كلما مرّ يوم بلا معالجة او مخارج، او حلول وسطى، تعقّدت أزمة مرسوم منح الاقدميات لضباط ما سمّيت “دورة عون” أكثر فأكثر، وزرع المزيد من عناصر الاشتباك على خط الرئاستين الاولى والثانية، والمتضرّر الاساس من هذا الاشتباك هي المؤسسة العسكرية التي يفترض انها فوق كل اعتبار، وعلى وجه التحديد اولئك الضباط الذين حرموا من الترقية التي يستحقونها جرّاء مزاجيات سياسية وكيديات لا دخل لهم بها، ناهيك عن خلق مناخ من التشنج السياسي الذي يبدو مفتوحاً على احتمالات شتى. هذا في وقت تبدو الصورة الإقليمية تتحرّك على وقع الحدث الفلسطيني في ظل تفاقم التصعيد السياسي والميداني، وكذلك على وقع الحدث الايراني وتطوراته المتسارعة، في ظل تحركات وتظاهرات متنقلة من منطقة ايرانية الى اخرى، بالتوازي مع موقف مُستجِد للرئيس الاميركي دونالد ترامب وإعلانه الاستعداد لتقديم “دعم كبير” للشعب الايراني عندما يحين الوقت لاستعادة زمام ما وَصفه “الحكم الفاسد”.
فترة الأعياد ظهّرت الى العلن حجم الفاقة التي تضرب الفئات الشعبية، وتَجلّت في الوهن الفاقع في قدرتهم الشرائية التي جرفها الاهتراء الاقتصادي والمعيشي الذي يضرب مفاصل البلد، وأعدمتها المسكّنات الحكومية والوعود المتتالية التي ليس منها طائل.
هذه الصورة وحدها يفترض انها كابحة لحال الاسترخاء الذي تعيشه الحكومة، وكأنها حكومة بلد آخر لا علاقة لها بهموم الناس وبالاعباء التي تتراكم فوق رؤوسهم، ويفترض انها حافز لهزّ المخّ الحكومي لعله يشعر بعمق الحاجة الى وقفة مسؤولة من أولي الامر يغادرون فيها حلبات المصارعة التي صارت عنوان العلاقات السياسية والرئاسية، ويلتقون في مساحة مشتركة تصوغ الحلول والمعالجات لِما يعتري الواقع الداخلي من ثغرات وموبقات وملفات متراكمة.
السفير السعودي
في السياسة، لا تطورات نوعية، وها هو مجلس الوزراء ينعقد في القصر الجمهوري اليوم، لدرس جدول اعمال عادي غابت عنه الملفات الاساسية. فيما اللافت وسط هذه الصورة كان الحضور السعودي في الصورة الداخلية عبر تسليم السفير السعودي في لبنان وليد اليعقوب أوراق اعتماده رسمياً في لبنان، وفي اللقاءات التي أجراها بعد ذلك مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في زيارة وصفها اليعقوب “للتعارف ولعرض التطورات الراهنة والعلاقات الثنائية”، وخَتمها بالقول: “إن شاء الله الأمور طيبة وتفاءلوا بالخير تجدوه”.
وفي زيارة بروتوكولية لرئيس الحكومة سعد الحريري، عرض خلالها آخر التطورات والعلاقات الثنائية، وانتهت الى إعلان السفير السعودي أنّ اللقاء مع الحريري “كان جيداً وممتازاً”، وأتبعها السفير السعودي بزيارة مماثلة الى الرئيس فؤاد السنيورة.
