Site icon IMLebanon

مانشيت:تسريبات الليل تُشعل دواليب الأزمة.. وكلّ الإحتمالات مفتوحة 

عوّلَ اللبنانيون على اتفاق وقف إطلاق النار السياسي على الجبهة المفتوحة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، بعدما نجحت وساطات الأصدقاء في بدء سريانه نهار الأحد، إلّا أنّ ما سُمّيت «تسريبات الليل» محت اتفاق النهار، وعادت وأشعلت فتيل الأزمة مجدداً وعلى نحوٍ غير مسبوق بين الطرفين. وضعُ البلد في الساعات الـ 24 الماضية، أرخى بتداعياته على أكثر من مستوى، فأعاد خلط أوراقِ الأزمة كلّها ونصَب المتاريس أكثر فأكثر بين أطرافها، فارضاً غلياناً على المستوى السياسي عموماً، وبين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وبين جمهوريهما اللذين تجيّشا كلٌّ لفريقه، وكان الشارع ساحة مواجهة وعرضِ عضلات، فتحرّكَ على وقعِ مضمون التسريبات والتحرّكات الاعتراضية على هجوم رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل على رئيس مجلس النواب، وتُرجِمت التحرّكات بتجمّعات وقطعِ طرقات وحرقِ إطارات في الضاحية وبيروت والجنوب، وتوسّعت رقعتُها لتمتد إلى سن الفيل عبر تنفيذِ مناصري«أمل» اعتصاماً وحرقَ إطاراتٍ بالقرب من مركزية «التيار» في سنتر ميرنا شالوحي، وترافقَت مع هجوم عنيف على باسيل تناوَله في السياسي والشخصي، ومن دون أن توفّر عباراتُ الهجوم رئيسَ الجمهورية، وأذكت هذه المواجهة الحربَ العنيفة الدائرة بين الطرفين والمتصاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
مرّت زيارة رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير والمحادثات التي اجراها مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كحدثٍ عابر، بفِعل الاشتباك السياسي الذي تصاعد بين حركة «أمل» والتيار الوطني الحر، وتدحرجت احداثه بشكل كبير في الساعات الماضية ووضَع البلد على حافة ازمة سياسية خطيرة، خصوصا وأنّ «المشاعر المتبادلة» بين الطرفين، تبدّت في اعادة نبشِ الذاكرة اللبنانية واستحضار مفردات الحرب الاهلية التي اذاقت اللبنانيين الويلات، كلّ ذلك بدا أقوى من ايّ وساطة للتوفيق بين «أمل» و«التيار»، او ايّ محاولة لإعادة مدّ الجسور المقطوعة بينهما، خصوصا وأنّ سقفَ المواجهة ارتفع بين الطرفين الى مداه الاعلى، بإصرار عين التينة على اعتذار باسيل ليس من بري، بل من كل اللبنانيين، وهو الامر الذي يَرفضه باسيل ويؤكّد «التيار» انه ليس في هذا الوارد.

تحرّك الحريري

وفي موازاة صمتِ رئيس الجمهورية الواضح حيال الأزمة المستجدة، وإنْ كانت مصادره تعكس استياءَه من الشعارات والهتافات التي اطلِقت ضده، وتجاوَزت البعد السياسي الى الشخصي، بدا أنّ بري قد آثر الصمتَ ايضاً، فيما استشعَر رئيس الحكومة سعد الحريري خطورةَ الأزمة فبادر الى زيارة سريعة للقصر الجمهوري، في محاولة منه لصبّ الماء البارد على الفتائل المشتعلة، وفكفكةِ صواعقها، وتردّد انّه أوفد في الوقت نفسه وزير الداخلية نهاد المشنوق الى وزارة الخارجية للقاء باسيل، ومن ثمّ الى عين التينة للقاء بري. ولم تخرج هذه الاتصالات بأكثر من تصلّبٍ في الموقف.

وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري، تواصَل هاتفياً بعد خروجه من قصر بعبدا مع الوزير علي حسن خليل، مُبدياً رغبته في معالجة هذه الأزمة ولملمةِ الموضوع وتبريدِ الأجواء لِما فيه خدمة البلد واستقراره. ولم يشِر الى ايجابيات حول لقائه مع رئيس الجمهورية.

