كلّما ضاقت المسافة الزمنية الفاصلة عن موعد جلسة 15 أيار المقبل، تضيق إمكانية إحداث خرقٍ في الجدار الانتخابي وتجاوُز العقد الماثلة في طريق الوصول إلى قانون جديد، ولكن في المقابل تتّسع دائرة الاحتمالات التي لا يبدو أنّها ملفوحة بإيجابيات، بالنظر إلى «الرفض المتبادل» للصيَغ والمشاريع الانتخابية؛ وهكذا يستمرّ الدوران في حلقة مفرَغة، مقروناً برفعِ وتيرة التصريحات والتصعيد السياسي ربطاً بجلسة مجلس النواب والتحضيرات لحراك شعبي يرافقها. وبعيداً من هذا الإرباك الداخلي، حطّت الزيارة التاريخية التي بدأها البابا فرنسيس إلى مصر، على منطقة ملتهبة بالأزمات والخلافات الحادة، لعلّها تكون فرصة لبناء مساحات مشترَكة وانفتاح بين الأديان في مواجهة الإرهاب وجرائمه، وخصوصاً بحقّ المسيحيين.
يستمر الحراك بلا أيّ نتيجة لبلوغ قانون توافقي في المدى المنظور. لكن ما يسجَّل على هذا الحراك أنّ كلّ الأطراف تغسل أيديها من الفشل، وتنأى بنفسها عن التعقيد الحاصل، فيما تتمسّك بمواقفها وطروحاتها وكأنّها مُنزَلة غير قابلة للتعديل أو النقاش.
وهذا ما تعكسه النقاشات الجارية، وآخرُها الاجتماع الذي عقِد أمس في وزارة الخارجية، وحضَره: الوزير جبران باسيل، المعاون السياسي لأمين عام «حزب الله» الحاج حسين خليل، النائب جورج عدوان، النائب ألان عون، النائب ابراهيم كنعان، والنائب غازي العريضي ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري.
وعكسَت أجواء الاجتماع أن «لا خرقَ بعد، والبحثُ تطرّقَ إلى الخطوات الأخيرة التي يجب استكمالها، فيما قالت مصادر شارَكت في الاجتماع لـ«الجمهورية» إنّ «الاجتماع كان فاشلاً، والنقاش الذي دار فيه أقربُ إلى النقاش العبثي، بحيث عُدنا إلى ما دون نقطة الصفر».
وبحسب المعلومات، فقد أصرّ باسيل في الاجتماع على السير بالمشروع التأهيلي كـ«حلّ هو الأفضل» للوضع الانتخابي المعقّد، مقروناً بطرح إنشاء مجلس الشيوخ في آنٍ معاً.
وقد أيَّد نادر الحريري باسيل، فيما أبدى ممثّل «حزب الله» ملاحظات أساسية على طرحه، أمّا موقف «القوات اللبنانية» فلم يكن مؤيّداً بالكامل، خصوصاً وأنّ عدوان طرَح سلسلة أسئلة وملاحظات جوهرية حوله وحول مدى قدرةِ هذا الطرح على جذبِ توافقِ السياسيين عليه.
إلّا أنّ الأبرز كان موقف ممثّل الحزب التقدمي الاشتراكي النائب غازي العريضي، الذي قدّم مرافعة اعتراضية مطوَّلة على التأهيلي، وصِفت بالشديدة اللهجة، وفيها:
«قلتم بالتوافق على قانون انتخابي، ونلاحظ أنّكم تراجَعتم عن هذا الأمر، فلماذا؟
مع الأسف يتمّ التعاطي مع قانون الانتخاب ليس كقانون أساسي حسّاس، بل كقانون عادي، بل أقلّ من قانون عادي أو قرار عادي أو بند عادي في مجلس الوزراء يتعلق بقبول هبة أو ما شابه.
«نسمع أنّ هناك من يريد أن يطرح الموضوع الانتخابي على التصويت في مجلس الوزراء، نقول لكم إنّ هذا الأمر خطير ومن شأنه أن يقسم البلد».
«نحن نقول لكم الآن، نحن مع النسبية، فلنَدخل في بحث هذا الأمر».
«التأهيلي نرفضه جملةً وتفصيلاً. والعجب في أنكم تقولون إنّكم تريدون الخروج من الحال الطائفية، ونجدكم في الوقت نفسِه تطرحون التأهيلي الذي يكرّس الطائفية ويُعمّقها أكثر».
