأكّد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ«الجمهورية» أنّ دفعات أخرى من العودة الطوعية ستتوالى، داعياً إلى التوقّف عند ما صرّحت به ممثلة مكتب المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار من «أنّ تسعين في المئة من النازحين يرغبون بالعودة»، وهذه الرغبة ـ يضيف ابراهيم ـ تعني إرادةً طوعية للعودة، وهذا الأمر سيُسهّل مهمّة الأمن العام ويُسهّل عودة النازحين».
وأشار ابراهيم «إلى أنّ من لم يتمكّن من العودة اليوم بسبب عوائق لوجستية حالت دون عودته فهو سيعود في أقرب فرصة»، مؤكّداً «أنّ السبب هو تأخُّرهم عن الوصول إلى أماكن وجود الباصات التي تقلّهم وليس لأيّ سبب آخر».
وكانت المديرية العامة للأمن العام قد ذكرَت أنّها أمَّنت «العودةَ الطوعية لمئتين وأربعة وتسعين نازحاً سوريّاً من مخيّمات عرسال إلى بلداتهم في سوريا». وأشارت «إلى أنّ عودة النازحين تمّت بالتنسيق مع المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحضورِها، بعدما كانت قد تواصَلت مباشرةً مع الراغبين في العودة».
دعم أميركي للجيش
على صعيد آخر، شدّدت الولايات المتحدة الأميركية مجدّداً على دور الجيش، وأكدت استمرار دعمِه، ونوَّهت السفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد «بإرادته القتالية مهما كان نوع السلاح الذي يستخدمه»
وكان قائد الجيش العماد جوزف عون قد واصَل زيارته للولايات المتحدة الأميركية، حيث التقى عدداً من المسؤولين في الجيش الأميركي خلال اجتماع موسّع في مبنى «البنتاغون» ضمّ ضبّاط لبنانيين وأميركيين للبحث في العلاقات بين الجيشين وتقييم المساعدات العسكرية الأميركية، ووضعِ تصوّرٍ جديد للحاجات المستقبلية للجيش. ثمّ زار العماد عون مدافنَ أرلينغتون الوطنية، ووضَع إكليلاً على ضريح الجندي المجهول.
واقام السفير اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية غبريال عيسى عشاءً رسمياً على شرف العماد عون والوفد المرافق، شاركت فيه السفيرة ريتشارد. واعتبَر قائد الجيش أنّ الولايات المتحدة «أثبتت حرصَها الدائم على دعم أمنِ لبنان واستقراره، من خلال تطوير قدرات الجيش بالأسلحة والمعدّات والبرامج التدريبية المتقدّمة». وأشار الى أنّ الجيش حقّق «إنجازات كبرى على صعيد مكافحة الإرهاب، سواء عبر اقتلاع التنظيمات الإرهابية من حدودنا الشرقية بعد عملية «فجر الجرود»، أو عبر ملاحقة خلاياها في الداخل والقضاء عليها. وممّا لا شكّ فيه أنّ وقوف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبنا شريكاً فاعلاً، ساهم بنحوٍ حاسم في هذه الانتصارات. لكنّ ما تحقّق، على الرغم من أهمّيته، هو مرحلة ضِمن حربٍ طويلة على الإرهاب، تستوجبُ توثيق تعاونِنا، واستمرار التنسيقِ الكامل في ما بيننا».