أعلنَ لبنان رسمياً الانتصارَ على الإرهاب، وسيحفر يوم 30 آب 2017 في الوجدان اللبناني علامة مضيئة لا تُنسى. وجاء الإعلان من على المنصّة الرئاسية التي أطلّت على مشهد لبناني جديد انطوَت فيه صفحة إرهاب الجرود، وقاربَته كصفحة جديدة تضع اللبنانيين أمام امتحان مدّها بكلّ عناصر التحصين الداخلي. في وقتٍ يتحضّر لبنان للمشاركة في عرس الشهادة الكبير الذي سيقام للعسكريين الشهداء، بعدما اقترَب الحسم النهائي لنتائج فحوص الـDNA. وإذا كان لهذا الانتصار صداه الإيجابي داخلياً فإنّه شكّلَ فرصةً جديدة لجلاء الصورة، سواء حول عملية «فجر الجرود» أو علاقات لبنان الخارجية، التي تصدّرَها تقدير المجتمع الدولي وفي مقدّمته الولايات المتحدة الاميركية، لانتصار الجيش والتهنئة التي تلقّاها لبنان على كلّ مستوياته الرسمية. وفي هذه الأجواء، تبنّى مجلس الامن الدولي بالإجماع قراراً بتمديد مهمة «اليونيفيل» لمدة عام، وذلك بعد خلافات مع واشنطن التي كانت تريد تعزيز المهمة بشكل جوهري. ودارت نقاشات محتدمة حتى لحظة التصويت على القرار لتقريب وجهات النظر بين الاميركيين والأوروبيين، خصوصاً بزعامة فرنسا وايطاليا، المساهمتين الكبريين في هذه القوة.
في هذا الوقت إستمرّ التصعيد الاميركي ضدّ «حزب الله»، وقالت السفيرة الاميركية في الامم المتحدة نيكي هايلي بعد التصويت أن «غيوم الحرب تتراكم في جنوب لبنان والقرار يطلب من اليونيفيل مضاعفة الجهود حتى لا يكون هناك من أسلحة وارهابيين في هذه المنطقة»، لافتةً الى أنّ «الوضع يبقى بمنتهى الصعوبة في جنوب لبنان وخصوصاً مع تكدّس سلاح خارج عن سيطرة الحكومة اللبنانية».
وشددت على أن «الولايات المتحدة لن تبقى مكتوفة الأيدي بينما يعزز «حزب الله» نفسه استعداداً للحرب».
من جهتهما، أكدت فرنسا وإيطاليا أن ولاية اليونيفيل حافظت على جوهرها رغم إدخال تعديلات على لهجة نص القرار بطلب من واشنطن.
وجاء في إحدى فقرات نص القرار الذي تم تبنيه أنه سيُطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس النظر في سبل تعزيز جهود اليونيفيل في ولايتها وقدراتها الحالية.
الانتصار
الى ذلك، تَبادلَ لبنان التهاني بالانتصار، وشدَّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على يد الجيش وحدّد أولوية تلاقي اللبنانيين في هذه المرحلة. وكذلك فعَل رئيس مجلس النواب نبيه بري في احتفال ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، فنظرَ بعين التقدير إلى الجبهتين في الجرود اللبنانية، متوجّهاً بالتحية المزدوجة الى تضحيات العسكريين وكذلك المقاومين، مؤكّداً في الوقت ذاته على العلاقة اللبنانية ـ السورية.
فيما حدّد قائد الجيش العماد جوزف عون للعسكريين في «أمر اليوم» أولويات ما بعد «الإنجاز الباهر الذي حقّقتموه والذي طوى مرحلةً أليمة من حياتنا الوطنية، كان يَجثم فيها الإرهاب على جزءٍ غالٍ من ترابنا الوطني».
وفي وقتٍ ينتظر لبنان إقامة يومٍ وطنيّ للعسكريين الشهداء، أنهى «حزب الله» استعداده لاحتفال اليوم في بعلبك، حيث سيلقي امينه العام السيد حسن نصرالله خطاباً، قال قياديّ في الحزب إنه «خطاب على مستوى الانتصار الكبير الذي تَحقّق، وعلى مستوى عيد التحرير الثاني، وانتصار محور على محور، والانتصار على الارهاب والتكفير في العراق وسوريا ولبنان». وأكّد أنه «سيضع الانتصار في سياق الصراع مع العدوّ الاسرائيلي والتكفيري، والدفاع عن لبنان في وجه إسرائيل»، من دون ان يتناول التفاصيل المحلية.
