العنوان الداخلي؛ تفاهُم رئاسي يَضبط إيقاع المشهد الداخلي، ومشهد سياسي تعتريه برودةٌ علنية، وأمّا في العمق، فيَظهر حجم اهتزازه بتباينات عميقة، ومساحةُ الألغام والعبوات الناسفة بين الأطراف واسعة إلى حدّ باتت تُنذر بمضاعفات وباستعادة صورٍ ماضية سوداء، وفقَ ما عكسَه الخطاب الناريّ المتبادل والذي أشعلَ في الساعات الماضية جبهة «القوات اللبنانية» و«حزب الله». يأتي ذلك في وقتٍ يحاول الداخل الانتقالَ إلى مرحلة ما بعد إقرار الموازنة، بوعودِ الانطلاق إلى ورشات عملٍ حكومي ونيابي تدفع العجَلة الحكومية والنيابية في اتّجاه الإنجاز الذي طالَ انتظارُه، وخصوصاً في الملفات الحيوية ويتصدّرها ملفّ النازحين الذي يفترض أن يكون على نار حامية مجدّداً خلال الأيام القليلة المقبلة. وإذا كان لبنان ثابتاً في موقعِ رصدِ التطوّرات الإقليمية وتأثيراتها عليه، فإنّ العين تتّجه في هذه الفترة إلى الولايات المتّحدة الأميركية التي تستضيف مؤتمراً لرؤساء أركان جيوش دولِ التحالف ضدّ الإرهاب، وثمّة تساؤلات رسَمها أحد المراجع على دعوة إسرائيل إلى هذا المؤتمر للمرّة الأولى، متخوفاً مما قد يحصل للمنطقة كلّها.
أيامٌ قليلة وتحلّ الذكرى السنوية الأولى لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وفي ذلك اليوم سيقدّم عون جردةَ حسابٍ للسَنة الرئاسية الأولى بما أنجز وما لم ينجز وما سينجز.
وقبل أيام على الذكرى، بقيَت الأجواء الداخلية محكومة بعنوان التبريد السياسي على المستويات الرفيعة المستوى، إلّا أنّ هذا الامر لم يمنع ان تلفحَها سخونة شديدة بين مكوّنات الحكومة دفعَت الخطابَ بين «القوات اللبنانية» و»حزب الله»، الى مدار العنفِ الشديد، وعكسَه كلام هجوميّ من العيار الثقيل جداً، وجّهته «القوات» الى قيادة الحزب.
وبدا أنّ الدافعَ الى الهجوم «القواتي» كلامٌ لنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، اعتبَر فيه «أنّ تبرير التعامل مع العدوّ في حقبةٍ زمنية معيّنة لا يُبرّئ العميلَ، وأنّ كلَّ من يُبرّر التعامل معه يُنعَت بشيء من العمالة، لأنّ العدوّ الإسرائيلي لا يمكن أن يكون في لحظة من اللحظات مشروع تبرير للعلاقة معه».
هذا الكلام اعتبرَته «القوات» مستفِزّاً، فردّت عبر رئيس جهاز التنشئة السياسية في الحزب شربل عيد، الذي أطلقَ سلسلة تغريدات تضمَّنت كلاماً هجومياً عنيفاً على قاسم، وتوجَّه إليه قائلاً: «نعيم قاسم أنتَ تتّهِم بشير بالعمالة وكأنّك ترقص على قبرِه»، وأضاف: «وها أنا أتمنّى لك الموتَ قتلاً لأرقصَ على قبرك». وأضاف: «إنْ عدتُم عُدنا»، ودعا إلى «الكفّ عن الإساءة لقائدِنا البشير وإلّا فلن نتهاونَ بأيّ مسٍّ به وبذِكراه».
وقال: «بالنسبة إلينا بشير وقدسيتُه ورمزيتُه يأتي بعد الله والمسيح ومار شربل والقدّيسين، الاعتداء عليه هو اعتداء على مقدّساتِنا». واعتبَر «أنّ الاعتداء على مقاومتِنا ورموزِها إذا استمرّ سيؤدّي يوماً ما إلى إعادة النظر في الشراكة الوطنية! لن نتشاركَ مرغَمين ولا متّهَمين ولا ذِمِّيين».
