لا جديد بعد على جبهة التأليف الحكومي، فمواقف الأفرقاء المعنيين به، المسافرين منهم والمقيمين، على حالها من التباين والتباعد، ولقاءات بعبدا الأخيرة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع كلّ مِن الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم تثمِر بعد عند رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي يفترض أن تحصل لقاءات بينه وبينهم، فجاء لقاؤه والحريري بنتائجه السلبية ليدفعَ إلى التشاؤم، وجاءت مواقفه التي أعلنها في مقابلته المتلفَزة مساء أمس الأوّل لترفعَ منسوب هذا التشاؤم وتبعثَ على الخوف من تأخّرِ ولادة الحكومة أكثر فأكثر.
عكسَت المواقف التي نقلها زوّار عون عنه أمس مؤشرات إلى أنّ الولادة الحكومية لم تبلغ بعد مرحلة المخاض، إذ أكّد «أنّ الحكومة ستؤلَف في نهاية المطاف على أساس معيار علمي وموضوعي يتمثل في ترجمة الاحجام التي افرزَتها الانتخابات النيابية الى نسَب وزارية». وقال: «وفق الدستور، تعود مهمّة تشكيل الحكومة الى الرئيس المكلف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، وهذا يعني انّ لنا رأيَنا ايضاً ولا نوقّع فقط، من دون ان يكون هناك مساسٌ بصلاحيات أحد». ورمى كرةَ موعدِ تأليف الحكومة عند «المعنيين بتأليفها»، وقال: «لا بدّ لهم عاجلاً ام آجلاً من تسهيل ولادة الحكومة».
وأضاف: «السوق لا تزال في بدايتها، وفي لحظة ما سيَلجأ الكلّ الى تخفيض الاسعار والتعامل بواقعية مع الاحجام». ودافعَ عون عن «حقّه» في ان تكون له «حصّة وزارية»، وتساءل: «لماذا كان يحقّ ذلك للرؤساء الآخرين، بينما يستكثرون عليّ مثلَ هذه الكتلة الوزارية؟». وشدّد على اهمّية ان تكون لرئيس الجمهورية كتلة وزراء تعبّر عنه في الحكومة وتعكس سياساته، مضيفاً: من المعروف انّ صلاحيات رئيس الجمهورية تقلّصَت وهو يترأس جلسات مجلس الوزراء ولا يصوّت، وأحياناً لا يترأسها أصلاً، وبالتالي فإنّ وزراءَه يمكن ان يعوّضوا نسبياً عن هذا الواقع، فأين الضَير في ذلك؟». وأقرّ عون بأنّ «الوضع الاقتصادي والمالي صعب، لكنّه ليس على عتبة الانهيار، والدولة ليست على وشك الإفلاس». (راجع صفحة 4)
تصعيد قوّاتي ـ عوني
وفي ظلّ جمود التأليف وغياب أيّ خرقٍ جدّي في حلحلةِ العقد التي تعوقه. سُجّل خرق من نوع آخر أمس تمثّلَ باشتعال جبهة «التيار الوطني الحر» ـ «القوات اللبنانية» مجدداً بعد الهدنة الاعلامية الهشّة اصلاً بينهما، غداة الحديثِ المتلفز لرئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل وانتقاده بعنف أداءَ وزراء «القوات» في عددٍ من الملفات، ومنها ملف البواخر وملف السقوف المالية للمستشفيات، فيما لفتَ موقف رئيس حزب «القوات» سمير جعجع لجهة المشاركة في الحكومة، رابطاً هذه المشاركة بفعاليّة وجودِ «القوات» فيها وبقدرتها على التغيير، قائلاً: «إنّ ما نصارع من أجله اليوم هو ليس مقدار الحصّة الوزاريّة التي سنحصل عليها، وإنّما من اجلِ ان نستطيع أن نكون «أدّا»، في حين اكّدت مصادر القوات لـ«الجمهورية» انّ «لصبرِها حدوداً».
بلوَرة التطوّرات
وفي هذه الاجواء، قال متابعو الشأن السياسي لـ«الجمهورية»: «إنّ هناك محاولتين حصَلتا في الايام القليلة الماضية لإخراج التأليف من مأزقه، لكنّهما باءَتا بالفشل؛ فالمحاولة الاولى تمثّلت في سلسلة الاجتماعات التي عَقدها الرئيس المكلف سعد الحريري، والثانية في الاجتماعات التي عقدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي ترافقت مع محاولة تبريد الجبهة الساخنة بين «القوات» و«التيار».