«نحن لا نريد مجلس شيوخ، ولسنا نطالب بإنشائه. قالوا لنا إنّ مجلس الشيوخ لكم، ومِن الطائف حتى اليوم لم نأتِ على ذِكره أو طلبِ إنشائه، لأننا نعرف تركيبة البلد. وها أنتم تطرحون الأمور «بالمقلوب»، ذلك أنّ الوصول إلى مجلس الشيوخ يتطلّب مساراً طويلاً يبدأ بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ثم إلغاء الطائفية السياسية، ثم انتخابات لمجلس نيابي على أساس وطني وصولاً إلى مجلس الشيوخ».
«أنتم تقولون إنكم ضد التمديد، فمن قال إننا نريد التمديد، ومن قال إنّ الرئيس بري والنائب جنبلاط يريدان التمديد، نحن نريد قانوناً جديداً، ويدُنا ممدودة لإيجاد قانون قبل 15 أيار».
بري: لم يعُد عندي شيء
واللافت للانتباه، كان غياب ممثّل الرئيس نبيه بري الوزير على حسن خليل عن الاجتماع. وعلمت «الجمهورية» أنّ هذا الغياب تمّ بقرار من بري كتعبير عن امتعاض من كيفية التعاطي مع الملفّ الانتخابي، لا سيّما حول الطرح الأخير الذي تقدّم به بري وسلّمه إلى الأطراف السياسية.
وقال بري إنّ «الجو الانتخابي تعرّضَ لرياح لطيفة في الساعات الماضية حملت معها أجوبةً إيجابية ومشجّعة» على طرحه حول النسبية ومجلس الشيوخ الذي تقدَّم به وأودعَه القوى الأسياسية.
وكان لافتاً للانتباه ترحيب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بهذا الطرح، وكذلك كان موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان إيجابياً جداً، إضافةً إلى موقف النائب وليد جنبلاط، وصولاً إلى «القوات»، حيث اتّصَل النائب جورج عدوان مشيداً بالطرح ومؤكّداً أنه مهمّ جداً، وجدير بأن يُعتمد. وتلا هذا الاتصال لقاء بين عدوان والوزير علي حسن خليل.
وأشار بري إلى أنّ «الأمور انحدرت مساء الخميس وبشكل مفاجئ من الإيجابية إلى السلبية، مع أنّنا اعتقدنا أنّ الأمور شارفَت على أن تصل إلى خواتيمها السعيدة لولا جاءَنا ردٌّ سلبي قبل منتصف الليل صَدم الأمور بالحائط».
وعلمت «الجمهورية» في هذا السياق من مصادر قريبة من بري أنّ باسيل، أرسَل بُعيد الحادية عشرة مساء الخميس رسالة عبر «الواتساب» يعترض فيها على طرح بري، بمعنى أنه قدّم طرحاً يضع مجلس النواب تحت إشراف مجلس الشيوخ.
وقال بري: أنا أمام ما استجدّ لم يعُد عندي شيء، فقد قدّمتُ لهم أفضلَ ما يمكن أن يقدَّم لهم، الكرة ليست في ملعبي، بل هي في ملعبهم. لا أقبل بالتمديد أبداً، ولا أقبل بالفراغ أبداً، الكرة عندهم ومسؤوليتُهم أن يصلوا إلى قانون توافقي، وأنا أنتظرهم.
وعن سبب غياب خليل عن اجتماع الخارجية قال بري: إنّه مشغول.
وعن الجلسة التشريعية في 15 أيار قال: ما زالت الجلسة في موعدها، وإن اكتمل نصابُها وانعقدت كان به، وإلّا فستُؤجّل إلى موعد آخَر، وهكذا حتى تنعقد.
مصادر مسيحية
وحذّرَت مصادر سياسية مسيحية مستقلّة من أنّ الصيَغ المتداولة حتى الآن تصبّ كلّها في خانة التمديد، معتبرةً أنّ التمديد لا يكون فقط بقانون يمدّد ولاية النواب الحاليين وإنّما يمكن أن يتمّ من خلال العودة إلى الستين أو من خلال صيَغ أخرى تؤدّي عملياً إلى النتائج ذاتها التي يفرزها قانون الستين.
