ألغت الدولة تحت عنوان «التأجيل» احتفالها بالانتصار على الإرهاب في الجرود، بذرائعَ لم تُقنع أحداً، بعدما تبيّنَ أنّ أصلَ الحكاية في هذا «التأجيل ـ الإلغاء» التناقضُ بين المواقف الرئاسية الذي قد يُظهر الدولة منقسمةً على نفسها، علماً أنّ أسباباً أمنية فرَضت هذا الإلغاء، ووجَدها البعض وجيهة، ومنها التخوّف من اندساسِ إرهابيين في صفوف الحضور وتفجير أنفسِهم، في اعتبار أنّ البلاد لم تُنظّف كلّياً بعد من الخلايا الإرهابية. وفي ظلّ هذه الأجواء، بَرز تهديد إسرائيلي جديد على وقعِ المناورات الجارية على الحدود الجنوبية التي تُحاكي حرباً جديدة تشنّها إسرائيل على لبنان و«حزب الله».
تمحورَت الحياة السياسية والامنية في الساعات الـ 24 الماضية حول الآتي:
– أوّلاً، زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لروسيا والتي يتوّجها اليوم بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي، بعدما التقى أمس نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف ووزير الخارجية سيرغي لافروف. هذه الزيارة لها أبعاد خاصة في هذه المرحلة التي يمرّ بها البلد والمنطقة، حيث لروسيا الدور الاساس، وقد اتّخذت اهمّية جديدة بأن طرَح الحريري على الطرف الروسي ان يشارك في تسليح الجيش اللبناني، في وقتٍ كان اطراف لبنانيون يتخوفون من ان تعرض الدولة الروسية من جانبها هذا التسليح.
– ثانياً، تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للرئيس الاميركي دونالد ترامب في برقية وجّهها اليه لمناسبة ذكرى 11 أيلول «إصرارَ لبنان على منعِ الارهابيين من تحقيق اهدافِهم وغاياتهم»، مذكّراً بأنّ «ما قام به الجيش اللبناني منذ ايام بتحرير اراضٍ لبنانية من تنظيم «داعش» يؤكّد على ذلك».
– ثالثاً، إستمرار المناورات الاسرائيلية على الحدود الجنوبية بمواكبة اعلامية لا تخلو من التهديد لـ«حزب الله» ولبنان وسوريا وايران، علماً انّ الحكومة اللبنانية قدّمت عبر وزارة الخارجية شكوى رسمية الى الامم المتحدة، وجدّدت في كتاب الشكوى احترامَ التزاماتها للقرارات الدولية، مطالبةً مجلس الأمن الدولي بـ«إدانة هذا الاعتداء بأشدّ العبارات، وإلزامِ إسرائيل وقفَ انتهاكاتها لسيادة لبنان برّاً وبحراً وجوّاً، وتنفيذ كافة موجباتها وفق القرار 1701».
– رابعاً، إستمرار الجيش اللبناني على الحدود الشرقية في نزع الالغام وتثبيت مواقعه في المناطق بينما يستمر السجال، وإنْ بوتيرة أقلّ، حول موضوع التحقيق في احداث عرسال. وقد برز موقف في هذا المجال للوزير السابق اشرف ريفي يَعتبر فيه انّ العماد جان قهوجي والرئيس تمّام سلام وعرسال «خط أحمر» ويصف التحقيق بأنّه «كيديّ» ويُراد منه «تصفية الحسابات».
في المقابل اكّدت جهات قضائية أنّ التحقيق يدور حول حادثتين فقط: من خطفَ العسكريين؟ ومن قتلهم؟ ما يعني انّ المسؤولية السياسية باتت محيّدة، حتى انّ تكتّل «الاصلاح والتغيير» تمسّكَ بالتحقيق القضائي في موضوع أسرِ العسكريين وقتلِهِم «أمّا المسؤولية السياسية فلا شأنَ للقضاء فيها وتبقى المساءَلة شعبية».
– خامساً، تجدّد التهديدات الاسرائيلية للبنان و«حزب الله».