وبحسب المعلومات، فإنّ نبرة الحديث خلال المحادثة الهادفية كانت عالية بعض الشيء، حيث أُبلغ الحريري فيها: «لا احد يُصغّر هذه المسألة، أو ما جرى، فالمسألة ليست صغيرة بل كبيرة جداً، ولا تُحَلّ على طريقة تبويس اللحى، وبداية الحلحلة هي في تقديم باسيل اعتذاراً علنياً مباشراً من اللبنانيين».

وتشير المعلومات الى أنّه بعد مضيّ فترة قصيرة على هذا الاتصال، أوفَد الحريري مدير مكتبه نادر الحريري للقاء خليل، الذي اكّد التمسّكَ بالاعتذار قبل كلّ شيء، وأسمعَه ايضاً كلاماً عاليَ النبرة والمضمون مفادُه: «لا احد يعتقد انّ هناك امكانيةً في البلد لقيام ثنائيات، أو لتجاوزنا، ومن يعتقد بوجود ذلك فهو مخطئ كثيرا».

عين التينة

وبدا من أجواء عين التينة أنه في ظلّ عدم مبادرة باسيل الى الاعتذار، فإنّ الامور مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وباب الخيارات ايضاً. في وقتٍ اعرَبت مصادر سياسية عن اعتقادها انّ هذا الجو المتأزم ستصيب شظاياه الجميع، ولن يكون العهد بمنأى عن التداعيات، وكذلك الحكومة التي ستتأثّر حتماً بما يجري، ربّما بلجوءِ اطرافٍ سياسية الى مقاطعتها أو حتى الاستقالة منها. ولم تنفِ المصادر او تؤكّد إنْ كان وزراء «أمل» في هذا الوارد.

وقالت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»: «الوصول الى ايّ تسوية الآن بات على عاتقِ قواعد جديدة، وإنّ معادلات السابق كلّها سقطت». واعتبَرت «أنّ الحديث عن شدّ العصب في الشارع هو تسطيح وتسخيف لِما حصَل، فالمسألة باتت اكبرَ بكثير، إنّ استحضار لغة التحريض وافتعال هذا الجوّ التوتيري بشكل مفاجئ بعد هدنةٍ اعلامية بين «التيار» و«أمل» ولو كانت هشّة لا يمكن تفسيرُه إلّا نيّاتٍ لتطيير الانتخابات، لكن اكّدنا لكلّ مَن تواصَل معنا أنّنا بِتنا مصرّين على إجرائها في موعدها اكثر من ايّ وقت مضى».

وقالت: «واهمٌ من يعتقد انّ ما جرى سيمرّ مرور الكرام، وخطواتُنا ستعلَن في حينه، ولا قرار على مستوى الحكومة، وكلّ شيء في أوانه». ونفت المصادر ان يكون «حزب الله» قد تدخّلَ او اطلقَ ايّ وساطة للتهدئة بين «أمل» و«التيار» في الساعات الماضية التي سبقت كلام باسيل، وقالت: «إذا اتّصل بنا كيم جونغ اون، يكون قد اتّصل بنا أحد من «حزب الله» لهذا الغرض، وقرار التهدئة لم يكن سوى طرحٍ وهمس بين الفريقين». وأكّدت المصادر انّ الخطوات اللاحقة ستُعلَن في وقتها».

وإذا كان الجوّ المتأزم قد أثارَ علامات استفهام في أوساط سياسية مختلفة حول مصير الانتخابات، مع ترجيح بلوغِ الوضع الى حدّ مِن التفجّر يؤدي الى تعطيلها، وهو امرٌ استبعده خليل، الذي قال لـ«الجمهورية»: «واهمٌ مَن يعتقد انّ هذه المسالة ستمر مرورَ الكرام، قد يكون هناك من يعمل لتعطيل الانتخابات، وقد يكون من يفترض انّ هذه الأزمة ستؤدي الى تطييرها، فإنّ موقفنا واضح بأنّ هذه الانتخابات يجب ان تحصل، وستحصل».

