على رغم المناخات الهادئة التي تحرص المراجع المسؤولة والأوساط السياسية المختلفة على إشاعتها بعدما شابَ الأجواءَ السياسية في الأيام الأخيرة من التباسات وتباينات، يُنتظر أن تشكّل جلسة مجلس الوزراء في ما ستشهده من نقاش في بعض الملفّات الخلافية مؤشّراً إلى مدى جدّية هذه المناخات واستمرارها. وقد سادت مخاوفُ من تجدّدِ الخلافات بين الأطراف السياسية في ضوء إعادة استحضار بعض الملفّات الخلافية إلى مجلس الوزراء كانت أرجِئت بل صُرفَ النظر عنها في جلسات سابقة لتجنّبِ الصدام في شأنها، وأبرزُها ملفّ البطاقة الممغنطة الذي يكلّف 133 مليون دولار وملفّ وزارة الاتّصالات الذي يكلّف 225 مليار ليرة، فضلاً عن النفقات الخاصة بهيئة الإشراف على الانتخابات، إلى ملفّات أخرى ليس أقلّها ملفّ النزوح السوري والذي استبعَدت مصادر مواكبة أن يُطرح في جلسة اليوم، مشيرةً إلى أنّ ملفّاً بهذا الحجم يجب أن يُطرح في جلسة خاصة تُعقد برئاسة رئيس الجمهورية نظراً لأهمّيته. وذهبَت المصادر إلى التأكيد أنّ الملفّات الخلافية القائمة باتت تشكّل عناوينَ لخلافاتٍ سياسية بدأت تعصفُ بين بعض التيارات والقوى السياسية وتتجاوز الموقفَ من الوضع الداخلي إلى الموقف من التطوّرات التي يشهدها الإقليم.
في تطوّرات ملفّ سلسلة الرتب والرواتب والسلّة الضريبية المتوقّفة منذ قرار المجلس الدستوري بردّ قانون الضرائب، أشارت المعلومات إلى أنّ التفاهم السياسي المنجَز سيتمّ تنفيذه. وهذا يعني أنّ التعديلات على قوانين الضرائب التي سيناقشها المجلس النيابي في جلسته الاثنين المقبل، سيتمّ إقرارُها كما هي.
وبدا واضحاً من مواقف «الهيئات الاقتصادية» التي زار وفدٌ منها رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون أمس، أنّ الضرائب، بما فيها التي تحتوي على ازدواج ضريبي ستمرّ على الأقلّ في ما تبقّى من السنة الجارية.
وقد حصَلت الهيئات على وعدٍ بتعديلات وإصلاحات ضريبية في موازنة 2018. وأعلن عون أمام وفدِ الهيئات، أن «لا عودة عن الإجراءات التي تضبط الواردات والنفقات ومتابعة مكافحة الفساد التي لها تأثيرُها المباشر على الإصلاح المنشود».
وكشفَ «أنّ الدولة في صددِ إنجاز خطة اقتصادية تعطي إلى قطاعات الإنتاج دوراً مهمّاً بعدما تمَّ تغييب هذه القطاعات خلال الأعوام الماضية، ما انعكسَ سلباً على الانتظام العام في البلاد».
في سياق متّصل، أبلغَ الاتّحاد العمّالي العام إلى رئيس الحكومة سعد الحريري رفضَه كلَّ أشكالِ الضرائب التي تُطاول الفئات الفقيرة والمتوسّطة. وشدّد رئيس الاتّحاد بشارة الأسمر من السراي الحكومي على «مبدأ الحوار لتصحيح الأجور في القطاع الخاص ودعوة لجنة المؤشّر وتسمية الممثّلين للبدء في حوار جدّي» لإنتاج هذا التصحيح.
الوفاق السياسي مستمرّ
توازياً، وعشيّة انعقاد جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي اليوم، قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «إنّ الوفاق السياسي في البلد «ماشي وما انتهى»، فهذا الوفاق الذي أنتجَ انتخابَ رئيس جمهورية وتشكيلَ حكومة، لا يزال مستمرّاً».