وبعدما صَعُبَ على هؤلاء وضعُ سببِ هذا الفشل في المرمى الداخلي، بل أعادوه الى خلفيات عربية واقليمية ودولية ضاغطة على الاطراف في كلّ الاتجاهات، كشفَت آخِر المعلومات لـ«الجمهورية» أنّ «النزاع الاقليمي عاد على اشدّه في لبنان بعدما ترَك فسحةً للافرقاء الداخليين لكي يؤلّفوا حكومة متوازنة. لكن، عندما وجدَت المرجعيات الخارجية انّ تأليف هذه الحكومة صعبُ المنال في ظلّ موازين القوى الداخلية، عادت وتعاطت مباشرةً مع الاطراف المعنية بالتأليف».
وفيما العقدة الداخلية والاساسية الظاهرة هي أنّ طرفاً يريد أن تُحترَم نتائج الانتخابات، وطرفاً آخر يريد ان يلتفّ على هذه النتائج، اشارت آخِر المعلومات التي توافرَت لبعض السفراء الذين التقوا أخيراً المعنيين بالتأليف، الى أن «لا تأليف للحكومة قبل بلوَرةِ التطورات التي تجري في المنطقة على الصعيدين العربي والدولي، وفي طليعتها قمّةُ الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، والتي ستُعقد في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 تمّوز الجاري، والوضع في اليمن بعد معركة الحُدَيدَة، وما ستُسفر عنه التطوّرات العسكرية في جنوب سوريا ونوعية التحالفات الحكومية الجديدة في العراق بعد الانتخابات الملتبسة، وصولاً الى معرفة مصير الكباش الدائر بين الولايات المتحدة الاميركية والسعودية من جهة، وإيران من جهة أُخرى حول مضيق هرمز نتيجة اتّجاه السعودية، خلافاً لِما تريده ايران، إلى رفعِ سقف الإنتاج النفطي.
فقبل ان تتبلور هذه المعالم، من الصعبِ ان تتساهلَ الاطراف اللبنانية او تتنازل، خصوصاً أنّ المعلومات الواردة عن قمّة ترامب ــ بوتين تشير الى وجود شِبه اتّفاق نهائي على خريطة طريق ستُتّبع في سوريا في المرحلة المقبلة، من دون ان يعني ذلك الوصولَ الى تسوية إنّما الى توزيع لمناطق النفوذ».
رسالة «التيار»
وفي غمرة الحراك السياسي في الوقت الضائع، بثّت محطة «او تي في» مساء أمس أنّ رسالة «التيار» الحكومية «أُبلِغت أمس إلى من يهمُّه الأمر:
ـ إلى رئيس الحكومة المكلف: ثقتُنا كبيرة بك. نَفهم نزاعَك مع بعض المحيط، في الداخل والإقليم، لكنّنا مستمرون في اتّفاقنا معك، من أجل لبنان، وليس لاستهداف أيّ مكوّن آخر، على ما يدسُّ البعض.
ـ إلى «القوات اللبنانية»: حريصون على المصالحة المسيحية منذ اليوم الأوّل. ولهذا، كانت تعليماتُنا واضحة منذ بداية الحملة ضدَنا بعدمِ الرد. أمّا تفاهمنا السياسي معكم، فليس MENU A LA CARTE: تختارون منه ما يناسِبُكُم، وتُهمِلون ما تبقّى، وهو الأساس. وخريطةُ الطريق التي تُعيد الثقة، تعديلٌ في الأداء، واتفاقٌ على طريقةِ عملٍ ثابتة، تَنبذ القتلَ السياسي، وتضع تحقيقَ المشترك، لا الفَرْضْ، نُصْب العينين».
ـ إلى التقدّمي الاشتراكي: الشراكة عادت إلى الجبل، كما إلى كلّ لبنان، ومنطق الإقصاء انتهى. أمّا الاستحواذ على تمثيل طائفة، تمهيداً لرفع «الفيتو» الميثاقي تعطيلاً لمسار العمل الحكومي الآتي، فلن يتمّ».
«القوات»: للصبر حدود
في المقابل، أبدت مصادر «القوات اللبنانية» أسفَها لإطاحة الوزير باسيل بالمبادرة الرئاسية الرامية إلى التهدئة السياسية من أجلِ مواصلة مفاوضات التأليف في ظروف مؤاتية ومساعدة، وقالت لـ«الجمهورية» إنّ «للصبر حدوداً»، إذ لم يعُد بإمكانها السكوت عن الإساءات التي استهدفتها، واستغربَت «أن يبادل الوزير باسيل الهدنة التي أعلنتها من طرفٍ واحد في مرحلة أولى، وبالاتفاق معه في مرحلة ثانية، بهجوم عنيف في خرقٍ فاضح للهدنة المتفَق عليها معه والتي رعاها الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية».
