يلف البلاد مشهد ضبابي بامتياز ولكنه مفتوح على احتمالات شتى. فبعد دخول استقالة الرئيس سعد الحريري اسبوعها الثاني ولم يتبلور بعد ما ستؤول اليه، تستمر المساعي الديبلوماسية بحثا عن مخرج للأزمة الناجمة منها، كسر الحريري جدار الصمت الذي التزمه منذ اعلان استقالته، فاتحا الباب امام التراجع عن استقالته مشترطاً التوصل الى تسوية تكون «نهائية وحقيقية» حول سياسة النأي بالنفس و«مع «حزب الله» حول الموضوع الاقليمي»، وداعيا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى فتح حوار حول سلاح الحزب. ومؤكداً عودته الى لبنان «خلال يومين تلاتة».
فقد أطلّ الحريري مساء امس من منزله في الرياض وللمرة الاولى منذ اعلان استقالته، عبر شاشة «المستقبل» ليؤكد عودته الى لبنان قريباً، وأنه لن يتراجع عن استقالته الا في حال احترام سياسة «النأي بالنفس»، وقال: «سأقوم بكل الخطوات الدستوريّة في ما يتعلق بها، وتراجعي مرتبط بالنأي بالنفس، وسنلتقي خلال يومين أو ثلاثة في لبنان»، واضاف: «بدنا نعمل تسوية نهائية حقيقية مع «حزب الله» في الموضوع الاقليمي».
واشار الى أن «الإنتخابات النيابيّة ستجري في موعدها، وسأكون على رأس حكومة لتصريف الأعمال»، لافتاً الى «معطيات اكتشفتها أدّت بي الى الاستقالة ومهمّتي الأساسية محاولة الحفاظ على البلد وتجنيبه كثيراً من الأزمات الآتية». وقال: «اكتشفت في آخر زيارة للرياض أن هناك معطيات جديدة وما يهمني هو لبنان».
وأعلن «أنني أردت استمرار التسويّة وعدم السماح للنظام السوري أو غيره أن يفعل ما يريد في لبنان، والتسوية كانت أن ننأى بانفسنا وأن لا ننجرّ إلى النزاعات وأن نحافظ على العلاقات الجيّدة مع الدول العربية والدوليّة، واستقالتي هي صحوة».
واعتبر ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أكثر إنسان متمّسك بالدستور، ومن حقه أن يقبل الإستقالة أو يرفضها، ونحن كلنا تحت سقف الدستور وهو على حق أن ينتظر عودتي إلى لبنان للنظر في الإستقالة»، مضيفاً: «كل ما أقوله إنّنا سنسعى مع عون للعودة إلى البيان الوزاري، وعلى فخامة الرئيس تأدية دور في إطار فتح قنوات مع «حزب الله» للسير في ما هو لمصلحة لبنان فقط كما تفعل كل الدول حيث تعمل لمصلحة بلدها».
وأشار الحريري الى أن «بيان الإستقالة يختلف عن حوار اليوم لأنني تمعّنت به لتشكيل صدمة بما يصب في مصلحة لبنان»، مضيفاً: «لم أتنازل عن النأي بالنفس، وللبحث في سلاح «حزب الله» نحن في حاجة إلى حوار وهذا الأمر يطلبه رئيس الجمهوريّة لأنّ السلاح ليس قراراً داخليّاً وهو يشكل خطراً إقليميّاً».
وأضاف: «بعد الصدمة ستكون العودة إلى لبنان، والعودة إلى العمل، وقيام تسوية حقيقيّة داخليّة مع «حزب الله» في الموضوع الإقليمي مع الإلتزام بالنأي بالنفس».
عون
وقد تتبع عون وقائع مقابلة الحريري باهتمام وسجل ملاحظاته على عدد من النقاط.
وقالت مصادر قصر بعبدا لـ»الجمهورية» ان الرئيس «اظهر وما زال اهتماما بالغا بضرورة عودة الرئيس الحريري الى بيروت وهو يصر ومتمسك بهذه العودة في اقرب وقت ممكن وفي افضل الظروف وهي خطوة تتقدم على بقية الخطوات أيّا كانت اهميتها».
