يُنتظَر أن تدخل البلاد في مرحلة سياسية جديدة مع تبَلوُرِ نتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للمملكة العربية السعودية والتي تختلف التقديراتُ في شأنِها ويحاول البعض إسقاطَها على مستقبل الوضعِ الحكومي، خصوصاً إذا استمرّ التصعيد المتبادل بين الرياض و«حزب الله»، ولا سيّما بينها وبين طهران عموماً، وما يكون لهذا التصعيد الذي يشهد تناقضات في تفسيره من انعكاسات وتداعيات على الوضع في لبنان والمنطقة.
تفاعلت أمس في الاوساط السياسية المحلية المواقف التي اطلقَها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان حول «حزب الله» ومستقبل الاوضاع في لبنان، في الوقت الذي تنتظر المرجعيات الرسمية والقوى السياسية عودةَ الحريري من الرياض لتبنيَ على الشيء مقتضاه في ضوء نتائج محادثاته مع المسؤولين السعوديين، ولا سيّما منهم وليّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان والوزير السبهان الذي كان له موقفٌ إثرَ اجتماعهما عكسَه في تغريدةٍ «تويترية» قال فيها: «إجتماع طويل ومثمر مع أخي دولة الرئيس سعد الحريري واتّفاق على كثير من الامور التي تهمّ الشعبَ اللبناني الصالح، وبإذنِ الله القادمُ أفضل».
في الوقت الذي التقط الحريري معه صورةَ سيلفي نشَرها على حسابه «التويتري» وعلّقَ عليها قائلاً: «إجتماع طويل مع معالي الصديق ثامر السبهان».
وكان الحريري قد استبقَ هذه التغريدة بنشرِ صورةِ لقائه مع ولي العهد السعودي، وغرَّد قائلاً: «في كلّ مرّة نلتقي بسموّ ولي العهد محمد بن سلمان تزيد قناعتي بأنّنا والقيادة السعودية على وفاق كامل حولَ استقرار لبنان وعروبتِه».
برّي
ولاحَظ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أنّ الأجواء التي سادت في لبنان خلال الساعات الـ48 الماضية خلقَت حالاً من التشنّج نتيجة بعضِ المواقف التي صَدرت خلالها. وإذ أكّد استمرارَ الاستقرار الداخلي، أشار الى «أنّ أجواء المملكة العربية السعودية ليست كالاجواء التي سادت في لبنان قبَيل زيارة الحريري للرياض وخلالها وبعدها»، وقال إنّه تلقّى اتصالاً من الحريري أكّد له فيه هذا الامر «وأنّ الاستقرار هو الأولوية».
ويبدو أنّ بري تبلّغَ مِن مصادر موثوقة أجواءَ تفيد انّ موقف ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان هو نفسُه الموقف الذي عبّر عنه الحريري بعد لقائهما في العاصمة السعودية.
من جهةٍ ثانية ردّ بري على وصفِ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجلسَ النواب بأنه «غير شرعي»، فأكّد أمام زوّاره أمس «أنّ هذا المجلس النيابي ورغم تمديدِ ولايته أنقذَ لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي».
«حزب الله»
ولم يصدر عن «حزب الله» أيُّ ردٍّ على مواقف السبهان، وكذلك لم يتوقّف عند صورةِ لقاء الحريري والسبهان ولم يَعتبرها استفزازية. وقالت مصادره لـ«الجمهورية»: «إنّ هذا الامر لن يؤثّرَ على التفاهمات القائمة»، مستبعدةً ان ينعكسَ ما يَجري على الحكومة، ومبدِيةً ارتياحَها إلى أداءِ الحريري والدور الذي يقوم به لجهة تحييدِ لبنان عن النزاعات الدائرة وفصلِ الملفات الخلافية عن العلاقة السائدة بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة، مذكّرةً بما يقوله الحريري «مراراً وتكراراً»، من أنّه «لن يسمح لأيّ شيء بالتأثير على استقرار البلاد».
وجَزمت المصادر نفسُها «أنّ الحكومة ستبقى في منأى عن هذه التجاذبات السائدة»، متوقّعةً أن لا تتطرّقَ جلسة مجلس الوزراء المقرّرة غداً إلى مواقف السبهان وغيرها.
موقف عون
على أنّ تتبُّعَ تطوّراتِ الموقف السعودي وأجواءَ زيارة الحريري للرياض، لم يحجب ردودَ الفعل على المواقف التي اعلنَها عون في الذكرى السنوية الأولى لانتخابه.