أزمة المرسوم
لا جديد على صعيد ازمة المرسوم المتعلق بمنح الاقدمية لضبّاط “دورة عون”، والامور جامدة على خط التعقيدات الرئاسية المانعة من نفاذ هذا المرسوم. الّا انّ اللافت في هذا السياق ما وُصِف بـ”النقاش الهادىء والودي والمفصّل لهذا الأمر” بين بري ووفد المؤسسة العسكرية برئاسة قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي زاره للتهنئة بالاعياد.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”الجمهورية”: “كان اللقاء ودياً جداً، وتمّ التطرّق الى مجموعة امور ولا سيما على الصعيد الامني، فيما جرى تناول مسألة المرسوم واستعراض كل ما أحاط به، حيث برزت رغبة القيادة العسكرية في ايجاد المعالجة السريعة له.
امّا بري فعبّر عن حرصه الدائم على المؤسسة العسكرية وحقوق العسكريين. وانطلاقاً من تأكيده على ضرورة اتّباع الاصول القانونية والدستورية، جَدّد التأكيد انّ حل هذه المسألة سهل جداً ويتمثّل بإحالة المرسوم المتعلق بمنح الاقدميات الى وزير المالية ليوقعه وتنتهي المسألة.
بري
والامر نفسه اكد عليه بري في “لقاء الاربعاء النيابي” بقوله: “اننا نحتكم الى الدستور في قضية مرسوم الاقدميات”، لافتاً الى انّ هناك قانوناً أقرّ في العام 1997 يتوجّب نشر كل المراسيم والقوانين والقرارات من دون استثناء في الجريدة الرسمية، اي انّ مرسوم منح الاقدميات لا يصبح نافذاً الّا عند نشره في الجريدة الرسمية”.
ليونة… ولا حلول
غير انّ ما لفت الانتباه على خط التصعيد الرئاسي، الاشارة الهادئة التي أوردها بري في معرض كلامه امام نواب الاربعاء، ومفادها “اننا لم نكن بحاجة لتحويل موضوع منح الاقدميات مشكلة سياسية”، وقال: “نأسف لكون العلاقة كانت ممتازة مع فخامة الرئيس قبل ايجاد هذه المشكلة”.
واللافت ايضاً البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية وغمز فيه من “تكاثر اخبار في الآونة الأخيرة وتُنسب الى مصادر في بعبدا”، وتضمّن البيان نبرة شديدة اللهجة بحيث ورد فيه “ليكن معلوماً، وبمعزل عن أي مضمون، أنّ في بعبدا مصدراً وحيداً ينطق رسميّاً عنها وهو المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية”.
والملاحظ انّ هذه الليونة تَبدّت بعد ما يمكن وصفه “سجال المنابر”، على محطتين تلفزيونيتين، نسبت الاولى كلاماً لـ”مصادر بعبدا، تؤكد فيها انه لا يمكن ان تصدر مراسيم الترقيات إلّا دفعة واحدة، لافتة الى انّ قسماً منها تمّ توقيعه لكن مرسوم ترقيات الجيش لم يوقّعه وزير المال علي حسن خليل، وهذا ما يجعله المُعرقل لكل الترقيات… وليس لوزير المال صلاحية الرقابة على عمل زملائه الوزراء الآخرين وفق القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة عام 1991”.
فيما نقلت الثانية عن مصادر وزير المالية قوله: “لم أدعّ يوماً انّ لي رقابة على زملائي، لكنني متمسّك بالصلاحيات المنصوص عليها في الدستور لجهة صلاحيات الوزارة والوزير”.
الجدير ذكره انّ أزمة مرسوم الاقدميات كانت محل بحث بين رئيس الحكومة ووزير المال خلال لقاء ليلي جمعهما ليل امس الاول، لكن لم يتمخّض عنه اي اشارات حَلحلة.
وفيما قالت اوساط الحريري لـ”الجمهورية”: “انّ المحركات قد بدأت وسيسعى الى حلّ قريب لأزمة المرسوم”، أملت مصادر مواكبة لهذا الملف ان تبرز خيوط حلحلة من اللقاء المقرر بين رئيسي الجمهورية والحكومة قبل جلسة مجلس الوزراء اليوم.
