بدأت أمس الترجمة العملية للصفحة الجديدة في العلاقات اللبنانية ـ السعودية بوصول رئيس الحكومة الرئيس سعد الحريري الى الرياض ليلاً ملبياً دعوة رسمية من القيادة السعودية، كان قد نقلها إليه المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا الذي سافر معه مختتما لقاءاته التي عقدها على مدى يومين في بيروت التي سيزورها مجدداً في وقت لاحق من الشهر الجاري، وذلك في ضوء نتائج محادثات الحريري في العاصمة السعودية، والذي سيعقد لقاءات تكتسب أهمية كبيرة مع أركان القيادة السعودية.
وستتّجه الأنظار الى الرياض اليوم لترقب لقاءات الحريري فيها، حيث سيستقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويُنتظر أن تتناول المحادثات العلاقات الثنائية وأوضاع لبنان والمنطقة، وكذلك ستتناول في جانب منها التحضيرات الجارية لمؤتمرات الدعم الدولية المخصصة للبنان.
وفي إنتظار تبلور نتائج زيارة العلولا الاستطلاعية ولقاءاته مع المسؤولين الرسميين والسياسيين، وكذلك نتائج زيارة الحريري للسعودية، قالت أوساط سياسية واكبت زيارة الموفد السعودي لـ«الجمهورية»: «انّ زيارته الى لبنان ليست زيارة قرارات، بل زيارة اتصالات لإنعاش العلاقة بين البلدين والتي كانت تعرّضت لانتكاسة خارج إرادة الدولتين، وكذلك لتوجيه رسالة داخلية وإقليمية مفادها انّ المملكة العربية السعودية هنا ايضاً».
وتوقعت هذه الاوساط ان يحصل في قابل الايام تقييم لنتائج هذه الزيارة ولِما سمعه الزائر السعودي من الذين التقاهم، تمهيداً لاعتماد الخيارات التي تراها مناسبة للتعاطي مع الاوضاع اللبنانية في الظرف الراهن».
وأبرز لقاءات العلولا في اليوم الاخير من زيارته كانت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وعلم انّ جَو هذا اللقاء «كان ودياً جداً» وغلبَ عليه طابع المجاملات. ولكن مصادر واكَبته سجّلت «نبرة إيجابية» إعتمدها الموفد السعودي حيال لبنان. وخلال حديثه مع برّي إستذكر محطات بارزة في العلاقات اللبنانية ـ السعودية ليؤكّد من خلالها عمق الروابط بين البلدين، وحجم المودّة التي تكنّها المملكة لهذا البلد.
وأبلغ الى بري انه سيعود قريباً الى بيروت في زيارة ثانية، لأنه مضطر الى السفر لمواكبة زيارة الحريري للمملكة اليوم.
وفي هذا السياق أكدت مصادر مطلعة أنّ زيارة العلولا لبيروت «كانت استطلاعية على الطريقة السعودية، بحيث انها ركّزت على الحلفاء التقليديين للمملكة، مع توجّه جدّي الى إعادة الربط في ما بينهم، مع ملاحظة عدم شمول لقاءاته النائب وليد جنبلاط والوزير جبران باسيل، وسياسيين آخرين كان من المتوقع أن يلتقيهم.
وأبلغ العلولا الى بعض مَن التقاهم انه لم يتطرّق الى أيّ عنوان انتخابي في اللقاءات التي عقدها، فيما رجّحت مصادر ان يطبع العنوان السياسي ـ الإنتخابي زيارته المقبلة لبيروت.
ولكن مصادر «القوات اللبنانية» قالت لـ«الجمهورية» انّ اللقاء بينه وبين العلولا تناول في جانب منه قانون الانتخاب الذي ستُجرى الانتخابات على أساسه، وما يردّده البعض من انه سيمكّن «حزب الله» وحلفاءه من الفوز بالاكثرية النيابية، فأكّد جعجع للعلولا «انّ هذا القانون يؤمن التمثيل الصحيح لكل المكوّنات اللبنانية وكل كلام عن انه لمصلحة فريق هو غير صحيح، وانّ ما يُثار من مخاوف في هذا الصدد هو في غير محلّه». وأشارت المصادر الى انّ الموفد السعودي «عَبّر عن الامل في ان تفضي الانتخابات النيابية الى إعادة إطلاق دينامية سيادية وإصلاحية تعيد تزخيم مشروع الدولة».
