الصورة التي ارتسمت في الساعات الاربع والعشرين الأخيرة، عكست في ظاهرها سخونة ملحوظة على خط المشاورات، وبَدت فيها مطحنة التأليف عاملة بأقصى طاقتها وحيويتها، ولكن من دون ان تتمكن حتى الآن من أن تنتج الطحين المطلوب.
اذا كانت حيوية الاتصالات التي توزّعت بين بعبدا أمس، ولقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وقبله عشاء «بيت الوسط» مساء امس الاول بين الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، قد أوحت انّ مسار التأليف يخضع حالياً لمحاولة كسر جدّي لحلقة التعقيدات، وفي مقدّمها عقدة تمثيل «القوات» كمّاً ونوعاً.
الّا انّ ما تمخّض عنها حتى الآن، عكسَ دوراناً متجدداً في حلقة النيّات المتبادلة بالتسهيل والتعجيل، ولكن من دون أن يَشي ذلك باقتراب الأطراف من بلورة افكار حاسمة يمكن البناء عليها للقول انّ الحكومة سلكت فعلاً طريق الولادة.
وفيما لوحِظ امس، ما يمكن وصفه بالحرص المشترك من قبل الحريري وباسيل على ابقاء ما دار بينهما في عشاء بيت الوسط ليل امس الاول، في دائرة التكتم، طَفت في أجواء الطرفين جملة مقتضبة رَوّجها مقرّبون بأنّ «البحث كان وديّاً وصريحاً حول كل الامور». من دون ان تؤكد او تنفي ما أُشيع غداة العشاء بأنّ الحريري وباسيل توصّلا الى وضع أسس معينة، تمهّد لإيجابيات عمليّة في الايام القليلة المقبلة. وانّ لقاءهما ما كان ليحصل لو لم تكن له ممهّدات ايجابية، ولو لم تكن هناك نيّة لدى الجميع للتنازل وتقديم التسهيلات ورفع العقبات من طريق التأليف.
«التيار»: موقفنا ثابت
الّا انّ النتائج الفعلية تُقرأ اولاً في خلاصة البحث في بيت الوسط بين الحريري وباسيل، وبعبدا بين رئيس الجمهورية ما أوردته قناة «او تي في» الناطقة بإسم التيار الوطني الحر، وجاء فيه «انّ موقف التيار ليس مرتبطاً بحسن العلاقة أو سُوئها مع أيّ طرف من الأطراف، بل باحترام قواعد التأليف، نحن لا نُنكر على أحد حقّه بالتمثيل في الحكومة، وموقفُنا ثابت لناحية أنّ كل فريق ينبغي أن يتمثّل وفق مبدأ النسبة والتناسب، بغَضّ النظر عن العلاقات الشخصية او علاقة القوى السياسية في ما بينها. وأشارت الى انّ صِيغاً عدة طُرحت في بيت الوسط، امّا الجواب فكان مُحدداً: يجب أن تُمَثّل الأطراف وفق أحجامها، لا اكثر ولا أقل.
سلبية… لا إيجابية
تلاقي هذه الصورة، أجواء القوى السياسية الشريكة في الحكومة والحليفة او الصديقة للطرفين، التي تؤكد عدم امتلاكها ما يجعلها تقول انّ مستوى الايجابية قد زاد على خط التأليف، بل انّ الامور ما زالت في دائرة السلبية.
الثنائي الشيعي و«الإشتراكي»
وفي هذا السياق، لا يرى «حزب الله» جديداً ملموساً. وقال احد مسؤولي الحزب لـ«الجمهورية»: نأمل ان نصل الى إيجابيات، ولكن لو كانت هناك إيجابيات ناتجة عن اتصالات او لقاءات بين هذا المسؤول او ذاك، لكانت ظهرت فوراً. وطالما لم تظهر الايجابيات لا نستطيع ان نقول انها موجودة. ثم اننا لم نسمع تبدّلاً في مواقف الاطراف.
كما لا جديد أمام عين التينة التي استمر بينها وبين الرئيس المكلّف عبر الوزير علي حسن خليل وكذلك الوزير السابق غطاس الخوري، وبحسب أجواء مقر الرئاسة الثانية، فإنها لم ترَ تبدّلاً في حال التأليف حتى الآن، بل بالعكس ما زالت ترى في خانة السلبية، وانّ الاسباب التي دفعت الرئيس نبيه بري الى اتخاذ قراره بالمغادرة في زيارة خارجية، وحوّلت التأليف الى ما يشبه بورصة مطالب تصعد وتهبط، ما زالت موجودة ولم تَنتفِ.