قانصو
وأكّد الوزير علي قانصو وجود إرادةٍ عامة لدى السياسيين واللبنانيين على حدّ سواء بأن تُحلَّ أزمة مرسوم الأقدمية، وقال لـ”الجمهورية”: “ما دام الرئيس الحريري يحمل افكاراً لحلّ الموضوع فنحن نشجّع ونتمنى ان يصل الى نتائج”. وأبدى اعتقاده بأنّ استمرار الخلاف حول المرسوم “ستكون له انعكاسات ضارّة على البلاد وعلى عمل الحكومة، لذا يجب حلّ الموضوع بسرعة”.
وشدّد قانصو على “الأولويات التي يجب أن تعالجها الحكومة، وأبرزها موازنة 2018 وملفات النفط والكهرباء وقانون الانتخاب”، محذّراً من “انعكاسات استمرار الخلاف السياسي القائم على معالجة أيّ ملف، وقد ثبتَ في العام 2017 أنّ الوفاق السياسي عندما توافرَ تمّت معالجة ملفات قاسية جداً وأمكنَ إيجاد الحلول لها، والآن في سنة 2018 وجود وفاق سياسي معناه وجود إنتاجية للحكومة، وغياب هذا الوفاق معناه غياب ايّ إنتاجية للحكومة في أيّ موضوع، سواء كان صغيراً أم كبيراً”.
ودعا قانصو الى ضرورة معالجة أزمة المرسوم، وسأل: “أين المشكلة إذا وقّعَ وزير المال؟”. وقال: “إذا كان في توقيعه إنقاذ للوضع العام في البلد فليكن، “ما لازم تكون صعبة”، يُعاد المرسوم الى وزير المال يوقّعه ويتمّ تعميمه إذا أردنا فِعلاً ان تحَلّ الأزمة، والجميع يريد حلّها بدءاً من رئيس الجمهورية الحريص أكثر من الجميع على عهده وعلى نجاح الحكومة وعلى استكمال مسيرة الإنجازات، لذلك أعتقد أنه لن تكون هناك صعوبات لإيجاد حلّ تَسووي ما”.
الإنتخابات تتقدم
في الجانب الآخر للمشهد الداخلي، إنّ الصورة المرتجّة سياسياً ورئاسياً تزداد اهتزازاً مع كل طلعة شمس، في غياب المخارج والحلول، الّا انها تتواكب مع الاستعدادات الجارية للدخول في السباق الانتخابي، وخصوصاً انّ الباقي من عمر المجلس النيابي الحالي لا يزيد عن 122 يوماً فقط. وهذه الفترة العمرية تؤكد انّ زمن الانتخابات النيابية قد بدأ بشكل فعلي، تحضيراً ليوم الاقتراع المحدد رسمياً يوم الاحد في 6 ايار المقبل، اي بعد اربعة اشهر بالتمام والكمال.
واذا كان الطاقم السياسي منهمكاً في مناكفاته واشتباكاته العلنية، الّا انّ كل الاداء الذي يأتيه مرتبط بالاستحقاق الانتخابي. وتبعاً لذلك، فإنّ الزمن الانتخابي لن يطول الوقت الذي يفرض فيه نفسه متقدّماً على كل المفاصل والمواقع الداخلية، سواء على المجلس النيابي الذي قد يكون امام جلسة تشريعية ربما يتيمة لإقرار موازنة العام 2018 اذا ما أنجزتها الحكومة وأحالتها الى المجلس في وقت قريب. والّا سيتم ترحيلها الى المجلس النيابي الجديد، الذي سينبثق عن انتخابات ايار المقبلة.