وتساءَلت المصادر «عن الخلفيات الكامنة وراء تصعيد باسيل الذي يفترض به ان يكون أوّلَ من يلتزم الهدنة احتراماً لمبادرة الرئيسين عون والحريري»، وقالت: «لو كان الوضع معاكساً، بمعنى انه لو خرَجت «القوات « عن هدنة دعا إليها رئيس الجمهورية لكانت قامت الدنيا ولم تقعد وانهالت الهجومات على «القوات» بأنّها تستهدف العهد ولا تقيم وزناً لدور رئاسة الجمهورية ومقامِ الرئاسة، ولكن في الوقت الذي التزَمت «القوات» الهدنة ولو على حسابها وأطاح باسيل هذه الهدنة على رغم انّه الأَولى بالمحافظة عليها، فهل من يَسأله مثلاً عن انعكاس مواقفه وسلوكه على موقع الرئيس عون وهيبته؟».
وأضافت هذه المصادر: «إنّ «القوات» قدّمت كلّ ما يمكن تقديمه، وسهّلت كلّ ما يمكن تسهيله، وتجاوبَت مع مبادرة الرئيس المكلف ومن ثمّ مبادرة رئيس الجمهورية، ولكن ما المطلوب منها أكثر من ذلك؟». وأكّدت «انّ من يؤلف الحكومة هو الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية وليس الوزير باسيل»، ووضَعت «كلّ محاولات باسيل الالتفافية على مبادرة رئيس الجمهورية في عُهدةِ الرئيس عون ليحكمَ ويبنيَ على الشيء مقتضاه».
«الكتائب»
وفي غمرة التوتّر العوني ـ القواتي، نأى حزب الكتائب بنفسه عن سجالات «أهل السلطة»، وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «إنّ الحزب ومسؤوليه لا يستمعون هذه الايام سوى الى أنينِ الناس الرازحين تحت وطأة الأزمات الاقتصادية الناجمة من صرفِ المعلمين وارتفاع الأقساط المدرسية وتهريب المنتجات الزراعية الأجنبية على حساب المزارع اللبناني، وارتفاع أسعار المحروقات، وإفلاس المؤسسات التجارية، وتراجعِ فرصِ العمل للشباب اللبناني، وتحذيرات الاقتصاديين من المسار الانحداري الذي تسلكه الدورة الاقتصادية».
وأضاف: «هذه الصرخات يفترض أن تصمَّ آذان جميع المسؤولين خصوصاً أولئك المعنيين دستورياً وسياسياً بتشكيل الحكومة، وتدفع بهم الى الإسراع في الخروج من السجالات في اتّجاه الحلول السريعة والعِلمية والجذرية التي تُجنّب لبنانَ واللبنانيين الوقوع في المحظورات الاقتصادية والاجتماعية. وأسفَ المصدر «لكونِ أركان الحكم الذين يحذّرون من خطورة الاوضاع الاقتصادية يَكتفون بالحديث عن وجوب العمل السريع على معالجتها، في حين يتصرّفون بجدول أولويات لا علاقة له بهذه المعالجات».
ولفتَ المصدر الى «أنّ البيت المركزي للحزب تحوّلَ منذ أيام خلايا عملٍ متخصصة على مدار الساعة بإشراف رئيس الحزب النائب سامي الجميّل مباشرةً لدرس الملفات الاجتماعية والاقتصادية الطارئة وسُبلِ المعالجة المطلوبة، ليتمكّن الحزب من القيام بدوره الوطني وتحمّلِ مسؤولياته تجاه اللبنانيين الذين يتطلّعون الى من يستمع لمعاناتهم ويعمل وفقاً لمسؤولياته على معالجتها».
خليل
وفي المواقف، لفتَ وزير المال علي حسن خليل الى «أنّ حركة «أمل» و«حزب الله» قدّما أقصى ما يمكن أن يقدّمه طرف سياسي، في موضوع تشكيل الحكومة، «ولنا الحقّ بأكثر ممّا قبلنا به بكثير. لكنّنا لم نتعاطَ مع المسألة على أساس رفعِ الأسقف».
وقال: «ظننّا أنّ المعنيين بالتأليف لديهم الحسّ الوطني بما وصَل اليه الوطن والتحدّيات التي تواجهه، من فقرِ الناس وحاجتهم وعوزِهم وضرورة العمل لرفع مستوى النمو لتحقيق استقرار اقتصادي مستقبلي»، مشدّداً على انّ «الأمر لم يعد يَحمل ترفَ رفعِ شعاراتٍ متناقضة بين القوى السياسية، ورفعِ الأسقفِ من أجلِ موقفٍ شعبي أو حصّة إضافية من الحكومة». وأكّد «أنّ العقلية التي تُدار بها عملية تأليف الحكومة لا توحي بالثقة ولا تبني وطناً ولا مؤسسات، ولا تؤسّس لمناخ إنقاذي للوطن»، وأضاف: «لهذا نقول إنّنا قدّمنا ما علينا. فلا تجعلونا نعيد حساباتنا بحسب القواعد التي تطرحونها لتشكيل الحكومة».