ثلاثُ محطات أساسية ستحفل بها الأيام المتبقّية من الأسبوع السياسي، وسترسم معالم المرحلة المقبلة، سياسياً وعسكرياً؛ الأولى تتمثّل في إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري اليوم والمواقف التي سيعلِنها الرئيس سعد الحريري خلالها، في وقتٍ أعلنَت رئيسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضية إيفانا هيردلشكوفا أنّ غياب المتّهمين لن يؤثّر على مسار العدالة. والمحطة الثانية تتمثّل في زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون للبنان غداً، وما سيَحمله من اقتراحات بعد اعتداءات إسرائيل وتهديداتِها البحرية والبرّية، وسط تصميمٍ لبناني على مواجهتها بموقف وطني جامع. أمّا المحطة الثالثة فتتمثّل في المواقف التي سيعلِنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء في الحزب بعد غدٍ الجمعة، وذلك في ضوء المواجهات الأخيرة على الجبهة السورية ـ الإسرائيلية وما تخَلّلها من إسقاط طائرة «إف 16» كانت تغيرُ على الداخل السوري، وقواعد الاشتباك الجديدة التي يبدو أنّها أنتجَتها.
تشخصُ الأنظار اليوم إلى كلمة الحريري في ذكرى استشهاد والده ورفاقه، في احتفال حاشد، ينظّمه تيار «المستقبل» عند الرابعة عصراً في مجمع «بيال».
ولم يُعرف ما إذا كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع سيشارك شخصياً أم أنّه لدواعٍ أمنية سيتمثّل بوفد «قواتي» رفيع، خصوصاً أنّ مسائل من هذا النوع مرهونة بقراره وتقديره.
كذلك يترقّب الجميع ما إذا كان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل سيشارك في المناسبة أم أنه سيوفِد ممثلاً عنه. فيما سيغيب منسّق الامانة العامة لـ14 آذار سابقاً الدكتور فارس سعيد الذي لم يُدعَ.
وما يميّز الذكرى هذه السنة، حسب مطّلعين، أمورٌعدة أبرزُها:
• أوّلاً، تأتي هذه الذكرى اختباراً حقيقياً لمدى القدرة على جمعِ ما تبَقّى من مكوّنات «14 آذار»، بعد التطورات السياسية العاصفة بالبلاد منذ 4 تشرين الثاني الماضي عند إعلان الحريري استقالته من الرياض، ثمّ عودته عنها لاحقاً.
• ثانياً، تتّجه الأنظار إلى الشخصيات الأساسية التي ستشارك في الذكرى أو ستتغيّب عنها.
• ثالثاً، تأخذ هذه الذكرى منحى تعبوياً، خصوصاً أنّ الانتخابات النيابية تقترب، فالحريري الذي لن يعلنَ أسماء مرشّحيه في الذكرى، سيضع الخطوط العريضة للمعركة الانتخابية.
• رابعاً، ينتظر الجميع ما إذا كان الحريري سيُصعّد تجاه «حزب الله» والمحور الإيراني – السوري أو سيلتزم سياسة «ربط النزاع».
وعشيّة 14 شباط، شدّدت كتلة «المستقبل» على «التمسّك بنهج وخط وتوجّهات شهيدِنا الكبير وبقيّة شهداء انتفاضة الاستقلال الرائدة في المنطقة، مع استمرار التأكيد والإصرار على دعمِ المحكمة الخاصة بلبنان من أجل كشفِ الحقيقة وإحقاق العدالة وتكريس مبدأ عدم إفلات المجرمين من العقاب».
وأعلنَت «دعمها الحريري ووقوفَها إلى جانبه في المحافظة على إرثِ الشهيد رفيق الحريري وفي دفاعِه عن حرية لبنان واستقلاله وسيادته وعروبتِه ونهوضه الاقتصادي والاجتماعي وفي تصدّيه للاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية».
وعرَض الحريري أمس مع السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد للأوضاع في لبنان والمنطقة والتحضيرات لزيارة تيلرسون الى بيروت. ثمّ استقبل النائب وليد جنبلاط ونجلَه تيمور والنائب وائل أبو فاعور.
وقال جنبلاط بعد اللقاء: «اليوم هو عشيّة النهار المشؤوم، 14 شباط، الذي اغتيلَ فيه الشهيد الكبير رفيق الحريري، ولاحقاً كانت دوّامة الدم التي ذهب ضحيتَها خيرةُ الساسة والصحافيين والنواب ورجال الفكر.
لكن إذا استعرَضنا هذا الماضي المخيف، نجد أنّنا صَمدنا في شكل أو آخر. صَمدنا عندما نرى حجمَ القوى المعادية، لكنّ المنطقة تغيّرت كثيراً، ومع هذا كلّه، الشعار الذي رَفعه الشيخ سعد، وهو الاستقرار، تغلَّبَ على الشعارات الأخرى التي هي الفوضى وعدم الاستقرار، وسِرنا معه».
