IMLebanon

مانشيت:الأزمة الرئاسية تستقبل السنة الجديدة مشــفوعةً بمراسيم «حفظ الحقوق»

 

ساعات معدودة ويستقبل لبنان السنة الجديدة التي يتوقع ان تكون «سنة التحولات» مودعاً سنة كانت حافلة بمفاجآت واحداث سياسية وامنية خطيرة، كان أبرزها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ثم العودة عنها بعد توافق المكونات الحكومية على طبعة منقحة لسياسة «النأي بالنفس»، وكان يمكن القول انّ السنة التي تأفل كانت سنة الانجاز بامتياز لو لم ينغّصها الخلاف الدائر حاليا بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب، حول ما اصطلِح على تسميته «مرسوم الاقدمية» لضبّاط دورة 1994، وهو خلاف يتخطى الجانب التقني ليأخذ ابعاداً سياسية وقانونية ودستورية، فيما يتحدّث البعض عن ابعاد أخرى تتصل بمرحلتي ما قبل الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل وما بعدها.

وفيما تصدّرَ الإنجازات التي حفلت بها السنة الجارية قانون الانتخاب النيابي الجديد واقرار مراسيم التنقيب عن النفط والغاز وانتاجهما واقرار الموازنة العامة للدولة، وتحرير جرود عرسال ورأس بعلبك من الارهابيين، يستعد لبنان لاستحقاق اجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل، كذلك يستعدّ لاستقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في نيسان.
إلّا انّ سنة 2017 التي أبت إلّا ان تسجّل في ساعاتها الاخيرة، نهاية دموية جديدة حيث ضرب الارهاب مجدداً في مصر مستهدفاً كنيسة جنوب القاهرة حاصداً عدداً من القتلى والجرحى، أقفلت لبنانياً على استمرار التدهور في العلاقات الرئاسية وارتفاع في حدّة المواجهة بين الرئاستين الاولى والثانية بفِعل استمرار ازمة «مرسوم الاقدمية» وفشلِ المساعي في اجتراح حلّ وتضييق هوّة الشرخ بين قصر بعبدا وعين التينة، في وقتٍ سُجّل تطوّر لافت مساءً تمثَّل في توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مراسيم إدراج ضباط الامن الداخلي والامن العام والجمارك وأمن الدولة على جداول الترقية الى رتبٍ أعلى لسنة 2018.
وعلمت «الجمهورية» انّ مجلس الوزراء سيجتمع الخميس المقبل، على ان يوزّع جدول اعمال جلسته التي أعدّ رئيس الحكومة مسوّدتها، بعد العيد مباشرة.

عون يوقّع مراسيم
وفي آخر يوم عمل من سنة 2017 أصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية البيان الآتي:
«وقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ظهر اليوم (أمس)، مراسيم ادراج اسماء ضباط في قوى الامن الداخلي والامن العام والضابطة الجمركية والمديرية العامة لامن الدولة، على جداول الترقية الى رتبة أعلى للعام 2018. وحملت المراسيم، التي اقترنت بتوقيع رئيس الحكومة ووزيرَي الداخلية والمالية، الارقام الاتية: 2124-2125-2126-2127-2128-2129 تاريخ 29/12/2017.

وأتى توقيع الرئيس عون مراسيم القيد على جداول الترقية لضباط الاسلاك الامنية والعسكرية حفاظاً على حقوق هؤلاء في الترقية بعد ان صَدر قرار عن وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف بقيد ضباط في الجيش للترقية الى رتبة اعلى لعام 2018، وذلك عملاً باحكام الفقرتين 4 و 5 من المادة 48 من قانون الدفاع الوطني الرقم 102/1983 وتعديلاته. علماً انّ هذه المراسيم، كما قرار وزير الدفاع الوطني تُنشىء حقاً لهؤلاء الضباط في الترقية، والتي يتمّ اعلانها بموجب مراسيم تصدر لاحقاً».

أسباب التوقيع

وليلاً أوضحت مصادر وزارية معنية أنّ التدبير الذي اتّخذه عون «جاء نتيجة رفضِ وزير المال علي حسن خليل توقيعَ المراسيم الخاصة لضبّاط الجيش بسبب شمولهم أسماءَ ضباط الدورة التي حملت اسم دورة «الانصهار الوطني» العام 1994 على خلفية رفضِه المرسومَ الذي اعطاهم قِدما لعام واحد يستحقّونه بدلاً من عامين، الامر الذي كان سيؤدي الى انقضاء المهلة القانونية لتوقيع مراسيم الترقية لضباط الاسلاك الامنية كافة مع نهاية السنة، وهو امر يحفظ حقوقهم في الترقية من 1/ 1/ 2018 في اللحظة التي يصدر فيها مرسوم الترقية ولو بعد أيام او شهر او اكثر ولا حاجة عندها الى قانون يحمي هذا الحق.

