كان أمس «يوماً أمنياً بامتياز»، بدأ بمؤتمر وزير الداخلية نهاد المشنوق، فاجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وانتهى بخطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله. ولكن في هذه المحطات الثلاث برَز تبايُن في المواقف إزاء الأحداث الأمنية والسياسية. ففي وقتٍ كشَف المشنوق عن قبض شعبةِ المعلومات في قوى الأمن الداخلي على الـ«داعشي» ابو جعفر العراقي، في عملية أُطلِق عليها إسم «لبنان الآمن «، وقد شغّلته وهو موقوف لخمسة أشهر، معلِناً أنّ هدف الإعلان عن هذه العملية هو التأكيد للّبنانيين والعرب أنّ هناك قدرة أمنية فاعلة وعالية، وأنّ الوضع الأمني ممسوك، اعتبَر السيّد نصرالله أنّ انفجار صيدا الأخير والذي استهدف أحد قياديّي حركة «حماس» «بدايةٌ خطيرة على المستوى الأمني في لبنان ولا يجوز السكوت عنه». فعلّق المشنوق على كلام نصرالله بالقول: «هو موقف تقليديّ تجاه أيّ عملية يفترض أن تكون إسرائيل قامت بها». ولاحقاً، أُعلن أنّ شعبة المعلومات عرَفت هوية منفّذي هذا التفجير من خلال «داتا» الكاميرات وتأكّدت من أنّ الموساد الإسرائيلي وراء التفجير.
سياسياً، يُقفل الأسبوع على جوّ سياسي محتقن حول مجموعة من العناوين السياسية الخلافية. وسيغتنم الأفرقاء المعنيون الساعات المقبلة استراحة قصيرة لتذخير مواقفهم تمهيداً لاستنئناف الاشتباك الأسبوع المقبل، خصوصاً على حلبة اللجنة الوزارية الخاصة بقانون الانتخاب التي يُنتظر ان تبتّ في مشروع وزير الخارجية جبران باسيل لتعديل القانون لتمديد مهلة تسجيل المغتربين.
وبدا من الأجواء المحيطة بهذا العنوان أنّ جميع الأفرقاء متشبثون بمواقفهم، فباسيل ما يزال مصرّاً على تمديد المهلة فيما فريق رئيس مجلس النواب نبيه بري كرّر رفضَه أيّ تعديل لقانون الانتخاب، «فالتعديلات صارت وراءَنا». وقد أوحى هذا الجو أنّ اجتماع اللجنة الوزارية بعد غدٍ الاثنين سيشهد اشتباكاً جديداً بين طرفَي النزاع السياسي يَرفع منسوبَ الاحتقان السياسي والتجاذب.
وقالت أوساط «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» إنّ اقتراح باسيل «ليس من النوع التعطيلي لقانون الانتخاب، وبالتالي فإنّ الاعتراض غير المبرر عليه يطرَح اكثر من علامة استفهام حوله وحول بعض التعديلات التي تسعى الى تضمينِ القانون إصلاحات جوهرية، وتحصينِه بما يَمنع الطعن بالانتخابات».
جنبلاط
وقالت مصادر النائب وليد جنبلاط لـ«الجمهورية»: «ثمّة أولويات كبرى يحتاجها البلد على كلّ المستويات وفي مقدّمها الاقتصادية والمعيشية والحياتية، لذلك آنَ الأوان لوقف إرباكِه باقتراحات ومزايدات وتوتيرات سياسية عبثية لا يتأتّى منها سوى مزيد من التوتّر السياسي والشحن».
نصرالله
في غضون ذلك، اعتبَر نصرالله أن «لا أحد في لبنان يريد تطيير أو تأجيل الانتخابات، ولا يجوز أن نذهب الى اتهامات تُشنّج البلد على خلفية خلافات من هنا وهناك». ورفضَ «عزل أيّ طرف وحتى من يصنّف نفسَه خصماً سياسياً لنا»، مؤكّداً «أنّ لبنان يستمر بالحوار والتواصل وعدم الإلغاء أو الإقصاء».
برّي
بدوره أكّد برّي أمام زوّاره أنه لن يفتح باب التعديلات على قانون الانتخاب، مستغرباً «محاولات البعض إظهارَ أنّهم هم وحدهم الحريصون على المغتربين، متناسين أنّني كنتُ وما زلتُ صاحبَ الشعار القائل إنّ لبنان لا يقوم إلّا بجناحيه المقيم والمغترب».
وعن جديد أزمة «مرسوم الأقدمية»، جدّد برّي تأكيده «أنّ ثمّة أصولاً يجب أن تُتَّبع لا أكثر ولا أقلّ»، ملمّحاً إلى أنّ المخرج الملائم لهذه المسألة يتمثّل في الطرح الذي سبقَ وقدَّمه قبل أيّام.
