مع عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من إيطاليا، ينطلق العدّ التنازلي لترجمة نتائج مشاورات بعبدا، مقروناً باستمرار الضخّ الرئاسي لمناخات إيجابية عشية الولادة الثانية للحكومة المنتظرة منتصف الأسبوع المقبل. وبالتوازي مع الانهماك الداخلي في وضعِ العجَلة الحكومية والسياسية بعد أزمة الاستقالة، بَرز موقف سعودي لافت للانتباه، عبّر عنه وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أمام منتدى الحوار المتوسّطي في روما، واعتبَر فيه «أنّ لبنان مختطَف من دولة أخرى من خلال جماعة إرهابية، وهي»حزب الله»، مشدّداً على أنّ الحلّ في لبنان هو سحبُ السلاح منه، متّهماً الحزبَ باستخدام البنوك اللبنانية لتهريب الأموال. ويَطرح هذا الموقف أكثرَ مِن علامة استفهام حول مضمونه ومغزاه وكذلك حول إطلاقه في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كانت له ارتدادات وتداعيات على الداخل اللبناني؟ واللافت أيضاً موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي ندَّد «بالعمليات التي تستهدف المملكة العربية السعودية، وآخرُها عملية إطلاق صاروخ باليستي مصدرُه الأراضي اليمنية». واعتبَر «أنّ مِثل هذه العمليات تُشكّل تهديداً جديداً للأمن الإقليمي، وتُنذر بعواقب خطيرة».
الواضح من حركة الاتصالات والمشاورات الجارية أنّ ثمّة توافقاً بين كلّ أطراف «التسوية الجديدة» على إبعاد الشيطان من التفاصيل، والوصول إلى جلسة مجلس الوزراء منتصف الأسبوع ببيانٍ يُعتبر «تأسيسياً» للحكومة، ومحصّناً لعودة الرئيس سعد الحريري الى رئاستها وفق العناوين والمسلّمات التي طرَحها، وخصوصاً ما يتصل بعنوان «النأي بالنفس»، ويشكّل مرتكزاً للعمل الحكومي في مرحلة ما بعد الولادة الثانية.
وفي وقتٍ تمدَّدت فيه عملية صوغِ بيان التسوية من عين التينة والضاحية الجنوبية وصولاً الى باريس حيث الحريري مع وزير الخارجية جبران باسيل، قالت مصادر متابعة للاتصالات القائمة من أجلِ التوصّل الى صيغة- مخرَج لمعنى «النأي بالنفس» لـ«الجمهورية»: «إنّ ذِكر عبارة «النأي بالنفس» ليس المشكلة ما دامت الأمور لا تمسّ الجوهر، وهو أنّ لبنان يستحيل ان ينأى بنفسه عن الاعتداءات الإسرائيلية وكذلك سوريا التي تربطنا معها حدود على طول السلسلة الشرقية وصولاً الى الشمال وخصوصاً أنّه وعلى مدى السنوات الماضية كان مصدر الإرهاب الرئيسي الى الداخل اللبناني هو المجموعات الإرهابية في سوريا».
اضافت المصادر: «إنّ طلب النأي بالنفس عن سوريا كان يصحّ في بداية الأزمة السورية، أمّا الآن فلم يعد ينفع هذا الكلام وليس له أيّ تأثير مباشر مع تقدّم الحلّ السياسي وحسمِ معظم الجبهات».
وكشفَت عن مسوّدة صيغة تتضمّن عبارات شكلية يَجري بحثها وتنتظر عون والحريري لوضعِ اللمسات النهائية عليها. أمّا في ما خَصّ التعديل الوزاري فأكّدت المصادر «أنّ الكلام حولها لا يزال جعجعةً من دون ايّ بحثٍ جدّي، حيث انّ الغالبية العظمى تميل الى عدم الغوص في هذه المتاهة غير المجدية حالياً لاعتبارات عدة».
وفي سياق متصل، علمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» الذي قارَب بإيجابية المواقفَ الأخيرة للحريري، اتّخَذ قراراً باعتماد الايجابية في التعامل مع رئيس الحكومة، ولا سيّما من خلال التجاوب ـ قدر الإمكان – مع طرح النأي بالنفس.
