إنتهت المشاورات السياسية التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري إلى إغراق الأجواء الداخلية بدخانٍ رمادي مائل إلى البياض، يَعكس إيجابية عبَّرَت عنها مختلفُ القوى السياسية، ويُنتظر أن تُترجَم الأسبوع المقبل بتصاعدِ الدخان الأبيض، إيذاناً بدخول قضية استقالةِ الرئيس سعد الحريري مرحلة الانفراج. وعلى خطٍ آخَر مرتبطٍ بلبنان، واصَلت إسرائيل تهديداتها، وهذه المرّة على لسان الناطق باسمِ الجيش الإسرائيلي رونن مانيليس الذي قال في مؤتمر إيلات للإعلام إنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله «يُعتبر هدفاً في حربٍ مقبلة محتمَلة مع لبنان»، وإنّ مقتله سيؤثّر على المعركة. وقال: «جيش الدفاع يَبذل جهوداً كبيرة ويقوم بتفعيل القوّة بشكلٍ علني وسرّي وذلك لإبعاد الحرب المقبلة، ولكن في نفس الوقت واضحٌ أنّ الحرب ستكون مختلفة تماماً في الطرف الثاني. القدرات الاستخبارية والعملياتية وقدرات المناورة والنيران ستُحدّد أنّه إذا كان صعباً في إسرائيل سيكون أصعب بكثير في لبنان».
الخلاصة التي تمخّضَت عن مشاورات بعبدا أمس، أنّها وضَعت الأسُس لبناء مخرج لأزمة الاستقالة، جوهرُه؛ لا غالب ولا مغلوب. وعنوانه الأساس؛ إعادة انتظام الحياة السياسية والحكومية، على قواعد جديدة، سواء على مستوى الأداء الداخلي ومقاربة الملفات على اختلافها، أو على مستوى علاقات لبنان الخارجية وخصوصاً مع الدول العربية، وكذلك موقعه من أزمات المنطقة، الذي بات محسوماً أنّه سيَرتكز على مبدأ النأي بالنفس، وعدم التدخّلِ في شؤون أيّ من الدول العربية.
ولعلّ هذه التسوية الجديدة المولودة من التسوية السياسية التي تحكم البلدَ منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الحريري، ستأتي محكومةً بضوابط متّفَق عليها من جميعِ الأطراف، التي عبّرت خلال المشاورات عن رغبتها واستعدادها للسير بالبلد نحو جوّ هادئ سياسياً، يُرسّخ جوَّ التضامن الداخلي الذي تجلّى خلال أزمة الاستقالة وما أحاط بوجود الحريري في السعودية.
جوجلة إيجابية
وشكّلَ لقاء الرؤساء في بعبدا، بعد انتهاء المشاورات، فرصةً لجوجلةِ آراء القوى السياسية، وكانت محلّ ارتياح، وخصوصاً أنّها عكسَت استشعارَ الجميع بخطورة الأزمة، وثِقلها الكبير على البلد وارتداداتها على كلّ المستويات.
وكذلك عكسَت تقاطعَها الإيجابي مع الإيجابية التي سبقَ للحريري أن أبداها بإعلانه التريّثَ في تقديمِ الاستقالة، وكذلك مع الشروط التي طرَحها، والتي يبدو أنّها ليست من النوع التعجيزي، بل شكّلت حافزاً لإجراء تقييمٍ ومراجعة لأداء ومواقف كلّ القوى، ولمشاورات حثيثة على أكثر من مستوى، وفي كلّ الاتجاهات، خَلصت إلى التوافق على الدفع بالبلد نحو مدار الإيجابية.
ومِن هنا، جاءت نتيجة المشاورات ضِمن هذا المدار، وبشكلٍ بدا أنّها وضَعت الخطوط العريضة، لِما يمكن تسميتُه بـ«ملحق» للبيان الوزاري لحكومة الحريري، يفترض أن يصدر عن مجلس الوزراء، خلال جلسة مطلعِ الأسبوع المقبل الاثنين أو الثلثاء، ويتضمّن خريطة الطريق الجديدة، للوضعِ السياسي والحكومي الجديد، مرتكزةً إلى مرجعية الطائف وخطاب القسَم والبيان الوزاري للحكومة وخطابِ عون أمام الجامعة العربية في منتصف شباط الماضي وخطابه أمام القمّة العربية في الأردن.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري سيدعو إلى هذه الجلسة التي ستُعقد في قصر بعبدا، بعد ترتيبِ المناخات الملائمة لانعقادها، وأنّ الحديث يدور حالياً حول صيغةٍ لعودة إطلاق عمل الحكومة من دون المساس بالثوابت. أمّا الملفات المطروحة فتكفي العودة بها إلى البيان الوزاري وخطاب القسَم والتزام تطبيقهما.