واشنطن تبارك
وباركت واشنطن عملية الجيش ضدّ الارهابيين، واتّصل قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال جوزف فوتيل بقائد الجيش العماد جوزف عون مهنّئاً على نجاح عملية «فجر الجرود» وأداء الوحدات التي شاركت فيها. وأكّد له استمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني بالأسلحة والعتاد لتطوير قدراته وتعزيز مهمّاته.
وشكرَ العماد عون لفوتيل اتصالَه وتهنئته ومواصلة الدعم الأميركي، وأكّد له أنّه كان للمساعدات الأميركية التي قُدّمت للجيش الدورُ الفاعل والأساس في نجاح هذه العملية.
مصدر عسكري
وكان مصدر عسكري رفيع قد أكّد لـ«الجمهورية» أنّ الدعم الدولي للجيش ما زال قائماً ولم يتبدّل شيء بعد انتهاء المعركة»، وأنّ «الأميركيين سيتابعون برنامج التسليح الذي بدأ منذ أعوام، وأبلغوا قيادةَ الجيش بهذا الأمر، ولا صحّة لا من قريب أو بعيد بأنّهم أوقفوا التسليح وسَحبوا معدّات عسكرية، فهم لم يَسحبوا «برغياً واحداً».
وتحدّث عن «زيارات قريبة لوفود عسكرية أميركية الى قيادة الجيش، ما يَدحض كلّ الشائعات التي تُبَثّ وهدفُها ضربُ معنويات المؤسسة العسكرية»، وقال إنّ السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد «على اتّصال دائم بالقيادة، تُعزي كلّما سقط شهيد، وتتابع مجريات المعركة وتزور اليرزة دوريّاً».
وتحدّث المصدر «عن وصول دفعات جديدة ونوعية من الأسلحة الأميركية الى الجيش قريباً تتضمن طائرات «السوبر توكانو» وملّالات «البرادلي»، وأنواعاً أخرى». وقال: «ما ينطبق على الأميركيين ينطبق على البريطانيين الماضين في تدريب وتجهيز أفواج حماية الحدود، وسيستمرّون بمنحِ الجيش معدّاتِ المراقبة المتطوّرة والأسلحة الضرورية». وأكّد أنّ «الشراكة بين الجيش اللبناني والأميركيين والبريطانيين إستراتيجية، ونال الجيش تهانئَ دولٍ عدّة».
الميدان
وواصَل الجيش انتشارَه على الحدود اللبنانية والتمركزَ في النقاط التي كانت المجموعات الارهابية تحتلّها، بالتوازي مع إقامة نقاط ثابتة ومتنقّلة ودوريات في المنطقة، وخصوصاً في منطقة رأس بعلبك حيث قوبِلت بترحيب شعبيّ ملحوظ.
يأتي ذلك في وقتٍ ظلّت عملية إجلاء مسلحي «داعش» محلَّ تساؤلات، وسط مطالباتٍ بالاقتصاص من قتَلة العسكريين، فيما نفّذ طيران التحالف الدولي غاراتٍ لقطعِ الطريق أمام قافلة «داعش» التي رَحلت من الحدود السورية ـ اللبنانية، لمنعِها من الوصول إلى البوكمال، وسط استمرار الاعتراض العراقي على صفقةِ الجرود التي قضَت بنقلِ الإرهابيين الى الحدود العراقية. وهو ما حملَ السيّد نصرالله إلى إصدار بيان باسمِه موجّهٍ إلى العراقيين، قال فيه: «معركتُنا واحدة وانتصارنا على «الدواعش» وحلفائهم سيكون تاريخيا».
