إنصَبّ الاهتمام اللبناني والإقليمي والدولي على اهتزاز المشهد الإيراني، نتيجة ما تشهده العاصمة طهران ومدن إيرانية أخرى من تظاهرات احتجاجٍ يردّد المشاركون في بعضها هتافات ضدّ النظام وبعضِ رموزه البارزين. وفي وقتٍ أعلنَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب «أنّ زمن التغيير في إيران قد حان»، اتّهَمت القيادة الإيرانية الولايات المتحدة ودولاً أخرى وأجهزةَ استخبارات بالوقوف خلف بعض هذه التحرّكات الاحتجاجية. وفي هذه الأثناء بدأ لبنان سنته الجديدة التي اقتحَمتها ملفات من العام الماضي، وهي ملفات خلافية بين أهل الحكم في غالبيتها، إذ على رغم أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حسَم موضوع مرسوم ترقيةِ ضبّاط دورة 1994 معتبراً أنّه أصبح من الماضي، فإنّ الفريق الآخر لا يزال يُراهن على تسويات أُخرى لهذا المرسوم، فيما بدا في الأفق تحرّكٌ لرئيس الحكومة سعد الحريري يعوَّل عليه لإنهاء الأزمة بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي.
بعد انتهاء عطلة الأعياد، وعودة العمل إلى المؤسسات، يدشّن مجلس الوزراء السنة الجديدة بجلسة يَعقدها الحادية عشرة قبل ظهر غدٍ الخميس في القصر الجمهوري، وذلك بعدما اكتملت عودة الوزراء من إجازتهم في الخارج.
وسيناقش المجلس جدول اعمال من 43 بنداً ابرزُها طلبُ وزارة الدفاع إحالة أحداث عرسال والقاع ورأس بعلبك الى المجلس العدلي، وطلبُ القضاء تحديدَ يوم لإحياء «ذكرى شهداء القضاء»، وإعطاء وزير العدل الإذن بتوقيع اتفاق تعاوُن مع إيران لتبادلِ المحكومين بين بيروت وطهران.
أزمة المرسوم
وعلى رغم الحديث عن وساطة بدأها رئيس الحكومة سعد الحريري ما بين قصر بعبدا وعين التينة، لم ترصد المراجع المختصة والمتابعة أيَّ حراك له حتى مساء أمس. وقالت مصادر قصر بعبدا لـ»الجمهورية»: «إذا كان هناك مِثلُ هذه الوساطة فمِن الطبيعي ان يبدأها رئيس الحكومة من عين التينة».
وأوضَحت انّ الحريري ظلّ على تواصلٍ مع قصر بعبدا قبل وبعد توقيع رئيس الجمهورية مراسيمَ ترقية الضباط الما دون رتبةِ مقدّم في مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية وتلك التي وقّع جداول الترقية الخاصة بها من رتبة مقدّم وما فوق لحفظِ حقوق الجميع بلا تمييز بين الضبّاط من مختلف الأسلاك في انتظار تسوية اوضاع الذين يرفض وزير المال ترقيتَهم، وهو وضع الجميع في سلّة واحدة حفظاً لحقوقهم في الترقية بدءاً من 1/ 1 / 2018 متى سُوّيَت القضية نهائياً وتمّ توقيع المراسيم وفق الآلية الدستورية.
وكان اللافت أمس اللقاء بين رئيس الحكومة وقائد الجيش العماد جوزف عون الذي زاره على رأس وفدٍ مِن القيادة العسكرية لتهنئته بالأعياد، حيث خُصّص جانب من هذا اللقاء لشرحِ الظروف التي رافقت أزمة المرسوم، وقد يشكّل هذا الأمر مؤشّراً الى بدءِ الحريري تحرّكه في اتّجاه عين التينة.
ويُنتظر ان يكون هذا الموضوع مدارَ بحثٍ لدى استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري وفدَ قيادة الجيش الذي سيزوره اليوم للتهنئة بالسنة الجديدة.
برّي
في هذا الوقت، سُئل بري عن المخرج الذي قال الحريري إنّه يسعى إليه لحلّ أزمة المرسوم، فأجاب: «اسألوه، أنا ما عندي شِي جديد».
وقال رئيس المجلس امام زوّاره أمس حول هذه المسألة: «الوضع ما زال على حاله، لا حَلحلة ولا سلبية، مِثل المريض في المستشفى.
