يومٌ جديد، يُضاف إلى عمر حكومة تصريف الأعمال، مع استمرار غياب أيّ خرق جدّي في المسار الحكومي، رغم فتحِ الرئيس المكلّف سعد الحريري «توربو» التأليف، وتكثيفِ مشاوراته قُبيل سفره إلى الخارج ، في إجازة خاصة، شأنه شأن رئيس مجلس النواب نبيه بري. أمّا قصر بعبدا فيترقّب وصول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في زيارة لافتة بعد تشظّي تفاهم معراب وخلافات مع «التيار الوطني الحر» حول نِسب الأحجام والتمثيل الوزاري.
بدا أنّ حراك الرئيس المكلّف لم يتخطَّ تهدئة الأجواء وتأمين مناخات هادئة تساعده على الانطلاق في جولة جديدة من المفاوضات، بعد أن يعود من إجازته.
في غضون ذلك، قالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية»: «إنّ ما يجب التوقّف عنده هو ما طرَحه الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله من معايير واضحة ومحدّدة ينبغي اتباعها لتأليف الحكومة، ما يعني أنّ المعايير القائمة راهناً هي موضع رفضٍ لدى الحزب».
وكشفَت «أنّ الحديث الجدّي بدأ عن تغيير حصص وزارية حسب الأحجام، وأنّ حركة «أمل» و«حزب الله» سيطالبان بحقائب بين 8 و10 حسب حجمهم النيابي، إذا أعطيَت كتلة نيابية من 15 نائباً، 4 أو 5 وزراء، ما يعني أيضاً أنّ النواب السُنّة العشرة خارج «المستقبل» يستحقّون حقيبتين على الأقلّ».
هذا الموقف يعكس ضغط فريق الثامن من آذار على جميع المعنيين بعملية التأليف بهدف دفعِهم للعودة إلى الواقعية السياسية والميدانية وتخفيفِ مطالبهم وشروطهم، وإلّا سيكون هناك خلطٌ للأوراق ومطالب وشروط مقابلة لن تؤدّي حتماً إلى تسهيل ولادة الحكومة العتيدة.
الحريري ـ باسيل
وكان الحريري قد عرَض أمس مع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل لآخر المستجدّات السياسية، لا سيّما ما يتعلق بموضوع تأليف الحكومة. واستكمِل البحث إلى مأدبة عشاء بينهما.
جعجع في بعبدا
وتُعوّل «القوات اللبنانية» على لقاء رئيسِها الدكتور سمير جعجع مع الرئيس عون، وأكّدت لـ«الجمهورية» حرصَها على إنجاح اللقاء، «إذ يُفترض أن يطويَ صفحة العقَد الحكومية من جهة، ويُحيي العلاقة بين «القوات» و«التيار»، ويفتح صفحةً جديدة مع انطلاقة الحكومة العتيدة في الأيام والاسابيع المقبلة، خصوصاً بعدما اعترت العلاقة شوائبُ كثيرة أخيراً».
أضافت مصادر «القوات»: «ننتظر الترتيبات التي يُعدّها الرئيس ريثما يكون درَس تصوّرَه الذي سيطرحه علينا لكي تكون الجلسةُ جلسة حلول ونخرج بنتائج مرجوّة. ويبدو أنّ الرئيس يأخذ وقته لدرس الخيارات والاحتمالات التي سيطرحها علينا للخروج بالتصوّر المطلوب. من جهتِنا نحتفظ لنفسنا بحجم التمثيل الوزاري الذي يتناسب مع حجمنا النيابي في ضوء الوكالة الشعبية التي أُعطيَت لنا وفي ضوء تفاهمِ معراب الذي أعيدَ العمل به، لكن بالنسبة إلينا لم نوقِف العمل به لحظة.
وما أشيعَ عن أنّنا خرَقنا التفاهم السياسي في مواجهة العهد هو كلام تضليلي، فـ«القوات» شكّلت المرتكز الأساس للتسوية الرئاسية والسياسية ورشّحت العماد عون وساهمت بفاعلية في فتحِ طريق قصر بعبدا أمامه، وكانت ولا تزال تدعم العهد بقوّة وتدعم صلاحيات رئيس الجمهورية ومهامَّه ودوره والسياسات الوطنية الكبرى، بدءاً من قانون الانتخاب وصولاً إلى ملف النازحين.
أمّا مرسوم التجنيس ويأخذ البعض عليها أنّ القوات طعنت به، فإنّ أوّل مَن طعَن به هو فخامة الرئيس من خلال تكليف الأمن العام إعادة التدقيق به. لذلك نعتبر أنّ طعننا مسألة طبيعية، خصوصاً أنّ الثغرات التي ظهرت في تقرير الأمن العام أكبر دليل على صحة توجّهِنا، فالمرسوم مليء بالثغرات ويجب وضعُ حدّ لها من خلال إبطاله برُمّته.
أضافت المصادر: «القوات» تدعم العهد وكلّ سياساته، لكن يجب التمييز بين السياسات الوطنية الكبرى وبين اليوميات السياسية من كهرباء ونفط وغيره، فـ«حزب الله «عارَض كما عارَضنا، لذا، لا تُحاسَب «القوات» على موقف «بالطالع وموقف بالنازل» في تأييدها للعهد، هي تدعمه في سياساته الكبرى، لكن في التفاصيل والملفات الأخرى فلكلّ طرفٍ موقفه».