تهديد جديد
وكان جديد هذه التهديدات أمس إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أنّ المواجهة المقبلة المحتملة مع «حزب الله» «ستنتهي لمصلحة إسرائيل»، فيما اعتبَر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أنّها «ستختلف تماماً عن سابقاتها». وجاءت هذه المواقف الاسرائيلية خلال حضور ريفلين وليبرمان، امس، تدريباتِ الجيش الإسرائيلي على مواجهة «حزب الله» اللبناني، التي انطلقت الأسبوع الماضي.
وأشار ليبرمان، بحسب هيئة البث الإسرائيلي، إلى ما وصَفه بـ«عظمة الجيش وقوّة الردع» في إسرائيل، مشيراً إلى أنّ التدريبات الجارية حالياً ركنٌ حيويّ في تهيئة الجيش لمجابهةٍ في الشمال، في إشارةٍ إلى حرب مع «حزب الله».
من جانبه، توقّعَ ريفلين «أن تكون طبيعة الحرب المفترضة مختلفة تماماً عمّا شهدته إسرائيل في السابق، وذلك من ناحية العدوّ الذي سيحاربه الجيش الإسرائيلي، ومن ناحية المهمّات التي تقف أمامه في حرب كهذه». وقال «إنّ التدريبات تعكس مدى جاهزية القوات المسلحة الإسرائيلية لمواجهة أيّ عدوان ضد إسرائيل».
إلى ذلك، كشَف ضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي مشارِك في المناورات لصحيفة «جيروزاليم بوست»، عن خططِ تل أبيب في حال نشوب حرب جديدة مع «حزب الله»، فقال «إنّ إسرائيل مستعدّة لاحتلال أجزاء من أراضي جنوب لبنان، لكنّ هذا الاحتلال لن يستمرّ طويلاً».
إحتفال النصر
وفيما كانت الدولة تستعدّ لاحتفال الانتصار على الارهاب في الجرود غداً الخميس في ساحة الشهداء، إذ بها تُرجئه لـ«أسباب لوجستية بحتة»، وذلك «بعد المشاورات مع الرؤساء» على ما اعلنَت وزارتا الدفاع والسياحة في بيان، من دون ان تكشف الاسباب الحقيقية التي دفَعتها الى ذلك. وعلمت «الجمهورية» انّ هناك مجموعة اسباب أدّت الى إلغاء هذا الاحتفال، وأبرزُها:
أنّ الاحتفال وبدلاً من ان يكون لتوحيد الموقف الرئاسي وتجسيداً للوحدة الوطنية وللالتفاف حول الجيش، سيأتي تجسيداً للتمزّق السياسي وللتمايز بين اركان السلطة، بحيث انّ كلمات الرؤساء الثلاثة كانت ستُظهر تناقضَ مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري مع موقف عون و«التيار الوطني الحر» على خلفية احداث عرسال والتحقيق، وتناقض في مواقف عون وبري من جهة مع مواقف الحريري حول دور «حزب الله»، وتناقض ثلاثي بين الرؤساء حول العمل الحكومي عموماً. كذلك فإنّ الدولة أرادت تجنّبَ إظهارِ تناقضاتها عشيّة سفر رئيس الجمهورية الى اجتماعات الامم المتحدة في نيويورك.
وبالإضافة الى ذلك، هناك من أشار الى انّ قيادة الجيش لم تكن في الأساس متحمّسة لهذا الاحتفال لأنّها لا تريد نَكْء جروح أهالي العسكريين الشهداء، في الوقت الذي قامت بواجباتها عبر الاحتفال الذي نظّمته الاسبوع الماضي في وزارة الدفاع الوطني.
علماً أنّ هناك من تحدّثَ عن مخاوف من تعرّضِ المهرجان لهجوم ارهابي، فضلاً عن أنّ المشاركين في الاحتفال هم قوى سياسية مختلفة ومتناقضة، ويُعدُّ جمعُهم في مكان واحد في هذه المرحلة خطوةً خطرة.
قزّي
وتعليقاً على إرجاء هذا الاحتفال، قال الوزير السابق سجعان قزي لـ«الجمهورية: «كنّا نتمنّى ان لا ينظَّم هذا الاحتفال منذ الاساس، في يوم 14 أيلول، لأنّ هذا اليوم هو يوم استشهاد الشيخ بشير الجميّل وحريٌّ بالدولة ان تحترمَ يوم استشهاد أحدِ رؤساء جمهوريتها الاستثنائيين، ولكنّ خلافاتها أنقذَت هذا اليوم».
