تَوزَّع الاهتمام السياسي أمس على حدثين: الأوّل كان في أبو ظبي التي شهدت تظاهرةً عالمية ضخمة شارَك فيها 45 وزير داخلية وعدل وقادةُ أمن وشرطة من 80 دولة، وتمثّلت بافتتاح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، ورئيس مؤسسة «الإنتربول» الياس المرّ فعاليّات الدورة الأولى لمنتدى «التعاون من أجل الأمن». أمّا الحدث الثاني فكان في الأردن، حيث تنطلق في منطقة البحر الميت اليوم أعمال القمّة العربية العاديّة المعوَّل عليها إحياءُ التضامن العربي، كونها ستبحث في أزمات المنطقة، ويشارك فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري. أمّا في الداخل، وفيما يكاد موضوع قانون الانتخاب يدخل عالم الغيب والنسيان، فقد بشَّر الحريري بـ«أنّ التفاهم الداخلي بين اللبنانيين سينعكس قريباً على قانون الانتخابات، وسننتهي من هذا الموضوع قريباً جداً». في وقتٍ أبصرَت خطة الكهرباء النورَ بعد ستّ سنوات، وذلك غداة إقرار الموازنة العامة، فيما تبقى سلسلة الرتب والرواتب عالقةً حتى إشعار آخر.
فيما تنطلق اليوم في الأردن أعمال القمّة العربية لمناقشة أزمات المنطقة، تترقّب الأوساط السياسية كلمة عون خلالها، حيث أكّد لدى توجّهِه إلى الأردن أنّها ستكون «رسالة سلام باسمِ لبنان واللبنانيين»، وقال: «سأدعو إلى إعادة تطبيق ميثاق الجامعة العربية، المرجعية الأفضل لتوحيد الرؤى العربية».
الحريري
واعتبَر الحريري أنّ مشاركة لبنان في القمّة بوفدٍ موحّد يعكس مدى التفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية. وقال: «إنّ التفاهم الداخلي بين اللبنانيين سينعكس قريباً على قانون الانتخابات، وقريباً جداً سننتهي من هذا الموضوع.»
وعن رسالة الرؤساء أمين الجميّل وميشال سليمان وفؤاد السنيورة وتمّام سلام ونجيب ميقاتي إلى القمّة العربية، قال الحريري: «هناك قطار سائر في لبنان نحو الأمام، وكلّ من يريد أن يستقلّه فليتفضّل وإلّا فليَبقَ مكانه».
وهذه الرسالة الخماسية تحدّثَ عنها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق خلال تكريم رئيس مؤسسة الإنتربول الدولية الرئيس الياس المر في السفارة اللبنانية في أبو ظبي على هامش منتدى «التعاون من أجل الأمن»، فوصَفها بأنّها «خطيئة وطنية تجاوزَت حدود اللياقة والسياسة».
ومِن الأردن أكّدت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ موقف لبنان لم يتبدّل، وسيظلّ متحفّظاً عن وصفِ «حزب الله» بـ«المنظّمة الإرهابية»، وقالت إنّ العرب تفهّموا هذا الأمر ولم يُبدوا انزعاجاً، مشيرةً إلى أنّ البيان الختامي للقمّة سيكون خالياً من أيّ إشارة إلى حزب الله أو أيّ نقاط خلافية».
مرجع رسمي كبير
وقال مرجع رسمي كبير لـ«الجمهورية»: «إنّ مرحلة ما بعد القمّة العربية هي المرحلة الحاسمة، إمّا في اتّجاه الوصول إلى قانون انتخاب جديد، أو نستمرّ في تضييع الفرَص والوقت. لقد أضَعنا حتى الآن أشهراً سدىً، لم نتقدّم بها ولو قيد أنملة، ودُرنا في الحلقة المفرَغة. زايَدنا بعضنا على بعض وفي النهاية علقنا في زجاجة مقفَلة، وآنَ الآوان لكسرِ هذه الزجاجة».
