اذا كانت مواعيد الأيام اللبنانية الراهنة موزّعة ما بين جلسات لمجلس الوزراء ومجلس النواب وسلسلة الرتب والرواتب وضرائب تمويلها التي لم تنته مضاعفاتها فصولاً بعد، فإنّ مواعيد الأيام المقبلة الاقليمية والدولية حافلة بالتصعيد الذي يكاد يبلغ ذروته، خصوصاً بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية في ضوء تلويح واشنطن بالخروج من الاتفاق النووي الموقع بين ايران ومجموعة دول الـ«5 + 1»، وكذلك تلويحها بتصنيف الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية. وبلغ هذا التصعيد ذروته أمس بدعوة واشنطن دول العالم إلى «التوحد في سبيل مواجهة النظام الديكتاتوري في طهران وشريكها الأصغر حزب الله»، معلنة عن مكافأة مقدارها 12 مليون دولار للمساعدة في اعتقال قياديين عسكريين إثنين في الحزب.
أكد البيت الأبيض أمس «أن «حزب الله» اللبناني لا يزال يشكل تهديدا لأمن الولايات المتحدة القومي ودول منطقة الشرق الأوسط وخارجها»، داعيا العالم إلى مواجهة «النظام الديكتاتوري» في طهران وقال مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن الداخلي توم بوسيرت في مقال نشر على موقع البيت الأبيض أمس: «لا يوجد أي فارق بين الجناح الإرهابي لحزب الله وما يسمى الجناح السياسي، إنه منظمة إرهابية عالمية».
وأضاف «أن الأمن الأميركي أحبط خلال السنوات الأخيرة محاولات حزب الله تنفيذ هجمات إرهابية طاولت القارات كافة تقريباً، بما في ذلك، في تايلاند وقبرص والكويت وبيرو ونيجيريا». واشار الى «أن الحزب ينشط على الأراضي الأميركية أيضا، حيث أوقف مكتب التحقيقات الفيدرالي، أخيراً شخصين عملا لمصلحة شبكة حزب الله العالمية».
وشدد بوسيرت على أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «ستعمل بنشاط على تحديد البنية التحتية لحزب الله وقنوات التمويل التي تغذيها بغية القضاء عليها».
وأبدى رضاه «لانضمام دول عدة إلى الولايات المتحدة في تصنيفها حزب الله تنظيما إرهابيا»، مشيرا كمثال على ذلك إلى الاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوبات ضد «الجناح المسلح» للحزب عام 2013، داعياً الأمم المتحدة ودولا في أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الجنوبية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا التي لم تفرض عقوبات على حزب الله بعد، دعاها إلى فعل ذلك.
وأكد أن إدارة ترامب «ستواصل بذل جهودها الرامية إلى عزل راعي «حزب الله»، إيران، التي لا تحترم سيادة دول في جوارها وتستفيد من عائدات تجارة النفط لتمويل حزب الله وغيره من التنظيمات الإرهابية». ودان «أفعال إيران المزعزعة للاستقرار»، داعيا دول العالم إلى «التوحد في سبيل مواجهة النظام الديكتاتوري في طهران وشريكها الأصغر حزب الله».
من جهته، قال المدير الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة نيكولاس راسموسن «إن حزب الله ما زال يشكل تهديدا للولايات المتحدة، وذلك بعد 20 عاما من تصنيفه منظمة إرهابية.» وأوضح في مؤتمر صحافي «أن المصالح الأمنية الأميركية تراقب عن كثب أي تحركات لحزب الله على التراب الأميركي».
وأضاف «أن حزب الله يعتمد على العنف والإرهاب لتحقيق أهدافه»، مشيرا إلى «أن تركيز الولايات المتحدة على محاربة «داعش» و«القاعدة»، لن يوقفها عن ملاحقة التنظيم وإحباط كل محاولاته في تنفيذ عمليات إرهابية».
وقال راسموسن، «إن حزب الله لا يشكل فقط خطرا على الولايات المتحدة، بل على لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والخليج»، موضحا «أن واشنطن تعمل مع شركائها لتتبع أي نشاط له».
