فيما تجاوَز مجلس الوزراء بسلاسة «قطوعَي» تمويل لجنة الإشراف على الانتخابات وسِلفة الخزينة لوزارة الاتصالات، منسجماً بذلك مع المناخات الوفاقية السائدة منذ أيام رئاسياً وسياسياً، خَطف الأضواءَ تصعيد أميركي جديد ضدّ «حزب الله» تمثّلَ بإقرار مجلس الشيوخ مشروع قانون العقوبات ضدّ «حزب الله» بعدما كانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب قد أقرّته. ووفق بيان أصدرَه المجلس، فإنّ مِن شأن هذا المشروع «تعزيز وتوسيع نطاق العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرَضها قانون منعِ تمويل الإرهاب الدولي الصادر عام 2015». ونقِل عن السناتور ماركو روبيو قوله: «إنّ إرهابيّي «حزب الله» الذين تدعمهم إيران مسؤولون عن مقتل مئات الأميركيين، وما يزالون يشكّلون تهديداً خطيراً للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها». وأضاف: «يجب على الرئيس والكونغرس أن يبنيا على النجاحات التي حقّقها قانونُنا لعام 2015 الذي استهدف «حزب الله» ووكلاءه، وسنّ هذا المشروع الجديد لتعزيز الجهود الدولية لمكافحة تمويل وتوسيع نطاق التهديدات الإرهابية والصاروخية لـ»حزب الله» والإتجار بالمخدّرات وغير ذلك من الأنشطة الإجرامية».
وفيما يُنتظر أن تكون لهذه الخطوة الأميركية تفاعلاتها محلّياً وإقليميا ودولياً، يستعدّ رئيس الحكومة سعد الحريري للسفر الى روما الاسبوع المقبل للقاء قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس في 13 من الجاري، ثمّ يلتقي عدداً من المسؤولين الفاتيكانيين، ابرزُهم أمين سر دولة الفاتيكان وزير الخارجية بيترو بارولين.
وعلمت «الجمهورية» انّ هذه الزيارة التي كانت مقرّرة ليومٍ واحد قد توسّعت لأربعة ايام، حيث سيلتقي الحريري الاثنين في 16 الجاري نظيرَه الإيطالي باولو جينتيلوني.
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ المساعي لعقدِ اجتماع في روما لدعم الجيش اللبناني لم تتقدّم بعد، حتى انّ الحكومة الايطالية لم تحدّد موعداً لهذا الاجتماع الذي سيكون الثاني من نوعه في حال انعقاده.
النزوح وخطر التوطين
وفي موضوع معالجة ملفّ النازحين السوريين في لبنان، تتوسّع المواقف الداعمة لحلّ سريع لهذه الازمة. وعلمت «الجمهورية» أنّ عدداً من زوّار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمسوا عزمَه على مواجهة ملفّ النزوح وعدمِ تركِه لهمّة المجتمع الدولي الذي يكتفي بإدارة وجود النازحين من دون العمل على إعادتهم.
بكركي
ولوحِظ أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كرّر من مطار بيروت الدولي قبَيل مغادرته لبنان، في زيارة رعوية إلى روما والولايات المتحدة الأميركية، موقفَه من موضوع النازحين، وواصَل تحذيرَه من خطرِهم، حيث أكّد أنّ «هذا الموضوع كبير جداً، وكما أصبَح معلوماً فإنّ لبنان لم يعد يتحمّل هذا العدد منهم والذي يزداد حتى تجاوَز مليوناً و700 الف نازح، عدا عن عدد الولادات الذي يتراوح سنوياً بين 30 و40 الف حالة».
وأشار الى أنّ «لبنان في الاساس يعاني اقتصادياً ومعيشياً، في ظلّ هجرة مستمرّة، ولم يعد في استطاعته تحمُّل مزيد من الاعباء، فقد تحمّلنا إنسانياً من دون أن نُمنّن أحداً»، مشدّداً على «أنّ البلد يختنق اقتصادياً واجتماعياً، وهناك خطر كبير من استغلال منظمات ارهابية للنازحين سياسياً ومذهبياً، ونخشى أن يكون ذلك على حساب لبنان»، معتبراً «انّ الحلّ لأزمة النازحين ليس بالتوطين في بلد أو آخر وإنّما بالعودة الى وطنهم».
وإذ شدّد الراعي على «ضرورة حلّ هذا الموضوع بكلّ الطرق المتاحة»، سأل: «مَن المعني بقضية العودة، أليست سوريا والمجتمع الدولي والامم المتحدة ومن يخوضون الحرب»؟
سِلفة «الإتّصالات»
من جهةٍ ثانية، لم تكن جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في السراي الحكومي أمس برئاسة الحريري، سوى استكمال لإشاعة الاجواء التصالحية والايجابية داخل مكوّنات الحكومة.
ففي جلسة سريعة جداً لم تتجاوز الساعة أقرّ مجلس الوزراء جدولَ اعمال من 63 بنداً دخَل فيه رئيسُ الحكومة مباشرةً بلا مقدّمة سياسية تقليدية.