أسئلة عون
وكشَفت مصادر مطّلعة على جوّ المشاورات لـ«الجمهورية» أنّ عون فتح التشاور على أسئلة: هل تريدون استمرار الحكومة؟ ما هو موقفكم من النأي بالنفس؟ كيف تواجهون إسرائيل والإرهاب وخصوصاً القادم من سوريا؟
فكان إجماع على هذه النقاط التي انطلقت منها دوائر القصر الجمهوري للتأكيد على الأجواء الإيجابية والبنّاءة واستكمال المشاورات لتذليل العقبات أمام ما يعيق مسيرةَ النهوض مع الحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي».
وأشارت مصادر بعبدا إلى أنّ المشاورات ركّزت على 4 نقاط أساسية: الحكومة، الطائف، النأي بالنفس والعلاقات العربية. وقالت «إنّ نتيجة المشاورات لم تكن سلبية في ما خَص عنوان «النأي بالنفس»، بحيث كان هناك إجماع على انّ الخطر الاسرائيلي لا تهاوُنَ فيه، كما أنّ لبنان لا يمكن ان ينأى بنفسه عن محاربة الإرهاب».
ونَقل فريق 8 آذار أفكاراً موحّدة حول استحالة النأي بالنفس عن سوريا التي تَربطها حدود مشتركة مع لبنان. أمّا الدول البعيدة فيمكن «النأي بالنفس» عنها. وفي ما خَص العلاقات مع الدول العربية كان إجماعٌ على الحفاظ عليها مع طلبِ بعضِ الفرقاء وقفَ الحملات.
ولفتَت المصادر الى انّ عون حرصَ على تدوين كلّ الملاحظات خطّياً واتّفقَ مع بري والحريري على ان يُجريا مشاورات أثناء غيابه عن البلاد تُستكمل عند عودته الجمعة من روما، من أجل توفير موقفٍ جامع حول النقاط المختلَف عليها وإيجاد صيغة للتعبير عنها».
إرتياح رئاسي
وقالت مصادر مواكبة للمشاورات إنّ عون عبّر أمام بري والحريري عن ارتياحه للمسار الذي دارت فيه المشاورات، وللأجواء الايجابية والانفتاحية التي سادتها، وعبّرت عن شعور عام لدى الجميع، بالحاجة الى كلّ ما يعزّز استقرار لبنان، والنأي به عن أيّ توترات، أياً كان مصدرها، سواء من الداخل أو الخارج.
وبحسبِ المعلومات فإنّ الأجواء الإيجابية، ظاهرة تماماً في بعبدا وعين التينة وبيت الوسط. وقد لمِست بوضوح خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي بعد المشاورات، حيث أطلعَ عون بري والحريري على «النتائج المبشّرة بانفراج»، استناداً إلى أنّ معظم الآراء كانت إيجابية، مع تسجيل تمايزٍ عبّر عنه رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل.
وتضيف المعلومات أنّه في نهاية اللقاء الثلاثي، سألَ رئيس الجمهورية بري والحريري عمّا إذا كانا سيصرّحان بعد اللقاء، فردّ برّي: طبعاً.. تفاءَلوا بالخير تجدوه». وهو ما أكّد عليه لدى خروجه مع الحريري، فيما صرّح رئيس الحكومة بابتسامة معبّرة، بقوله للصحافيين: ألا ترون حجم ابتسامتي؟
وبحسب المعلومات، فإنّ فكرةً طرِحت بموازاة لقاء بعبدا، تقول بـ«خير البِرّ عاجلُه»، أي الشروع فوراً في إخراج التفاهم الجديد، وإعلانه اليوم أو غداً أو بعده، إلّا أنّ مانعاً أساسياً يَحول دون ذلك، ومتعلّق بارتباط رئيس الجمهورية بزيارة إلى روما، التي قد يَبقى فيها لثلاثة أو أربعة أيام، الأمر الذي أجّلَ إعلانَ التفاهم إلى الأسبوع المقبل.
برّي و«حزب الله»
هذه الإيجابيات عكسَها مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بالتأكيد على «أنّ نتائج المشاورات كانت إيجابية وبنّاءة، وتوافقَ خلالها المشاركون على النقاط الاساسية التي تمّ البحث فيها والتي ستُعرَض على المؤسسات الدستورية بعد استكمال التشاور في شأنها».
