IMLebanon

مانشيت:تحرُّك أميركي يُتوَّج بزيارة تيلرسون… ولقاء بعبدا يفتح باب الحلول

 

طوّقَ الرؤساء الثلاثة أمس الأزمة التي كانت سائدةً بينهم منذ أسابيع واتّفقوا على معالجات لها يُفترض أن تتبلور خلال أيام، وذلك على وقعِ حراكٍ ديبلوماسي أميركي في اتّجاه لبنان، بدأ بوصول مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد الذي استقبَله رئيس الحكومة سعد الحريري في «بيت الوسط» مساءً تُرافقه السفيرة الأميركية أليزابيث ريتشارد، وعرَض معه آخِر التطوّرات المحلية والإقليمية والعلاقاتِ الثنائية، على أن يلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسَ مجلس النواب نبيه بري. وعُلِم أنّ زيارته للبنان التي تأتي في خضمّ التهديدات النفطية الإسرائيلية وفي غمرة العقوبات الأميركية على «حزب الله»، ستدوم يومين. وكشَفت مصادر ديبلوماسية في واشنطن لـ«الجمهورية» أنّ وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون سيزور بيروت قريباً، وربّما مطلعَ الأسبوع المقبل، في إطار جولةٍ على المنطقة تشمل دوَلاً عربية وخليجية. وقالت إنّ تيلرسون يحمل ملفّاً كبيراً يتناول مختلف التطوّرات الجارية في المنطقة، وكذلك يتناول الوضعَ في لبنان والرعاية التي يَحظى بها في كلّ المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، فضلاً عن جديد الأزمة السورية وتردّداتها على دول الجوار السوري، ولا سيّما منها لبنان، وسُبل مساعدته في ملفّ النازحين السوريين وكِلفته المرتفعة. ولم تستبعِد المراجع الديبلوماسية أن تكون زيارة ساترفيلد تمهيداً لزيارة تيلرسون.

نجَح اللقاء الرئاسي في قصر بعبدا أمس في إعادة الحرارة إلى العلاقات بين الرئاسات الثلاثة بعد توتّرٍ سادها منذ مرحلة ما بعد عيد الاستقلال، فهدموا الجدار الذي فصَل بينهم وصوَّبوا سلاح الموقف في اتّجاه الجدار الإسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية.

وأولى ترجمات نتائج هذا اللقاء تمثّلت بالاجتماع الاستثنائي لمجلس الدفاع الأعلى اليوم في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية، وكذلك بدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في قصر بعبدا أيضاً غداً لمناقشة جدول أعمال مِن 93 بنداً وُزِّع على الوزراء.

ونوَّه بري لدى خروجه من اللقاء بأجواء الجلسة «المثمِرة»، فيما أكّد الحريري الذي انضمَّ إلى عون وبري لاحقاً أنّ «النتائج إيجابية»، وقال: «كان هناك شرحٌ لكلّ المرحلة السابقة». مشيراً إلى أنّ «الاجتماع مثمِر، وسترون تعاوناً بيننا، وهناك انفتاح بين الجميع».

وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء الرئاسي لم يتطرّق إلى «فيديو مِحمرش»، والأزمة بين بري وحركة «أمل» مِن جهة والوزير جبران باسيل و«التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، وذلك بناءً على اتّفاقٍ ضمنيّ مسبَق بأن تأخذ معالجة هذه الأزمة مساراً مختلفاً وأن يجريَ فصلها عن علاقة الرؤساء بعضهم مع بعض.

وأكّد البيان الذي وزّعه مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بعد اللقاء أنّه تمّ الاتفاق على معالجة ما حصَل خلال الأيام العشرة الأخيرة «من خلال المؤسّسات الدستورية وفقاً للدستور والأنظمة والقوانين المرعية الإجراء»، وأكّد الرؤساء الثلاثة «وجوبَ التزام وثيقة الوفاق الوطني التي ارتضاها اللبنانيون بهدفِ المحافظة على وحدتِهم الوطنية وصيغة العيش الفريدة التي تُميّزهم، وعدم السماح لأيّ خلاف سياسي بأن يهدّد السِلم الأهلي والاستقرارَ الذي تنعَم به البلاد».

واتّفقوا «على ضرورة تفعيل عملِ المؤسسات الدستورية كافة، ولا سيّما منها مجلس النواب ومجلس الوزراء، وتوفير المناخات السياسية والأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل في أجواء من الديمقراطية» .

كذلك تمّ الاتفاق «على العمل لإقرار موازنة سنة 2018 في أسرع وقتٍ ممكن». وأهابوا بالقيادات اللبنانية كافّة «تجاوُزَ الخلافات والارتقاءَ في الأداء السياسي إلى مستوى عالٍ مِن المسؤولية الوطنية التي تفرضها دقّة المرحلة في ظلّ التحدّيات التي تواجه لبنان وتتطلّب وقفةً تضامنية واحدة تحمي وحدةَ اللبنانيين وسلامة الوطن».