وفي هذا السياق أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أمس الثلاثاء، أنها ستمنح مكافآت مقدارها 12 مليون دولار لمن يقدم معلومات تساهم في القبض على قياديين إثنين في «حزب الله».
وقال منسق الخارجية الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب، نيتن سيلز، في مؤتمر صحافي أمس: «إن التصدي لحزب الله من أولويات إدارة الرئيس ترامب، وأُعلِن اليوم عن مكافأتين على قياديين في حزب الله في إطار برنامج مكافآت وزارة الخارجية».
وأضاف: «أولا، تعلن وزارة الخارجية عن مكافأة مقدارها 7 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تساهم في تحديد موقع وجود طلال حمية واعتقاله وإصدار حكم في حقه، مهما كان البلد الذي سيحدث فيه ذلك».
وأوضح أن «حمية متورط في تنفيذ هجمات إرهابية عدة وعمليات استيلاء على وسائل النقل، واختطاف مواطنين أميركيين، ويترأس شبكات دولية إرهابية تابعة لحزب الله»، مشيرا إلى «أن الهجمات، التي أعدتها هذه الشبكات، كانت تستهدف في غالب الأحيان المواطنين الأميركيين والإسرائيليين».
وأعلن سيلز عن مكافأة بمقدار 5 ملايين دولار مقابل معلومات تسفر عن «تحديد موقع وجود فؤاد شكر، واعتقاله وإصدار حكم في حقه، مهما كان البلد الذي سيحدث فيه ذلك». واشار الى أن شكر «قيادي عسكري ميداني لحزب الله في لبنان».
طلال حمية
وذكر موقع «المكافآت من اجل العدالة الاميركي» أن طلال حمية «هو رئيس منظمة الأمن الخارجي التابعة لحزب ﷲ، وهي تحتفظ بخلايا منظمة في كلّ أنحاء العالم. وهذه المنظمة مسؤولة عن تخطيط، وتنسيق، وتنفيذ الهجمات الإرهابية خارج لبنان، واستهدفت الهجمات في المقام الأول الاسرائيليين والأميركيين.
وحددت وزارة الخزانة الأميركية طلال حمية في 13 أيلول 2012 بأنه إرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي 13224 لأنه يقدم الدعم لأنشطة حزب الله الإرهابية في الشرق الأوسط وحول العالم».
فؤاد شكر
اما فؤاد شكر فوصفه الموقع الاميركي بأنه «مستشار كبير في الشؤون العسكرية للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. وهو من مسؤولي حزب الله الكبار، وهو القائد العسكري لقوات الحزب في جنوب لبنان، ويعمل في أعلى هيئة عسكرية تابعة للحزب، وهي «مجلس الجهاد» وتمتد أنشطته لمصلحة الحزب وبالنيابة عنه لأكثر من 30 عاما. وكان زميل قريب من القيادي عماد مغنية.
ولعب دوراً رئيسياً في تخطيط وتنفيذ تفجيرات ثكنة المشاة البحرية الأميركية في بيروت في 23 تشرين الأول 1983 التي أسفرت عن مقتل 241 من أفراد الخدمة الأميركية».
اسرائيل
الى ذلك دخلت إسرائيل على خط هذا التصعيد مهددة بأنّ «الحرب المقبلة ستكون على جبهتي سوريا ولبنان معاً، واصفة الجيش اللبناني بأنه «جزء من منظومة «حزب الله».
وقد جاء هذا التوصيف ـ الإتهام الاسرائيلي في ضوء الحديث عن اتجاه الرئيس الاميركي الى تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني (الباسدران) منظمة إرهابية، وعشيّة قوله كلمته الفصل في شأن الاتفاق النووي مع إيران غداً، سلباً أم ايجاباً.