وإذ استبعدت «حصول أيّ خضّة في الحكومة»، قالت : «لو كانت ستحصل خضّة لكانت حصلت عند مناقشةِ سلسلةِ الرتب والرواتب والموازنة وقطعِ الحساب، فمجرّد سيرِ هذا الملف وبلوغه خواتيمَه معناه أنّ هناك وفاقاً سياسياً جَعله يُقلّع».
وأكّدت المصادر أنّ «ما يحمي هذا الوفاق ويدفعه إلى الاستمرار هو شعور جميع القوى السياسية بأنّ أيّ اهتزاز سياسي في البلد ستكون له تداعيات على كلّ المستويات، بدءاً من المستوى الاقتصادي. ولذلك لا مصلحة لأحد في حصول أيّ هزّةٍ للاستقرار السياسي لا في لبنان ولا في الإقليم. فلا خيار غير استمرار الوفاق السياسي».
بعبدا ـ عين التينة
وحتى إنّ ارتدادات الانتكاسة الأخيرة التي أصابت علاقة الرؤساء الثلاثة على خلفية قرار المجلس الدستوري إبطالَ قانون الضرائب جرى احتواؤها سريعاً جداً. وأكّدت مصادر عملت على تبديد سوءِ التفاهم الذي نشَأ بين بعبدا وعين التينة، أنّ العلاقة بين عون وبري باتت أكثرَ مِن ممتازة، بعد توضيحِ كلّ النقاط والاتفاق على التواصل المباشر في الملفّات الخلافية». وتحدّثَت هذه المصادر عن تبادلِ رسائل إيجابية بين الرئاستين الأولى والثانية والاتّفاق على التنسيق المباشر حول كلّ النقاط العالقة».
الملفّ الانتخابي
وفي حين يَحضر ملفّ الانتخابات النيابية مجدّداً على طاولة مجلس الوزراء اليوم من بابِ طلبِ وزارة الداخلية والبلديات تأمينَ اعتماد لزوم تعويضات لهيئة الإشراف على الانتخابات وجهازها الإداري وإيجاد مقرّها وتجهيزه ورواتب الجهاز الإداري والفني، أكّدت مصادر رئيس الحكومة سعد الحريري لـ«الجمهورية» أن «لا نيّة عند أحدٍ في التمديد للمجلس النيابي الحالي»، وشدّدت على «أنّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها في أيار المقبل».
وتَقاطَع موقف الحريري هذا، وتأكيده حتمية إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، مع موقف رئيس الجمهورية الذي طمأنَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس الأوّل، الى أنّ الانتخابات النيابية ستجري في شهر أيار المقبل «مهما كانت الظروف».
كذلك تقاطعَ الحريري مع موقف كلّ من رئيس مجلس النواب المصِرّ على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها واحترام المهَلِ القانونية، والأمين العام لـ»حزب الله» السيّد نصر الله الذي سيطلّ مجدّداً من بلدة العين البقاعية بعد غدٍ الأحد في أسبوع الشهيدين علي العاشق ومحمد ناصر الدين، الذي كان ضمّ صوتَه إلى صوت رئيس مجلس النواب مشدّداً على وجوب أن تُجرى الانتخابات في موعدها وعلى أساس القانون الجديد الذي أقِرّ.
البطاقة الممغنطة
وفي مجالٍ آخر، عُلم أنّ مجلس الوزراء سيَبتّ اليوم بتخصيص مبلغ 133 مليون دولار للبطاقة الممغنطة الخاصة بالانتخابات النيابية المقبلة والتي كانت ستُعتمد في صفقةٍ عقِدت مع شركة فرنسية لتصنيعِها بالتراضي، على رغمِ التوافق على تأجيل اعتمادها في هذه الانتخابات، وهو ما أثارَ استغراباً حول وجود هذا البند في جدول أعمال الجلسة مقابل المبالغ المخصّصة لمقرّ هيئة الإشراف على الانتخابات وفريق عملِها ومخصّصات أعضائها.
وعلمت «الجمهورية» أنّ أعضاء الهيئة مدعوّون إلى قسَمِ اليمين مطلعَ الأسبوع المقبل أمام رئيس الجمهورية قبل توَلّيهم مهمّاتهم رسمياً.