وكذلك عكسَها بري الذي عبّر عن ارتياحه لمسار الأمور، وقال أمام زوّاره: «الأجواء إيجابية جداً، ولا أرى أيّ عقبة أمام المخرج الذي يُعمل عليه ويَحظى بتوافق الجميع حوله».
متقاطعاً بذلك مع ما أكّده مصدر قيادي في «حزب الله» لـ«الجمهورية» بأنّ موقف الحزب يتلخّص «بالتأكيد على عودة الحكومة الى عملها، وعلى السِلم الأهلي، وترسيخ جو التضامن الداخلي، وتكريس استقلال وسيادة لبنان على قراره وحماية استقراره الداخلي، إضافةً إلى تبنّي مقاربة رئيس الجمهورية للأزمة وتقديرها».
الحريري
في السياق، جاءت مقابلة الحريري مع شبكة «سي نيوز» التلفزيونية الفرنسية» التي قال فيها: إنْ أرَدنا ممارسة سياسة الحياد لا يمكننا القبول بحزب سياسي يتدخّل في اليمن ضدّ المملكة العربية السعودية.
وأضاف: «أنا في انتظار الحياد الذي اتّفقنا عليه في الحكومة… لا يمكننا أن نقولَ شيئاً ونفعل شيئاً آخر».
ولفتَ الحريري إلى أنّ «لبنان لا يمكن له أن يحلّ مسألة وجود «حزب الله» في سوريا والعراق وكلّ مكان بسبب إيران. يجب التوصّل إلى حلّ سياسي إقليمي». وأضاف: «تدخُّل إيران يؤثّر علينا جميعاً. إذا كنّا نريد سياسة جيّدة للمنطقة فعلينا ألّا نتدخّل».
وعندما سُئل الحريري: أتريدُ البقاء في منصبك رئيس وزراء لبنان؟ أجاب: أجل. وقال إنّه مستعدّ للبقاء في منصب رئيس الوزراء إذا وافقَ «حزب الله» على الالتزام بسياسة الدولة المتمثلة في البقاء خارج الصراعات الإقليمية. لكنّه أضاف أنه سيَستقيل إذا لم يلتزم «حزب الله» بذلك رغم أنّ المشاورات في هذا الصَدد إيجابية حتى الآن.
وأكّد أنّ على «حزب الله» إجراءَ حوار إيجابي من أجل مصلحة لبنان، «هم يَعلمون أنّ علينا البقاء على الحياد في المنطقة».
وشدّد الحريري على «إعادة التوازن»، وألمحَ إلى رغبته بالتعديل «الحكومي» إذ إنه عندما سُئل «إنْ بقيتَ، هل ستواصل كما في السابق مع الحكومة عينِها ومع الأشخاص أنفسِهم أم أنك ستقوم بتغييرات وبتعديلات؟ أجاب: لعلّنا سنُجري تعديلات، سأقرّر ذلك مع الرئيس عون في الأيام المقبلة».
وعندما سُئل: «حين كنتَ هناك (في السعودية)، هل تفاجأتَ بما حلّ بك؟ وهل شعرتَ بالقلق لبعض الوقت؟ أجاب: كلّا. أنا ذهبتُ إلى هناك لتحسين العلاقات. وحين رأيت أنّنا نواجه مشكلةً كبيرة جداً مع الخليج، كان عليّ أن أحدِثَ صدمةً إيجابية. أمّا بشأن ما حصَل هناك، فإنّ العديد من القصص خرَجت في هذا الشأن، لكنّني أحتفظ بذلك لنفسي.
وقيل له: «حين تقول أحتفِظ به لنفسي، هل هذا يعني أنّ هناك معاناة شخصية؟ فأجاب: لا أودّ الخوض في كلّ هذه التفاصيل، ما يهمّ هو استقرار لبنان وكيف أتوصّل إلى ذلك الاستقرار.
ولم يُمانع الحريري إجراءَ الانتخابات النيابية في وقتٍ مبكّر، إلّا أنّه أشار إلى أنّ هذا الأمر يحتاج إلى موافقة كلّ الأطراف.
المشنوق
وفي سياق الانتخابات، أبلغَ وزير الداخلية نهاد المشنوق السفيرَ البريطاني هوغو شورتر أنّ الوزارة ماضية في الإعداد للانتخابات النيابية المقبلة، وأكّد أنّ الوضع الأمني تحت السيطرة بفضل الجهد الدائم لمختلف الأجهزة الأمنية والتنسيق المستمر القائم بينها.