فيما يشهد لبنان نوعاً من الاسترخاء السياسي بفعل المناخ الايجابي الذي أشاعه الحضور اللبناني في قمة عمان وقراراتها اللبنانية، تسلل «خرق أمني» صنعته يد الارهاب في عرسال في توقيت ملتبس يطرح كثيراً من علامات الاستفهام حول الغايات المبيّتة التي يُعدّها الارهابيون لضرب الاستقرار الداخلي. ما استدعى اجتماعاً للمجلس الاعلى للدفاع في قصر بعبدا اليوم برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وسيتوسّع ليضمّ الضباط المعنيين بحركتي المرفأ والمطار، وهو الاجتماع الأول بعد تعيين القادة الجدد للأجهزة العسكرية والأمنية.
تفاعلت أصداء كلمة رئيس الجمهورية في القمة العربية ايجاباً في الداخل وبرزت في مواقف مختلف الاطراف السياسية، وكان أبرزها ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره امس رداً على سؤال حول الحضور اللبناني في القمة: «انا راضٍ جداً على موقف لبنان في القمة العربية».
الرسالة «الخماسية»
في هذا الوقت، توقفت مصادر سياسية عند ما سُمّي «الرسالة الخماسية» واعتبرتها «نقطة توتر» في المرحلة الحالية، خصوصاً أنها أدت الى توتير شديد في «العلاقات الرسمية» مع اصحاب الرسالة. وكشفت هذه المصادر لـ«الجمهورية» انّ بعض اصحاب الرسالة حاولوا إجراء اتصالات بمستويات سياسية ورسمية لتبريرها لكنهم فشلوا.
وعلمت «الجمهورية» انّ الرسالة وصلت الى ملك الاردن عبد الله الثاني كونه رئيس القمة العربية، وجرت العادة انّ رئيس القمة يتلقى البرقيات والرسائل ويحيلها الى الامانة العامة لجامعة الدول العربية لكنّ العاهل الاردني لم يرسلها، معتبراً أنّ لبنان ممثلاً في القمة برئيس جمهوريته ورئيس حكومته.
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» انّ خطوة الملك الاردني «جاءت حكيمة فهو لم يشأ التعكير على مشهد لبنان الجامع الممثّل في القمة ويحقّ له اتخاذ القرار المناسب في ظروف كهذه، وبالتالي فإنّ خطوته أنهت رحلة هذه الرسالة من دون ان يكون لها أيّ تاثير أو واقع على موقف لبنان في مجريات أعمال القمة». واوضحت المصادر «انّ هذا كان سبب نفي الأمانة العامة للجامعة تلقّيها الرسالة عندما سئلت عنها».
الحريري يجول أوروبياً
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ رئيس الحكومة سعد الحريري العائد الى لبنان آتياً من السعودية، يستعد لجولة اوروبية تبدأ مطلع الاسبوع المقبل وتشمل فرنسا والمانيا وبروكسيل.
وفي المعلومات انّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يستقبل الحريري بعد ظهر الاثنين 3 نيسان المقبل سيرفّعه في جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس الى رتبة كوموندور في احتفال يقام في قصر الإليزيه.
وينتقل الحريري في اليوم التالي الى المانيا للقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ثم ينتقل من هناك الى بلجيكا للمشاركة في مؤتمر بروكسيل المتعلق بمساعدة دول المجاورة لسوريا على مواجهة اعباء النزوح السوري اليها، ولعرض خطة لبنان في هذا الصدد.
وفي المعلومات انّ الحريري سيطرح خلال جولته مقاربة لبنانية جديدة لملف النزوح السوري وحاجات لبنان لتحمّل أعبائه. وسيعلن انّ لبنان يستضيف عدداً هائلاً من النازحين كواجب انساني واخلاقي في انتظار الحل السياسي للازمة السورية لكي يتمكنوا من العودة الآمنة الى بلادهم.
وسيؤكد انّ المساعدات الانسانية التي يقدمها المجتمع الدولي أمر يُشكر عليه، لكنها غير كافية لكي يستمر لبنان في مواجهة الضغط الذي يسببه هذا النزوح على اقتصاده، ولذلك يتطلب الامر مساعدات تمكّنه من تحمّل هذا الكم الهائل من النزوح عبر استثمارات في البنى التحية والخدمات العامة والاقتصاد في لبنان.
وفي المعلومات انّ مؤتمر بروكسيل سيكون بداية لشرح خطة لبنان وتجييش الدعم الدولي لها على أمل الحصول لاحقاً على تمويلات ميسّرة لهذه الاستثمارات.
في السعودية
وكان الحريري الذي غادر الاردن الى الرياض مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في طائرته الملكية، اجتمع أمس مع ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في مكتبه. وذكرت وكالة الأنباء السعودية «واس» انه «تم خلال الاجتماع استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط».