وأشار «إلى جملة اتصالات تجري بوتيرةٍ سريعة إنّما غير معلَنة بين بعض القوى السياسية». وكشفَ المرجع عن اتصالات يُجريها الحريري في هذا المجال مع رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر معاونِه السياسي الوزير علي حسن خليل، ومع وزير الخارجية جبران باسيل وآخرين، في محاولةٍ لبلورةِ صيغةٍ ما تكون إمّا خلاصة عن الصيَغ المطروحة، وإمّا صيغة جديدة تكون النسبية أساساً فيها، وعلمت «الجمهورية أنّ الحريري أجرى اتصالات من الأردن بالشخصيات المعنية بالشأن الانتخابي، كذلك تواصَل مع بعضهم عبر «الواتساب».
برّي
وأكّد بري أمام زوّاره أمس رفضَه التمديد للمجلس لأجل التمديد، قائلاً: «يجب أن نفصل بين التمديد التقني والتمديد العادي للمجلس كما يُحكى عنه، أنا لا أمشي بالتمديد أبداً، ونقطة عالسطر. أمّا في ما خصَّ التمديد التقني فأمشي به إذا كان هو السبيل الأوحد، إنّما وفق آليّة معيّنة، بحيث إنّه إذا تعذّرَ الوصول إلى قانون في الأسابيع القليلة المقبلة فإنه يجب التفاهم على قانون جديد، وهذا يعني أن تبادر الحكومة إلى تلقّفِ هذا التفاهم وتتّخذ قراراً في شأنه في مجلس الوزراء تؤكّد خلاله أنّها في صَدد إعداد قانون ضمن فترة معيّنة. ففي هذه الحالة أنا كمجلس نيابي أبادر فوراً إلى الخطوة التالية باتّخاذ ما أسمّيه «تدبيراً» معناه تمديد تقني لفترة محدّدة».
باسيل و«اتّفاق الصبر»
ومِن جهة ثانية، قال الوزير جبران باسيل لـ«الجمهورية»، ردّاً على سؤال عن مصير الاتّفاق المنتظر بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل»: «إنّ الأمور ماشية، وتحتاج إلى بعض البحث والاتفاق على بعض النقاط». وأوضَح أنّه سيقترح أن يسمّي هذا الاتفاق بـ«اتّفاق الصبر».
خطة الكهرباء
إلى ذلك، أقرّ مجلس الوزراء «الخطة الإنقاذية» للكهرباء، التي اقترَحها وزير الطاقة سيزار أبي خليل الذي كلّفه مجلس الوزراء اتّخاذ الإجراءات اللازمة واستدراج العروض وإعداد المناقصات وعرض كلّ مراحلها تباعاً على المجلس وفقاً للقوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء.
وأفاد مصدر في مؤسسة كهرباء لبنان أنّ الخطة الجديدة هي بمثابة استكمال لخطة باسيل وتحديث لها، لكنّ العناصر الجديدة فيها تنحصر في نقطتين أساسيتين:
أوّلاً- استئجار طاقة إضافية من باخرتين بقدرة 825 ميغاوات خلال صيف 2017. ويأتي هذا الاقتراح لسدّ الثغرة التي تَسبَّبَ بها تعثّرُ إنشاء معمل دير عمار.
ثانياً- إنشاء معامل بقدرة 1000 ميغاوات على طريقة الـIPP وبالتعاون مع القطاع الخاص في كلّ مِن الزهراني وسلعاتا.
وفي هذا الإطار بشّر الحريري اللبنانيين بـ«أنّ المواطن اللبناني سيَشعر ابتداءً من أيار المقبل بتحسّنِ التيار الكهربائي». كذلك بشّرَ بأنّ سلسلة الرتب والرواتب «ستقَرّ ولو بعد حين»، مبدياً اقتناعَه بوجوب بقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في موقعه «لأنّه يشكّل ضماناً لاستقرار الليرة»
عز الدين لـ«الجمهورية»
وتحدّثت الوزيرة عناية عزالدين لـ«الجمهورية» عن «ملاحظات حول بعض الآليات في الخطة، والمهَل الزمنية المعطاة لاستدراج بعض العروض، خصوصاً في موضوع البواخر، ممّا يوجب أن تكون المهل مناسبةً مع المتطلبات ودفتر الشروط، لتتمكّن كلّ الشركات من تقديم عروضها في المناقصات من دون أيّ أفضلية لشركة على أخرى.