برّي والانتخابات
وفي الملف الانتخابي، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره أمس ردّاً على سؤال حول اللغط الدائر حول القانون الانتخابي، وخصوصاً في موضوع البطاقة الممغنطة: «كلّنا نعلم انّ التمديد لمجلس النواب سببُه الرئيسي إتاحة المجال لإعداد هذه البطاقة لاعتمادها في الانتخابات النيابية المقبلة، ولكن إذا كان هناك محاولة لإلغاء هذه البطاقة وعدم السير بها فما معنى الفترة الممدّدة لمجلس النواب.
لذلك أنا أقول إنّه إذا كان الهدف عدم الوصول الى البطاقة الممغنطة فلماذا نضيّع الوقتَ وننتظر حتى أيار لإجراء الانتخابات، فطالما لن تكون هناك بطاقة فأنا مع ان تُقصَّر ولاية المجلس ونُجري الانتخابات في اقربِ وقتٍ ممكن». وشدّد رئيس المجلس على «ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي».
الجسر
من جهةٍ أُخرى تستمرّ القراءات في رسائل «حزب الله» الإيجابية الى الحريري، وليس آخرها ما جاء على لسان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، من أنّ الحريري يتصرّف بعقلانية لحماية الاستقرار، ولا مانع من الحوار الثنائي معه. وفي هذا الإطار تكثر التكهّنات عما إذا كان هذا الكلام مقدّمة للقاء قريب بين الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله والحريري.
إلّا أنّ عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب سمير الجسر استبعَد أيَّ لقاء قريب بين الطرفين على هذا المستوى، مشدّداً على «أنّ ظروف وعوامل انعقادِ لقاءٍ كهذا غيرُ متوافرة». كذلك أكّد أنّه ليس على علمٍ بأيّ جلسة حوارية تُعقَد قريباً بين تيار «المستقبل» و«الحزب» استئنافاً للحوار المتوقّف بينهما منذ ستة أشهر.
وقال الجسر لـ«الجمهورية»: «من المؤكّد أنّ الرئيس الحريري يتّخذ مواقف عقلانية وحكيمة، والأمر الاكثر عقلانية وفيه كثيرٌ من الواقعية السياسية هو وضعُ المسائل الخلافية جانباً والانصراف الى معالجة مصالح الناس، في حين انّ الخلافات السياسية كانت في السابق تطغى حتى على مصالح الناس.
أمّا اليوم فهناك أمور لا أحد يستطيع تغييرَها أو تعديلها، إنّما لا شيء في السياسة ثابت، فالظروف تتبدّل، وربّما تتوافر فسحة أكبر للعقلانية والواقعية ويتعاطى الجميع في الشقّ السياسي مثلما يتعاطون مع الشقّ الإنمائي».
وهل إنّ الحريري عبر قولِ مكتبه الإعلامي بأنه «عندما تنضج الأمور سنرى» لم يقطع بذلك الطريق على لقائه السيّد نصرالله، وبالتالي هل يمكن ان نرى لقاءً قريباً بينهما؟ أجاب الجسر: «اساساً الرئيس الحريري لم يقطع الطريق على احد في ايّ شيء، فهو يتابع الحركة مع الجميع بلا تمييز، صحيح أنّه لم يقطع الطريق لكن ايضاً لم يقل نعم.
وبصرفِ النظر عن ذلك فإنّ ظروف لقاء مع الامين العام لـ«حزب الله» غير متوافرة، واللقاء يجب ان تسبقه امور تمهيدية، فلا قضية المحكمة الدولية قد حُلّت، ولا موقف «حزب الله» من المطلوبين للعدالة، ولا قضية سلاح الحزب ولا موضوع «سرايا المقاومة» ولا تدخُّل الحزب في سوريا. من الحكمة أنّ الرئيس الحريري لم يقل كلّا، لكن علينا أن نفتح أعينَنا جيّداً».
وعن سبب بقاءِ الحكومة على رغم كلّ ما يحصل، تساءَل الجسر: «ما هي البدائل الاخرى»؟ وقال: «الخلافات هي من تداعيات الوضع السياسي، والحكمة تكمن في امتصاص الخلافات وتحييدِ الساحة اللبنانية عن تداعيات ما يجري في المنطقة».