هذا الرأي يكاد يكون نفسه لدى الحزب التقدمي الاشتراكي بشكل عام، ولكن يبدو انّ قرار الحزب هو اعتماد نبرة هادئة في مقاربة تطورات التأليف، وجرى التعبير عن ذلك في الزيارة التي قام بها النائب وائل ابو فاعور الى بيت الوسط ولقائه الحريري، والتي تزامنت مع زيارة مماثلة لوزير القوات ملحم الرياشي. مع الاشارة الى انّ ابو فاعور والرياشي تَشاركا مع الرئيس المكلّف في مشاهدة مباراة البرازيل والمكسيك في إطار تصفيات كأس العالم في كرة القدم، في أحد صالونات بيت الوسط.
«القوات»
وفيما تحدّث الرياشي عن إيجابيات، كاشفاً عن «اتصال جرى خلال اللقاء بين الرئيس الحريري والدكتور جعجع، الذي أطلعه على أجواء لقاء بعبدا بين رئيس القوات ورئيس الجمهورية، حرصت مصادر «القوات» على التأكيد لـ«الجمهورية» بأنها تفترض انّ الامور وضعت على سكة الحلحلة، من دون ان تتوسّع أكثر، تاركة الامور تأخذ مداها في الاتجاه الذي يفترض ان يلبّي ما تطالب به، بما يلائم حجمها السياسي والنيابي.
بدورها، قالت مصادر إشتراكية لـ»الجمهورية»: إننا ننتظر تبلور الايجابيات، هناك جهود تبذل، ونحن لسنا معنيين بعرقلة التشكيل ولسنا الجهة التي تعرقل، بل نحن من جهتنا نقوم بكل ما يلزم لتسهيل مهمة الرئيس المكلّف، ولا نطرح اي مطالب خارج الإطار الطبيعي الذي نعتبره حقّاً لنا وترجمة لتمثيلنا كما هو وغير منقوص. وهو ما أكد عليه النائب ابو فاعور بقوله: «انّ الحزب الاشتراكي مُصرّ على ان يكون الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة من حصّة اللقاء الديمقراطي، ونقطة على السطر».
الحلول مؤجّلة
تؤكد مواقف الأطراف أنّ تأليف الحكومة لم يشهد خطوات متقدمة، الّا انّ مصادر مواكبة للاتصالات الجارية كشفت انّ الأجواء الطاغية على خط التأليف تؤكد انّ كل الحلول مؤجّلة الى ما بعد عودة الرئيسين بري والحريري من الخارج، وعندها يبدأ الحفر في الصخر والشغل الجدي والمُنتج. وما حصل في اليومين الماضيين هو بداية تحريك أكثر جدية، ومقدمة تمهيدية إيجابية لمرحلة ما بعد عودة الرئيسين. مع الاشارة هنا الى انّ الرئيس الحريري قد أرجأ زيارته الى الخارج لبعض الوقت. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ التأجيل ليس مرتبطاً بإيجابيات طرأت على خط التأليف، بل انّ التأجيل هو تأجيل مؤقت ربما ليوم او يومين.
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ الحديث عن إيجابية ينفيه عدم وجود وقائع ملموسة تؤكّده، فضلاً عن انّ كل حديث عن إيجابية قد لا يكون نهائياً في ظل الجو السياسي المتقلّب، والصراع المُحتدم على الحقائب الوزارية، والذي ما زال يشكّل الفتيل الجاهز للاشتعال في اي لحظة. إذ انّ حصة الاشتراكي ما زالت موضع أخذ ورَدّ، والتيار الوطني الحر لم يتنازل بعد عمّا يطرحه لناحية حصته الفضفاضة في الحكومة، وكذلك لم تحسم حصة «القوات» بعد، بل ما زالت في دائرة التفاعل في ظل تأكيدات أكثر من مصدر بأنّ حصول «القوات» على حقيبة سيادية وكذلك موقع نائب رئيس الحكومة محل اعتراض معظم القوى السياسية.
تغريدة… فلقاء
هذه الاجواء تواكبت مع تغريدة لافتة للانتباه أطلقها جعجع، وسأل فيها «لماذا كل هذه الحرب على تمثيل «القوات اللبنانية» في الحكومة الجديدة؟ هل لأنّ وزراء «القوات» أبلوا بلاءً حسناً في حكومة تصريف الأعمال؟ أهكذا يُكافأ حسن السيرة وحسن إدارة أمور الدولة؟ وسبقت هذه التغريدة بساعات قليلة زيارة جعجع الى القصر الجمهوري واجتماعه برئيس الجمهورية. واللافت في نهاية اللقاء حرص جعجع على التأكيد على دعم العهد، وإشاعة جو ايجابي، والحديث عن الاتفاق مع رئيس الجمهورية على خارطة طريق لتشكيل الحكومة.