وبحسب المعلومات فإنّ الحريري الذي يتطلّع الى تعزيز قاعدةِ ربطِ النزاع التي تجمعه مع الحزب في الحكومة، يريد ضمانات كافية من الحزب، ولا سيّما لجهة الامتناع عن التدخّل في اليمن ومراعاة العلاقة مع السعودية ووقفِ الحملات عليها، وبحسب المعلومات فإنّ الحريري يعوّل على دور مهمّ يمكن ان يلعبَه الرئيسان عون وبري في هذا المجال لإقناع الحزب بالتزام هذا السقف وعدمِ تجاوزِه.
وإذا كانت الإيجابيات السابقة لجلسة مجلس الوزراء التي يجري ضخُّها من المقرّات الرئاسية حول توافقٍ سياسي شِبه منتهٍ على تلك العناوين والمسَلّمات، تؤشّر الى انّ إعلان الولادة الثانية محسوم الثلاثاء أو الخميس المقبلين، فإنّ الانطلاقة الجديدة للحكومة تبدو محكومةً بعنوانين دقيقَين، يتعلق الاوّل بالانتخابات النيابية واحتمالات تقريب موعد إجرائها، ويتعلق الثاني بالتعديل الحكومي واحتمالاته.
وعلمت «الجمهورية» أنّ فكرة تقريب موعد الانتخابات من أيار المقبل الى آذار، لم تُسحَب من التداول بعد، بل انّ مستويات سياسية ورئاسية ما زالت تتعاطى بجدّية وتُقاربها من حيث الإمكانية على ترجمتها، وكذلك من زاوية الصعوبات اللوجستية امام إجرائها في آذار المقبل أو قبل ذلك.
وبحسب المعلومات فإنّ فكرة تقريبِ موعد الانتخابات، طرِحت جدّياً مع دخول استقالة الحريري حيّز التراجعِ عنها، ومردُّها الى سببين، الأول هو انّها تشكّل عاملاً محصِّنا اكثر للواقع السياسي الجديد ما بعد عودة الحريري عن استقالته، عبر إنتاج مجلس نيابي جديد، بصرفِ النظر عن توازناته وخريطة القوى فيه، وحكومة جديدة تنطلق بفعالية.
امّا السبب الثاني، فهو خشية بعض المراجع والمستويات السياسية من بروز مفاجآت غير متوقعة خلال الاشهر الستة الفاصلة عن انتخابات أيار، يمكن أن تهدّد إجراءَها في ايار، ما يوجب الاستفادةَ من فترة الاسترخاء والاستقرار الراهنة، لإنقاذ الانتخابات، لأنّ كلفة التعطيل إنْ حصَل تحت أيّ ظرف، ستكون باهظة على البلد.
أمّا في ما خصّ التعديل الحكومي، فقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنه ما يزال فكرةً مطروحة، انّما كتعديل جزئي، وليس على مستوى واسع، خصوصاً بعد بروز اعتراضات جدّية حول ما إذا كان هذا الطرح يَستهدف اخراجَ قوى سياسية معيّنة من الحكومة، وتحديداً «القوات اللبنانية» في اعتبار أنّ هذا الامر قد يضع البلد امام مشكلة جدّية.
بل انّ المستوى المطروح فيه محصور بجهة معيّنة، اي بفريق الحريري الذي عبّر عن رغبته بالتعديل، وكذلك بـ»التيار الوطني الحر» الذي اثيرَت هذه الفكرة في اوساطه قبل اشهُر.
إلّا أنّ أوساط الوفد الرئاسي الذي رافقَ عون الى روما اعتبرَت الحديث عن التعديل الحكومي «تسريبات تقف وراءها جهات حزبية مشاركة في الحكومة، ولم ترقَ بعد الى مرتبةِ البحث الجدّي، مشيرةً الى انّ الموضوع طرِح في وقتٍ سابق وطويَ في حينه.
وعلى خطٍ موازٍ، وإذا قُدِّر للحكومة ان تنطلق وفقَ التسوية الجديدة المرسومة لها، فإنّها ستنطلق على وقعِ الاهتزاز الجدّي في العلاقة بين الحريري ومن خلفه تيار «المستقبل» وبين «القوات اللبنانية».
وعلمت «الجمهورية» أنّ «المستقبل» و«القوات» توصَّلا الى قرار بوقفِ إطلاق النار السياسي بينهما ووقفِ السجال الذي احتدَم بينهما وترافقَ مع اتّهامات متبادلة على خلفية ما سُمّيت التباسات ظهَرت في مواقف الطرفين بعد إعلان الحريري استقالته من الرياض، حيث شعرَت «القوات» بأنّها تتعرّض لحملة افتراء مغرِضة وظالمة، وخصوصاً بعد التسريبات عن «المستقبل» التي اتّهَمت رئيس «القوات» سمير جعجع بأنه مِن ابرزِ المحرّضين على الحريري والمتحمسين لقبول استقالته.
