IMLebanon

مانشيت:الشكوى اللبنانية: إحتمالات إسرائيلية مفتوحة.. والأجهزة: مواجهة الإرهاب مستمرّة

المشهد الداخلي عائمٌ على مجموعة ملفّات حسّاسة وساخنة طفَت على سطحه، تُنذر بـ«تلقيم» الأجواء ودفعِ القوى السياسية إلى خلفِ متاريس الاشتباك مجدّداً. وإذا كان الداخل ما زال محكوماً بارتدادات التحقيق الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجلاء قضية العسكريين الشهداء في عرسال في العام 2014، ظلّ العامل الإسرائيلي ضاغطاً بتصويبه تجاه لبنان في الآونة الأخيرة ربطاً بـ«حزب الله»، بالتهديدات المتتالية والمناورات على الحدود وزرعِ أجهزةِ تجسُّسٍ داخل الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى «الغارة الصوتية» في أجواء صيدا، الأمر الذي دفعَ لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضدّ إسرائيل. في وقت يستمر الإرهاب بالضرب في المنطقة حيث حط رحاله أمس في سيناء في مصر موقعاً عدداً كبيراً من الضحايا.

بالتوازي مع المناورات الإسرائيلية، لوحِظ أنّ «حزب الله» رَفع من درجة استنفاره على الحدود الجنوبية، بالتزامن مع دوريات مكثّفة لـ«اليونيفيل» على طول الحدود، في وقتٍ أجرَت قيادة القوات الدولية اتّصالات مكثّفة بالجانبين اللبناني والإسرائيلي، لضبطِ النفس واحترام قواعد الاشتباك القائمة والمحدّدة وفقاً للقرار 1701. وأكّد أحد المسؤولين لـ«الجمهورية» أنّ «أجواء الاتصالات الدولية إيجابية وتعكس أن لا أحد راغبٌ بالتصعيد».

يتواكب ذلك مع قراءةٍ متشائمة لأحد الخبراء بالشأن الإسرائيلي، تَعتبر «أنّ حصول المناورات الإسرائيلية على الحدود لا يعني أنّ الحرب غداً، ولكن مجرّد حصولِها بحجم القوات المشاركة فيها يَعني أنّ مواجهةً عسكرية مسرحُها لبنان، ليست مستبعَدة».

وإذ أشار إلى أنّ المناورات تمّت بتنسيق أميركي ـ إسرائيلي، لفتَ إلى أنّ تدريباتها حاكت التضاريسَ اللبنانية. لكن لا شيء حالياً يشير الى حصول اعتداء اسرائيلي وشيك على لبنان، بحكمِ المعطيات الاقليمية والدولية من جهة، والاسرائيلية الداخلية من جهة ثانية.

يلتقي ذلك مع تأكيد رسمي لبناني على اخذِ الأخطار الاسرائيلية على محملِ الجدّ، ومِن هنا جاءت الشكوى الى مجلس الامن الدولي.

وعليه، دعَت مصادر سياسية رفيعة المستوى «إلى أن تُركّز الدولة اهتمامَها على الأوضاع الجنوبية بدل الالتهاء بتحقيقات بلا أيّ جدوى أو نتيجة أو مردود إيجابي ، بل ربّما تؤدّي إلى سلبيات».

مشيرةً إلى «إحراجٍ بدأ يَظهر في بعض مستويات الحكومة والدولة بشأن هذا التحقيق، وهناك شِبه إجماع وطني ضدّ ما حُمّل هذا التحقيق من بُعدٍ سياسي والتباساتٍ وتصفية حسابات».

وكان رئيس الحكومة سعد الحريري قد اتّصَل من مقرّ إقامته في موسكو بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وطلبَ منه تقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي ضد اسرائيل لزرعِها أجهزةً للتجسّس في الأراضي اللبنانية وخرقِ الطيران الحربي الاسرائيلي المتواصل للاجواء اللبنانية، وخصوصاً قيام الطائرات الاسرائيلية بخرقِ جدارِ الصوت فوق مدينة صيدا.

عون يدين

وأدرَج رئيس الجمهورية انتهاكات إسرائيل «في إطار محاولات الكيان الإسرائيلي توتيرَ الوضع في لبنان وتهديد استقرارِه وخلقَ حالةٍ من القلق الداخلي».