ولذلك فإنّ لجوء رئيس الجمهورية الى توقيع «مراسيم القيد» هو لحفظِ حقوق هؤلاء الضباط كافة بالترقية، إذ لا يجوز التمييز في الترقية في توقيتٍ موحّد بين ضباط الجيش من جهة وضباط قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة وهم من متخرّجي الدورة عينها في المدرسة الحربية قبل التحاقِهم بأجهزتهم.

ولذلك فإنّ الضباط الذين رفض وزير المال توقيعَ مرسوم ترقيتهم سيحتفظون بكلّ حقوقهم لمجرد ان يدرج وزير الدفاع اسماءَهم للترقية الى رتبة اعلى استناداً الى نص المادة 48 من قانون الدفاع التي تجيز له اصدارَ وتعميم قرار بقيد الضباط حتى رتبة عميد على جدول الترقية خلال كانون الاول وحزيران من كل عام، وهو ما يُكسبهم في الحالتين حقّهم في الترقية الى رتبة اعلى مهما تأخّر صدور مرسوم الترقيات لأيّ سبب كان».

الدفاع

وعلمت «الجمهورية» انّ قيادة الجيش رفضت تسَلّم المراسيم التي ردّها وزير المال الى وزارة الدفاع بعدما رفضَ توقيعها للأسباب المعروفة وطلبَت اليه عبر وزير الدفاع تقديمَ اجوبة مكتوبة عن الأسباب والظروف التي تبرّر هذا القرار، لأنها لا تكتفي بتقديمِ هذه الأسباب شفوياً او عبر وسائل الإعلام.

في الموازاة، قالت مصادر متابعة للأزمة لـ«الجمهورية»: «لا حلّ قريباً على ما يبدو بحسب المعطيات، والأزمة ستكون مفتوحة على مصراعيها مع مطلع السنة المقبلة، خصوصاً اذا تعاطت وزارة الدفاع مع الترقيات على انّها امر واقع ولم تستجِب الى كتاب وزير المال الذي يطلب فيه افادته بالأسس القانونية بترقية عدد من الضباط من دون استيفاء الشروط وفق سنوات الخدمة على اساس انّ مرسوم الاقدميات لم تتبلغ فيه وزارة المالية».

وإذ اعتبَرت المصادر «انّ الإقدام على خطوة كهذه يعني بلوغ الازمة الخطوطَ الحمر»، قال مصدر وزاري معني «إنّ هذا الاجراء غير واقعي فلا شيء اسمُه ترقية أمر واقع لأنّ المرسوم عندما يصبح نافذاً يعني انّ الترقيات قد تمّت».

واكّدت «انّ توقيع رئيس الجمهورية هو التوقيع الاخير على المرسوم الذي يصبح في حكم النافذ. امّا الإشكاليات الاخرى فمعالجتها في السياسة، وبالتالي لا بدّ من الوصول الى حلّ على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، فهذه السنة هي سنة الإنجازات العجائبية والتي سجّل فيها الجيش ذروتها، فلن تضيع بإشكاليات تحلّ بعيداً من العناد، خصوصاً وأنّ الامر يتعلق بالجيش والمؤسسة العسكرية التي يجب ان تبقى دائماً فوق كل التجاذبات».

خليل

وقال وزير المال علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: «إنّ مدخل الحلّ هو تصحيح الخطأ الدستوري الذي تمثّلَ بثلاث خطوات:

• الأولى، إصدار مرسوم الاقدمية من دون توقيع وزير المال.
• الثانية، اعتبار المرسوم نافذاً من دون نشرِه في الجريدة الرسمية.
• الثالثة، إدراج اسماء مجموعة ضبّاط من مرسوم الإشكالية (المرسوم المختلف عليه) في مراسيم الترفيع والذي يجري مع بداية كلّ عام».

وأضاف»: «بالعودة عن هذا الخطأ نكون في الشكل قد اجتزنا المرحلة الاصعب فنفتح حينها نقاشاً حول مضمون المرسوم الذي وبحساباتنا وقراءتنا سيُحدث اشكالية في اتجاهين: الاوّل، إثقال الجيش بالرتب العالية على حساب الرتب الادنى، ما يعني قلبَ الهرمِ الذي على اساسه تُبنى هيكلية الجيش. والاتّجاه الثاني انّ كلّ هذه الرتب العالية تتطلّب موازنات مالية باهظة لا قدرة للخزينة على احتمالها. فهذا الامر يجب دراسته بدقّة بعيداً من كلّ الحسابات».