«الحزب»

وغاب «حزب الله» عن خطّ الوساطة، إلّا أنّه حضَر على خط التضامن مع بري في بيان أعلنَ فيه رفضَه المسَّ بالرئيس بري من ايّ كان.
وقالت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية: «لم يعد ينفع النأي بالنفس وسقَطت كلّ الوساطات بعد كلام باسيل، فما حصَل لم يكن في الحسبان، والتعرّض للرئيس بري خط أحمر».

وعلمت «الجمهورية» أنّ أطرافاً سياسية أجرَت تقييماً لِما قاله باسيل في الشريط المسرّب من لقاء البترون، فلاحظت انّ اللقاء لم يكن ضيّقاً، بل كان موسّعاً ومتاحاً فيه التسجيل، وأنّ ما دفعَ بري الى الاستياء ليس فقط وصفه بـ«البلطجي» والتوعّد بـ«تكسير رأسه» على حدّ ما قال وزير الخارجية، بل المضمون السياسي الخطير لهذا الكلام، الذي كشفَ النظرةَ الحقيقية لمفهوم المشاركة وكيفية كسرِها، وهنا الكلام ليس موجّهاً الى بري، فالحديث عن «الذين صادروا خلال 25 سنة» وعن الاقتصاد وما الى ذلك، ليس مع بري، بل مع الذين حكموا البلد خلال هذه الفترة، اي الرئيس رفيق الحريري.

«التيار»

في المقابل، بدا أنّ «التيار» قد بنى تحصيناته الدفاعية في وجه الهجوم العنيف على رئيسه ومطالبته بالاعتذار. إلّا أنّ أوساطه أكّدت لـ«الجمهورية» الرفضَ القاطع لإقدام باسيل على الاعتذار.

وبينما زار باسيل المقرّ العام لـ«التيار» في سنتر ميرنا الشالوحي برفقة وزراء ونوّاب، أصدرَ «التيار» بياناً قال فيه إنّ عناصر من «أمل» هاجَموا المقر العام «ورشقوه بالحجارة وأحرقوا الدواليب وأطلقوا النار، فاضطرّ عناصر حمايةِ المقر الى الدفاع عن انفسِهم، واستدعوا الجيش الذي طوّق المكان».

ودعا مناصريه «الى عدم القيام بأيّ ردّات فعل في ايّ مكان وتركِ معالجةِ الامر للقوى الأمنية فقط»، كما طلب من مسؤوليه «عدمَ التعليق الإعلامي على ما يجري من احداث وترك اللبنانيين يحكمون بأنفسهم».

إقتراحات حلول

إلى ذلك، كشَفت مصادر سياسية مراقبة لـ«الجمهورية» أنّ مجموعة أفكار لمخارج حلول تمّ تداوُلها في بعض الغرف السياسية، وخلاصتُها:

– أن يبادر باسيل الى زيارة عين التينة، وهذه الخطوة تُغني عن الاعتذار.
– تنفيس الاحتقان القائم عبر إعادة النظر في مرسوم الاقدمية وتوقيع وزير المال، إذ إنّ ما يجري هو امتداد طبيعي لأزمة المرسوم.
– أن يتوجّه باسيل برفقة الرئيس الحريري الى عين التينة، وهذه الخطوة تُعَدّ مدخلاً أمام الحريري لاستعادة خط الاتصال مع برّي الذي انقطع بسبب توقيعه مرسومَ الأقدمية.

مرجع أمني
وفي هذه الأجواء طمأن مرجع أمني الى أن لا خوف على الاستقرار، وتحرّكات الشارع محدودة، وقال لـ«الجمهورية»: «الأمور لن تتفاقم وتؤدي الى صدامات في الشارع، لأنّ الجميع يدرك مخاطرَ هذه اللعبة وانعكاسَها على الجميع». وحصَر المرجع ما يَجري «في إطار ردّات الفعل المضبوطة، لأنّ الرئيس بري بالتحديد هو أكثر من يُبدي حِرصه على الاستقرار الأمني».