البواخر
على صعيد آخر، باتت مناقصة بواخر الكهرباء في عهدة إدارة المناقصات لدراستها وإبداء رأيها فيها ووضعِ ملاحظاتها عليها. على أنّ إحالة الملف إليها والتي تمّت قبل أيام، لم تقترن حينها بقرار مجلس الوزراء الذي يحدّد المطلوبَ منها فعلاً، بل تأخّر ومن ثمّ أحيلَ إليها في وقتٍ لاحِق، علماً أنّ القرار مؤرّخ بتاريخ 24 آب 2017 وجاء في 3 صفحات فولسكاب تضمَّنت مقدّمة حول موضوع المناقصة، والمستندات المرتبطة بها، وحول قرار مجلس الوزراء في جلسة 17 آب 2017 الذي طلب فيه الى وزير الطاقة «إعدادَ دفتر شروط لاستقدام معامل لتوليد الكهرباء بقدرة حوالى 400 ميغاوات لـ3 أشهر و400 ميغاوات لـ6 أشهر من تاريخ فضّ العروض، وعرض الدفتر خلال اسبوع على المجلس لإقراره، على ان يتضمّن كفالة تأمين مؤقّت بقيمة 50 مليون دولار لكلّ 400 ميغاوات، وتأميناً نهائياً وغرامات التأخير عن مهلة التسليم المحددة بـ 90 يوماً للقسم الأوّل و180 يوماً للقسم الثاني من تاريخ فضّ العروض».
كذلك تضمّنت إشارةً الى انّ وزارة الطاقة وعملاً بقرار المجلس، أعدّت دفتر الشروط المعدّل. حيث نصّ قرار مجلس الوزراء وفق الصيغة النهائية التي وضَعتها الامانة العامة (والتي أحيلت إلى إدارة المناقصات) على «الموافقة على إدخال بعض التعديلات على دفتر الشروط الخاص باستدراج عروض لاستقدام معامل توليد الكهرباء وفق إطار أعمال تحويل الطاقة» وفقاً لما يلي:
– تمديد مهلة تقديم العروض من اسبوعين الى 3 أسابيع.
– على العارض أن يقدّم ضمن عرضِه كتابَ ضمان بقيمة 50 مليون دولار اميركي عن القسم 1 (محطة دير عمار)، و50 مليون دولار اميركي عن القسم 2 (محطة الزهراني).
– على كلّ عارض ان يتعهّد بإنجاز كافة الاشغال كحدّ أقصى خلال مدة 90 يوماً للمعمل الاوّل، و180 يوماً للمعمل الثاني.
– يمكن للوزارة مصادرة الكفالة في حال تخلّف العارض أو امتنَع عن تقديم كتاب الضمان النهائي، أو في حال امتنَع عن توقيع العقد.
– يقوم الوزير بإحالة دفتر الشروط المذكور الى ادارة المناقصات في التفتيش المركزي متضمّناً هذه الملاحظات لبيان الرأي وفقاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، وعلى إدارة المناقصات إبداء رأيها به خلال مدة أقصاها 48 ساعة.
– يمكن للعارض الذي ترسو عليه الصفقة، في أيّ مرحلة من مراحل تنفيذ العقد، أن يقدّم عرضاً يتضمّن المشتقات «الهيدروكربونية»، على ان يرفع الوزير المختص هذا العرض الى مجلس الوزراء للتقرير بشأنه».
مشروع اشتباك
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «نصُّ القرار كما أحيلَ إلى إدارة المناقصات، يتضمّن التباسات، وكأنّ هناك عَوداً على بدءٍ في المناقصة وتكرارَ ذاتِ الأسلوب الذي اعتُمد مع المناقصة السابقة.
فالقرار لم يَلحظ ملاحظات الوزراء، ولا مآخذ إدارة المناقصات، ما يعني عودةَ الأمور الى حيث كانت، والمريب في القرار أنه يُضيّق الهامش أمام إدارة المناقصات والذي يتيح لها وضعَ التعديلات والملاحظات حول دفتر الشروط، وفقاً لقانون المحاسبة العمومية وغيرِه من القوانين ذات العلاقة.
بل حدّد لها سلفاً وحصراً التعديلات المطلوبة منها، وضيَّق عليها المدى الزمني وحشَرها بمهلة ٤٨ ساعة استباقاً لأيّ توسّعٍ منها في ممارسة صلاحياتها. وأُجِّلت الخيارات الأخرى الى ما بعد رسوِّ التلزيم، واللافت أنّه تمّ حصرُ هذه الخيارات بنوع المحروقات فقط».
