لم تخرج أزمة مرسوم «الاقدميات» عن نطاق المراوحة في ظل تمسك كل من الرئاستين الاولى والثانية بموقفهما. وفي وقت أوضح الوزير محمد فنيش ان رئيس الحكومة سعد الحريري هو من يقوم بالوساطة، اكد الحريري امام كتلة «المستقبل» انه «يقوم بدوره ومسؤولياته على هذا الصعيد، في نطاق ما يحدده الدستور وما تقتضيه الأعراف والأصول، وهو غير معني بما يشاع ويذاع عن وساطات ولقاءات واقتراحات تبقى من نسج مخيلات إعلامية وليس أكثر». امّا زوّار عين التينة فلم يلمسوا اي تبدّل في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري حيال الأزمة، وفُهِم من اجوائه ان لا جديد في هذه المسألة والامور تراوح مكانها. الّا انّ الامر الجديد الذي يبدو انه سيكون محور سجال قانوني ـ دستوري اضافي فهو: هل انّ قانون الانتخاب يحتاج الى تعديل داخل المجلس النيابي خصوصاً انه نصّ على البطاقة الممغنطة وسقطت؟ ولو سلّمنا جدلاً انّ وزير الداخلية نهاد المشنوق استنفر طاقم وزارته لإنشاء «الميغاسنتر»، فهذا الامر لم يكن وارداً في القانون واختلف الرأي حول وجوب تعديله لإضافته.
اذا كان زمن الهناء السياسي لم يسفر اتفاقاً حول البنود الاصلاحية في قانون الانتخاب فكيف الآن والكل يقف على سلاحه؟ اكثر من 15 اجتماعاً للجنة قانون الانتخاب لم يحدث فيها اي اتفاق وفي كل مرة كانت الخلافات تُكرّس الى ان بدأ اللعب على المكشوف، وهذا ما أشار اليه الحريري بالفم الملآن عندما رفع اجتماع لجنة قانون الانتخاب امس بقوله: «هذه هي حدود اللعبة وانتم لن تتفقوا ابداً»، بما معناه «game over».
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «حتى طبخة البحص كانت نضجت وبنود قانون الانتخاب الاصلاحية لم تنضج، وما كان يُخفى بالمماطلة والتسويف وتضييع الوقت اصبح واضحاً الآن بعدما لامس الخطوط الحمر، وبالتالي فإننا ذاهبون الى انتخابات نيابية من دون بنود اصلاحية، والتي سقطت كلها تباعاً، ولا ضير من استخدام الوقت كشمّاعة حفاظاً على وجه الكل، لأنّ الامور كانت واضحة من البداية.
فالهوة كبيرة والكل كان يعزف على قانونه. وما أصاب قانون الانتخاب من اساسه، قبل الذهاب الى قانون الامر الواقع، اصاب بنوده الاصلاحية التي اطلقت عليها رصاصة الرحمة في اجتماع الامس، ولو انهم رموا الكرة في ملعب وزير الداخلية في تطبيق إجراء الانتخاب في مكان السكن عبر «الميغاسنتر» الامر الذي جعله يخرج مستاء من الجلسة، معتبراً انّ ما طلبوه منهم هو عملية انتحارية لكنه سيسعى لتنفيذها لكي لا يقال انّ الداخلية هي التي تخلّفت». علماً انّ المشنوق رفض التعليق على ما جرى داخل الاجتماع قائلاً «لا تعليق». لكنّ الاستياء بدا واضحاً عليه لدى مغادرته السراي.
ولاحظ زوار عين التينة متابعة بري لمجريات اجتماع اللجنة، مشيراً الى انّ المشنوق ابلغه انّ التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب صعبة التحقيق خلال الفترة الفاصلة من اليوم وحتى موعد الانتخابات في 6 ايار 2018. وقال بري انه يتفهّم موقف وزير الداخلية. واوضح انّ بطاقة الهوية وجواز السفر يحلّان محل البطاقة البيومترية في عملية الاقتراع.
امّا بخصوص إجراء تعديلات على القانون وخصوصاً في موضوع «الميغاسنتر» والاقتراع في اماكن السكن، فأشار الى انه يفضّل عدم اجراء اي تعديل، خشية ان يجرّ هذا التعديل الى تعديلات اخرى تهدد القانون. وأبدى خشيته من ان تكون الغاية من طرح التعديلات هي تطيير الانتخابات النيابية، «ولكن انا اؤكد انّ الانتخابات حاصلة في موعدها، ولا شيء يمنع عدم اجرائها، وعلى الجميع ان يبدأوا استعداداتهم لها».
قانصو
وقال الوزير علي قانصو لـ«الجمهورية»: «الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات لم يعد يسمح بإقامة الـ«ميغاسنتر» واللجنة انقسمت: 4 قوى مع انشاء «الميغاسنتر» حالياً و4 قوى تؤكد استحالة ذلك لضيق الوقت، والاولوية الآن هي لإجراء الانتخابات في موعدها.