ورأت أنّ رفض التمديدِ يعني رفض التمديد للأسلوب المعتمد في الحكم، بحيث يصرف النظر عن التمديد لسياسة استبدال الدستور بتسويات سياسية من خارج المؤسسات الدستورية، ولسياسة التفاهم المسبَق على نتائج أي انتخابات بحيث تنتفي الحاجة إلى وظيفة الانتخابات التي يفترض أن تترجم ما يريده الناخبون لا ما يتّفق عليه رؤساء الكتل.
وقالت المصادر إنّ أيّ صيغة لا تجدّد في التركيبة السياسية للمجلس النيابي، وتجعل منه رهينة إرادة ثماني كتل نيابية تمثّل الثنائيات الحزبية في كلّ طائفة هي بمثابة تمديد مقنّع للأزمة السياسية المستمرّة منذ سنوات».
زيارة البابا
وفيما سرَقت زيارة البابا فرنسيس إلى مصر ولقاؤه الرئيس عبد الفتّاح السيسي وبابا الأقباط تواضروس الثاني وشيخ الأزهر أحمد الطيب الأضواءَ، أكّد راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله لـ«الجمهورية» أنّ الزيارة «هي رسالة تضامُن مع الأقباط والشعب المصري بعد التفجيرات الإرهابية في البلاد في أحد الشعانين، والبارز فيها لقاءاتُه، ما يؤكّد على رسالته الإنسانية»، وستساهم الزيارة في تعميق الحوار المصري الداخلي وتخفّف التوترات المذهبية وتساعد في حوار الأديان».
وتمنّى خيرالله أن يلبّي البابا دعوةَ عون لزيارة لبنان قريباً، وقال إنّ الكنيسة تنظر بأمل إلى زيارات كهذه، خصوصاً أننا بأمسّ الحاجة إلى الانفتاح لمحاربة الإرهاب والتكفير».
سعيد
ووصَف رئيس «لقاء سيّدة الجبل» النائب السابق الدكتور فارس سعيد زيارة البابا بأنّها تاريخية. وقال لـ«الجمهورية»: «الصورة التي جَمعت الرَجل الأبيض، رَجل السلام بمِصر هي صورة العصر، لأنّ رَجل السلام العالمي يأتي في لحظة يستهدف الإرهاب الكنائسَ المصرية، وهو يتحدّى الإرهاب والخوف والعنف بلباسه الابيض بأنّه فعلاً رَجل السلام، أمّا لقاؤه مع شيخ الازهر فهو لقاء بالغ الاهمية لانه يبحث دائماً عن كلّ المساحات المشتركة لخير البشرية والانسانية، وفي لحظة الاستقطاب المذهبي وفي مرحلةٍ تذهب المنطقة باتجاه العنف والحرب يأتي البابا ليقول إنّ الدين المسيحي هو دين السلام والانفتاح والحوار مع الآخر».
وعن انعكاسات الزيارة على المسيحيين، أجاب سعَيد: اولاً، إنّ زيارة البابا لمصر تؤكد انّ المسيحيين في هذه المنطقة هم جزء لا يتجزّأ منها، يربطهم مع المسلمين تاريخ وحاضر ومستقبل مشترك، وبالتالي لا يمكن ان يكونوا خارج إطار هذه المنطقة.
ثانيا، زيارة البابا تندرج في إطار الحاجة المشتركة لدى فريق العالم العربي والاسلامي لهذا الانفتاح الكنسي حتى يفصل صورته عن صورة الارهاب. كذلك العالم المسيحي او دوائر القرار المسيحية هي بحاجة الى البابا فرنسيس من اجل التقارب الاسلامي ـ المسيحي في العالم، وبالتالي هناك مصلحة مزدوجة.
فالعالم العربي والاسلامي هو في أزمة وبحاجة لأن يعقد العلاقة مع الكنيسة من اجل فصلِ صورته عن صورة الارهاب، والعالم المسيحي ايضاً الذي يأخذ إجرءات وتدابير ضد العالم الاسلامي هو ايضاً بحاجة لهذه الكنيسة من اجلِ الربط مع العالم العربي والاسلامي وبين الغرب والعالم العربي والاسلامي. الكنيسة كانت ولا تزال الرابط الانساني والبشري بين الحضارات، وهذه الزيارة اساساً إيجابية على المسيحيين والمسلمين».