وملاحظة أخرى تتعلّق باعتماد عقدٍ بالتراضي مع شركة لإنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الطاقة الشمسية». وقالت إنّ ملاحظات الوزراء «تمحورَت حول موضوع إشراك القطاع الخاص، ومحطات التحويل، بينما بالنسبة إلى حركة «أمل» لم يكن التركيز على هذه الأمور، بل على آليّات التنفيذ والمهل الزمنية لاستدراج العروض».
فرعون لـ«الجمهورية»
وعلّقَ الوزير ميشال فرعون لـ«الجمهورية» على الموقف من الخطة قائلاً: «عموماً، لا اعتراض على خطة الكهرباء، إنّما تحتاج كلّ نقطة إلى البحث المعمّق».
«القوات اللبنانية»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «إنّ «القوات» نجحت في إدخال أفكارها وملاحظاتها على الموازنة وخطة الكهرباء، وتلقّفَ رئيس الحكومة سعد الحريري طرحَها ودعا الوزراء إلى تقليص موازنات وزاراتهم. وأصرّت على تفعيل مداخيل الجمارك، وتمّ الاتفاق على رزمة تدابير ستظهر قريباً. وتمسّكت بمكافحة التهرّب الضريبي.
وفي خطةِ الكهرباء أصرّت «القوات» على وضعِ دفتر شروط واضح المعالم يُصار على أساسه إلى استدراج عروض استئجار البواخر، وإبقاء مجلس الوزراء مرجعية، وتمّ الاتفاق على أن يتولى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة غسان حاصباني، بالتعاون مع وزيرَي الطاقة والمال، متابعة مسألة تمويل استئجار البواخر لجهة عدم تحميل الخزينة أيّ أعباء مالية خلال الفترة التي تسبق الجباية، وبالتالي تحميلها للشركات المعنية في انتظار البدء بتلك الجباية، ومن دون إغفال الجانب الأساس للخطة الحكومية التي تبنّت خطة «القوات» لناحية إشراك القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء».
مصدر نيابي
ووصَف مصدر نيابي معارض ما شهدَته جلسة الأمس تحت عنوان «خطة إنقاذية للكهرباء» بأنّه «عملية تهريب جديدة مماثلة لتهريب مراسيم النفط والتعيينات».
وقال لـ«الجمهورية»: «المعلومات الموزّعة عن خطة الكهرباء تناقض كلّ ما يُحكى عن تطمينات في شأن الرقابة المسبَقة والشفافية في دفاتر الشروط واستدراج العروض والتلزيمات وغيرها»، متسائلاً: «كيف يمكن لحكومة من ثلاثين وزيراً أن تقرّ خطة لعشر سنوات في ساعة من الوقت»؟
وقال: «نحن في انتظار المؤتمر الصحافي لوزير الطاقة، لمعرفة ما تمّ اتّخاذه من قرارات.
فهناك في الحكومة من يقول إنّ الخطة التي قدّمها أقرّت وهناك من يقول إنّ الموافقة عليها كانت مبدئية. ورئيس الحكومة يقول إنّ المواطنين سيَشعرون بتحسّن التغذية بالكهرباء ابتداءً من مطلع أيار؟ فهل يمكن وضعُ دفتر شروط وإجراء مناقصات وتوقيع عقود واستقدام بواخر في مهلة شهر إذا لم يكن هناك ما هو مقرّر سَلفاً في هذا الشأن»؟.
وحذّرَ المصدر «من إمرار عملية غشّ جديدة للّبنانيين بحجّة تأمين الكهرباء، شبيهة بمحاولة إمرار الضرائب بحجّة تمويل السلسلة». وخَتم: «ما سمعناه حتى الآن عن شروط رقابية هو بمثابة قنابل دخانية لأغراض دعائية وانتخابية ومعارك طواحين.
أمّا الحقيقة فستظهر تباعاً وستجد الحكومة بكلّ مكوّناتها نفسَها قريباً في مواجهة جديدة مع الناس في الشارع نتيجةً للصفقات الجديدة التي تحاول إمرارَها».