وأشار الى انه تمنّى على المشنوق «القيام بحملة إعلامية كثيفة تشرح للناس العناصر الجديدة للقانون، متى تنتهي مدة الترشيح، كيف تحتسب الاصوات، ما هو الصوت التفضيلي، كيف تجري عملية الانتخاب؟».
وعن سبب كل هذا التأخير قال قانصو: «ظلّ النقاش يستهلك وقتاً الى ان وصلنا الى ما وصلنا اليه، وأمامنا الآن 3 اشهر.عندما كنّا نناقش بـ«الميغاسنتر» إختلفنا على التسجيل، هل يكون مسبقاً ام غير مسبق واستهلكنا وقتاً على مدى اشهر، ولو كان التسجيل المسبق في الاساس محسوما لكنّا سرنا بـ«الميغاسنتر» وأمّنّا الوقت اللازم لتجهيزها.
فـ«الميغاسنتر» معناه إنشاء 10 مراكز يصوّت فيها 500 ألف لبناني في مكان سكنهم كما قدّر وزير الداخلية. اي 50 الف في كل مركز، فكم يتطلّب الامر من موظفين وتجهيزات؟ واي بناء سنجده يستوعب 50 الف ناخب؟ لذلك الحرب بالنظارات سهلة. وهذا الموضوع كان يجب المباشرة فيه منذ اشهر وليس الآن.
وعمّن يتحمل مسؤولية التأخير؟ قال: «كل طرف يتحمل المسؤولية، هناك خلاف سياسي ويؤخر دائماً الاستحقاقات او يطيح بها». واضاف: «من كان يرفض التسجيل المسبق صار يريده، وليته وافق عليه منذ اشهر لكان وَفّر علينا الوقت وأنشأنا هذه المراكز بسهولة».
«التيار»
واكّد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، بعد اجتماع تكتّل «التغيير والإصلاح»، «أنّ معركتنا المقبلة هي إعطاء الإصلاحات والحقوق للبنانيين». وقال: «نحن مجبَرون على أن نعدّلَ القانون مهما حصل، ونقوم بتعديل متفَق عليه سَلفاً، ولا يُفتح باب نقاشٍ جديد على القانون الانتخابي أبداً، نتّفق عليه في الحكومة وكلّ القوى الأساسية موجودة في الحكومة.
كلّنا مسَلّمون بأنّنا لن نعدّلَ القانون بلا اتفاق، ونقول إنه يجب أن نقوم بهذه العملية ونتفق على القانون ونعدّله بدقيقتين في مجلس النواب وتنتهي القضية. وغير ذلك هو إخلال كبير، ليس فقط في اتفاق سياسي حصل، بل في إصلاح انتخابي حصل، وهذه ضربة كبيرة للعملية الديموقراطية التي تحصل، وسنواجهها».
وأكّد باسيل «أنّ القانون اليوم يُلزم الحكومة، فعليها أن تنجز البطاقة الممغنطة. وإذا لم تُنجزها، فعليها أن تتقدّم بمشروع قانون لتعديل ذلك حتى لا تحصل مخالفة، وأن يتضمّن المشروع أنه في هذه المرّة لا يمكن إنجاز البطاقة الممغنطة ولكن سيتمّ إنجازها في المرة الثانية، ويتعدّل القانون على هذا الاساس.
هذا التزام سياسي، فإذا لم تقُم الحكومة بالتعديل يَعني أنه يُمكن الطعن بنتائج الانتخابات، ويحقّ لأيّ كان أن يطعن بها، ويحقّ لنا أن نطعن لأننا نعتقد أنّه عندما ترتفع نسبة المشاركة في بعض الأماكن لدينا إمكانية في أن نتمثّل بشكل أفضل».
وكان باسيل قال بعد اجتماع اللجنة: «لن ننعى الاصلاحات وسنقاتل بكل ما أوتينا من قوة لأجلها». في حين اكّد الوزير علي حسن خليل انّ الثابت الوحيد هو إجراء الانتخابات في 6 ايار وها هو الخط الاحمر الذي لن يسمح فريقه بتجاوزه، معتبراً ان لا شيء إطلاقاً يحتّم تعديل قانون الانتخاب لأنّ النقاط الجوهرية لن تمس».
واكد الوزير بيار بو عاصي انّ «القوات اللبنانية» تدعم فكرة إنشاء «الميغاسنتر» لأنه يسمح للمواطنين الانتخاب في أماكن سكنهم. بدوره، رأى الوزير محمد فنيش انه بات من الصعب اعتماد «الميغاسنتر» في الانتخابات المقبلة، واكد وجوب تعديل القانون في مادة البطاقة الممغنطة. واعتبر ان لا مانع من اقتصار التعديل على ذلك.
«الكتائب»
وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «بلغ استهتار الحكومة ولامسؤوليتها في التعاطي مع حق الناس في انتخابات ديموقراطية وفقاً لآليّات شفافة وواضحة، حدوداً لم يعد من الجائز استمرارها.