وأكّد أنّ الشكوى «لن تكون مجرّد إجراء ديبلوماسي روتيني بل ستتمّ ملاحقة مفاعيلها، ذلك أنّ لبنان الذي انتصر على الإرهاب التكفيري مصمّم كذلك على عدمِ السماح بأيّ انتهاك لسيادته، وفق ما تقتضيه مصلحته العليا وتنصّ عليه قرارات الشرعية الدولية ومواثيقها».

إجتماع اليرزة

ومتابعةً للوضع الأمني، عَقد قائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه في اليرزة، اجتماع عملٍ مع قادة الأجهزة الأمنية، ضمَّ المديرَ العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، المديرَ العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمديرَ العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وجرَت متابعة تنفيذِ مقرّرات الاجتماع الأخير لمجلس الدفاع الأعلى، وتعزيز التعاون والتنسيق لضبطِ الحدود، وملاحقة المطلوبين وترسيخ مسيرة الأمن والاستقرار.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الاجتماع تطرّقَ إلى كلّ الملفات والأخطار التي تهدّد لبنان، خصوصاً في المرحلة المقبلة، إذ إنّ الاسترخاء الأمني ليس وارداً في هذه الفترة بعد دحرِ «داعش»، لأنّ مستوى التهديد ما زال مرتفعاً، والعين الأمنية يجب أن تبقى يقِظة.

مصدر عسكري

وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «المعركة الأساسية ضدّ الإرهاب انتهت، والعمل يتركّز الآن على ملاحقة الخلايا النائمة وضربِ البؤر التي كانت تشكّل ملاذاً لهم».

وأوضَح أنّ «المؤسسة العسكرية لا تدخل في سجالات سياسيّة، والجميعُ تابَع المعركة وأدرَك أنّه لم يكن هناك تنسيقٌ مع «حزب الله» والنظامِ السوري، فالجيش خاضَ المعركة على أرضه بينما قاتلَ الحزبُ والجيش السوري في سوريا، فالجَبهتان منفصلتان، وخطّ القتال لم يكن مشتركاً، والجيش كان مصمّماً على القضاء على «داعش» والقبضِ على عناصرها ومحاكمتِهم، فيما حاكَ الآخرون صفقة تهريبِهم من الجهة الأخرى، وعلى رغم ذلك انتصر الجيش ودحرَ الإرهاب».

وكشفَ المصدر أنّ «قيادة الجيش ستقيم احتفالاً تكريمياً للوحدات المقاتلة التي شاركت في معركة فجر الجرود في رياق كعربونِ تقديرٍ على الجهود والتضحيات التي بَذلوها في سبيل الوطن». وأكّد أنّ «خطّ الجيش معروف لدى الجميع وهو الدفاع عن لبنان واستقلاله، وليس له أيّ دخلٍ بالمشاريع الإقليمية، فيما لا عودة إلى مقولة «جيشُنا ضعيف» لأنه أثبتَ أنّه الوحيد الذي يَحمي لبنان ولا يحتاج أيَّ قوّة رديفة».

وفيما يواصل السفير البريطاني هيوغو شورتر جولتَه على القيادات، علمت «الجمهورية» أنّ «شورتر الذي زار بعبدا أمس، هنّأ رئيس الجمهورية بانتصار الجيش، لكنّه تحفَّظ عن صفقة تهريب الإرهابيين وأكّد استمرارَ دعمِ بلاده للمؤسسة العسكرية واستكمالَ مشروع تدريب أفواج الحدود البرّية لضبطِ الحدود اللبنانية – السورية ومراقبتِها عبر أبراج المراقبة الحديثة المقدَّمة من بلاده.

خطاب هادئ

سياسياً، لوحِظ استمرارُ الخطاب الهادئ بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، واللافتُ أمس، ردُّ مصادر المكتب الإعلامي للحريري على كلام نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن إمكانية عقدِ اجتماعٍ بين الحريري والسيّد حسن نصرالله، حيث لم يتضمّن الردّ رفضاً لمبدأ عقدِ اللقاء. وجاء في الردّ: «الحريري يقوم بواجباته كرئيس للحكومة اللبنانية، وعندما تنضج الأمور سنرى».

بواخر الاشتباك

على صعيدٍ آخر، لم تنتهِ فصول صفقة بواخر الكهرباء التي قد تُشعل فتيلَ جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد في بعبدا بعد غدٍ الخميس. وعلمت «الجمهورية» أنّ حُماة هذه الصفقة يَسعون إلى فرضِ القبولِ بالمناقصة لمصلحةِ الشركة التركية مهما كلّفَ الأمر.