وتابع خليل: «لن نتراجع عمّا نعتبره، ونؤكد أنه أصول دستورية في التعاطي. امّا اذا أرادوا فتح الملف السياسي على مصراعيه والعودة الى نقاش الدستور من الاساس فلا مشكلة لدينا. لا نتحدّث لا عن اعتكاف ولا عن استقالة، والامور مرهونة بمواقيتها ومنفتحون على النقاش والحوار بإيجابية».

برّي

وكانت مصادر مؤيّدة لموقف بري قالت: «إنّ بري في خلفية موقفِه يعكس مخاوف من احتمال دخول البلاد في منطق أحادية واستئثار». وأشارت الى «انّ البلاد، ما إن دخلت في انفراج وإنجازات ترافقت مع عودة الرئيس سعد الحريري عن الاستقالة، وأدّت الى حضور وتماسكِ في المؤسسات، حتى ضَغطت وقائع غير منظورة، بعضها يتّصل بتوقيع الحريري مرسوم الاقدمية الى جانب رئيس الجمهورية وعدم الأخذ في الاعتبار توقيعَ وزير المال عليه».

واكّدت المصادر «انّ القواعد التي ستنجم عن النزاع الدائر بين عون وبري ستكون اساسية في رسم معالم المرحلة المقبلة وإعادة رسملة موازين القوى بين الافرقاء الاساسيين لِما لها من علاقة بمرحلة ما قبل الانتخابات ومرحلة ما بعدها».

واعتبَرت المصادر «انّ الحريري معنيّ بالخلاف السائد بين بري وعون نظراً الى توقيعه مرسومَ الاقدمية لضبّاط دورة 1994، ومن خلال ترسيخ تحالف سياسي عميق بينه وبين عون في المرحلة المقبلة.

فأياً كان التقدير لدى الحريري في هذا الصدد، فإنّ بري يؤكد وجود نزاع سياسي وليس نزاعاً تفصيلياً تقنياً حول مرسوم اقدمية لضبّاط، وهذا النزاع السياسي جوهر مضمونه هو أسس الشراكة بين الكبار في المرحلة المقبلة، وهذه هي الرسالة التي يوجهها بري في المواقف التي يتّخذها».

وقالت المصادر «إنّ هذا الخلاف الرئاسي سينسحب الى السنة الجديدة، وإنّ السؤال الجوهري المطروح في صددِه، ليس موقف «حزب الله» منه، بل هل ينسحب هذا الخلاف بتأثيراته على مرحلة الانتخابات النيابية؟ وهل يعيد خلطَ اوراق التحالفات؟

ام انّ الحزب سيواظب على صمته وهدوئه محاولاً اخذَ العبرِ ممّا يجري، وبالتالي العمل لبلوَرةِ خريطة طريق بين حليفه الرقم 1 وحليفه الرقم 2، اي بين حليفه المسيحي وحليفه الشيعي.

ولذلك يرى الحزب انّ خيارَه صعبٌ في هذا الصدد في ظلّ اولوية التحالف لديه دوماً مع برّي وحركة «أمل» فيما الانتخابات النيابية على الأبواب».

الحريري

وعبّرت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» عن املِها في ان تنجح الإتصالات في استيعاب الأزمة التي نشأت بعد مرسوم تسوية اوضاع الضباط مطلع السنة الجديدة.

وكرّرت دعوة رئيس الحكومة الى «ترك الموضوع في إطاره المحدود فلا يجري التوسّع في التحليل والأخذ والرد». واكّدت «انّ وضع الأمور في نصابها الدقيق وحجمها الطبيعي يوفّر على لبنان خضّات هو في غِنى عنها، فجميع المكوّنات الحكومية والسياسية محكومة بالتعايش والتعاون والعيش معاً».

ولفتَت المصادر الى «انّ الحديث عن هزّة حكومية او اعتكاف او مقاطعة متوقّعة عن العمل الحكومي لبعض الوزراء ليس أوانه لأنه امرٌ غير متوقع تحت ايّ ظرف».

وقالت «انّ العلاقات على احسن حال في الحكومة، وإنّ اعمال اللجان الوزارية التي حفلت بها اجتماعات السراي الحكومي لم تشهد غيابَ أيّ من الوزراء، وأنّ الحديث عن قطيعة مع وزراء حركة «أمل» لا اساس له، وأنّ الرد عليه يكفي من خلال مشاركة وزير المال في اعمال كل اللجان الوزارية التي عقدت اجتماعاتها في الأيام الأخيرة».