وفي موضوع التهديدات الإسرائيلية، اتفقَ المجتمعون على الاستمرار في التحرّك على مختلف المستويات الإقليمية والدولية لمنع إسرائيل من بناء الجدار الإسمنتي داخل الحدود اللبنانية ومن احتمال تعدِّيها على الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية الدولية، وستعرض سلسلةً مِن الإجراءات في هذا الشأن على المجلس الأعلى للدفاع اليوم.

صراحة وموَدّة

وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء الذي ساده «جوّ ودّي» تخلّلته بعضُ الطرائف والكلام العام في مسائل شخصية و«قفشات» طريفة، دلّت إلى مدى الانسجام بين الرؤساء الثلاثة الذين كان الجامع المشترك في ما بينهم الحِرص على استقرار البلاد.

ووصَفت مصادر متابِعة أجواءَ اللقاء الرئاسي بـ«الجيّدة جداً»، وقالت لـ«الجمهورية»: «إنّ اللقاء كان عميقاً وصريحاً وسادته مودَّة كاملة. وعرَض المجتمعون لسلسلةِ مواضيع في سياق العرضِ السياسي، انطلقَ من التهديدات الإسرائيلية وضرورة مواجهتها، ومن ثمّ الملفات الداخلية».

وأضافت: «في الموضوع الأوّل، كان هناك تأكيد على ضرورة التنبُّه لنيّات إسرائيل بالتصعيد في لبنان. واستعرَض المجتمعون المعالجات السابقة وخصوصاً في موضوع ترسيم الحدود البحرية من خلال زيارات لموفدين دوليّين وأميركيين في السنوات الماضية.

وقد أجرى الرؤساء الثلاثة عرضاً تاريخياً شاملاً لهذه المسألة في ضوء الملاحظات الصادرة من مختلف الجهات، ولا سيّما الأميركية المتابعة له. وجرى الاتفاق على متابعة الاتصالات الدولية للمحافظة على حقّ لبنان بمياهه الإقليمية وعدم خسارة أيّ نقطة بترولية».

وكشَفت المصادر «أنّ الاتصالات سيقودها الرؤساء عون وبري والحريري بهدفِ المحافظة على الحقول النفطية اللبنانية». وركّز المجتمعون «على أهمّية متابعة الاجتماعات مع الأمم المتحدة والقوات الدولية لتأكيد موقف لبنان الرافض لأيّ تعَدٍّ في ملفَّي ترسيم الحدود والنقاط الـ 13 المختلَف عليها، مع توجّهٍ إلى تفعيل هذه الاتصالات السياسية والديبلوماسية». كذلك أشارت إلى أنّ المجلس الأعلى للدفاع سيتّخذ إجراءات ميدانية استكمالية.

وفي المواضيع الداخلية، كشَفت المصادر نفسُها أنّ مرسوم الأقدمية نال حيّزاً كبيراً من النقاش، بحيث عرَض كلّ طرفٍ وجهة نظره، وبَرز تأكيد وتصميم على نحوٍ يَحفظ حقوقَ الضبّاط، أي الأقدمية التي أعطِيَت لهم، ويؤمّن صدورَ مرسومِ الترقيات من 1/1/ 2018 كما أعدَّته الأجهزة الأمنية المختصة. وعلمت «الجمهورية» أنّ عون قال: «ما يَهمّني هو حقوق العسكريين»، مؤكّداً سيرَه بطرقِ المعالجة التي تمّ الاتفاق عليها.

كذلك تمّ الاتفاق على تعديل المادة المتعلقة بالبطاقة الممغنَطة في قانون الانتخاب لكي لا يُصار إلى الطعن لاحقاً. واتّفقَ أيضاً على الإسراع في إقرار الموازنة العامة وإحالتِها إلى مجلس النواب لإنجازها قبل انتخابات النيابية. وتطرّقَ المجتمعون إلى الدورة التشريعية الاستثنائية، وكان تفاهمٌ على ضرورة فتحِها لإنجاز الموازنة.

برّي

وسُئل بري عن جوّ اللقاء، فقال: «عشرة على عشرة». وأضاف أمام زوّاره أمس: «كان لقاءً إيجابيّاً جدّاً»، والبيان الصادر عنه «يعبّر تماماً عمّا دار فيه، وسترون الترجمة العملية لِما اتّفقنا عليه قريباً». وقال: «إتّفقنا على حلّ لمرسوم الأقدميّة يقضي بالاحتكام إلى ما ينصّ عليه الدستور». وأكّد أنّه «كان هناك إجماع على ذهابِ لبنان إلى مؤتمر روما، لأنّ الجيش معنيّ به، أمّا مؤتمر باريس فيجب أن يَخضع للنقاش وأن يَسلك طريقاً دستوريّاً».

وأضاف أنّه شدّد خلال اللقاء على «الإسراع في إقرار الموازنة العامة لسنة 2018 في الحكومة وإحالتِها إلى مجلس النواب لإقرارها تلافياً للعودة إلى مسلسل التأخير في إقرار الموازنات لأنّ الحكومة المقبلة المنتظَرة بعد الانتخابات قد يتأخّر تشكيلها، وهذا أمرٌ طبيعي».