وإذ لاحظ مراقبون «أنّ اسرائيل تعتبر للمرة الاولى الجيش اللبناني جزءاً من «حزب الله» في الوقت الذي كانت تقتصر اتهاماتها على تنسيقه مع الحزب، ما يُعدّ بالأمر الخطير»، أبدوا في المقابل اعتقادهم «أنّ كل هذه المواقف يمكن ان لا تكون لها ترجمة في المدى المنظور، لكن بالتأكيد هي جزء من الاجواء العسكرية التي تُخلَق في المنطقة، خصوصاً أنها تأتي بعد قضاء الجيش اللبناني على التنظيمات الارهابية، وفي الوقت الذي يتسلّم دفعات كبيرة من السلاح الاميركي أبرزها طائرات «سوبر توكانو»، وتؤكد واشنطن ولندن الاستمرار في تقديم الدعم له.
وقد هدّدت اسرائيل بلسان وزير دفاعها أفيغدور ليبرمان، أمس، أنه «في حال وقوع حرب جديدة على الجبهة الشمالية، فإنّ سوريا ولبنان سيكونان معاً، ولن يكون لبنان وحده على الجبهة».
وقال ليبرمان في بيان أصدرته وزارة الدفاع الاسرائيلية: «الواقع الجديد يضعنا امام تحديات جديدة. واذا كنّا في الماضي تحدثنا عن جبهة لبنان، فلم تعد هناك جبهة كهذه. توجد جبهة الشمال.
هي سوريا ولبنان معاً، «حزب الله» ونظام الاسد وكل من يرتبط بهما». واضاف: «عند الحديث عن لبنان، لا نتحدث عن «حزب الله» فقط، بل نتحدث عن الجيش اللبناني ايضاً. للأسف هذا هو الواقع، فقد صار الجيش اللبناني جزءاً لا يتجزأ من منظومة «حزب الله».
وتحدث ليبرمان عن احتمال نشوب حرب على الجبهتين الشمالية (لبنان وسوريا) والجنوبية (قطاع غزة) في الوقت نفسه. وقال: «إذا فُتِحَت المعركة المقبلة، لا فرق أين تبدأ في الشمال او الجنوب، ستصبح معركة على الجبهتين، وهذه الفرضية الاساسية لدينا، ولذلك نحن نجهّز الجيش».
وكان ليبرمان يتحدث أمام عدد من جنود الجيش الاسرائيلي من قوى سلاح الجو والمدرعات والمدفعية في وزارة الدفاع في تل ابيب، فقال: «كل جهودنا تنصَبّ على منع حرب مقبلة، لكن في الشرق الاوسط الجديد، التقديرات التي عرفناها في الماضي حول ضآلة الاحتمالات لا تنطبق على الواقع، والواقع هَش. قد يحدث هذا بين لحظة وأخرى، بين اليوم والغد».
واضاف: «المفهوم الاساسي لدي هو أنّ من يريد السلام عليه الاستعداد للحرب، وآمل في ان يفكر أعداؤنا في الجانب الآخر بكل خطوة ضد دولة اسرائيل».
قائد الجيش
في هذا السياق، قال قائد الجيش العماد جوزيف عون أمس: «إذا كانت الحدود اللبنانية كلها قد أصبحت أكثر أماناً واستقراراً بفِعل إمساك الجيش بها، وجهوزيته الكاملة للدفاع عنها في مواجهة العدوّ الاسرائيلي، وأيّ خرق إرهابي قد يحاول النفاد من خلالها، فإنه من غير المسموح لأحد في الداخل العبث بأمن المواطنين واستقرارهم أو التعدي على أملاكهم وأرزاقهم تحت أيّ مطلب أو شعار كان».
وخلال تفقّده فوج التدخل السادس المنتشر في منطقة البقاع الأوسط، أكّد العماد عون «أنّ سلامة الوطن هي من سلامة حدوده التي باتت كاملة في عهدة الجيش بعد عملية «فجر الجرود» ودحر الإرهاب عن الحدود الشرقية.
وهذا الإنجاز الوطني الكبير يستدعي من الوحدات العسكرية المنتشرة على كل الحدود تكثيف عمليات الرصد والمراقبة والتدابير الميدانية لقمع أعمال التسلّل والتهريب في الاتجاهين، والتصدّي لأيّ انتهاك لحرمة الأراضي اللبنانية». وأشار «إلى أنّ الاستقرار الأمني في لبنان عموماً بات محصّناً أكثر من أيّ وقت مضى، وأيّ محاولة للإخلال به ستُواجَه فوراً وبحَسم».