شمعون
وفي هذا الإطار أوضَح رئيس حزب «الوطنيين الاحرار» النائب دوري شمعون لـ«الجمهورية» انّه لم يسمع خطابَ عون ولم يقرأه. وقال عن إنجازات العهد: «مِش شايف إنّو في شي إكسترا بيلفُت النظر» وأضاف: «هذا عهد شأنُه شأن العهود الاخرى، والامور تسير على النحو الذي تسير به، وكان يمكن ان يكون افضل».
وعارضَ شمعون «أن يكون العهد شركةً عائلية»، مذكّراً بواقعةٍ حصَلت قديماً في عهد والده الرئيس الراحل كميل شمعون الذي طلبَ من شقيقه أن يستقيلَ من وظيفته الرسمية لكي لا يُقال «إنّ كميل شمعون جاب خيّو ووظّفو». وإذ رفضَ شمعون اعتبار «أنّ العهد لم ينجح»، تحدّثَ عن «امور معيبة تحصل، كأن تأتي بعائلتك وبابنِ عمّك وابنِ شقيقك وابنِ شقيقتك الى الحكم، فهذه امور تُصنَع في الأدغال وليس في لبنان».
سعَيد
ولم تُقنِع مواقف رئيس الجمهورية النائبَ السابق الدكتور فارس سعيد، الذي لم يجد في حوار عون المتلفَز ايَّ ايجابية «سوى انّ صحّة الرئيس «منيحة». وقال لـ«الجمهورية»: «لم يستطِع كلامُ الرئيس عون اقناع احدٍ، خصوصاً انّه ربَط مستقبلَ لبنان بسلاح «حزب الله»، وربَط هذا السلاح بحلّ أزمةِ الشرق الاوسط . كذلك تصرّفَ وكأنه رئيس حزب وليس رئيس جمهورية لبنان عندما تحدّثَ عن ورقة «تفاهم مار مخايل».
فهذه الورقة تُلزِم حزبَين ولا تُلزم الشعب اللبناني، وهي ليست دستوراً ولا قانوناً ولا «اتّفاق الطائف»، بل ورقة تفاهُم توضَع بين حزب الخضر وحزب الحمر في الصين الشعبية ولا تُلزم أهلَ الصين».
السفير في سوريا
وفي وقتٍ يتفاعل توقيع الحريري مرسومَ تعيينِ سعد زخيا سفيراً جديداً للبنان في سوريا، اعتبرَت كتلة «المستقبل» «أنّ تعيين هذا السفير «مسألةٌ طبيعية وضرورية يجب التمسّك بها والحفاظ عليها، خصوصاً انّ كتلة «المستقبل» ناضلت بقوّة من اجلِ الوصول الى تبادلِ التمثيل الديبلوماسي بين البلدين والدولتين، وإنّها تعتبر أيضاً وبالمقدار نفسِه انّ الموقف من النظام الحاكم في سوريا مسألة مختلفة وترتبط بممارسات هذا النظام، الذي هو عرضةٌ للتغيير، وبمدى احترامه لإرادة الشعب السوري».
قانصوه
وفي الإطار نفسِه دعا نائب حزب البعث العربي الاشتراكي عاصم قانصوه الى التفتيش عن مصلحة لبنان، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ هذه المصلحة لا تكون بمقاطعة سوريا»، محذّراً «من المضاعفات السيئة التي يمكن ان تتولّد عن هذه المقاطعة على مستقبل العلاقات بين البلدين، وخصوصاً على المستوى الشعبي، والتي ستفتح علينا ابوابَ ما قبل العام 1975 حيث نَسمع اصواتاً كانت تُناهض كيانَ لبنان، وستسأل مجدّداً عن أسسِ هذا الكيان، فمِن المعيب علينا ان تُفتح مواضيعُ كهذه مجدّداً لا يستفيد منها إلّا العدو الاسرائيلي».
وتمنّى قانصوه «على المزايدين تخفيفَ لهجتِهم»، وأكّد «انّ النكايات بسوريا لا تَخدم إلّا اسرائيل»، داعياً الى «إبقاء لبنان في منأى عن النزاع السعودي الايراني السوري ووعيِ دقّةِ المرحلة»، متسائلاً: «ما ذنبُ الشعب»، ودعا الى ملاقاة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وقّعَ مرسوم تعيين السفير اللبناني في سوريا، «وليس وضع العصيِّ في الدواليب».