يُشار هنا إلى أنّ برّي اقترَح إهمالَ مرسوم منحِ الأقدميات ومرسوم الترقيات، فالمرسوم الاوّل أنتم وقّعتموه وترفضون ان نوقّعَ عليه، والثاني أنتم وقّعتموه ونحن نرفض ان نوقّعه، فلنهمِل المرسومين ولنستعِض عنهما بمرسوم واحد يَدمج الاقدميات والترقيات ويوقّعه الجميع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والمال، وينتهي الأمر».
وبحسب أجواء عين التينة فإنّ هذا الطرح الذي أيّده رئيس الحكومة سعد الحريري لم يلقَ قبولاً في بعبدا.
وكرّر برّي «أنّ الانتخابات ستُجرى في موعدها، والأجواء السائدة حالياً لن تؤثّرعليها ولن تعوق إجراءَها في موعدها. وقال: «قد يكون هناك من يرغب في إطاحة الانتخابات، إلّا أنه لن يتمكّن من ذلك».
وحول تقرير هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، قال بري إنه تمعّنَ بالقرار بعد عودته من طهران، «فإضافةً الى مضمونه، ثمّة مخالفة في الشكل اوّلاً وأخيراً وتتمثّل في تجاوزِ المدير العام لوزارة العدل وفقَ ما تُحدّده أصول طلب رأيِ الهيئة، الذي يفترض ان تتمّ مخاطبته أوّلاً في هذا الشأن، وله ان يقرّر إكمالَ الطلب الى الهيئة أو ردّه، وأيضاً تتمثّل في صدور رأي الهيئة من دون توقيع مدير عام وزارة العدل، بمعزل عن مضمون ما ورَد في رأيها، فلا ينسفُه أنّه وضع غبّ الطلب، بل ينسفه أيضاً مخالفة أصول مراجعة الهيئة وتجاوز المدير العام لوزارة العدل».
وتوقّفَ بري عند قرار وكالة «الاونروا» وقفَ المساعدات المالية للّاجئين الفلسطينيين ووصَف هذا القرار بأنّه «مريب جداً، حيث تبيّن أنّ هذا الوقف محصور فقط بلبنان وسوريا بينما ما زال سارياً في أماكن اخرى، امّا لماذا هذا المنع؟ ولماذا فقط في لبنان وسوريا؟. لا نعرف؟
خليل
ولم يغِب الشأن الانتخابي عن أروقة بعبدا، فقد التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس نائبَي كسروان، يوسف خليل وجيلبيرت زوين.
وقال خليل لـ«الجمهورية» إنّ «الجلسة مع الرئيس عون تطرّقت الى ملفات عدّة أبرزها الانتخابات النيابية في كسروان، وقال لي الرئيس بطريقة غير مباشرة إنّني لن أكون على لائحة «التيار الوطني الحرّ» في كسروان لأنّ البعض يريد التغيير، مع أنّني شرحتُ له ما قمتُ به من جهد استثنائي لخدمة الكسروانيين، لكن يبدو أنّ القرار قد اتُّخِذ».
وأكّد خليل أنه سيخوض الانتخابات، مشدّداً على «أنّ ربَّ السماوات وحده يمنعني من خوضها»، وقال: «بالنسبة الى التحالفات فقد تفاهمتُ مع «القوات اللبنانية» وأنتظر جوابَها، لكنّ الشيء الوحيد الأكيد أنْ لا تراجُع عن المعركة، والجميع يعرف حيثيتي وقوّتي ولن أفرّطَ بها».
مجلس الدفاع
إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ عون استهلّ اجتماع المجلس الأعلى للدفاع مرَحّباً بالمدعوّين، وشرَح للظروف التي دعَته الى عقدِ هذا اللقاء للبحث في قضايا امنيّة مهمّة، وخصوصاً ما يتصل بالتحضير لمؤتمر «روما 2» المخصّص لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية.
فنوَّه بالإجراءات العملية للأجهزة الأمنية طيلة فترة الأعياد وسهرِها على امنِ اللبنانيين والمقيمين على ارضِه. واعتبر أنّ كلّ هذه الإنجازات هي في الجزء الكبير منها نتيجة وثمرة التعاون غير المسبوق بين القادة الأمنيين وآلية تبادلِ المعلومات المعتمدة، ما جَعلهم في موقع يتحكّمون من خلاله في حركة الخلايا والشبكات التخريبية والإرهابية والعملاء، وهو ما عزّز العمليات الأمنية الاستباقية.
وكشَف عون للمجتمعين أنّ مؤتمر «روما 2» سيُعقد في 28 شباط المقبل في العاصمة الإيطالية، طالباً من قادة الأجهزة تقديمَ تقاريرهم التي ستُجمع في تقرير واحد يتقدّم به لبنان أمام الدول المانحة.
