Site icon IMLebanon

مانشيت:«صدمة الضرائب» تُسقِط الحكومة في المأزق… وترقُّب لمصير «السلسلة»

 

صَدم المجلس الدستوري الواقع الداخلي بإبطال القانون الضريبي الموازي لسلسلة الرتب والرواتب. وبمعزل عمّا إذا كانت هذه الصدمة إيجابية برفع سيف الضرائب عن رقبة الناس، أو سلبية تهدّد مصير السلسلة ورواتب الموظفين المنتظرة على أساسها، فإنّ هذه المسألة برمَّتها قد عادت إلى المربّع الأوّل، وعادت السلسلة لتلتفّ على رقبة البلد، وها هو التلويح بالخطوات التصعيدية قد بدأ، وحُشِرت الحكومة وكذلك المدافعون عن الضرائب في زاوية البحث عن مخارج للمأزق الذي دخَل فيه البلد.

السؤال الذي توَلّد فور إبطال القانون الضريبي، ما هو مصير السلسلة التي اصبحت نافذة، ويفترض ان يتقاضى الموظفون رواتبهم الجديدة آخر الشهر الجاري على اساس الجداول الجديدة؟ وإنْ تقرّر السير بقانون السلسلة فكيف ومن أين ستموّل وتتأمّن التغطية لأكلافها؟

عملياً، ومع سقوط القانون الضريبي بالضربة القاضية بقبضة المجلس الدستوري، لا نفعَ للبكاء على الميت، ولا لأيّ محاولة للهروب الى الامام وتغليب العامل السياسي على كل ما عداه وإلقاء اللوم على المجلس الدستوري بأنه كان قاسياً جداً في حكمه، وعلى مقدّمي الطعن وتحميلهم مسؤولية إدخال البلد في هذة «اللبكة» الصعبةِ الاحتواء.

بل إنّ حساسية الموضوع تستوجب بالحد الادنى اعلانَ حالة طوارئ حكومية سريعة لاستدراك الامر، وهذا يتطلب مقاربة جديدة واستثنائية لهذا الملف.

وعملياً وواقعياً ايضاً، فإنّ الحكومة، ومع إبطال القانون الضريبي صارت واقعة بين فكّي كمّاشة يضغطان عليها بقوّة، من ناحيةٍ قانون السلسلة النافذ وعدم قدرتها على النفاذ منه، ومن ناحيةٍ ثانية وضعُ الخزينة. فإنْ قرّرت تجميد العمل به فهذا معناه الاصطدام بأصحاب الحقوق والمستفيدين والموظفين في كل القطاعات الرسمية وفي مقدّمهم المعلمون.

وإنْ قرّرت الاستمرار بالسير به ودفع رواتب المستفيدين من السلسلة على الاسس الجديدة، فهذا معناه الاصطدام بالواقع الصعب للخزينة المرهقة وزيادة اعباء عليها، فيما هي لا تستطيع تحمّلَ ايّ اعباء من ايّ نوع، علماً انّ تحذيرات متتالية تتصاعد منذ فترة، من قبَل رجال مال واقتصاد، حيث نبّهوا من بلوغ الوضع الاقتصادي مستويات شديدة السلبية، ما لم تبادر الجهات المعنية في الدولة الى اتخاذ خطوات وإجراءات علاجية وشفائية مستعجلة في العديد من القطاعات الحساسة.

وإذا كانت الحكومة قد استسهلت في إعداد القانون الضريبي مدَّ اليدِ على جيوب الناس، فإنّ قرار المجلس الدستوري يفرض عليها ان تحوّل مسارَها في الاتجاه الذي يوصل الى المصادر الحقيقية والفعّالة لتمويل اكلاف السلسلة، وما عليها في هذه الحالة الّا ان تتّخذ القرار بولوج كلّ المحميّات المقفَلة والغرف السياسية التي تُدار فيها عمليات الهدر والنزف والصرف في كلّ الاتّجاهات والصفقات واختلاس اموال الدولة في ظلّ فوضى مستشرية في كلّ إدارات الدولة والفساد الرهيب الذي يجتاح كلّ المفاصل من دون استثناءِ ايّ مؤسسة أو قطاع. الّا إذا كان التوجّه هو الهرولة نحو الباب الأقرب لاستدراك ما حصَل عبر تضمين الموازنة الحاليّة السلّة الضرائبية التي أبطلها المجلس الدستوري.