وذكرت الوكالة أنّ الحريري غادر الرياض «وكان في وداعه في مطار الملك خالد الدولي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية الأستاذ ثامر السبهان وعدد من المسؤولين».
وقالت مصادر في «المستقبل» لـ«الجمهورية»: «في المنطق السياسي لا يجوز التعامل مع زيارة الحريري وكأنها هي الخبر كما يحاول بعض الاعلام فعله، لكن أهمية هذه الزيارة تكمن في شكلها.
فمبادرة الملك سلمان اصطحاب الحريري معه في طائرته هي اشارة واضحة الى متانة العلاقة بين الجانبين وعمقها واهميتها، وكذلك اشارة واضحة الى الاهمية الكبرى التي توليها السعودية للبنان خلافاً لكل ما كتب وقيل عن انه لم يعد في اهتماماتها بعد استيائها من التسوية الرئاسية التي أنتجت انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. بل على العكس، السعودية تريد لبنان بلداً مستقراً على الصعد الامنية والسياسية والاقتصادية».
وأشارت المصادر الى «انّ المشكلة بين لبنان ودول الخليج لم تتولّد بين ليلة وضحاها بل نتيجة مسار طويل، إلّا انّ هذا السمار بدأ يقابله مسار في الاتجاه الصحيح بدأ بزيارة عون ويتواصل بزيارة الحريري وسيُكمِل في كل المستويات الى أن نصل الى مكان يبيّن النتائج».
الملف الإنتخابي
إنتخابياً، بات محسوماً لدى القوى السياسية على اختلافها انّ شهر نيسان يجب ان يكون شهر إعداد القانون الانتخابي لكنّ المحصلة حتى الآن: لا يوجد في اليد اي شيء جدي يمكن ان يُبنى عليه كأساس لقانون جديد.
ففي اليد حالياً: المشروع المسمّى «مشروع باسيل»، وهو لم يعد كما طرحه الوزير إنما صار كناية عن مجموعة أفكار متراكمة ومجمّعة من «أفكار» أضيفت عليها. لكن في الخلاصة لم تؤد الى توافق حولها.
وصار محسوماً انّ الذهاب الى الحكومة هو عنوان حركة نيسان، وثمة قبول لدى أهل الحكومة بالتصدي لهذا الأمر، خصوصاً انّ الوقت، كما يقول مرجع كبير لـ«الجمهورية»، صار وقتاً قاتلاً ولم يعد هناك وقت للعب والمراهنات.
وردا على سؤال قال المرجع: «مقولة الفراغ قد انتهت وانقلوا عن لساني: «لا فراغ مجلسياً على الاطلاق، ستستمر المؤسسات والجميع من رئيس الجمهورية الى سائر المستويات الرسمية والسياسية «متهيّبة» جداً من هذا الامر لأنه لا يشكل خطراً آنياً او عابراً انما هو خطر على الكيان، لأننا اذا وصلنا اليه نعرف كيف ندخل فيه إنما الخروج منه هو امر لا يعلمه الّا الله».
وكشفت مصادر وزارية عاملة على الخط الانتخابي انّ إتصالاً حصل أمس بين الحريري والوزير علي حسن خليل، وآخر بين خليل والوزير جبران باسيل الموجود في اوستراليا، والذي سيعود الاحد المقبل ما سيفتح باب نقاش حثيث في الاسبوع المقبل.
وقالت المصادر نفسها «انّ المرحلة الممتدة من الآن وحتى نهاية ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران هي مرحلة حساسة إنتخابيا»، وجزمت انه على رغم «اللاتقدّم» حالياً على خط قانون الانتخاب «اننا نستطيع أن نُعدّ قانوناً وسنعدّ هذا القانون». وأبدت ثقتها بأنّ موضوع سلسلة الرتب والرواتب «سيكون بنداً اساساً» خلال نيسان.
وفي هذا السياق قال بري عندما سئل هل سيكون نيسان «شهر حسم» السلسلة قال: «إن شاء الله».
جلسة مناقشة
في هذا الوقت، يستعد المجلس النيابي لجلسة مناقشة عامة للحكومة الاسبوع المقبل وفق ما إتّفق عليه في اجتماع هيئة مكتب المجلس أمس برئاسة بري.
وقالت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية» ان لا جدول أعمال لهذه الجلسة، بل هناك نقاش مفتوح مرئي ومسموع حيث ستكون الجلسة منقولة على الهواء مباشرة، وهذا ما قد يساهم في فتح شهية النواب على الادلاء بدلوهم حيال مجموعة من العناوين الانتخابية والمطلبية، وصولاً الى مقاربة سياسة الحكومة التي ينتظر ان تُعدّ بياناً يتلوه رئيس الحكومة في بداية الجلسة ويتضمن عرضاً للسياسة الحكومية وما أنجزته منذ تشكيلها، اضافة الى الملفات التي ستتصدى لها في المرحلة المقبلة.