ثمّ قدّمَ نائب رئيس اركان الجيش للتخطيط العميد جوزف سركيس تقريراً مفصّلاً لحاجات المؤسسة وفق خطةٍ خمسية جديدة عرِفت بـ«خطة 2018 ضمناً – 2022» حدّد من خلالها استراتيجية الجيش على مستوى الحاجات من الأسلحة وكلفتها وسبلَ تعزيز التعاون الدولي.
ثمّ عرَض قائد وحدة معهد قوى الأمن الداخلي العميد أحمد الحجار لاستراتيجية قوى الامن وحاجاتها، على ان تنضمّ ورقة الأمن العام لاحقاً الى ورقتَي الجيش وقوى الامن الداخلي.
وأبدى الوزراء ملاحظاتهم وقدّموا أفكاراً جديدة وتقرَّر ضرورةَ إجراء وزيرَي الداخلية والخارجية اتّصالات تحضيرية لإنجاح المؤتمر. ودار نقاش حول سبلِ طلبِ لبنان مساعدات عينية ومادّية.
كذلك تقرَّر ان تشمل ورقة العمل، الجماركَ وتعزيز قدراتها وخصوصاً أجهزة المراقبة على الحدود البرّية والبحرية والجوّية.
وعرَض المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لموضوع اتّهام الامن العام بالقرصَنة والتنصّت على 22 دولة، فأكد انّ هذا الامر مبالَغ فيه، وعرَض لحدود عملِه الامني.
وهذا ما اشار اليه المشنوق بعد الاجتماع، إذ قال: «لا أحد يستطيع الدخول على 500 خط هاتفي ولا حتى الـ CIA، ووصَف تقرير «رويترز» بأنّه منفوخ جداً من دون ان ينفيَ صحته تماماً. وعلّق اللواء ابراهيم على هذا الامر بالقول: «نِحنا قوايا بَس مِش هلقَد»، وأضاف: «تستطيعون النوم وأبوابكم مفتوحة» في إشارة منه الى الوضع الأمني».
وفي نهاية الاجتماع اقترَح الوزير جبران باسيل خطةً تقول بإجراء اتصالات عاجلة بالدول المشاركة في مؤتمر «روما 2» للاستفادة من حجم الدعم والحماس الدوليَين لدعمِ لبنان في هذه المرحلة بالذات واستنفاد الفرصة التي قد لا تتكرّر مرّة أخرى.
جدار على الحدود
إلى ذلك، استأثرَت نوايا إسرائيل ببناء جدار على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة والنقاط الـ 13 المتنازَع عليها، بالاهتمام الرسمي والامني، وقد تطرّقَ مجلس الدفاع الاعلى الى هذه المسألة وتقرّر ان يتّخذ إجراءات لمواجهة ايّ اعتداء بعدما اعتبَر ما تقوم به اسرائيل خرقاً للقرار 1701.
وشرَح عون للمجتمعين حصيلة اللقاءِ الذي جمعَه قبل ظهر أمس مع قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» الجنرال مايكل بيري. وكان بيري قد جالَ على الرؤساء الثلاثة. وأبلغَه عون «مطالبة لبنان بالبحث في النقاط الــ 13 التي يتحفّظ عليها على طول الخط الأزرق الذي لا يَعتبره لبنان حدوداً نهائية بل هو تدبير موَقّت اعتُمد بعد تحرير الشريط الحدودي في العام 2000 وانسحاب إسرائيل منه».
وبحسب المعلومات فإنّ قائد اليونيفيل وضَع برّي في مستجدّات هذا الامر، وكشفَ له انّ اسرائيل وبعدما اثارَ رئيس المجلس موضوع الجدارِ في خطابه الذي ألقاه في طهران قبل ثلاثة أيّام، قرّرت تجميد اعمالِ البناء ، على ان يتمّ البحث في هذا الموضوع في الاجتماع المقبل للّجنة العسكرية التي تضمّ اليونيفيل والجانبَين اللبناني والإسرائيلي.
واستفسر بري من قائد اليونيفيل عن النقطة التي سيبدأ فيها الاسرائيليون اعمالَ البناء للجدار، فأشار بيري الى النقطة التي كشَف عنها الرئيس بري والتي تقع في منطقة الناقورة وتتصل بالبلوك النفطي اللبناني في تلك المنطقة، عندها توجَّه برّي الى قائد اليونيفيل قائلاً: إنْ بدأوا بالعمل في هذه النقطة، فهذا أمر شديد الخطورة ويؤدّي الى حرب.
من جهته، حذّرَ السيّد نصرالله إسرائيل من أنّ لبنان سيكون موحّداً لمنعِها من التصرّف بنقاط متنازَع عليها، ودعاها الى أخذِ تحذيرات الدولة اللبنانية بهذا الشأن بمنتهى الجدّية .