جلسة استثنائية
الواضح أنّ قرار المجلس الدستوري احدثَ صدمة قوية اهتزّت معها كلّ المستويات السياسية، وخصوصاً رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو أنه استشعَر انّ حكومته تقف امام اختبار صعب، ولهذا بادرَ الى إلغاء كلّ مواعيده ابتداءً من ظهر امس، وعَقد اجتماعات مفتوحة خُصّصت لبحثِ تداعيات قرار المجلس الدستوري بإبطال القانون الضريبي.

كذلك أجرى سلسلة اتصالات سياسية أفضَت إلى التوافق على عقدِ جلسة استثنائية لمجلس الوزراء الإثنين المقبل في السراي. (وعلمت «الجمهورية» أنّ اتصالات جرَت مساء أمس لتقريب عقد الجلسة من الإثنين الى موعد آخر لتُعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون).

وفي السياق ذاته، اندرَج موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اكتفى بالقول: «ما صَدر عن قضاء يُحترم ولو أنه أتى لمصلحة المصارف، وعلينا الآن معالجة المشكو منه».

من جهته ، اجرى وزير المال علي حسن خليل (الذي سيتوجه الى الولايات المتحدة الاميركية قريبا لعقد اجتماعات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) اتصالات بالرؤساء عون وبري والحريري لتدارس خطوات ما بعد القرار، وتم الاتفاق على انه اذا ما اتخذت الحكومة والقوى السياسية اي قرار فإنه سيكون بالاجماع.

وعلم ان وزير المال اكد ان فريقه السياسي يرفض ان يتحفظ اي مكون سياسي داخل الحكومة على القرارات التي قد تتخذ. واذا ما تقرر تعليق السلسلة فإن الاجراءات الادارية ستكون معقدة وتستدعي 15 يوماً للعودة الى البرامج الادارية القديمة، ما سيؤخر صرف الرواتب وفق الرواتب القديمة لمدة اسبوع من الشهر المقبل، وهذا يعني اننا ادخلنا البلد في أزمة.

رواتب أيلول
وعلمت «الجمهورية» أنّ اجتماعاً سيُعقد اليوم في وزارة المال، الثالثة بعد الظهر، َيحضره ممثلون عن كلّ الكتل النيابية المشاركة في الحكومة. وفي السياق قال وزير المال لـ«الجمهورية»: بالنسبة إلى وزارة المال، فإنّ المبلغ الماليّ لتغطية الرواتب لشهر أيلول مؤمّن، إنّما صرفُه يحتاج الى تغطية قانونية.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: لا إمكانية لإبطال صرفِ السلسلة قبل 25 أيلول، الذي هو موعد البدءِ بالصرف، وبالتالي فإنّ البدء بصرفِ هذه السلسلة سيضعُ القوى السياسية أمام احتمالين، إمّا تعديلات تدخِلها الحكومة على قانون الضرائب ويقرّها المجلس النيابي، وإمّا تقديم اقتراح معجّل مكرّر الى مجلس النواب يتضمّن تعليقَ العمل بالسلسلة لمدّة شهر إلى حين إجراء التعديلات وإقرار قانون الضرائب

تباينات
وسار مقدّمو الطعن على خط آخر، حيث تعاطوا مع قرار المجلس الدستوري كانتصار سياسي لهم، وقد اعتبَره حزب الكتائب ثورةً دستورية على الغرف المغلقة ومنطق الصفقات والتسويات التي حوّلت الدستور الى «ممسحة». فيما استوجبَت التغريدة التهكّمية للنائب وليد جنبلاط التوقّفَ عندها، حيث قال فيها: «بما أنّ أزمة جديدة تطلّ على البلد، فاستعينوا بالخوخ البرّي بالياباني Amonbouchi ففيه الفيتامين c ليساعد في الرسوم الجديدة».

لكنّ العلامة النافرة في هذا الموضوع، تجلّت في مسارعة قوى سياسية فاعلة الى لحسِ موافقتِها وتصويتها على القانون الضريبي في مجلس النواب، ومحاولة الخروج من الإحراج الذي أصابَها، بالهروب الى الامام عبر الإعلان أنّ إبطال القانون الضريبي يعبّر عن المنحى الذي كانت تسلكه والهدف الذي توَخّته.

