تتلاطم الملفات الداخلية بعضها ببعض، سلسلة الرتب والرواتب أخذت طريقها الى الهيئة العامة لمجلس النواب ولا اتفاق شاملاً حولها لا من النواب ولا من فئات الأساتذة والموظفين الذين ستشملهم، ولا من القطاعات الاقتصادية التي ترى فيها سبباً لعبء كبير عليها وعلى المالية العامة، وها هي الموازنة تلحقها الى المجلس النيابي، فيما تبقى السياسة «مكانك راوح» والقانون الانتخابي مصيره مجهول، وإن كان هناك من يتحدث عن مبادرة رئاسية تكسر الجمود الحاصل وتفتح ثغرة إيجابية في الحائط المسدود، ولكن لم تصدر أيّ إشارة في هذا الاتجاه حتى الآن. الّا انّ موقفاً متقدماً للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تجاه قتال «حزب الله» في سوريا وسلاحه، خرق المشهد السياسي في البلاد ممّا يرسم أكثر من علامة استفهام حول علاقة بكركي مع الحزب على خلفية هذا الكلام.
ففي موقف لافت، قال الراعي في مقابلة على شاشة «سكاي نيوز عربية» إنّ «حزب الله» دخل الحرب السورية «من دون أيّ اعتبار لقرار الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس»، معتبراً أنّ ذلك «أحرجَ اللبنانيين وقَسّمهم بين مؤيّد لتدخّله ورافض له».
وأشار الراعي الى انّ «حزب الله» عندما دخل الحرب في سوريا، لم يدخل بقرار من الدولة اللبنانية، بل الدولة في إعلان بعبدا أعلنتْ النأي بالنفس، وهذا قرارٌ اتخذه الحزب وما زال اللبنانيون حتى اليوم منقسمين حيال هذا الأمر».
وأضاف: «أنا مواطن، وشريكي مواطن، وأنا أعزل وهو مسلّح، وهذا شيء غير طبيعي. لكنّ الدولة اللبنانية لم تحسم أمرها في هذا الموضوع. ولو كان «حزب الله» ميليشيا خارج البرلمان، لكان الأمر شيئاً آخر، لكنه في الحكم».
إرتجاج أمني
المشهد السياسي المرتجّ سياسياً، أضيف إليه بالأمس ارتجاج أمني تمثّل باشتباكات في محيط مخيم برج البراجنة، بين عناصر فلسطينية وآل جعفر في حي البعلبكية، اعتُبرت الأعنف منذ 30 عاماً.
وأكّد هذا التطور الامني مجدداً انّ الأمن يبقى الهاجس الاول الذي يؤرق اللبنانيين، وانتكاسة الأمس تعيد طرح مسألة تفلّت «سلاح العبث»، إضافة الى وضع المخيمات الفلسطينية التي تتنقّل جمراتها ما بين مخيمات بيروت وصولاً الى مخيمات الأخرى والتي يتصدّرها مخيم عين الحلوة وما يشكّله من ملاذ ومستودع للإرهابيين والعابثين والخارجين على القانون ومن بؤرة توتر وتوتير دائم للمخيم ومحيطه.
ولعلّ الرسالة التي صاغتها هذه الاشتباكات تقدّم شهادة موجعة على هشاشة الأمن الداخلي واهتزازه أمام أبسط حادث حتى ولو كان فردياً، وهذا ما يضع الدولة أمام مسؤولية حزم أمرها في الاتجاه الذي يضع حداً نهائياً لهذه الآفة، ويمنع تكرار مثل هذه الاعمال التي لا تنتهك سيادة لبنان فحسب بل تغتال أمنه وأمن اللبنانيين وتجعلهم هدفاً للسلاح المتفلّت وللعابثين داخل المخيمات.
أجواء بعبدا
وتابع المسؤولون السياسيون هذا المستجد الأمني، مع تساؤلات حول توقيته وأهدافه، مع تشكيك بالطابع الفردي له ربطاً بالعنف الذي رافقه. ولاحظت أجواء بعبدا وجود مفارقة غير مفهومة، بدءاً بزيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ثم البيان الأخير لمجلس الأمن الدولي والذي تحدّث فيه عن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وقبل ذلك إثارة بعض المواقف السياسية حول موضوع سلاح المقاومة ربطاً بالقرار 1701 معطوفاً على القرار 1559، وصولاً الى التطورات المتسارعة في سوريا والانهيارات التي يتعرض لها تنظيم «داعش» الارهابي، فهل يرمي كل ذلك الى محاولة للضغط على لبنان في الوقت الذي تجري فيه محاولات لبلورة حلول في سوريا؟
وأرخَت اشتباكات برج البراجنة جواً من الحذر، وشاركت تنظيمات محلية ولا سيما من حركة «أمل» و«حزب الله» في الاتصالات مع الفصائل الفلسطينية سعياً لتهدئة الوضع وإنهاء التوتر وسحب المسلحين الفلسطينيين.