وأضاف: «صحيح أنّنا كنّا أحياناً نختلف وكانت لنا وجهات نظر مختلفة ومتنوّعة، لكن في النهاية هذا هو الشعار الذي يجب أن يبقى: الاستقرار، محاربة الإرهاب، ولا بدّ مِن يومٍ ما، مهما طال الزمن، وعندما نعود إلى الماضي، 2005 واليوم 2018، 13 سنة، زمن طويل والأيام تمرّ بسرعة، لكن لا بدّ في يوم ما أن تتحقّق العدالة».
وأكّد أنّ «هذه العلاقة مع الشيخ سعد، مع آل الحريري، مع «المستقبل»، وإنْ مرّت ببعض التموّجات، لكنّها تبقى علاقة ثابتة في أساسها، مبنيّة على أرض صلبة، أرض الحرّية والتنوّع والاستقرار، وفي يومٍ ما لا بدّ من أن يصل لبنان إلى السيادة الكاملة والاستقلال الكامل».
تيلرسون
وفي هذه الأجواء، يستعدّ لبنان لاستقبال تيلرسون غداً في زيارة هي الأولى لمسؤول اميركي كبير بهذا المستوى في العهد الحالي، علماً أنّ وزير الخارجية السابق جون كيري كان قد زار بيروت عام 2014.
وقبل توجّهِه الى بيروت أكّد تيلرسون «أنّ الولايات المتحدة ستستمر في لعِب دور يقوّي حكومة مستقلّة في لبنان». وطالب إيران بسحبِ قواتها من سوريا ولبنان واليمن والعراق»لأنّ وجودها في تلك البلدان يشكّل عاملاً لعدم الاستقرار».
وقال «إنّ القوات الأميركية ستبقى في سوريا والعراق حتى هزيمة «داعش» وضمانِ عدم عودتِه مجدداً». وأكّد «أنّ واشنطن ستواصل العملَ مع شركائها لإنجاح محادثات جنيف السورية».
واللافت في جولة تيلرسون في لبنان والمنطقة أنّها تستثني إسرائيل. إلّا أنّ بعض المصادر الديبلوماسية لم تستبعِد أن يحصل تعديل في برنامج هذه الجولة لتشملَها، وذلك في ضوء التطورات الاخيرة في سوريا.
وعلمَت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية متقاطعة بين واشنطن وبيروت أنّ تعديلاً طرأ على جدول محادثات تيلرسون مع المسؤولين اللبنانيين بعد الاحداث الاخيرة وموقف لبنان منها، وانقسَمت إلى شقَّين: شرق أوسطي، وثنائي.
وفي الشقّ الأوّل، سيشرح الوزير الأميركي حيثيات قرار الرئيس دونالد ترامب إعلانَ القدس عاصمةً لإسرائيل، وسيشدّد على أنّ هذا الاعلان لم يحدّد مساحة القدس، أكانت كلّها أو جزءاً منها، وأنّ هذا الاعلان لا يلغي حلَّ الدولتين.
• سيستكشف إمكانية استئناف محادثات السلام انطلاقاً من مبادرة عربية ترعاها الولايات المتحدة، وموقف لبنان منها.
• سيبحث مع المسؤولين في استمرار أن يكون لبنان شريكاً في مكافحة الإرهاب.
• سيُشدّد على ضرورة أن يبقى لبنان خارج النزاعات التي تشهدها المنطقة، كونها باتت منقسمة على أكثر من محور، ولم تعد مقتصرة على محورين.
أمّا في الشق الثنائي، فسيشدد تيلرسون على «ضرورة ان يلتزم لبنان سياسة الحياد لكي يضمنَ استمرار الغطاء الدولي لأمنِه وسيادته، كون هذا الغطاء لا يكون فاعلاً إذا كان لبنان جزءاً من محور الممانعة، وبالتالي سيتمنّى على لبنان ان تكون ردّات فِعله على الأحداث في سوريا منفصلةً عن الساحة اللبنانية، وأن يكون لجوءُه إلى الامم المتحدة للدفاع عن سيادة الدولة اللبنانية فقط لا غير، وأن يحافظ لبنان على السياسة التقليدية التي ضمنَت له سلامتَه، أي التعاطي الديبلوماسي قبل اللجوء الى العنف.
ومعلوم أنّ الادارة الاميركية غير مرتاحة، خصوصاً في الفترة الاخيرة، الى مواقف الدولة اللبنانية التي أعطَت انطباعاً وكأنها تدخل في خيارات عسكرية غير مضمونة النتائج، لأنّ الولايات المتحدة تعتبر، أنّ «البلوك 9 « أو الجدار الإسمنتي أو «الخط الأزرق» كلّها قضايا قابلة للحلّ ديبلوماسياً ولا ضرورة للتصعيد.