ضغط المهل
وثمّة ما فرض الدخول في الزمن الانتخابي، وهو ضغط المهل المرتبطة بالعملية الانتخابية. فبعد تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات، وانتهاء مهلة تسجيل المغتربين الذي قارَب التسعين ألفاً، ينتقل الملف الانتخابي الى تجميد القوائم الانتخابية في 30 آذار المقبل، والتي تتضمن أسماء الاشخاص المسجلين الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية، ويسبق ذلك دعوة الهيئات الناخبة في السادس من شباط المقبل، حيث يوجب القانون الانتخابي صدور هذه الدعوة قبل تسعين يوماً من الموعد المحدد للانتخابات (6 ايار 2018)، لتحدد بعدها مهل الترشيح، حيث يقفل باب الترشيح قبل موعد الانتخابات بستين يوماً، اي قبل 6 ايار المقبل، تليها بعد ذلك إعداد اللوائح الانتخابية حيث يوجب القانون انتظام المرشحين في لوائح قبل اربعين يوماً من موعد الانتخابات كحد أقصى، اي قبل 28 آذار، ليليها انتخاب المغتربين الذي يوجب القانون اقتراعهم في السفارات والقنصليات في الخارج قبل 15 يوماً من موعد الانتخابات، اي الاحد 22 نيسان، وبعدها تحديد موعد اقتراع الموظفين المنتدبين لإدارة أقلام الاقتراع يوم الخميس 3 ايار 2018. وقبل كل ذلك الشروع في عملية شرح القانون، كما يوجب القانون، وهو أمر لم يُلحظ انه قد بدأ بشكل جدي.
ورغم ضغط المهل ما زال القانون الانتخابي محلّ أخذ ورَد، واللافت في هذا السياق حماسة “التيار الوطني الحر” لإدخال بعض التعديلات على القانون، ولا سيما في ما خَص تمديد مهل تسجيل المغتربين، وكذلك بالنسبة الى التسجيل المسبق للناخبين اللبنانيين في لبنان، الراغبين في الاقتراع في أماكن السكن وليس في أماكن القيد.
فيما تبرز في المقابل عدم حماسة بري لفتح باب التعديلات على القانون الانتخابي، لأنّ من شأن ذلك ان يفتح بازاراً تعديلياً يبدأ ولا ينتهي. فضلاً عن انّ التسجيل المسبق محلياً متعذّر لأسباب تقنية، أقلّها تمديد شبكة كاملة على مستوى البلد كله، وهو امر صعب ليس في الامكان احتواؤه او تجاوزه خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات.
هل تطير السنة الدراسية؟
إستحوذت قضية المدارس الخاصة والتداعيات التي طالتها بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لجهة من يَتكبّد مسؤولية تسديد الفروقات التي ولّدتها السلسلة، حيّزاً أساسياً من اجتماع مجلس البطاركة أمس الذي ترأسه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. فبعدما طالب المجتمعون “الدولة دفع رواتب المعلمين”، علمت “الجمهورية” مساء “انّ اللجنة الأسقفية عقدت اجتماعاً بعيداً من الإعلام برئاسة المطران حنا رحمة وفي حضور مدير عام وزارة التربية فادي يرق لأكثر من ساعتين، لمنع أيّ انتكاسة قد تُصيب السنة الدراسية.
في هذا السياق قال مصدر تربوي مسؤول لـ”الجمهورية”: “تبيّن للجنة الاسقفية، وبعد دراسة أعَدّتها، انّ على الدولة تكبّد نحو 450 مليون دولار عن مُجمَل التلاميذ في القطاع الخاص إذا قررت المضي قدماً بتسديد الفروقات للأساتذة، التي أحدثتها السلسلة، وانّ اللجنة الاسقفية في صدد تقديم نسخة عن هذه الدراسة لرئيس الجمهورية ميشال عون”.
في هذا الإطار، أكّد رئيس اللجنة الاسقفية المطران رحمة لـ”الجمهورية”: “انّ بكركي تنظر إلى مسألة التعليم كقضية حياة وموت لأنّ إقفال أي مؤسسة تربوية يعني تغيير وجه لبنان الثقافي والرسالة” (تفاصيل ص. 10).