حكومة ومجلس
داخلياً، تمرّ الحكومة في فترة استراحة المحارب والتقاط الانفاس بعد الجلسة التشريعية، قبل ان ينعقد مجلس الوزراء برئاسة الحريري في الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد في السراي الحكومي، وذلك لمناقشة جدول أعمال يضمّ 52 بنداً ويتصدّره بند يتضمّن عرض وزارة الداخلية موضوع التدابير الواجب اتخاذها والاعتمادات المطلوبة لإجراء الانتخابات النيابية العامة.
وتأتي جلسة مجلس الوزراء هذه قبَيل سفر الحريري الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، والى ايطاليا للقاء نظيره الايطالي باولو جينتيلوني، وهو التقى أمس السفير الإيطالي في لبنان ماسيمو ماروتي وعرض معه للتحضيرات الجارية لمحادثاته مع رئيس الحكومة الايطالية.
في الموازاة، وبعد إقراره عدداً من الضرائب في سبيل تمويل سلسلة الرتب والرواتب، يستعدّ مجلس النواب للانطلاق في جلسات متتالية لمناقشة وإقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2017 أيام الثلثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع المقبل، على أن يبدأ هذه الجلسات بجلسة لانتخاب أمين السر والمفوضين الثلاثة ورؤساء وأعضاء اللجان النيابية ومقرريها.
«القوات» و«التيار»
ومن جهة ثانية، وفيما تلوذ معراب بالصمت هذه الأيام، في انتظار تظهير نتائج جولة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وحركته الخارجية، يستعدّ «التيار الوطني الحر» لإحياء ذكرى 13 تشرين لهذه السنة، في احتفال يقيمه على مسرح «بلاتيا» في ساحل علما عند السابعة مساء بعد غد الجمعة، تكريماً لجهود الجيش وتضحيات الشهداء والجرحى. ويختلف الاحتفال هذه السنة عن الاعوام السابقة بفِعل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، علماً انّ «التيار» كان قد أحيا هذه الذكرى العام الفائت في احتفال أقامه على طريق القصر الجمهوري في بعبدا.
وفي المعلومات انه سيتخلل الإحتفال كلمة لرئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، ولكنه لن يشهد حضوراً سياسياً بارزاً بفعل عدم توجيه «التيار» دعوات رسمية الى أحد، إذ اقتصرت الدعوات على اهالي الشهداء العسكريين، وعلى العسكريين و«الانصار» الذين شاركوا في معارك 13 تشرين، وعلى المعوقين الذين أصيبوا بفعل تلك المعارك.
وفي الشأن السياسي، توقفت مصادر «التيار الوطني الحر» عند العلاقة بينه وبين «القوات اللبنانية»، فقالت لـ«الجمهورية»: «إنّ التفاهم بيننا لا ينفي وجود تباينات في مواضيع عدة، فاتفاق طرفين ليس معناه ان يذوب طرف بآخر، والاختلاف في بعض وجهات النظر أمر طبيعي، لكن لا عودة في العلاقة الى الوراء، أي الى ما قبل اتفاق معراب».
وأكدت هذه المصادر انها لا ترى انّ «لقاء كليمنصو» الاخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط موجّهاً ضد أحد، وقالت: «القول إنّ هذا اللقاء موجّه ضد العهد او ضد الوزير باسيل او انه عودة الى إحياء زمن «الترويكا» غير صحيح، لقد كان لقاء مصالحة ومصارحة بين الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط برعاية الرئيس بري، وهو لقاء شأنه شأن سائر لقاءات التقارب بين اللبنانيين، وسياسة «التيار الوطني الحر» هي تشجيع التقارب والانفتاح بين جميع الافرقاء، ولقاء كليمنصو يأتي في هذا السياق، وفي سياق تصويب العلاقات بين الحريري وجنبلاط وإعادتها الى ما كانت عليه».