وتوجّه وفد من الحزب الى داخل المخيم كما شارك في الاتصالات مع السفير الفلسطيني اشرف دبور، فيما تابع وزير الداخلية نهاد المشنوق الوضع في المخيم، ولوحظ خروجه من جلسة مجلس الوزراء حيث أجرى اتصالات في هذا السياق.
مرجع أمني
وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية»: «ما جرى في المخيم والاشتباكات التي شهدها، ناجم من حادث فردي، الّا انّ عنف الاشتباكات وكثافة النيران خلقت جواً من القلق، خصوصاً انّ الأمور كادت تتفاقم أكثر وتتمدد الى مخيمات أخرى شهدت ظهوراً مسلحاً في بعض أحيائها اضافة الى مسلحين في خارجها. وأوضح انّ الجيش اتخذ إجراءات أمنية مشددة في منطقة التوتر سعياً الى ضبط الوضع ومنع تفاقمه، وملاحقة المتورطين والقبض عليهم.
ولم يؤكّد المرجع أو يَنف وجود نيّات توتيرية، خصوصاً من بعض الاطراف داخل المخيم، الّا أنه قال: «لدينا تجارب مماثلة في مخيمات أخرى كعين الحلوة، هناك اتصالات مع الفصائل الفلسطينية التي أكدت على الطابع الفردي لِما حصل، ولا طابع تنظيمياً له، وأبدَت حرصها على العلاقات الاخوية بين اللبنانيين والفلسطينيين في المخيمات، وعدم جعلها نقاط توتر بينها وبين محيطها».
وفي السياق ذاته، ردّت مصادر أمنية أسباب التوتر الى انّ هناك توتراً دائماً بين طرفي منطقة الاشتباك. وقالت لـ«الجمهورية»: «مخيم البرج يقع على أطراف الضاحية الجنوبية، ويعتبر في نظر محيطه بؤرة للإسلاميين المتطرفين، وسبق أن تسلّل منها كل منفّذي الأعمال الإرهابية في الضاحية، كما أنّ الحي الذي انطلق منه الإشكال معروف بأنه لتجّار المخدرات ومتعاطيها، وبدأ نتيجة إدخالهم مواد بناء».
وأكدت المصادر أنّ «الجيش نفّذ انتشاراً أمنياً في كل المناطق المحيطة بالمخيمات الفلسطينية في بيروت، منعاً لامتداد الاشتباكات الى الخارج»، موضحة أنّ «الوضع في ساعات المساء بات مستقراً، خصوصاً أنّ الإشتباك ذات طابع فردي.
إلّا انه على رغم ذلك استمرّ القنص بين حين وآخر، ودعا الجيش المسلحين الى توقيف القنص في كل الإتجاهات، وحذّرهم من الاستمرار في ذلك وإلّا سيردّ على مصادر إطلاق النار». وكشفت أنه «سيتمّ تسليم المطلوبين في هذا الملف بعدما رفعت كل الجهات الغطاء السياسي عنهم».
من جهته، أكد مصدر قريب من «أمل» لـ«الجمهورية» أن «لا علاقة لـ«حزب الله» أو للحركة بما يحصل، إنما الاتصالات الجارية مع الطرفين تهدف الى تدخلهما مع «آل جعفر» لتهدئة الوضع، كون الحزبان فاعلين على الأرض، ولهما «مونة» على العائلتين ويستطيعان ضبط الوضع»، مشدداً على أن «لا طابع سياسياً لما جرى».
أمّا الفصائل الفلسطينية في لبنان، فأصدرت بياناً دانت فيه ما يجري، مؤكدة أنها «حادث فردي تطوّر الى خلاف واشتباك بين عائلتين من المخيم والجوار، وليس لها أيّ بعد سياسي او حزبي».
الجميّل
وفي المواقف، أكّد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل لـ«الجمهورية» انّ «على الحكومة اللبنانية أن تتعاطى مع ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات على أنه مسألة سيادية غير قابلة لأيّ شكل من أشكال المساومات والتسويات».
وحذّر «من إبقاء المعالجات محصورة في الاطار الامني والعسكري والتقني». وشدّد على انّ «المطلوب قرار سياسي واضح وصريح وحاسم ببَسط سلطة الدولة اللبنانية على المخيمات وتطبيق القانون اللبناني على كل المقيمين على الاراضي اللبنانية من دون أي استثناءات».