فقال: «انّ ما يربط «القوات» بـ«التيار الوطني الحر» ليس وثيقة أو اتفاق إنما الترجمة والأفعال، وعندما يسود المنطق لا يستطيع أحد أن يرفض المطالب المنطقية». مضيفاً: «لم نضع «فينو» على أحد، كما أننا لم نقبل بوضع أي «فيتو» علينا».
وإذ لفت الى انّ «الأجواء واعدة، وسنبدأ بالخطوات التي اتفقنا عليها». قال إنّ التواصل مع الوزير باسيل سيعود، منوّهاً بالتمييز بين الرئيس عون وبين التيار «الوطني الحر».
وعلمت «الجمهورية» انّ اللقاء كان جيداً بمناخه وشكله ومضمونه، وهو فتح الطريق امام إحياء العلاقات بين التيار والقوات، على ان تتجدد اللقاءات على مستوى القيادة، بدءاً بلقاء قريب بين جعجع وباسيل على أن تسبقه التحضيرات الضرورية التي تكفل التوصّل الى خلق مناخات إيجابية.
وبحسب المعلومات، فإنّ اللقاء لم يتناول التشكيلة الحكومية ولم يتناول ما يسمّى بالحصص والحقائب، بل تركّز على العلاقة الواجب قيامها بين التيار والحزب في ظل الأجواء الضاغطة وضرورة السعي الى إزالتها قبل استئناف البحث بالحقائب والحصص الحكومية. فمناخات التشنّج لن تسمح بالبحث الجدي بملف تشكيل الحكومة، وهو ما شدّد عليهص رئيس الجمهورية وجعجع، فاتفقا على إزالة هذه الأجواء بأسرع ما يمكن، الأمر الذي سمّاه جعجع «خريطة طريق» الى إحياء الإتصالات.
لقاء بعبدا
على انّ اللافت للانتباه، كان كيفية تناول إعلام التيار للقاء بعبدا، ولا سيما ما أوردته قناة «او تي في»، التي اشارت الى انّ رئيس الجمهورية أكّد لجعجع التمسّك بالمصالحة المسيحية، بغض النظر عن التمايز السياسي، مهما بلغت حِدّته. وتخلّل اللقاء، الذي تميّز بالصراحة، توضيحٌ لبعض النقاط، حيث عرض رئيس الجمهورية لوجهة نظره من التطورات الأخيرة، واستمع إلى ما أدلى به جعجع، ليخلُصَ اللقاء إلى تأكيد المؤكّد، حول استمرار التواصل والتمسّك بالتفاهم».
ورَدّت القناة على إشارة جعجع الى لقائه المحتمل مع باسيل، بما يوحي ان لا تبدّل في موقف التيار، حيث قالت: «سواء حصل اللقاء أو لم يحصل، ليس أساس المشكلة، ولا جوهر الموضوع. فاللقاءات ممكنة في أيّ لحظة مع أيّ كان. أمّا الأساس، فيبقى هو إيّاه: إحترام قواعد التأليف وعنوانها العريض، تشكيل حكومة وحدة وطنية بالنسبة والتناسب، أي باحترام الأحجام التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة وفق معايير موحدة، ومعادلة واضحة تَسري على الجميع… واذا اراد رئيس القوات الانتقال من السلبية إلى الابجابية، فموقفُه مشكور ومقدَّر، لكنه لا يُعدِّل في الأحجام. لقد تعرّضنا لهجومات متلاحقة خلال مرحلة حكومة تصريف الأعمال، ولم نُعامِل الآخرين بالمثل، فإذا قرروا اليوم إعادة النظر بطريقة التعاطي في السياسة والاعلام، فهذا أمرٌ مرحّب فيه، وهو بمثابة التصحيح لمسارٍ سياسي سلبي كرّروه في خطابهم الاخير قبل ايام، وحتى في التغريدة الاخيرة التي سبقت زيارة بعبدا؛ تغريدة جعجع نهار أمس.
«الكتائب» في بعبدا
من جهة ثانية، يقوم وفد حزب الكتائب اليوم بزيارة رئيس الجمهورية، ويضمّ الوفد رئيس الحزب النائب سامي الجميّل ونائبه سليم الصايغ والدكتور فؤاد أبو ناضر. ويشكّل مرسوم التجنيس وتردداته العنوان الأساس للزيارة.