جنبلاط
من جهته، أبدى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط أصرارَه على «الحوار السعودي – الإيراني لمصلحة المنطقة». وقال في حديث لقناة «او.تي.في»: «إتّفَقنا منذ زمن مع «حزب الله» حول النظرة المختلفة حيالَ سوريا».
وقال: «غالبية القوى السياسية موجودة في الحكومة وعدمُ مشاركة الكتائب غلطة»، وأوضَح أنّ «عشاء كليمنصو كان مهمّاً لإزالة بعضِ الشوائب ودوزنةِِ إضافية لـ«تويتر»، مضيفاً «أنّ العشاء لم يكن موجّهاً ضدّ أحد، والهدفُ منه تفعيل العمل الحكومي». وأشار إلى «أنّ التقارب مع التيار الوطني الحر ممكن، وزيارة الوزير جبران باسيل إلى الشوف مهمّة».
لجنة النازحين
وعلى صعيد ملف النازحين، كشَفت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّ «الإتصالات الجارية لتوحيد رؤية اعضاء اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملفّ النازحين السوريين قطعَت شوطاً بعيداً ومتقدّماً وانتهَت الى وضعِ ورقةٍ نهائية وجامعة – ما لم يطرأ أيّ جديدٍ ومفاجئ – تؤدّي الى توحيدِ النظرة والرؤية الرسمية لـ»خريطة طريق» واضحة يمكن ان يتقدّم بها لبنان الى العالم الخارجي، سواء من الدول المانحة او المؤسسات المعنية بملف النازحين.
وكشَفت هذه المصادر أنّ الفريق التقني والإداري المكلّف وضعَ هذه الصيغة الموحّدة أنجَز وضع الورقةِ المشتركة للخروج من المناقشات الدائرة بين مضمون ورقتَي وزير الخارجية جبران باسيل ووزارة الدولة لشؤون النازحين. وقالت المصادر إنّ هذا التطوّر دفعَ الحريري قبَيل سفرِه إلى السعودية إلى تحديد موعد لاجتماع اللجنة السادسة مساء اليوم لتحديد الخطوات المقبلة في هذه الملف الاكثر تعقيداً في هذه المرحلة.
مناقصة البواخر..مكانك راوِح
من جهة ثانية فضَّت أمس إدارة المناقصات في التفتيش المركزي عروضاً قدّمتها 3 شركات مشاركة في مناقصة الكهرباء، وتبيَّن على اثرِها أنّ أيّاً من هذه الشركات لم تتمكّن من تأمين القِسم الأول من دفتر الشروط، فبقيَ العرض الرابع وحيداً، ولذلك لم يُفتح.
أمّا الشركة الرابعة فهي الشركة التركية «كارادينيز»، وهذه ليست المرّة الاولى التي تكون فيها شركة «كارادينيز» الوحيدة المستوفية الشروط من حيث الشكل. وهذا الوضع بات يَطرح علامات استفهام عمّا إذا كانت الشروط المطلوبة للمشاركة في المناقصة هي فِعلاً تعجيزية؟
وفي هذا السياق، قال المدير العام لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي جان العِليّة لـ«الجمهورية»: «إنّ القصّة اليوم ليست قصّة شروط تعجيزية، إنّما في عِلم الصفقات من المعروف أنّ المهَل القصيرة تقتل المنافسة، فلماذا إعطاء مهلة 3 أسابيع فقط ليُصار الى تمديد هذه المهلة اسبوعاً ثمّ اسبوعين وثلاثة، ولماذا لم تُمنَح الشركات في الاساس مهلةً أكبر لكي تُحضّر ملفاتها؟».
وأشار الى «أنّ إدارة المناقصات اقترحت في الاساس مهلةً لا تقلّ عن الشهر ونصف الشهر، وها نحن استَهلكنا هذه المدّة ولا يزال هذا الملف يُراوح مكانه».
وعن مصير هذه المناقصة والخطوات المنتظرة في هذا الملف، قال العِليّة: «سأتابع تنفيذَ قرارِ مجلس الوزراء الذي ألزَمني بموجبين: الموجب الاوّل طلب الاستكمال، وقد حقّقته ودعيت اللجنة الى الاجتماع واستكملت بحثها، والموجب الثاني يَقضي برفع تقريرٍ الى اللجنة الوزارية بالنتيجة. والأمر الآن يعود إلى مجلس الوزراء».