والحلّ معروف، وقد أبلغتُه لهم، وهو أن يُرسل المرسوم الى وزير المال فيوقّعه. فالمسافة بين السراي الحكومي ووزارة المالية هي أقلّ مِن ثلاث دقائق، وبهذه الطريقة تُحَلّ الأزمة».
وردّاً على سؤال حول تأثيرات الأزمة على الوضع الحكومي قال بري: «وزراء حركة «أمل» يواصلون مهمّاتهم ويوم الخميس (غداً) ستنعقد جلسة، وإذا انقطع الأمل يتحدّد الموقف على ضوء ذلك».
وقالت مصادر قريبة من عين التينة إنّه «خلافاً لكلّ ما يقال من أنّ هناك مراسيم لا تنشَر فإنّ هناك ما يوجب نشرُها في الجريدة الرسمية، وهو قانون أقرَّه مجلس النواب في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي يحدّد إلزامية نشرِ كلّ المراسيم والقوانين والمواقيت المحدّدة لهذا النشر».
مرسوم قابع
وفي هذه الأجواء، ما زال مرسوم الترقية قابعاً في وزارة المال منذ نهاية الدوام الجمعة الماضي الذي كان آخرَ يوم عملٍ من العام الماضي، على حدّ ما اكّدت مصادر معنية لـ «الجمهورية»، بعدما ردّته قيادة الجيش إليها مرفقاً بكتاب يشرح الأسباب والظروف التي دفعت وزيرَ الدفاع الى وضعِ جدول الترقية متضمّناً أسماءَ الضباط المستحقين بمن فيهم مجموعة ضبّاط من دورة العام 1994 المعروفة بدورة «الانصهار الوطني» الذين يَرفض وزير المال ترقيتَهم والظروفَ التي رافقت وأدّت الى إدراجهم على الجدول، خصوصاً أنّ بعضهم استحقّ أقدميّةً استثنائية بموجب مرسوم استثنائي وخاص صَدر عقبَ انتهاء عملية «فجر الجرود» ممهوراً بتوقيع كلّ مِن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الدفاع والذي شملَ نحو 300 ضابط من مختلف الرتَب ومن القطعات البرّية والجوّية واللوجستية التي شاركت في العملية.
وقالت مصادر مطّلعة لـ»الجمهورية» انّه سبق لقيادة الجيش ان ردّت المرسوم منتصف الأسبوع الماضي الى وزير المال عبر وزير الدفاع بعدما ردَّه اليها لافتقارِه الى إحالة رسمية تشرَح الظروف التي دفعَته الى عدمِ توقيعه وتحديد الأسباب والأمور التي يريد توضيحَها، وهو ما عُدَّ خارج الأصول القانونية.
وبعدها أعاد وزير المال هذا المرسوم الى وزارة الدفاع مرفقاً بكتاب وتوضيحات ومجموعة من الأسئلة التي رغبَ بالحصول على اجوبةٍ محدّدة عنها. فردّت عليها قيادة الجيش بما أراده من توضيحات وما زال المرسوم مجمّداً في مكتب وزير المال.
«القوات» ـ «المستقبل»
وعلى خط العلاقة بين «القوات» و«المستقبل»، بدا واضحاً حرصُ الطرفين على وقفِ التقاصفِ الإعلامي، من دون ان يعني ذلك انّ الاحتقان السياسي بين الطرفين قد تراجَع الى حدّ افتراضِ إمكانية عودة العلاقة الى ما كانت عليه قبل أزمة استقالة الحريري.
وقالت مصادر»القوات» لـ»الجمهورية»: «العلاقة مع «المستقبل» دخلت في مرحلة جديدة بعد تأكيد الرئيس الحريري أنّ العلاقة مع «القوات» جيّدة ومن ثمّ مبادرته الاتصال بالدكتور جعجع لتهنئته بعيد الميلاد المجيد، الأمر الذي يدلّ الى أنّ الصفحة الخلافية طويَت، وأنّ النقاط المختلف عليها والمآخذ المتبادلة بين الطرفين تتمّ مقاربتُها في هدوء بغية تنقيةِ العلاقة من الشوائب التي اعترَتها، ولكن لا يمكن الكلام عن لقاء قريب بين الحريري وجعجع قبل ان يكتمل التمهيد السياسي الذي يتمّ العمل عليه بنحوٍ مكثّف بعيداً مِن الأضواء، خصوصاً أنّ المقاربة الوطنية تبقى الأساس، وقد شكّلت ولا تزال القاعدةَ الصلبة لتحالفِهما».