ملفّ التجنيس
ومع غياب الحريري، وانكفاء المشاورات الحكومية، يعود ملفّ التجنيس إلى الواجهة مجدّداً بعد كلام السيّد نصرالله الأخير عن أنّ لـ»حزب الله» ملاحظات حول المرسوم، ما يدلّ إلى أنه لم يشأ أن يتمّ التعاطي مع هذا الموضوع في الإعلام، بل سيتم التعامل مع هذا الملف بطرقٍ أخرى.
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» أنّ موفداً من الحزب، ويُرجّح أن يكون رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، سيزور قصر بعبدا خلال الساعات المقبلة، لينقلَ ملاحظات الحزب إلى رئيس الجمهورية على هذا المرسوم. وتردَّد أنّ هذه الملاحظات ستكون «قاسية».
وفي المعلومات كذلك أنّ مرسوم التجنيس بدأ تنفيذه على رغم الكلام عن تجميده في انتظار أن يبتّ به مجلس شورى الدولة.
«الكتائب» لـ«الجمهورية»
وقالت مصادر مسؤولة في حزب الكتائب لـ«الجمهورية»: «إنّ رئيس الحزب النائب سامي الجميّل كان أوّلَ من تحرّكَ عملياً باتّجاه رئاسة الجمهورية طالباً المديرية العامة فيها تزويدَه نسخةً عن مرسوم التجنيس لدرس سبلِ مواجهته». وأوضَحت «أنّ دراسةً قانونية متأنّية جعلت الحزب يتّخذ قرار الإلحاح على رئيس الجمهورية بإلغاء المرسوم أو تصحيحِه على نحوٍ يُنقّيه من الشوائب، وشطبِ الأسماء التي لا تستحقّ الجنسية اللبنانية، وما دفعَ الحزبَ إلى اعتماد هذا الطريق لا علاقة له بما يُشاع عن محاولة للتقرّب من رئيس الجمهورية أو لتوجيه رسالة سياسية إليه تُسهّل مشاركة الكتائب في الحكومة، وإنّما بقرار سابق لمجلس شورى الدولة في خصوص الطعنِ بمرسوم مماثل سبقَ للرئيس السابق ميشال سليمان أن أصدرَه في نهاية ولايته، ممّا يشكّل اجتهاداً يمكن أن يستند إليه المجلس الحالي لردّ الطعن».
وأشارت المصادر إلى «أنّ ردّ الطعنِ استند إلى اعتبار أنّ المجلس لا صلاحية له للنظر بالملاءمة السياسية لمنحِ الجنسية أو للأسماء التي تضمّنها المرسوم. من هنا فقد ارتأى الحزب إعطاءَ الأولوية لممارسة دوره السياسي والنيابي لمواجهة هذه المسألة لئلّا يأتي الرد المحتمل لمجلس الشورى للطعن في الشكل بمثابة غطاءٍ قانوني للإبقاء عليه». وذكّرَت بأنّ الجميّل «وانطلاقاً من إصراره على متابعة هذا الملف حتى وضعِ الأمور في نصابها، تابَع مباشرةً مع المدير العام للأمن العام ما توصّلت إليه التحقيقات في شأن المجنّسين، وطلب على هذا الاساس موعداً من رئيس الجمهورية للاطلاع على ما وصَلت إليه الأمور، وسيبني على نتائج اتصالاته الخطوات اللاحقة، خصوصاً أن لا مهَل قانونية تسري على المرسوم باعتباره لم يُنشَر في الجريدة الرسمية».
ملف النازحين
وفي ملف عودة النازحين السوريين، علمت «الجمهورية» أنّ هذا الملف سيَشهد عودةَ آلاف النازحين من مختلف المناطق اللبنانية، ومِن بينهم نازحون معارضون للنظام السوري، بالتوازي مع مصالحات ستجري في سوريا.
وقالت مصادر في فريق 8 آذار لـ«الجمهورية»:» إنّ إعلان السيّد نصرالله التواصلَ مع النازحين مباشرةً، وتشكيلَ لوائح لعرضِها على الجهات المعنية في سوريا، لم يأتِ مِن عدم أو فراغ، بل جاء بعدما بلغ هذا الملف حدّاً غيرَ مقبول، والرسائل القاسية التي وصلت من الجانب السوري إلى الجانب اللبناني عبر قنوات خاصة، والاستياء من طريقة التعاطي اللبناني مع هذا الملف وإدخاله في المعمعة وبازار السياسة وتكرار سماعِ معزوفة التواصل مع الحكومة السورية أم عدمه، والمماطلة وعدم الوضوح خلال كلّ الفترة السابقة حيث حاولت الحكومة السورية مراراً وتكراراً التواصلَ مع المعنيين في لبنان عبر قنوات خاصة وبعيداً من الإعلام مراعاةً لحساسية الوضع والانقسام السائد حول هذا الملف. لكنْ تبيَّن عدم جدّية التعاطي اللبناني مع هذا الملف ودخوله في حسابات داخلية واستعماله دائماً كورقة ضغطٍ في تعاطي القوى السياسية مع بعضها البعض وحتى مع الخارج، مِن هنا جاء تدخّل «حزب الله» في هذا الملف».