مشروع إشكال جديد
وفي مجلس الوزراء اليوم كذلك مشروع إشكال جديد بين تيار «المستقبل» ومعارضيه من وزراء «التيار الوطني الحر» وآخرين حول تخصيص مبالغ كبيرة لوزارة الاتصالات من خارج الموازنة العامة التي يطالب بها وزير الاتّصالات جمال الجرّاح.
وقد فوجئ بعضُ الوزراء بإدراج القضية على جدول أعمال اليوم بتخصيص مبلغ 225 مليار ليرة لبنانية بعدما تمَّ رفضُها في وقتٍ سابق والتوافق على تأجيلها إلى حين البتّ بالموازنة العامة.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «إنّ إعادة طرحِ البند والإصرار على إمراره مجدّداً يعود إلى شطبِ رئيسِ لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان هذه المبالغَ من الموازنة الجديدة، ما اضطرّ وزير الاتصالات إلى المطالبة بإدراجه مرّةً أخرى، وهو ما يوحي بالاستعداد لمواجهةٍ جديدة مع وزراء «التيار الوطني الحر» ومَن سانَدهم مِن وزراء في الجلسة التي أرجئ فيها البتّ بهذا الموضوع في مطلع تمّوز الماضي».
«القوات»
إلى ذلك، كشفَت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّها ستؤكّد خلال الجلسة التشريعية الاثنين المقبل موقفَها «الرافض إمرارَ قطعِ الحسابِ والموازنة من دون تعليق المادة 87 من الدستور، لأنّ خلاف ذلك يشكّل مخالفةً دستورية فاضحة».
ومن جهة ثانية اعتبَرت مصادر «القوات»: «أنّ لبنان لم يعُد يستطيع تحمّلَ أعباءِ النزوح السوري، وأنّ المطلوب إخراجُ هذا الملف من التجاذب السياسي المفتعَل لغايات سياسية مكشوفة هدفُها التطبيع مع النظام السوري والعملُ على وضعِ حلولٍ عملية وفورية يجب أن تكون على مستويَين:
الأوّل عودة فورية للنازحين الموالين للنظام السوري من دون الحاجة إلى أيّ تنسيق يتجاوز التقني، في اعتبار أنّ هؤلاء يدخلون إلى سوريا ويعودون منها دورياً، وبالتالي المطلوب عدمُ عودتهم إلى لبنان.
والمستوى الثاني أن يدعو رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل سفراءَ الدول الخمس الكبرى إلى اجتماع للبحث معهم في أن تساعد دولُهم على تأمين عودة النازحين المعارضين عن طريق بيروت ـ تركيا وصولاً إلى الشمال السوري، وعن طريق بيروت ـ الأردن وصولاً إلى الجنوب السوري».
بدءُ المحاكمات في «عرسال»
إنطلقَت أمس المحاكمات في ملفّ «أحداث عرسال»، والتي أدّت إلى أسرِ واستشهاد عددٍ من العسكريين. بعدما تمَّت تجزئةُ الملفّ إلى 8 ملفّات، نظراً إلى أنّه يضمّ 111 متّهماً بينهم 76 موقوفاً، وذلك بحسب الأفعال المسنَدة إلى المتّهمين وحجم أدوارهم. إفتتح رئيسُ المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله الجلسة قرابة الساعة 12 ظهراً، واستمرّت حتى العصر. أكثر من 25 جلسة كانت على جدول أعمال المحكمة، حاوَل معظم المتّهمين إنكارَ اعترافاتهم الأوّلية، فنصَحهم عبدالله بـ«أنّ الإنكار لا يَخدمهم».
وأبرزُ الذين تمّ استجوابهم: عبدالله يحيى رحمة الملقّب بـ«الكوبرا»، وهو مسؤول لوجستي في داعش، وخالد أحمد قرقوز ولقبُه «الزميل»، وهو المسؤول الأمني والإعلامي في داعش، ولكلٍّ منهما دورٌ مؤثّر في خطفِ العسكريين وقتلِهم (تفاصيل ص.8).