واضافت أنه «مصر على القول انه ورغم كل ما حصل، فالحريري هو رئيس الحكومة اللبنانية وهذه الصفة تسمح فور عودته بمناقشة كل ما قاله بما فيه موضوع الإستقالة والأسباب التي دفعته الى خطوته بعدما اصغى الى كل ما قاله كلمة بكلمة».
واكدت ان «كل هذه القضايا ستكون موضع تقييم دقيق في الساعات المقبلة لأنها قضايا تحتاج وتستأهل المتابعة الحثيثة للعبور بالبلاد من الأزمة الراهنة ليبنى على الشيء مقتضاه».
وعلمت «الجمهورية» ان عون تلقى إتصالات وأجرى أُخرى تقويمية بعد المقابلة، بعدما كان خصص اتصالاته للتشديد على المراجع العسكرية والأمنية على الحاجة الى مراقبة الوضع الأمني بدقة لمنع اي اخلال بالأمن نتيجة ما كان مرتقبا من تحركات منذ الإعلان عن هذه الإطلالة».
وليلاً غرد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» معلقاً على مواقف الحريري، فقال: «بالرغم من كل الصعاب والعقبات والعثرات تبقى يا شيخ سعد رجل التسوية رجل الحوار، رجل الدولة . تحية حارة .
وليد جنبلاط» وبدوره رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع غرّد قائلاً: «الشيخ سعد الحريري حلقة استثنائية، نحن في انتظارك!»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» ان مقابلة الحريري «وضعت حدا لكل حملة التضليل والتشويش والفبركة والتحوير والافتراء وأكدت الأسباب الموجبة التي دفعت الحريري إلى الاستقالة، كذلك أكدت مضمون استقالته وجوهرها». وأضافت: المعادلة التي طرحها الحريري واضحة جداً: العودة عن الاستقالة ممكنة شرط انسحاب «حزب الله» من أزمات المنطقة وإطلاق حوار داخلي حول سلاحه يختلف بطبيعة الحال عن الحوار السابق».
وتزامنا مع إطلالة الحريري، شهدت محلة الطريق الجديدة في بيروت مساء مسيرات سيّارة لمناصري تيّار «المستقبل».
وكانت قنوات «او تي في» و«ان بي ان» و«المنار» و«الجديد» وتلفزيون لبنان رفضت نقل مقابلة الحريري «التزاما بموقف رئيس الجمهورية» الذي اعتبر أنه «بسبب الغموض المستمر في وضع الحريري، فإن كل ما يصدر عنه لا يعكس الحقيقة». كذلك لوحظ ان محطة الـ«ال بي سي» توقفت عن نقل المقابلة ما ان باشرت ببثها.
وقد حُجبت محطة «المستقبل» ومحطة الـ«ام تي في» في الضاحية الجنوبية وبعض المناطق، الا ان موزعي خدمات الكابل نفوا لاحقا هذا الحجب في الضاحية، مؤكدين أن «هذا الخبر عار من الصحة جملة وتفصيلا».
السبهان
وفي هذا السياق غرد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، قائلاً: «أثبتوا كذبهم وضعف حججهم الواهية، وقطعوا الإرسال حتّى لا ينكشف ضلالهم أمام العالم واللبنانيين»، مشيراً إلى أنّ «رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري يتحدّث، وهم يلطمون كعادتهم».
بري
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتبر أن استقالة الحريري «يجب أن تكون عملاً دستوريا وسيادياً ولا تستقيم الا إذا كانت على الأراضي اللبنانية». وقال أمام زواره مساء امس: «إن أمام الجامعة العربية فرصة لإنقاذ نفسها من ماضيها إبان الربيع العربي والحفاظ على لبنان يحفظ الجامعة العربية».
الراعي
والى ذلك تبرز اليوم زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى السعودية حيث سيلتقي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان، إضافة الى لقاء مرتقب مع الحريري.