إستقالة «القوات»
وكانت مصادر «القوات» قد قالت لـ«الجمهورية» إنّ «استقالتها من الحكومة مرتبطة في حالتين: ـ الحالة الأولى في حال انهيار التوازن الوطني داخلها ونجاح «حزب الله» في جعلِ الموقف الرسمي متطابقاً مع موقفِه، الأمرُ غير القائم اليوم بدليل إسقاطِ كلّ محاولات الحزب للتطبيعِ مع سوريا، وبالتالي وجود توازنٍ وطني فعلي.
ـ الحالة الثانية في حالِ شعور «القوات» بأنّ وجودها داخلَ الحكومة لم يعُد قيمةً مضافة ويتعذّر عليها التأثير في التوجّهات الحكومية العامة، فيما لم تصِل «القوات» بعد إلى هذا الشعور، علماً أنّ الآمال التي كانت معقودةً على التغيير مع انطلاق الحكومة تراجعَت ولم تعُد نفسها، ولكنّ هذا لا يستدعي الاستقالة اليوم، بل يستدعي مزيداً من المحاولات لتحقيقِ الاختراقات المطلوبة».
وأوضحت المصادر نفسُها «أنّ دور «القوات» في الحكومة كان وما زال محطَّ ترحيبِ فئاتٍ لبنانية واسعة نوَّهت بمناقبية عملِها الوزاري، وبالتالي لن تُقدِم على خطوة الاستقالة إلّا بعد وصولها إلى الحائط المسدود، كذلك لن تُقدّم استقالتها هديةً لمن يتمنّاها ويرى في دورها المتمسّكِ بالدستور والقانون والمؤسسات الرقابية مصدرَ إزعاج وعرقلة لممارساته».
ورشة
مِن جهةٍ ثانية وبعد «ثلاثية» موازنة 2017، تنطلق هذا الأسبوع ورشةٌ حكومية فيَعقد مجلس الوزراء ثلاثَ جلسات متتالية لإعدادِ موازنة 2018، كذلك يُرتقب أن يتحدّد موعد لاجتماع اللجنة الوزارية حول قانون الانتخاب واجتماع آخَر للجنة النازحين.
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره أمس: «الآن انتهت الموازنة، ويُفترض أن ننتقل الى عملٍ وتفعيل وإنتاجية». وأضاف: «حتى الآن لديّ ورشة عملٍ، في سياق مواجهة الفساد والحدِّ منه، فعلى سبيل المثال هناك مشروع موجود، يرمي إلى أنّ كلَّ قصّةٍ تزيد عن مبلغ معيّن يجب أن تُحال الى إدارة المناقصات. الموازنة مجرّد ما أقِرّت، 50 إلى 60 % من المشكلات تُحَلّ، فإذا أقِرّ هذا المشروع أعتقد أنّ ما يزيد عن 40 % من المشكلات المتبقّية تُحلّ أيضاً».
وعن إمكانية النجاح في هذه الورشة وتحقيقِ الهدف المنشود منها، قال بري: «هذا مسار أعتقد أنّه بدأ مع إقرار الموازنة، وسيُستكمل في إقرار القانون المذكور، وكذلك هناك عملٌ مواكب وأساسي يجب أن تقوم به الحكومة. كلّ مبلغ يزيد عن 100 إلى 150 مليون ليرة، يجب أن تجري مناقصة حوله».
وعن ملفّ بواخر الكهرباء، قال بري: «إعادة القصّة الكهربائية الى المناقصات، أعتبرها أنّها من باب الشفافية وأمرٌ جيّد». وأضاف: «أنا ما يَهمّني هو النتيجة في نهاية الأمر، الآن يقال إنّ هناك شركات مستنداتُها ناقصة، وأعطيت أسبوعاً لاستكمال المستندات. نحن لا نريد ان تكون هناك شركة واحدة، بل ان تكون هناك شركات عدة ليحصلَ تنافُس، وأيضاً لا نريد فقط البواخرَ، المهم أنّنا نريد معامل على البرّ، هنا الأساس». وأشار الى أنه يُحضِّر لجلسة تشريعية في النصف الاوّل من تشرين الثاني المقبل بعد ان يكونَ قد تأمَّنَ جدولُ أعمال «محرِز» لها.