كذلك سيؤكّد تيلرسون ارتياح بلاده الى دور لبنان في مكافحة الإرهاب وسيتمنّى أن يقتصر هذا الدور على الجيش والقوى العسكرية الشرعية وحدها. وسيشدّد على وجوب «أن تميّز الدولة نفسَها عن»حزب الله»، لأنّ المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عازمٌ على مواصلة فرضِ العقوبات على الحزب الى حين التزامِه بالشرعية الدولية وبالشرعية اللبنانية».
وفي هذا الإطار سيؤكد تيلرسون «أنّ لبنان يستطيع الاعتماد على اميركا والمجتمع الدولي والامم المتحدة طالما هو ملتزم المواثيقَ الدولية والقرارات ذات الصِلة به.
وإنّ عدم احترامِه، أو أطرافٍ فيه، هذه القرارات، يُضعف المظلّة الدولية التي تُظلله، وهذا ليس في مصلحته في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها المنطقة، والمليئة بالمفاجآت. وسيؤكد تيلرسون ايضاً وقوف اميركا الى جانب لبنان طالما يلتزم القوانين الدولية، وكذلك وقوفَها الى جانب الجيش ومواصلة دعمِها له ليكون قادراً على مكافحة الإرهاب وبسطِ سلطة الدولة على كلّ الأراضي اللبنانية».
في المقابل، سيثير لبنان أمام تيلرسون ملفَّ النازحين السوريين وسيؤكّد له أنه غير قادر على انتظار انتهاء حروب المنطقة لبتِّ مصيرِهم، وسيطالب بوضعِ برنامج قصير المدى لإعادتهم الى المناطق الآمنة في بلادهم، سواء في مناطق النظام أو في مناطق المعارضة. كذلك سيطلب أن تواصِل واشنطن دعمَها لوكالة «الأونروا» لتتمكّنَ من تقديم الحاجات للّاجئين الفلسطينيين في المخيّمات. وسيؤكّد موقفَه الرافض التوطين.
في الموازاة، قالت مصادر متابعة لعملية التفاوض على الحدود البرّية والبحرية لـ«الجمهورية»: «إنّ الجانب اللبناني أعدَّ موقفاً موحّداً سيبلِغه الى تيلرسون بأنه لن يقبل التفاوضَ على البلوكات البحرية، بحسب خطّ الموفد الاميركي السابق فريدريك هوف والذي يقضي بأن يحصلَ لبنان على 55 % من المنطقة الاقتصادية الخالصة، كاشفاً أنّ المفاوضات الشاقة التي خاضها الفريق اللبناني المكلّف من الدولة خلصَت الى الاتفاق على إعادة ترسيم 7 نقاط حدودية تمتدّ على خط الناقورة ـ رميش ـ كفركلا وصولاً إلى الوزاني.
وقد وافقَ الطرف الإسرائيلي عليها، فيما بقيَت 6 نقاط قيد التفاوض. كذلك كشَفت المصادر أنّ الضبّاط الإسرائيليين أبلغوا الى الجانب اللبناني في اجتماع الناقورة الأخير قرارَ الحكومة الاسرائيلية بفصلِ الحدود البرّية عن البحرية، الأمر الذي رفضَه لبنان كلياً، مؤكّداً حقَّه في البرّ والبحر سلّةً واحدة، ولا فصلَ بينهما، مع العِلم أنّ الفريق اللبناني ينطلق من ترسيم 1923، أي الحدود الدولية، وليس خط الانسحاب عام 2000 أو خط لارسن الـ2006 الذي بات يُعرف بـ»الخط الأزرق».
وأشارت المصادر إلى أنّ تيلرسون «يحمل معه ملفات عدة، من بينها إقناع المسؤولين اللبنانيين القبولَ بأخذ 55% من البلوكات 8 و9 و10 بحسب الخط المرسوم مع قبرص والذي ينتهي عند النقطة (1)، وليس كما يطلب لبنان على النقطة 23 بحسب الخرائط الدولية وحقوقِه المائية الموثّقة في الأمم المتحدة».
ونفت المصادر أن تكون إسرائيل «قد أبلغَت لبنان عبر الوسيط الأممي أنّها لن تبنيَ الجدار ضِمن المناطق المتنازَع عليها»، مبديةً خشيتَها من إقدامِ إسرائيل على هذا الاعتداء، لأنّ القرار الذي أعطيَ للجيش اللبناني المتمركز في تلك النقاط هو فتحُ النار مباشرةً من دون العودة إلى القيادة».