مجلس الدفاع
وفي ظل الإنشغال بهذه الملفات الكبرى، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ مجلس الدفاع الاعلى سيجتمع العاشرة والنصف صباح اليوم في بعبدا في حضور رئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية رياض الصراف ونهاد المشنوق، وقائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العام لأمن الدولة اللواء انطوان صليبا، والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع العميد الركن سعد الله محي الدين الحمد، ومدير المخابرات في الجيش العميد الركن كميل ضاهر ورئيس فرع المعلومات العميد خالد حمود.
وسيخصص الإجتماع للبحث في التطورات الأمنية والمخاطر الداخلية والخارجية، ومن المقرر ان يقدّم قادة الأجهزة الأمنية ما لديهم من تقارير ورؤى للوضع الأمني من الجوانب المختلفة وسبل مواجهة كل المخاطر المحتملة ومعالجتها.
وسيكون لعون كلمة في بداية الإجتماع يهنّىء فيها القادة الأمنيين بتسلّمهم المهمات التي ألقيت على عاتقهم في هذه المرحلة الخطيرة التي تعبرها المنطقة، وما هو مطلوب من المؤسسات العسكرية والأمنية لمواكبة مهمات المؤسسات الدستورية في القيام بأدوارها الكاملة.
وسيدعوهم الى مزيد من التنسيق والتعاون في كل المجالات بغية تقديم نموذج عن قوة هذه المؤسسات وقدراتها التي تعززها آليّات التعاون والتنسيق في ما بينها عن طريق جمع المعلومات وتقييمها استباقاً لأيّ حدث امني، وتحدي المخاطر التي تعيشها المنطقة على اكثر من مستوى، ومنع انتقال اي من تردداتها الى الداخل اللبناني.
وعلمت «الجمهورية» انّ المشنوق يرافقه اللواء ابراهيم سيتوجهان الاثنين الى تونس للمشاركة في اجتماع وزراء الداخلية العرب الذي يترأسه ولي العهد السعودي ووزير الداخلية الامير محمد بن نايف ويدوم أسبوعاً، وستطرح فيه كل القضايا الامنية المعنية بها الدول العربية، خصوصاً سبل التعاون والتنسيق لمكافحة التطرف والارهاب.
إنفجار عرسال
الى ذلك، وبعد غياب أشهر عادت عمليات التفجير والعبوات المفخخة لتطلّ برأسها مجدداً ومن عرسال، ما طرح تساؤلات حول الوضع الأمني على الحدود الشرقية، وتحركات المجموعات الإرهابية التي تسرح وتمرح في عرسال وداخل مخيمات النزوح.
وفي التفاصيل، أنّ انفجاراً وقع في سيارة «بيك أب» من نوع «دايهتسو» بيضاء رقم لوحتها 846345 – حمص في حي الشفق قرب مخفر الشرطة القديم في بلدة عرسال، تبين أنه ناتج من عبوة ناسفة كانت مزروعة تحت مقعد السائق، ما أدّى الى مقتل السوريين حواء الزهوري (20 عاما) ونور الحسيكي (25 عاما) من بلدة القصير السورية، واصابة امرأة من آل كرنبي من عرسال وسوريين من القصير بجروح، وطوّقت قوة من الجيش اللبناني المكان.
وقال مصدر أمني لـ«الجمهورية» إنّ «الإنفجار الذي وقع لم يكن مدبّراً ليستهدف الجيش اللبناني، بل هي تصفيات بين السوريين أنفسهم في البلدة»، مؤكداً أنّ «الجيش اللبناني يتخذ إجراءات أمنية مشددة على الحدود وداخل البلدة، وأنتجت أمناً خلال الفترة الماضية وتهاوى معها عدد كبير من الإرهابيين».
ولفت الى أنّ «معارك الأمس على الحدود بين الجيش والمجموعات الإرهابية أكدت أنّ الجيش دائماً على أهبة الإستعداد ولن يسمح بخرق الحدود إلى الداخل اللبناني وافتعال المشكلات الأمنية مهما كانت النتيجة».
وتزامن الانفجار مع الخطة الأمنية التي بدأها الجيش منذ أسبوع من دون إعلان عن مكانها وتوقيتها، حيث بدأت دهم أماكن وجود تجار المخدرات والمطلوبين الكبار في مختلف البلدات والمناطق، لتمتد اليوم إلى داخل عرسال حيث نفّذ الجيش منذ ساعات الصباح الاولى أعمال دهم وتفتيش داخل البلدة وأقام الحواجز مدقّقاً في الهويّات، وسَيّر الدوريات على مدار اليوم.