وشهدَت الساعات الماضية عودةً متجدّدة لبعض الجهات السياسية والرفيعة المستوى في تيار سياسي لممارسة ضغوطٍ شديدة على إدارة المناقصات لتسهيل تمرير المناقصة وفقَ دفترِ الشروط الذي أعدَّه وزير الطاقة سيزار أبي خليل.

وبحسبِ المعلومات الموثوقة فإنّ هذه الضغوط المتجدّدة، تَواكبَت مع إحالة وزير الطاقة في الساعات الأخيرة جوابَه إلى إدارة المناقصات على التقرير الذي أعدّته حول دفتر شروط «مناقصة البواخر -2»، وتضمّنَ ملاحظات سلبية على الدفتر، وثغرات كبرى، لا سيّما فقدان المنافسة وتفصيل الدفتر على مقاس الشركة التركية.

وتبدو الأجواء مشحونةً كهربائياً على أكثر من خطّ سياسي، وهو ما قد يتمّ التعبير عنه في جلسة مجلس الوزراء. وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «البلد على كفّ عفريت، وهناك من يعمل لتهريب صفقةٍ تحت جنحِ الظلام، هذا لن نسمحَ به، وسنقول كلمتَنا في مجلبس الوزراء».

وعمّا إذا كان دور إدارة المناقصات قد انتهى مع جواب الوزير على تقريرها، أجابَ المرجع: «الإدارة قامت بواجبها وبدورها الرقابي المطلوب منها بشفافية ومسؤولية، ودورُها لم ينتهِ، بل مسؤوليتُها تفرض عليها أن تردَّ على جواب الوزير الذي يصرّ على شروطه، وتقترح تركَ الأمرِ لمجلس الوزراء كونه هو صاحب القرار النهائي في الأمر وليس وزير الطاقة».

جواب الوزير

وفي قراءةٍ أوّلية لجواب وزير الطاقة الذي أودعَه إدارةَ المناقصات، تستنتج مصادر معنية بهذا الملف أنّه تمّ الأخذُ بكامل الملاحظات التقنية والإدارية التي لا علاقة لها بالمنافسة، وهذا أمرٌ مستغرَب. كما لم يتمّ التقيّد بأيّ ملاحظة من شأنها إخراجُ دفتر شروط الصفقة من عنقِ زجاجة العارض الوحيد (الشركة التركية)، فخَيار البرّ مرفوض بحججٍ غيرِ مقنِعة، ليس أقلّها أن لا أرض للعارضين مقابل المعملين، وأنّ الابتعاد عن المعملين يَجعل الربط بالشبكة متعذّراً.

ولاحظَت المصادر وجودَ محاولةٍ لتخطّي قرار مجلس الوزراء، إذ إنّ مهلة الـ ٦ أشهر والـ٣ أشهر لا يمكن تخَطّيها لأنّها واردة في قرار المجلس الذي يتقدّم قانون المحاسبة العمومية مرتبةً وهو لا يُمسّ. كما أنّ مهلة تحضير العروض موافقٌ عليها أيضاً في مجلس الوزراء وهي أيضاً لا تُمسّ.

واعتبرَت المصادر أنّ خيار الغاز الطبيعي يتعلّق بما سمّاه الوزير الملاءَمة ولا علاقة لإدارة المناقصات به وإنْ مسَّ المنافسة.

ولاحظت أيضاً أنّ إشارة إدارة المناقصات إلى توفّرِ الاعتماد قبل إجراء الصفقة وعقدِها، ردَّ عليها الوزير بالإشارة إلى أنّ هذا الأمر من الأعمال الحكومية التي لا يجوز حتى التطرّقُ إليها.

كذلك الأمر بالنسبة إلى ملاحظات الإدارة على مشروع العقدِ وإخلاله بحقوق الدولة المالية، وما قد يُرتّبه على الخزينة من غرامات، حيث اعتبَر الوزير أنّ هذا الأمر يتعلق باستقلالية المؤسسة ويعود لها وحدَها تقريرُه، وهنا كيف تمّ الحفاظ على استقلالية المؤسسة، بوضعِ دفاتر شروط لصفقاتها وتكليف استشارييها تقييمَ العروض وإجراء تلزيماتها.

واستغرَب مرجعٌ قانوني مواكِب لصفقة البواخر الإصرارَ على عارضٍ وحيد، وقال: «يكاد المريب أن يقول خذوني، خصوصاً أنّ مناقصةً شفّافة ستكشفُ حتماً عن حجمِ الخسائر اللاحقة بالخزينة من بواخر هذا العارض منذ العام ٢٠١٢».