لا تغيير في المشهد الانتخابي، الإيجابية معدومة، والطاغي حالة «استرخاء» تبدو معها الاطراف السياسية وكأنها فقدت حماستها للوصول سريعاً الى قانون جديد، بعدما لاح في الأفق انّ التمديد للمجلس النيابي حاصل حتماً، سواء تحت عنوان تقني او غير تقني. وتبعاً للمواقف فإنّ القانون الجديد ما يزال عالقاً في عنق زجاجة يضيق اكثر فأكثر نتيجة تضارب الرؤى الانتخابية التي تستعصي معها الولادة الطبيعية، والعجز عن بلورة صيغة إنتخابية مثلى تقرّب المسافات بين المتناقضين، ما يعني أنّ الوعود التي أطلقت أخيراً وروّجت لاحتمال إبصار القانون الجديد النور خلال الاسابيع المقبلة، فاقدة للجدية وتدور فقط في المدار الكلامي الذي لا ترجمة عملية له.
على انّ هذا المشهد لا يخلو من مشاورات جانبيّة بين القوى الممثلة في اللجنة الرباعيّة، ولكن من دون ان يؤدي هذا النقاش الى فتح نوافذ في الجدران المقفلة الأمر الذي يحتاج الى مزيد من عصف الافكار لعل ذلك يساعد في بناء مساحات مشتركة، وهذا ما ينتظر حصوله بداية الشهر المقبل.
المرّ في بعبدا
والتحضيرات الجارية لإعداد قانون انتخاب جديد حضرت خلال زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق النائب ميشال المرّ الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون.
وقال الرئيس المرّ: «إن هذا اللقاء يهدف الى التنسيق مع فخامة الرئيس في الشؤون العامة، وخصوصاً السياسية والانتخابية منها، لأننا في قلب المعركة.
وكان لا بد من لقاء فخامته لنسمع وجهة نظره ومعرفة توجهاته، ونطمئنكم أننا كنّا متفاهمين على كل النقاط وبصورة خاصة تلك المتعلقة بمنطقة جبل لبنان. ولقاؤنا اليوم ستتبعه لقاءات اخرى كلما اقتضَت الحاجة، ووفقاً للسرعة التي سيتقرر على أساسها قانون الانتخاب».
لبنان في القمة
الى ذلك، يحضر لبنان في قمة عمّان غداً، حيث يعوّل عليها كفرصة لإعادة مدّ الجسور بين الدول العربية، في مرحلة دقيقة تمر بها المنطقة، وستكون لعون، الذي يترأس وفد لبنان بمشاركة رئيس الحكومة سعد الحريري، إطلالة لافتة على القادة العرب من خلال كلمة امام القمة، وصفتها مصادر بعبدا بغير التقليدية، وبمضمون لا ينطوي على كلام فقط لمجرّد الكلام، بل غير تقليدية حتى بالمخاطبة، وفي لغة المصارحة مع الزعماء العرب التي سيعتمدها رئيس الجمهورية، لغة يقتضيها الواقع العربي ومخاطر المرحلة المقبلة التي لا تحتمل مزيداً من الانتظار في ظل التطورات المتسارعة. وبالتالي، هذه ستكون رسالة لبنان في القمة».
رسالة خماسيّة؟
واذا كان لبنان حرص من خلال مشاركته في القمة على إبراز الصورة اللبنانية في ظل العهد الجديد والموقف الرسمي الواحد والمنسَجم في ظل مشاركة الحريري الى جانب عون، فإنّ ما لفت الانتباه هو مبادرة بعض القوى السياسية في لبنان الى خطوة اعتُبرت تجاوزاً لموقف لبنان و«تشويشاً» عليه في القمة.
وتجَلّت، وكما كشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، برسالة الى القمة بعث بها كل من الرؤساء امين الجميّل، ميشال سليمان، فؤاد السنيورة، تمام سلام ونجيب ميقاتي وأرسلوها كرؤساء سابقين للجمهورية والحكومة.