قائد الجيش
في هذا الوقت، بدأ قائد الجيش العماد جوزف عون زيارةً للولايات المتحدة الاميركية يُرافقه وفدٌ عسكري. وقالت مصادر عسكرية لـ»الجمهورية» إنّ هذه الزيارة جاءت تلبيةً لدعوةٍ تلقّاها من رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الاميركي الجنرال جوزف دانفورت، وسيلتقي خلالها قائدَ المنطقة المركزية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل».
وأشارت الى انّ أهمية الزيارة هي أنّها «تأتي بعد عملية «فجر الجرود» التي نفّذها الجيش في الجرود، ضد المجموعات الإرهابية، حيث سيَعرض عون التجربة التي خاضَها الجيش في هذه المعركة، بالإضافة الى عرضٍ لواقعِ المؤسسة العسكرية وحاجاتِها على صعيد التسليح، وكذلك عرضِ رؤيتِه المستقبلية كقائد لهذه المؤسسة لتطوير الجيش في شتّى المجالات التي سبقَ له أن درَس فيها عام 2009، حيث شارَك في دورةٍ على مكافحة الإرهاب، وسيتمّ ذلك خلال احتفال يُقام في جامعة الدفاع الوطني التي درَس فيها، ويُصار خلالها الى إدراج إسمِه في قاعة الجامعة ضِمن لائحة أسماء تضمّ جميعَ الشخصيات التي سبقَ لها أن مرّت في هذه الجامعة، وتسلّمت مواقعَ رفيعة في دولِها وأوطانها».
وحول تزامُنِ زيارة قائد الجيش مع انعقاد مؤتمر رؤساء أركان جيوش دول التحالف ضدّ الإرهاب، قالت المصادر: «لا علاقة للزيارة بهذا المؤتمر، وهدفُها اللقاء مع الجنرالين دانفورت وفوتيل حيث يُعوَّل على هذين اللقاءين أهمّية كبيرة في ظلّ تحدّيات المرحلة على كلّ الصُعد، ولا سيّما منها التحدّي الأساسي والذي يتمثّل بتأمين كلّ الحدود اللبنانية، وكذلك التحدّي الذي يُشكّل أولويةً أساسية بالنسبة الى الجيش، والمتمثل بحماية الداخل اللبناني وتأمين أمنِ اللبنانيين في ملاحقةِ المجموعات الإرهابية ومنعِها من محاولة العبثِ بأمنِ لبنان واللبنانيين. علماً أنّ الجيش هو في أعلى جهوزيته وعينُه ساهرةٌ على الداخل أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى».
ملفّ النازحين
وفي ملفّ النازحين، يبدو أنّ رئيس الجمهورية عازمٌ على مواصلة تحرّكِه لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم . فبَعد التقرير الذي وزّعه حول إحصاءات المنظمات الدولية المتعلقة بالنازحين السوريين في لبنان، تحت عنوان «معلومات مخيفة عن تداعيات النزوح»، وبعد استدعائه سفراءَ الدولِ الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافةً إلى الاتّحاد الاوروبي والجامعة العربية والأمم المتحدة وتحميلهم رسائلَ خَطّية إلى بلدانهم، وتحذيراته المتكرّرة من «تداعيات أيّ انفجارٍ قد يَحدث في لبنان في حال تعذُّرِ حلِّ الأزمةِ في سوريا وعودةِ النازحين إليها، وبعد تشديدِه على ضرورة أن تكون هناك نظرةٌ واحدة لمقاربة موضوع النازحين هدفُها مصلحة لبنان، ودعوتِه إلى تفعيل عملِ اللجنة الوزارية الخاصة بالنازحين، يرتقب أن تلتئم اللجنة الوزارية المكلّفة بحثَ شؤونِ النازحين هذا الأسبوع حسبما كشَف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أمس لصوغِ ورقةِ عمل مشتركة بين كلّ القوى السياسية».