واستغرب الجميّل «صمت الوزراء المعنيين وإحجام الحكومة والسلطة السياسية عن مواجهة واقع الاشتباكات المتنقلة بين عين الحلوة وبرج البراجنة، في وقت سمع القادة اللبنانيون من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال زيارته الاخيرة الى لبنان، دعوة واضحة للسلطة اللبنانية كي تأخذ المبادرة وتبسط سيادتها على المخيمات وتطبّق القوانين اللبنانية على المقيمين فيها».
وختم الجميّل: «يكفي الدولة اللبنانية مظاهر اهتراء وعجز ومشاهد الفلتان في المخيمات الفلسطينية تذكّر اللبنانيين بحقبات سوداء من تاريخ عجز الدولة وتَخلّيها عن مسؤولياتها في الدفاع عن سيادتها وحماية المقيمين على أرضها».
لا جديد إنتخابياً
سياسياً، كان اللافت للانتباه «التواصل الانتخابي» الذي جرى أمس بين الوزيرين المشنوق وجبران باسيل، ثم «اللقاء الثلاثي» الذي عقد مساء في السراي الحكومي بعد جلسة مجلس الوزراء بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير علي حسن خليل وباسيل في حضور مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري.
وقالت مصادر مواكبة للاجتماع لـ«الجمهورية» انّ البحث يجري في صيغة باسيل لقانون مختلط جديد، الّا انه لم يتم التوافق عليها بعد، مع انّ باسيل يعتبر أنها اصبحت قابلة للتوافق عليها، وقد يكون الاسبوع المقبل محطة حاسمة لها. وبحسب مصادر مواكبة فإنّ هذه الصيغة تقوم على مختلط من 64 /64، وتقوم على معايير موحدة في كل الدوائر.
الموازنة الإثنين
على صعيد آخر، لم يكتب للموازنة في الجلسة العاشرة لمجلس الوزراء أن تُبصر النور فيها، فتأجّل البحث فيها الى جلسة جديدة عند الرابعة بعد ظهر الاثنين المقبل في السراي. وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري طلب الى الوزراء عدم الارتباط بمواعيد مساء الاثنين لأنه عازم على الانتهاء من الموازنة ولو اضطرّ للبقاء حتى منتصف الليل.
وكان مجلس الوزراء استكمل النقاش في نفقات الوزارات فأنهى الجزء الاول وبقيت 5 وزارات ستبحث الاثنين مع طلبات الاعتمادات الاضافية لبعض الوزارات التي تشهد زيادة بالنفقات. وعلمت «الجمهورية» انّ وزير المال سيقدّم الاثنين دراسة بالأرقام حول المبلغ النهائي المحصّل من الرسوم وحجم الواردات بالموازنة وأرقام نفقة السلسلة وحجم وارداتها من الاجراءات الضريبية والإصلاحية.
«السلسلة»… إعتراضات
امّا في ما خصّ سلسلة الرتب والرواتب، فيبدو انها بالصيغة التي أقرّتها فيها اللجان النيابية المشتركة لم تُرض لا المطالبين بها ولا من كان يعترض عليها، بدليل انّ إضراب الأساتذة الثانويين مستمر حتى يوم الاربعاء المقبل، ومواقف الهيئات الاقتصادية لا تزال معارضة ومنتقدة للضرائب والرسوم المفروضة لتمويل السلسلة.
وأكّد رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي لـ»الجمهورية» انه «تمّ إعطاء أساتذة التعليم الثانوي أدنى أدنى الدرجات، وهذا ما نعترض عليه، وبالتالي رفض الأساتذة هذه القرارات وأعلنوا الاضراب المفتوح».
بدوره، قال نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ«الجمهورية» انّ «موضوع السلسلة والقرارات التي أقرّت غير واضحة حتى الآن». وأشار الى انّ «الغبن الكبير يلحق المعلمين في موضوع السلسلة».
الضرائب الجديدة المعدّلة
بالنسبة الى الضرائب والرسوم التي تمّ تعديلها، أوضح النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية» أنه «تمّ تقديم اقتراح بالنسبة للمشروبات الروحية، بديل من الرسم المقطوع، والذي هو الرسم النسبي أي بحسب سعر المشروب، وتمّ اعتماده من اللجان.
وبالنسبة للدخان هناك توجّه بإلغاء الرسوم لئلّا يتسبّب رفعها بارتفاع حجم التهريب، ولكن تمّ تأجيل الموضوع لكي يدرس في اللجان. بالتالي تمّ تحويل المشروع الى الهيئة العامة لتسريع الموضوع وعدم تأخير القوانين، بانتظار تحضير دراسة بالتعاون مع إدارة الريجي ووزارة المال». (تفاصيل ص11).