وتقع هذه الرسالة في 3 صفحات فولسكاب، وتتمحور حول 5 عناوين: التأكيد على اتفاق الطائف، التأكيد على التزام القرارات الدولية ولا سيما القرار 1701، السلاح غير الشرعي، «إعلان بعبدا»، النأي بالنفس وبسط سلطة الدولة ووقف التدخلات الخارجيّة في الأزمة السورية».
وبعث الرؤساء الخمسة بنسخ عن هذه الرسالة الى كل من عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري، وكان وقعها سلبياً جداً في بعبدا، وعون لم يكن مرتاحاً لهذه الخطوة وعَبّر عن شديد استيائه، والأمر نفسه عند بري الذي فوجىء بخطوة من هذا النوع، وعَبّر عن انزعاج منها وقال لـ»الجمهورية» إنها «خطوة غير مُستساغة وغير مسبوقة، لا بل غير مقبولة».
وأكدت مصادر رسمية لـ«الجمهورية» انّ هذه الخطوة غير مفهومة المضمون والمغزى والغاية منها، لا بل انها تشكّل مَسّاً وإساءة لموقع رئاسة الجمهورية ومحاولة لتجاوز الرئيس وهيبة الرئاسة الاولى، خصوصاً انّ لبنان سيكون ممثّلاً برئيسه، فما مغزى هذه الرسالة، وما هو هدفها، وماذا تريد ان تقول؟ هل تحاول ان تظهر انّ لبنان منقسم على ذاته؟
وماذا سيبدو عليه موقف لبنان في هذه الحالة وعندما يشوّش عليه برسالة لا لزوم لها أصلاً؟ بل هل القصد منها إضعاف موقف لبنان؟ وماذا سيقول عنّا العرب في قمة عمّان؟ فإذا كانت هذه الرسالة مكتوبة بمبادرة شخصية من قبل مُرسليها فهي مصيبة، أما اذا كان موحى بها، فهنا المصيبة أكبر.
مع ذلك، تبقى العيون اللبنانية شاخصة نحو عمّان، كفرصة لبنانية مهمة. وكان لافتاً للانتباه ما تمّ إعلانه عشيّة القمة من انه بنتيجة الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في واشنطن مع عدد من نظرائه ومن بينهم وزراء خارجية الاردن والسعودية والبحرين، وكذلك نتيجة للسياسة الانفتاحية التي رسمها رئيسا الجمهورية الحكومة، رفعت الدول الخليجية تحفّظها عن بند التضامن مع لبنان خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب وصدر القرار بالموافقة على بند التضامن بالاجماع.
المصري
وقال الاستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري لـ«الجمهورية»: «بما انّ خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية فور انتخابه قد لاقى اجماعاً لبنانياً وموافقة عربية كاملة، وبما انّ هذا الخطاب يدعو الى التضامن العربي والطلب من الدول العربية مساعدة لبنان، لذلك يبدو من الانسب ان يؤكد رئيس الجمهورية مضمون هذا الخطاب لا سيما في النقاط التالية:
1 ـ موقف لبنان الرسمي بالنسبة لانتمائه العربي، والدعوة الى التضامن العربي.
2 ـ موقف لبنان الرسمي من شؤون سياسية وتنموية مختلفة أجمَع عليها اللبنانيون.
3 ـ دعوة رئيس الجمهورية، بناء لهذا التضامن، الى مساعدة لبنان في شتى الميادين.
4 ـ إحتواء كل الآراء الأخرى التي بَدت في ظاهرها نافرة مع مضمون هذا الخطاب، سواء كانت الآراء من محيط رئيس الجمهورية او من كل الافرقاء اللبنانيين الآخرين».
إقرار الموازنة
من جهة ثانية، وبعدما أشيعت أجواء عن تأخير إقرار الموازنة وتداخل القرار السياسي بشأنها مع الملفات السياسية الاخرى وخصوصاً خطة الكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب وقانون الانتخاب، أصرّ الحريري على اقرار الموازنة عشيّة سفره الى القمة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ مجلس الوزراء أجرى أمس مراجعة لمشروع الموازنة، لنحو 3 ساعات، وتوسّع النقاش عند الوصول الى بند النفقات، فشعر الحريري من خلال طروحات بعض الوزراء، ولا سيما وزراء «القوات» انّ هناك نية لإعادة البحث ببنود يفترض انّ المجلس انتهى منها، وطلب وزراء «القوات» صراحة من الحريري تاجيل البحث ودخل وزراء آخرون على الخط بطلبهم إعادة النظر بالنفقات وموازنات وزاراتهم، فسادَ هرج ومرج.