وبحسب المصادر فإنّ الحملة الإعلامية والسياسية قد تمّ ضبطُها نسبياً، إفساحاً في المجال أمام المعالجات الجارية في الكواليس، والتي تمكّنَت من فتحِ قناةِ تواصلٍ «بمبادرة مستقبلية»، ما بين «المستقبل» و«القوات»، وثمّة تحضيرات لم تكتمل بعد لعقدِ لقاءٍ بين الحريري وجعجع، يعقبُ الاتّصال اليتيم الذي أجراه جعجع بالحريري بعد وصول الأخير من الرياض الى باريس. وتوازَت هذه التحضيرات مع تعميمٍ داخلي في «المستقبل» بعدم تناولِ جعجع والقوات بالهجوم والاتّهام.
الجرّاح
إلى ذلك، أكّد وزير الاتصالات جمال الجرّاح لـ«الجمهورية» أنّ المساعي والنقاشات مستمرّة للخروج من الازمة، مبدياً اعتقاده بأنّ الصورة ستتوضّح قبل الخميس المقبل، متمنّياً ان تستمرّ المناخات الإيجابية للتمكّن من الوصول الى حلول للإشكاليات التي دفعَت بالرئيس الحريري الى الاستقالة».
وتعليقاً على مواقف عون والحريري الاخيرة من مسألة سلاح «حزب الله» قال الجراح: «لفخامةِ الرئيس رؤيتُه في مسألة السلاح وهي ليست بجديدة، فقد عبّر اكثرَ مِن مرّة عن موقفه وقال إنّ «حزب الله» ساهمَ في قتال الارهابيين، ورأيُنا معروف، وقد قال الرئيس الحريري إنّه عندنا ربطُ نزاع مع «حزب الله» وفي هذه الإشكالية بالذات فلماذا يحاولون إلباسَ الرئيس الحريري مواقفَ غيرِه؟ فهو قال انّ سلاح الحزب لا يُستعمل في الداخل، ولم يَقل لم يُستعمل في السابق، لكنّهم يريدون أن يترجموا على ذوقِهم، وذلك مِن ضمنِ حملة الاستهداف والتشويه».
وعن التعديل الوزاري وهل تمّ بحثُ هذا الامرِ في اجتماعات كتلة» المستقبل»، اجابَ الجرّاح:» الامر غير وارد، ولو كان صحيحاً فلا مشكلة لدينا إطلاقاً في اعلانه، في النهاية الرئيس الحريري هو صاحب القرار في هذا الموضوع ولو كان هناك تغييرٌ حكومي سنعلن ذلك بكلّ بساطة».
وتعليقاً على انّ التعديل الوزاري سيَشمله شخصياً كما يتداول البعض، اجابَ الجرّاح: «هذا من نسجِ خيالِهم، وهو من ضِمن الحملة المنظمة والمموّلة لاستهداف وزارة الاتصالات وإنجازاتها واستهداف الوزير، لأنّ البعض يريد ان يبقى القطاع متخلّفاً بعدما لمسَ النقلة النوعية في الوزارة لجهة الخدمات والأسعار، فهو يريد ان يستمرّ هذا القطاع بتخلّفِه وتراجعِه لمصالحه الشخصية والسياسية».
وعن علاقة «المستقبل» مع «القوات» أكّد الجرّاح «أنّ الأزمة الأخيرة خَلقت نوعاً من الضبابية لكنّها بدأت تنقشع رويداً رويداً مِن خلال التواصل والحوار، وإنْ شاءَ الله تبدأ الأمور بالعودة إلى مسارها الطبيعي».
جنبلاط
إلى ذلك، قال النائب وليد جنبلاط ليلاً عبر «تويتر»: «من اجل حقيقة ما يتداول حول زيارة امين سر بهاء الحريري، صافي كالو إليّ، فبعد عرض طلب بهاء بأن يتنازل الشيخ سعد له كونه اقدر بالإمساك بالمرحلة، نافياَ في معرض الحديث أن تكون السعودية على علم بالمشروع، انسحبت من هذه السهرة من الهذيان السياسي. وائل ابو فاعور مخول أن يروي باقي الفيلم».