وأكّدت مصادر كنسية لـ«الجمهورية» أن الراعي «يحمل في زيارته هموم لبنان وهواجسه الى القيادة السعودية، فعندما تمت الدعوة، كان الوضع مغايراً لما هو الآن، لذلك فإن جدول الأعمال والمحادثات ستدخلها عناصر جديدة تتعلّق بما بعد الإستقالة».
وشددت هذه المصادر على «أنّ الكنيسة المارونية تعلم جيداً مدى حرص الرياض على لبنان، وأنّ العلاقات اللبنانية – السعودية كانت دائماً مميزة، وكل ما تتمناه أن تكون هذه الأزمة غيمة صيف عابرة، وأن تعود العلاقات الى سابق عهدها في معزل عن نزاعات المنطقة، خصوصاً ان بكركي تدعم بقوّة تحييد لبنان عن الحروب والأزمات».
ولفتت الى «أن كل ما كان مقررا البحث فيه سابقاً، من تحويل لبنان مركز حوار حضارات، ووضع الجالية اللبنانية في السعودية والخليج، والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين سيبقى قائماً».
فرنسا ومصر
وفي وقت تنشط مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستقبل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في باريس غداً الثلثاء، تعقد جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا على مستوى وزراء الخارجية الأحد المقبل بناء على طلب من المملكة العربية السعودية للبحث في «انتهاكات» إيران في الدول العربية، حسب ديبلوماسيين عرب.
اما مصر، فأوفد رئيسها عبد الفتاح السيسي، وزير خارجيتها سامح شكري في جولة بدأت في الأردن امس وستشمل تباعاً دولة الامارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وسلطنة عمان والسعودية، للبحث في تهدئة الأوضاع فى المنطقة وإيجاد السبل لحل الأزمة التى تعصف بلبنان.
ايطاليا
وأكدت ايطاليا دعمها القوي لوحدة لبنان وسيادته واستقلاله ولقياداته السياسية اللبنانية وحضّت جميع الأطراف، في لبنان والمنطقة على «بذل شتى الجهود من أجل الحفاظ على هذا البلد من النزاعات والتوترات الإقليمية». ودعت إلى «ضرورة احترام سير عمل المؤسسات الديموقراطية اللبنانية وإجراءاتها الدستورية»، مؤكدة انها «تدعم نداءات الرئيس عون الداعية إلى الهدوء والوحدة».
وإذ جددت «الالتزام المستمر باستقرار لبنان»، اكدت «ان هذا الهدف الأساسي لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال مؤسسات الدولة القوية والمحترمة، ولا سيما منها القوات المسلحة والقوى الأمنية اللبنانية التي تشكل الضمان الشرعي لأمن البلاد والتي تحظى بدعم دولي مستمر».
بريطانيا
وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، ان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، اتصل بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وأكد خلال الاتصال «دعم بريطانيا الكامل لسيادة لبنان واستقلاله».
وقال «إن الرئيس سعد الحريري هو شريك جيد وموثوق ونتمنى عودته إلى بيروت من دون مزيد من التأجيل من اجل الاستقرار السياسي اللبناني». ودعا «جميع الأفرقاء المهتمين بلبنان إلى عمل ما في وسعهم لتشجيع عودة الرئيس الحريري، والعمل على الحد من التوتر».
وجدد جونسون تأكيده لباسيل «استكمال عملية دعم الشعب اللبناني والمؤسسات اللبنانية في هذا الظرف الدقيق»، مشددا على «ان القوات المسلحة اللبنانية هي السلطة الشرعية الوحيدة في لبنان، ولا يمكن أي ميليشيا أو قوات خارجية أن تحل مكان القوات المسلحة الشرعية كضامن وحيد لأمن الشعب اللبناني».
وشدد «على ما صرحت به الولايات المتحدة الأميركية والشركاء الأوروبيين من انه لا ينبغي استخدام لبنان أداة لنزاعات بالوكالة»، داعيا الجميع «إلى احترام سيادة لبنان واستقلاله».