عندها، وقف الحريري وخاطب الوزراء مُحتّداً: «عم نرجع نعيد نفسنا، ونناقش أموراً خلصنا منها. الهيئة ما بدكن موازنة اليوم. اقول لكم اذا ما أقرّيناها اليوم، ما في موازنة». وخرج الى مكتبه، فترك بعض الوزراء الجلسة معلنين انتهاءها وتأجيل البحث الى جلسة لاحقة.
في هذه الاثناء خرج الوزراء مروان حمادة وغطاس خوري وعلي حسن خليل وجمال الجرّاح وتمنوا على الحريري العودة لترؤس الجلسة، وهذا ما حصل. فاستدعي كل الوزراء الذين خرجوا واستؤنفت الجلسة على نية إقرار الموازنة.
وعلمت «الجمهورية» انّ عجز الموازنة قُدر بنحو 7 آلاف مليار ليرة لبنانية، اي ما يوازي 5 مليارات دولار ونصف، وتعتبر هذه القيمة مخفّضة نسبة لموازنة 2016 علماً انه أضيفت اليها زيادة ألف و200 مليار ليرة قيمة السلسلة.
خطة جديدة للكهرباء
من جهة ثانية، يبحث مجلس الوزراء في جلسة يعقدها اليوم في بعبدا خطة الكهرباء التي طرحها وزير الطاقة سيزار ابو خليل، وفهم انّ الخطة تعتمد على استقدام 3 بواخر تركية لإنتاج الكهرباء لتأمين النقص في التغذية.
وأوضح مصدر مطّلع لـ«الجمهورية» انّ خطة ابو خليل لم تَرد أصلاً في خطة كهرباء جبران باسيل، إنما هو اقتراح جديد يُعلّله ابو خليل بالحلّ الأسرع لتوفير الكهرباء، ونحن على ابواب الصيف وموعودون بنحو مليون ونصف مليون سائح ومغترب لبناني.
واعتبر رئيس لجنة الطاقة النيابية النائب محمد قباني انّ استقدام بواخر جديدة هو الحل الاسهل والاسرع ، لكنه ليس الحل الافضل. وقال انّ استقدام مزيد من البواخر هو استكمال للخطط القديمة من دون تقديم حلول على الامد البعيد، ولا يمكن الاستمرار بالاتّكال على البواخر.
«الكتائب»
وكشف مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» أنّ لجاناً متخصصة في الحزب تعكف على مواكبة الملفات المطروحة أمام الحكومة، وهي ترفع تقاريرها يومياً الى رئيس الحزب النائب سامي الجميّل والمكتب السياسي لاتخاذ المواقف المناسبة منها.
وإذ لفت الى أنّ خطة الكهرباء والموازنة هما تحت المجهر، أكد تصميم الجميّل على المضيّ قدماً في مواجهة كل ما من شأنه إلحاق الأذى بمصلحة الخزينة والمواطن، منبّهاً الى أنّ ما بدأ مع الضرائب لن يكون معركة يتيمة في حال تكررت الأخطاء الحكومية.
وشدّد المصدر على «أنّ قرار الكتائب بالمعارضة الديموقراطية ليس قراراً عابراً وإنما هو قرار ثابت دفاعاً عن مصالح الناس وحفاظاً على مقوّمات النظام الديموقراطي، والحزب سيمضي قُدماً في الوقوف جنباً الى جنب مع هيئات المجتمع المدني وناشطيه في مواجهة الهدر والفساد، وهو مصمّم على متابعة ملف إقرار السلسلة وتأمين تمويلها من خلال مكافحة الفساد ووقف الهدر وضبط النفقات غير المُجدية».