وتخوّفَت المصادر ممّا يبيّته «حزب كارادينيز»، في إشارة منها إلى الشركة التركية المؤجّرة للبواخر والمرتبطين بها محلياً، وقالت: «لا علاقة لنصّ القرار كما أحيلَ إلى إدارة المناقصات بتصريحات الوزراء قبل جلسة مجلس الوزراء وبَعدها، ولا بالاعتراضات والانتقادات والتعديلات التي طلبوها. وهو أمرٌ قد يفتح البابَ على اشتباك جديد قد يكون أشدَّ وطأةً من الاشتباك السياسي الكهربائي الذي دار حول المناقصة السابقة».
وبحسب الأجواءِ المحيطة بإدارة المناقصات، فإنّها تتّجه إلى مقاربة كافّة الأسباب والملاحظات والاعتراضات والالتباسات، وتحديدٍ صريح لأيّ شوائب ومخالفات قانونية أو مالية أو إجرائية تعتري المناقصة الجديدة، بحيث تُغلّب المصلحة العامة والعرضَ الأنسب على معيار تأمين الكهرباء بأسرع وقتٍ ممكن وبأيّ ثمن، علماً أنّ قراءةً أوّلية للملفّ بيَّنت خَللاً موصوفاً تجلّى في اكتشاف مخالفات ماليّة وضريبية، بما يَجعل وزارة المالية معنيةً بالتدقيق مليّاً فيها.
طعنُ «الكتائب»
إلى ذلك، نجح حزب الكتائب في جمعِ تواقيع 10 نوّاب، وتقدَّم أمس بالطعن في قانون الضرائب أمام المجلس الدستوري. وسجّلَ رئيس الحزب النائب سامي الجميّل الطعنَ بقلمِ المجلس في انتظار أن يعقد المجلس الدستوري جلسةً عند العاشرة صباح اليوم للبحث في الطعن المقدّم، والذي وقّع عليه النواب: سامي الجميّل، خالد الضاهر، إيلي ماروني، فادي الهبر، سامر سعادة، سليم كرم، فؤاد السعد، بطرس حرب، دوري شمعون ونديم الجميّل.
وأوضَح الجميّل أنّ الطعن لا يُطاول سلسلة الرتب والرواتب، وقال «إنّ الكتائب أكّدت منذ البداية أنّ الدولة قادرة على تأمين موارد السلسلة من دون المسّ بجيوب المواطنين».
وشرَح حرب لـ«الجمهورية» الأسبابَ الموجبة التي دفعته إلى التوقيع على الطعن، واختصَرها بعنوانين: عجز السلطة عن ممارسة واجبِها في مراقبة وضبطِ الأسعار في الأسواق، واستمرار الهدر والإنفاق غير المجدي في الدولة، وتمرير الصفقات التي تنطوي على سمسراتٍ مكشوفة، تؤدّي إلى هدر المال العام.
وعن الفترة التي قد يَستغرقها، في تقديره، البتُّ في الطعن، قال: «إنّ المدّة المنطقية ينبغي ألّا تتجاوز الشهر».
وأشارَ كرم لـ«الجمهورية» إلى أنّ السلسلة التي أُقرّت بموجب قانون الضرائب التمويلية، ستؤدّي إلى إفلاس الدولة، على غرار ما حصَل في اليونان. ورأى أنّه مِن الأفضل إعادة دراسة الضرائب بشكل أوضح، «خصوصاً أنّ الكلّ بات يَعلم ما هي مصادر الفساد في الدولة».
من جهته، رأى الهبر أنّ إيرادات السلسلة كان من المفترض أن تتأمّن من خلال سياسة تقشفية تتَّبِعها الحكومة وليس من جيوب الشعب. وقال لـ«الجمهورية»: «المطلوب اليوم اتّباعُ سياسةٍ تقشّفية، وإذا أخفَقت هذه الحكومة في الحدّ من الإنفاق غير المجدي فلتستقِل».
ويتبيّن من الطعن المقدّم أنّ المطلوب إبطالُ القانون برُمَّته، وليس موادّ محدّدة فيه. وبالتالي، فإنّ الأسئلة المقلقة التي طرَحتها أوساط ماليّة واقتصادية، ماذا سيصيب الماليّة العامة للدولة إذا تمَّ إلغاء الإيرادات، وتمَّ الإبقاء على الإنفاق الإضافي الذي يفرضه تنفيذ قانون السلسلة ؟ (ص 11)