وأيضاً عبر إلقاء المسؤولية على مراجع سياسية على نحوٍ ظهَّر الإعلامُ القريب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اعتبر أنّ قرار المجلس الدستوري «أنصَف رئيس الجمهورية، وأعاد تكرار ما قاله سابقاً الرئيس بأنّ القانون المطعون فيه صَدر في غياب الموازنة وخارجها وخالف مبدأ الشمول، وللمزيد من إنعاش الذاكرة حول هذا الموضوع لا بدّ من التنبيه الى أنّ رئيس المجلس النيابي هو مَن كان مصِرّاً على إقرار السلسلة قبل الموازنة».

إرباكات وتعقيدات
وفي تقييمٍ لقرار المجلس الدستوري، فإنه أحدثَ زلزالاً سياسياً واقتصادياً، وبدا واضحاً أنه خلّفَ وراءه إرباكات لأكثر من طرف. وظهر وقعُ الصدمة من خلال ردّات الفعل الاولى، وفي مقدّمها ما أعلنَه وزير المالية علي حسن خليل، من انّ قرار المجلس الدستوري يستحقّ عقد جلسةٍ طارئة لمجلس الوزراء.

وكان واضحاً منذ صدور القرار، انّ الجدل سوف يتركّز على السؤال المحوري التالي: هل ستمضي الدولة قدماً في تنفيذ قانون سلسلة الرتب والرواتب في معزل عن قرار إسقاط قانون الضرائب المخصّص لتمويل السلسلة؟

في الواقع، هناك اربعة زوايا للإجابة عن هذا السؤال، وهي:

قانونياً: لا علاقة لقانون السلسلة بإسقاط قانون الضرائب، وبالتالي، خبراء القانون يَجزمون بأنّ قانون السلسلة قائم ولم يُمسّ ولا تستطيع الدولة إيقافَه بذريعة تعطيل قانون الضرائب. (ص11)

مالياً: تعاني المالية العامة كما هو معروف من صعوبات وتعقيدات متداخلة، والاستمرار في تنفيذ قانون السلسلة بلا ضرائب لزيادة الإيرادات يعني المزيد من العجز ومن نموّ الدين العام، وزيادة المخاطر الماليّة التي إذا تجاوزت الخطّ الأحمر تشكّل خطراً على كلّ اللبنانيين في حياتهم ومستوى عيشِهم.

كذلك قد يؤدّي قرار زيادة الإنفاق إلى خفضِ تصنيف لبنان الائتماني، وهذا الوضع يهدّد بزعزعة بنية الفوائد، ويؤدي الى ارتفاعها، مع ما يعني ذلك من مفاعيل سلبية على مجمل الاقتصاد.

سياسياً: الاستمرار في السلسلة يعني إعطاءَ ورقة إضافية رابحة لمقدّمي الطعن، وفي مقدّمهم حزب الكتائب، إذ إنّ المستفيدين من إلغاء الضرائب سيكونون مرتاحين، وكذلك من يستفيد من السلسلة. في حين انّ وقفَ السلسلةِ قد يخفّف من وهج «الانتصار» الذي تَحقّق.

شعبياً: هناك معضلة في وقفِ السلسلة بعدما اصبحَت أمراً واقعاً. وإذا كانت الشريحة الكبيرة المستفيدة منها قد سبقَ ونزلت الى الشارع من اجلِ إقرارها، فإنّ وقفها اليوم، بعدما اصبحَت «اللقمة في الفم»، سيتسبَّب بردّات فعلٍ عنيفة، عبّرت عنها مسبقاً بيانات هيئة التنسيق النقابية، وموقف رئيس الاتحاد العمّالي العام.

هذه الإشكالية المعقّدة ستكون الحدثَ الذي سيَخطف الانظار في الايام المقبلة، بانتظار قرار سياسي مطلوب للخروج من المأزق. وربّما يبدو الحلّ الافضل، من خلال تسريع إقرار الموازنة، بعد إنهاء عقدة قطعِ الحساب.

تبقى الاشارة الى انّ التمويل المؤقّت للسلسلة، بانتظار المعالجة عبر الموازنة، ينبغي ان يكون متوفراً، ما دامت الضرائب الاستثنائية التي دفعتها المصارف عن الهندسات المالية بلغت لوحدها حوالي 800 مليون دولار.