وذكر برّي أنّ البحث خلال اللقاء لم يتطرّق إلى كلام الوزير جبران باسيل، وقال: في الأساس لم أطلب اعتذاراً منه، بل عليه أن يعتذرَ مِن اللبنانيّين لأنّ الإساءة كانت في حقّهم». وقال: حين حصَل خطأ في الشارع على يد مناصِرين لحركة «أمل» اعتذرتُ من اللبنانيين على الرغم من أنّني لم أكن على عِلم بما حصَل، والاعتذار ليس عيباً».

وأكّد «أنّ موضوع التهديدات الإسرائيليّة في ملفّ النفط نالَ القسط الأكبر من البحث، وعرَض كلٌّ منّا وجهة نظره، وقد دعا رئيس الجمهوريّة المجلسَ الأعلى للدفاع إلى الاجتماع غداً (اليوم) لهذه الغاية».

أبو فاعور

وكان النائب وائل أبو فاعور قد قال بعد زيارته بري موفَداً من النائب وليد جنبلاط: «أعتقد أنّنا اليوم قد تخلّصنا من فترةٍ معتمة من يومياتنا السياسية، وباشَرنا طريقَ العودة إلى جادة الصواب الدستوري والمؤسساتي». وأشار إلى أنّ «هناك قضايا تمّ الاتّفاق عليها وسيَرى المواطنون اللبنانيون نتائجَ هذه الاتفاقات في القريب العاجل على صعيدِ عملِ الدولة، وهناك قضايا أخرى ستكون محورَ نقاش».

«المستقبل»

ورأت كتلة «المستقبل» في الاجتماع الرئاسي «خطوة في الاتّجاه الصحيح لمعالجة التباينات السياسية وضبطِ إيقاع الحملات تحت سقفِ الحوار وعملِ المؤسسات الدستورية ومع الالتزام الكامل باتفاق الطائف».

وتوقّفت «عند الأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع، وطوَت مرحلةً عابرة من التجاذب السياسي والإعلامي، وهو أمرٌ مِن شأنه أن يلقيَ بنتائجه الطيّبة على عملِ المؤسسات، ويسحبَ فتائلَ الاحتقان من الشارع ويعزّزَ مسارَ الاستقرار المطلوب، ويفتحَ الآفاق أمام مواصلة الجهد القائم لنجاح المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان».

مجلس وزراء

وفي هذه الأجواء، وبعد عطلةٍ قسرية لثلاثة أسابيع، يعاود مجلسُ الوزراء جلساته، فيجتمع قبل ظهرغدٍ بجدول أعمال من 93 بنداً معظمُها عاديّ وروتيني. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ المجلس سيُصدر موقفاً إزاء ملفَّي الجدار الإسرائيلي على الحدود والادّعاء بملكية البلوك 9 ، وسيؤكّد أنّه مِن ضِمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وليس في المنطقة البحرية الإسرائيلية.

وأبرز ما سيتناوله المجلس تجميدُ العمل في المادة 84 من قانون الانتخاب والتي تتحدّث عن إلزامية اعتماد البطاقة الممغنطة في قانون الانتخاب الجديد منعاً لأيّ طعنٍ دستوري يمكن أن يتقدّم به أيّ متضرّر في الانتخابات النيابية المقبلة.

وعلى جدول الأعمال أيضاً قضايا أخرى إدارية وماليّة، منها إعادةُ العمل بالقاعدة الإثني عشرية لصرفِ حاجات بعض الوزارات والمؤسسات العامة في انتظار إقرار الموازنة العامة للسنةِ الجارية، ومشروع وزارة الأشغال لتوسعةِ مطار بيروت الدولي بكلفة 200 مليون دولار.

إضراب المعلّمين

من جهةٍ ثانية يُواصل أساتذةُ التعليم الخاص إضرابَهم اليوم في مكاتب النقابة في المحافظات كافة، بعدما اعتصَموا أمس أمام وزارة التربية والتعليم العالي، والتقى وفدٌ منهم برئاسة رودولف عبّود الوزيرَ مروان حمادة الذي شدّد بَعد اللقاء على أهمّية عقدِ جلسةٍ استثنائية تربوية لمجلس الوزراء، قائلاً: «منذ أشهرٍ عدة، أصِرُّ على هذه الجلسة ولا توجد آذانٌ صاغية حتى اليوم»، مشيراً إلى أنّ «المهمّ في النتيجة أنّ القانون سيطبَّق مع الدرجات السِتّ… الوزارة خاضَت معركةً وحصلت عليه».

من جهته، قال عبّود لـ«الجمهورية»: «سنواصل إضرابَنا لليوم الثالث على التوالي (اليوم) وأكّدنا لمعاليه أنّنا لسنا ضدّ مشروع قانون فقط للرفض، إنّما هو رفضٌ في المطلق لأيّ محاولةِ مَساسٍ بالقانون 46». (تفاصيل ص.9).