التنسيق مع سوريا
وعلى رغم خُلوِّ جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس من ايّ بنود خلافية، إلّا انّ المسائل الخلافية يتوقع ان تطفوَ على السطح مجدّداً، خصوصاً في مسألة التنسيق مع سوريا في ضوء توجّهِ وزراء الى دمشق مجدداً وتوقيع اتفاقات فيها.
ويبقى السؤال الأهمّ كيف ستتعاطى الحكومة مع هذا الملف؟ وهل ستستمرّ في سياسة «النأي بالنفس» ومحاذرةِ الملفات الخلافية، وفي سحبِ الغطاء الرسمي عن زيارة الوزراء؟ وهل إنّ هذه الاتفاقات ستوقَّع من دون عِلم مجلس الوزراء؟
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ الاجتماع العملاني الاوّل بعد الزيارات التحضيرية لوزيرَي الزراعة والصناعة غازي زعيتر وحسين الحاج حسن سيبدأ الثلثاء المقبل، حيث سيتوجّه زعيتر مجدداً الى دمشق لعقدِ اجتماع موسّع مع نظيره السوري واللجان المشتركة اللبنانية ـ السورية لتوقيع اتّفاقات تتعلق بتصدير الموز والبطاطا من لبنان الى سوريا، وللتنسيق حول الإجراءات المقبلة عند فتحِ معبرِ «نصيب» على الحدود الاردنية امام المنتجات اللبنانية.
وسيعقبُ هذه الاجتماعات زيارة لوزير الزراعة الى العاصمة الاردنية، علماً انّه لا تزال هناك عقبات امنية ولوجستية امام فتحِ معبر «نصيب»، لذا يرجّح ان تتمّ عملية التصدير اللبناني عبر خليج العقبة، علماً أنّ التكلفة المادّية ستكون مرتفعة.
الضرائب والطعن
وفي انتظار كلمة المجلس الدستوري في الطعن المقدّم من نواب حزب الكتائب وخمسة نواب آخرين بقانون الضرائب، اعتبَر تكتّل «التغيير والإصلاح» أنّ «السلسلة والموازنة تتعرّضان لشعبوية مفرطة لا بل مدمِّرة، عندما تنقلب الغرائز السلطوية على المصالح الوطنية العليا». وسأل: «لماذا لم يَرِد في الطعن كلمة واحدة عن الضريبة على القيمة المضافة إذا كان القصد فعلاً حماية الشعب اللبناني»؟.
من جهته، أوضَح مصدر كتائبي مسؤول أنّ الطعن «يتعلّق بدستورية قانون الضرائب وليس بالضرائب في حدّ ذاتها»، وقال لـ«الجمهورية»: «موقفُنا من الضرائب عبّرنا عنه بالتصويت على تلك التي لا تصيب الطبقتين الفقيرة والوسطى، وبالتالي فإنّ على مؤيّدي الضرائب ان يعيدوا إقرارَها بطريقة دستورية إذا كانوا مقتنعين بها ومستعدّين لتحمّلِ المسؤولية عمّا أقدموا عليه أمام الرأي العام».
وسأل المصدر: «كيف ينتقدون طعنَ الكتائب بقانون الضرائب ويَعمدون في الوقت نفسه الى رفعِ اقتراح قانون الى مجلس النواب لمعالجة مسألة الازدواج الضريبي في القانون الذي يشمله طعنُ الكتائب؟ وأضاف: «إنّ حزب الكتائب منسجم مع نفسه ومع اقتناعاته، وهو يتصرّف من منطلقات دستورية وعلمية ومنطقية، في حين يتخبّط أركان السلطة في تناقضاتهم التي يسعون من خلالها الى التفلّتِ من محاسبة الناس».
وختمَ: «إنّ سلسلة الرتب والرواتب يمكن أن تُدفع من الضرائب التي حصّلتها الدولة من المصارف بصورة استثنائية، من أرباح الهندسة المالية، أمّا هذه الضرائب فوظيفتُها بكلّ أسف هي تمويل الحملات الانتخابية لأركان السلطة بعدما جفَّ تمويلُهم الخارجي».