فكيف يجوز لحكومة وضعت قانون انتخاب قبل أشهر ان تصل الى ما قبل فتح باب الترشيح بأيام، وبعد صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتحديد موعد الانتخابات، ان تتحدث عن خلافات بين مكوّناتها في شأن البطاقة البيومترية ومراكز الاقتراع خارج مناطق القيد»؟
وأضاف: «إدّعوا انّ البطاقات الممغنطة و«الميغاسنتر» جزء من الاصلاحات المطلوبة، ومدّدوا للمجلس الحالي سنة بحجّة إنجاز هذين البندين. وإذا بالحكومة تعتبر اليوم انّ الوقت لم يعد يسمح بإنجازهما، ما يتطلّب تعديلاً في قانون الانتخاب يُجيز إجراءها من دونهما.
فأين كانت الحكومة على مدى الأشهر الماضية من هذه المسألة؟ ومن يتحمّل مسؤولية المهزلة التي يتابعها اللبنانيون هذه الأيام؟ وهل في نيّة السلطة التذرّع بضيق الوقت مجدداً لفرض التمديد مرة جديدة؟ ومن يضمن انّ فتح باب تعديل القانون بخصوص البطاقة الممغنطة لن يفتح شهية البعض الى تعديلات أخرى يمكن في ظل الخلافات المستشرية بين اركان السلطة ان تنسف الانتخابات المقبلة من أساسها»؟
الحكومة تثبت مجدداً من خلال ما شهدناه بالأمس من خلافات انها حكومة فاشلة، أركانها فاشلون، ومكوّناتها «مصلحيون» لا يتفقون الّا على حساب سيادة الدولة ومرجعية المؤسسات الشرعية والديموقراطية والدستور والقوانين ومصلحة الشعب اللبناني وحقه المقدّس في اختيار ممثليه في انتخابات تعتمد آليّات شفافة ونزيهة.
لكنّ الشعب اللبناني سيكون في المرصاد لأيّ محاولة لمصادرة جديدة لحقوقه السياسية او للتلاعب بالآليّات الانتخابية وفقاً لمصالح أركان السلطة الذين بدأوا يشعرون برغبة الناس في محاسبتهم في صناديق الاقتراع على ما اقترفوه من صفقات ومحاصصات وفساد، وما ارتكبوه من جرائم في حق البيئة وصحة الانسان، وما تسبّبت به سياساتهم الضرائبية العشوائية من تفاقم للأزمات الاقتصادية والمعيشية.
وختم: «أيّ تلاعب من جانب السلطة بالانتخابات توقيتاً او نزاهة او نتائج سيواجه بموقف شعبي حاسم سيفاجئ الحكومة وأركانها ويضع حداً لفسادهم السياسي والاداري والمالي».
شتاينماير في بيروت
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية اوروبية انّ الرئيس الألماني فرانك شتاينماير سيزور لبنان لثلاثة ايام ما بين 29 و31 كانون الثاني الجاري تلبية لدعوة رسمية من نظيره اللبناني العماد ميشال عون، وانّ زيارته تكتسب اهمية في هذه المرحلة في وقت ينتظر لبنان مزيداً من الضمانات الدولية لمساعدته على مواجهة ترددات الأزمات المحيطة به في المنطقة ولا سيما الأزمة السورية وتداعيات الصراع السعودي – الإيراني بفِعل دور «حزب الله» في اليمن وسوريا، ما يزيد من الحصار السياسي والديبلوماسي والإقتصادي الخليجي تجاه لبنان، فيأتي الدعم الأوروبي تعويضاً عمّا خسره خليجياً».
ولفتت المصادر الى انّ ترتيبات الزيارة انطلقت، وانّ سفير ألمانيا في بيروت يسعى مع المراجع المختصة لوضع القضايا التي تعني اللبنانيين على جدول اعمالها التي ستكتسب أهمية إضافية كونها ستأتي قبل اسابيع قليلة على مؤتمر «بروكسل 2» الخاص بأزمة النازحين، والمقرّر عقده لمساعدة لبنان على مواجهة كلفة النازحين السوريين الى جانب مؤتمر «باريس 4» الخاص بالملفات الإقتصادية بعد مؤتمر «روما 2» الخاص بدعم الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية.
مجلس وزراء
في مجال آخر، يعقد مجلس الوزراء جلسة عند الساعة الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غد الخميس في السراي الحكومي وعلى جدول أعماله 44 بنداً عادياً، أبرزها البحث في تقرير اللجنة الوزارية المكلفة ملف النفايات واقتراح مجلس الإنماء والإعمار توسيع مكب الكوستابرافا ومنشآت معملي العمروسية والكرنتينا وإنشاء معمل للتسبيغ في الكوستابرافا، وتطويع مجموعة تابعة لأفواج الإطفاء. وفي جدول الأعمال سلسلة اتفاقيات بين لبنان وايطاليا خاصة بالطيران المدني ومذكرتي تفاهم مع روسيا ومصر، بما فيها بروتوكول للتعاون الصناعي مع القاهرة.