حتى انّ البنود التي كان يمكن ان تتحوّل جدلية خلافية، مرّت بسلاسة، والمقصود هنا بندُ سِلفة الخزينة لوزارة الاتصالات والذي يطلب فيه الوزير جمال الجرّاح تأمينَ مبلغ 225 مليار ليرة لتمويل مشروع الـ FTTC ومتمّماته والخدمات المرافقة له ضمن خطة تطوير وتوسِعة الشبكة الهاتفية الثابتة، فمرَّ هذا البند من دون أيّ اعتراضات او إشكالات، خلافاً لِما كان متوقّعاً، علماً انّ المبلغ خُفّض الى 150 مليار ليرة، بناءً على طلب وزير الاتصالات، بعد إعادةِ جدولةِ البرنامج على اربع سنوات، يُصرَف في المرحلة الاولى منه ضمن موازنة ملحَقة لوزارة الاتصالات مبلغ 150 مليار ليرة، ويليه المبلغ الثاني وقيمته 150 مليار ليرة، يليه 75 مليار، ثمّ 75 مليار ليرة في السنتين الاخيرتين. وهكذا، تمّ امتصاص صدمةِ حجم المبلغ المطلوب من دون المساس به.
واللافت انّ وزراء «التيار الوطني الحر»، الذين كانوا أشدَّ المعارضين لهذه السلفة، لم يعترضوا عليها مجدّداً، ما يعني انّ رياح التسوية لفحَت يميناً ويساراً.
وإذ ربَطت مصادر سياسية مطّلعة بين قبول الحريري بإمرار التشكيلات القضائية على رغم عدمِ رضاه عنها وقبول «التيار الوطني الحر» إمرار سلفةِ الخزينة لوزارة الاتصالات على رغم معارضته السابقة لها، قالت: «إنّ معادلة «مرِّقلي لمرِّقلَك» لا تزال حيّة تُرزَق».
تمويل الانتخابات
كذلك وافقَ مجلس الوزراء على تأمين التغطية المالية والمصاريف لهيئة الإشراف على الانتخابات (الجهاز الإداري والمقر وتجهيزه) وعلمت «الجمهورية» أنّها تبلغ ثلاثة مليارات وثمانمئة مليون ليرة.
وسيقسم أعضاء الهيئة اليمين القانونية امام رئيس الجمهورية الاثنين المقبل تنفيذاً للمادة 13 من قانون الانتخاب، ثم تعقد اجتماعَها الاوّل مع وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال الاسبوع المقبل لوضعِ برنامج عملِها. وكان لافتاً تشديد وزير الداخلية أمس على انّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها، واصفاً قانونَ الانتخاب بأنه «عجائبيّ».
قانون المياه
وإلى ذلك، أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون تنظيم قطاع المياه. وقال وزير الطاقة سيزار ابي خليل لـ«الجمهورية» إنّ جدول اعمال الجلسة لم يكن عادياً، وكلّ ما يُطرح على الجدول هو مهمّ، لكنّ الاستثنائي في جلسة الأمس كان إقرار مشروع قانون تنظيم قطاع المياه بعدما تنقّلَ هذا المشروع منذ 2010 بين لجنة وزارية وأُخرى، الى ان وُضِع أخيراً على جدول الاعمال وأقِرّ بعد إدخال تعديلات طفيفة عليه.
وما جرى خطوةٌ كبيرة جداً، فبعضُ القروض والمِنح لم تكن متاحة، لافتقارِ لبنان الى قانون لإدارة موارده المائية. فللمرّة الاولى منذ عهد العثمانيين يصبح لدينا قانون عصري وحديث لقطاع المياه بعد إحالته الى مجلس النواب. وهذه اشارة الى انّ الدولة باتت على السكّة الصحيحة في موضوع الادارة المائية.
إجتماع تنسيقي
على انّ الاجتماع الذي تلا مجلسَ الوزراء اكتسب اهمّية سياسية كبيرة كونه يندرج في خانةِ التنسيق السياسي المباشر بين تيار «المستقبل» وحركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، ولو انّ موازنة 2018 دخَلت في صلب النقاشات.
فقد علمت «الجمهورية» انّ الاجتماع الذي ترأسَه الحريري وضمّ وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، جرى في خلاله التنسيقُ في ملفّات عدة للمرحلة المقبلة، ومنها الجلسة التشريعية، وسلّة تعيينات جديدة تُطاول مراكز إدارية في الفئة الاولى، وأزمة محطة دير عمار الكهربائية.
وقد انضمّ الى هذا الاجتماع وزيرا الاقتصاد والطاقة ورئيسُ لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان، واستُدعيَ فريق عمل وزارة المال ومديرها العام آلان بيفاني لبدء التحضير لاجتماعات مجلس الوزراء لمناقشة موازنة 2018.