وهو مبلغ يكفي لتمويل السلسلة لعام كامل. أضِف الى انّ لجنة المال والموازنة تقول إنّها أمّنت وفراً بحوالي الف مليار ليرة، أي ما يكفي لتمويل السلسلة لمدّة عشرة أشهر. وهذا يعني انّ الخزينة لديها فائض لتمويل السلسلة لمدة عام وعشرة أشهر. فهل تبدو هذه المدّة غير كافية لإقرار الموازنة، وإعادة الوضع المالي الى ما ينبغي أن يكون عليه؟!

قانصو لـ«الجمهورية»
إلى ذلك، أيّد الوزير علي قانصو انعقاد جلسة طارئة لمجلس الوزراء، واعتبَر انّ البحث عن مداخيل جديدة هي من مسؤولية الحكومة ومجلس النواب. وقال لـ«الجمهورية»: «الحلّ يكون عبر إعداد لائحة مداخيل للسلسلة تأخذ في الاعتبار ملاحظات المجلس الدستوري، وتناقش اللائحة من ضمن الموازنة التي يناقشها مجلس النواب وتقرّ المداخيل معها، فأين المشكلة؟».

وشدّد قانصو على أن «لا انهيار ماليا»، متسائلاً: «لماذا سيَحصل هذا الانهيار طالما نستطيع تقديم مداخيل بما لا يتعارض مع أحكام المجلس الدستوري، الحديث عن انهيار ماليّ كلام تهويلي يَستبطن مواقفَ سياسية لها أهداف تشويه أو الحط من قدرة الدولة».

وقال: «الموضوع يتطلب السرعة، لأنّ الناس يعتقدون أنّ السلسلة طارت لكنّها باقية، صارت حقاً مكتسَباً لهم وهي صَدرت بقانون. موضوع السلسلة صار موضوعاً خارج النقاش».

حرب
وقال النائب بطرس حرب لـ«الجمهورية»: «على رغم كلّ الضغوط التي تتعرّض لها المؤسسات الرقابية، أثبتَ المجلس الدستوري مناعتَه واتّخَذ الموقفَ القانوني الملائم، وطبعاً هذا يضع السلطتين التنفيذية والتشريعية امام مسؤولياتهما في ضبط الإنفاق ومنعِ الهدر والصفقات والسمسرات توفيراً للمال العام الذي يغطّي نفقات السلسلة من دون تكبيد المواطنين وخصوصاً الطبقة ذات الدخل المحدود مصاريفَ هذه النفقات».

عون
على صعيدٍ آخر، في موازاة الدعوة الأميركية لتوطين النازحين، أكّد الرئيس عون رفضَ لبنان لهذا الأمر، وقال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة: لبنان بلدٌ صغير المساحة كثيفُ السكّان محدودُ الموارد، وجاء النزوح ليضيفَ 50 في المئة من نسبة سكّانه، فزاد من صعوباتنا الاقتصادية ومن نسبة الجريمة على أنواعها».

وأكّد «أنّ الأفضل أن تساعد الأمم المتحدة النازحين ليعودوا إلى وطنهم»، وقال: «الادّعاء أنّ النازحين لن يكونوا آمنين في بلادهم غير مقبول، ولبنان لن يسمح ولن يقبل بتوطين اللاجئين أو النازحين مهما كان الثمن، والقرارُ في هذا الشأن يعود لنا لا لغيرنا».

إيران
من جهة أخرى،أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس أنّ بلاده تعتزم تعزيز قدراتها العسكرية والبالستية رغم انتقادات الولايات المتحدة وفرنسا. وتأتي تصريحاته في وقت إستعرضت إيران صاروخاً جديداً أطلقت عليه إسم «خرمشهر»، خلال عرض عسكري نظم في ذكرى اندلاع الحرب الإيرانية-العراقية عام 1980.

وقال روحاني: «شئتم أم أبيتم، سنعزِّز قدراتنا العسكرية الضرورية على صعيد الردع»، مؤكّداً «لن نطوِّر صواريخنا فحسب، بل كذلك قواتنا الجوية والبرية والبحرية». وأضاف «لن نطلب إذناً من أحد من أجل الدفاع عن وطننا».