عائدات الخلوي
وفي خطوةٍ تؤكّد انّ التوافق السياسي ينعكس على تسيير اعمال المرافق العامة، أحالَ وزير المال إلى اتّحاد البلديات والبلديات مبلغاً ومقدارُه 377 مليار ليرة لبنانية من عائدات الرسوم على الهاتف الخلوي عن الفترة الممتدّة من 1/6/2014 وحتى 31/12/2016.
وعلّقَ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على دفعِ عائدات الخلوي مغرّداً عبر «تويتر»: «مبروك لبلديات لبنان دفعُ وزارة المال عائدات الخلوي عن سنتَي 2015 و2016 بقيمة أقلّ من 400 مليار ليرة… إن شاء الله يصير الدفع دوري بعد اليوم».
إجتماعات واشنطن
ومن جهةٍ ثانية، علمت «الجمهورية» انّ وزير المال الذي كان مقرّراً أن يترأسَ الوفد الوزاري الى واشنطن للمشاركة في اجتماعات المؤتمر السنوي للبنك الدولي بصفته محافظَ البنك الدولي في لبنان، عدلَ عن الزيارة بسبب تضارُبِ المواعيد بين واشنطن ولبنان، حيث يفترض ان يكون حاضراً في الجلسات التشريعية للمجلس النيابي لمناقشة قانون الضرائب الجديد والموازنة العامة، علماً انّه كانت على اجندةِ خليل لقاءات مهمّة في كلّ من وزارة الخزانة والخارجية الاميركيتين للبحث في العقوبات على «حزب الله».
واستوضَحت «الجمهورية» خليل في هذا الخصوص، فأكّد «انّ هذه المواعيد أُرجئت ولم تُلغَ».
في هذا الوقت، ظلّ برنامج زيارة الوفد الى واشنطن قائماً، وهو يضمّ وزير التربية مروان حمادة، ووزير الاقتصاد رائد خوري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
حماية الحدود البرّية
إلى ذلك، وفي إطار برنامج حماية حدود لبنان البرّية، التقى السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر والسفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد قائدَ الجيش العماد جوزف عون لمناقشة مشروع أمنِ الحدود البرّية وعملية «فجر الجرود» الأخيرة. وقد ترأسَ قائد الجيش اجتماع لجنةِ الإشراف العليا على برنامج المساعدات الأميركية والبريطانية لحماية الحدود البرّية.
وركّزَت المناقشات على خطة الجيش اللبناني لتأمين مئة في المئة من الحدود اللبنانية – السورية في حلول سنة 2019. وقد شكرَ عون للسلطات الأميركية والبريطانية الدعمَ العسكري النوعي المقدّم للجيش، «والذي كان له دورٌ مهمّ في الانتصار الذي حقّقه الجيش على الارهاب في عملية «فجر الجرود»، مثمِّناً «حرصَهما على استمرار هذا الدعم، وصولاً إلى تأمين الجهوزية الكاملة للوحدات المكلّفة حماية الحدود ومراقبتها وضبطها».
من جهته، أعلنَ شورتر عن 1.8 مليون جنيه استرليني لمساعدة الجيش اللبناني على تأمين شرق جرود القاع ورأس بعلبك المحرّرة، فيما تعهّدت ريتشارد بتقديم الدعم الأميركي له. علماً أنّ بريطانيا خصّصت أكثر من 60 مليون جنيه استرليني لهذا المشروع مع مساهمةٍ مهمّة من الولايات المتحدة وبمساعدة شركاء آخرين.
وقال شورتر: «بريطانيا والولايات المتحدة ستساعدان الجيش اللبناني على بناء مواقع مراقبةِ الحدود وقواعد العمليات الأمامية في المناطق المحرّرة، ونحن سنقدّم أيضاً الخبرةَ البريطانية في مجال إزالة الألغام».
المجمع الأرثوذكسي
على صعيدٍ آخر، عبَّر المجمع الأنطاكي المقدّس للروم الأرثوذكس الذي انعقدَ برئاسة البطريرك يوحنا العاشر اليازجي في دير مار الياس – شويّا في المتن، عن «قلقه نتيجة الغبنِ الذي لحقَ بالطائفة الأرثوذكسية في التعيينات الأخيرة»، مناشداً المسؤولين «ضرورةَ العمل الجادّ على تأمين المشاركة العادلة والفاعلة للجميع في الحكم والإدارة والوظيفة بلا أيّ إقصاء أو تهميش لأحد»، ومشدّداً على «ضرورة الحفاظ على الثقة المتبادَلة بين الشعب وممثليه عبر إقامة الانتخابات النيابية في موعدها».
ودعا إلى «صحوةٍ لدى المسؤولين لفتحِ ورشةِِ إصلاحية تقود إلى وقفِ الهدرِ، والحدّ من الممارسات التي تسيء إلى استخدام المال العام، وتوقفُ الصفقات التي تُرهق كاهلَ الدولة وتُمعن في إفقار الشعب لفائدةِ طبقةِ رأسماليةِ المحسوبيات التي باتت تتركّز كلُّ مقدَّرات الوطن بين أيديها فتزيد من سوء الواقع المعيشي للمواطنين».