وأشارت المصادر الى انه بَدا من جو اللقاء بين جعجع والعلولا «انّ هناك تعويلاً على زيارة الحريري للرياض من النتائج التي ستسفر عنها وستكون لها انعكاساتها المباشرة على مستقبل الاوضاع الداخلية والعامة اللبنانية، فضلاً عن مستقبل العلاقة اللبنانية – السعودية».
الكهرباء
في مجال آخر، علمت «الجمهورية» انّ ورقة «التيار الوطني الحر» التي أرسلها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل مع وزير الاقتصاد رائد خوري الى داخل لجنة الموازنة الوزارية، تشترط 5 نقاط لإقرار الموازنة وعلى رأسها البند الاول، الذي جاء فيه: «اذا لم تقرّ الخطة الطارئة للبواخر في أول جلسة لمجلس الوزراء لن نسير بالموازنة».
وعليه، يُنتظر أن تكون الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء صاخبة جداً وحاسمة، علماً انه في جلسة شباط، وهي آخر جلسة لمجلس الوزراء قبل جلسة الموازنة، تحدّثَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بنبرة عالية وربط العودة الى جلسات مجلس الوزراء بإقرار خطة الكهرباء حتى ولو اضطرّه الأمر للذهاب الى التصويت.
وكان لافتاً تصريح وزير «حزب الله» محمد فنيش لدى دخوله الى اجتماع اللجنة الوزارية في السراي الحكومي أمس برئاسة الحريري، حين أعلن «انّ موقف الحزب واضح وهو لن يسير بخطة البواخر».
ورأت مصادر وزارية في كلام فنيش بأنه سيخرق خط التحالفات داخل الحكومة، وسيقسّمها الى فريقين: مع وضد، من دون أن ينأى فريق بنفسه عنها.
وقالت مصادر وزارية معارضة لخطة الكهرباء لـ«الجمهورية: «انّ خطة استجلاب البواخر أصبحت بالنسبة الى «التيار الوطني الحر» ومعه تيار»المستقبل» خطة حياة أو موت». وأضافت: «لقد بنوا أوهاماً عن تحسين واقع الكهرباء عبر صفقة بواخر ستزيد الدَين دَيناً والعجز عجزاً، وغير صحيح انها ستؤمّن للبنانيين كهرباء 24 ساعة على 24 في غياب خطوط النقل والمعامل».
الموازنة
وغاب الحديث الكهربائي عن اللجنة الوزارية التي بدأت في اجتماعها احتساب خفض موازنات الوزارات والمقرّات. وقال الوزيرعلي حسن خليل لـ«الجمهورية»: «اذا لم نتّخذ إجراء يضعنا على سكّة الصرف الصحيحة، فإننا سنكون امام أزمة خطيرة في موازنة الـ 2018 وما سيليها من موازنات.
نحن ننفق حالياً من خارج المقرّر نحو ألف مليار ليرة، وتصلني كل يوم الى الوزارة عشرات المشاريع، ومنها على سبيل المثال 150 مليون دولار لمجلس الانماء والاعمار ومساعدات منها 300 مليار ليرة للهيئة العليا للإغاثة، وهذا كله صرف إضافي على العجز الموجود أصلاً، والذي لامَس الـ 10 آلاف مليار ليرة. على الحكومة ان تستفيق للواقع الذي نعيشه والانتخابات تزيد الطين بلّة، حيث تهافتت علينا المشاريع أكثر فأكثر. واذا استمرّت الحال على ما هي عليه سأقف أمام الجميع وأقول: لنوقِف النقاش. قولوا لي ماذا تقررون وأنا أنفّذ، وليتحّمل الجميع المسؤولية».
الترشحيات والانتخابات
ومع اقتراب السادس من آذار الموعد المحدد لإقفال باب الترشيح للانتخابات النيابية واقتراب انتهاء مهلة تشكيل اللوائح، تُسارع القوى السياسية الى نسج تحالفاتها، فيما وَجّه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق نداءً الى الناخبين اللبنانيين في لبنان والخارج للتذكير بأنّ مهلة تصحيح لوائح الناخبين تنتهي في 1 آذار. وأعطى المشنوق التعليمات حول طريقة مراجعة اللوائح وتصحيحها في حال وجود خطأ ما.
التحالفات
وفي معلومات لـ«الجمهورية» حول التحالفات الإنتخابية المرتقبة، ان الساعات القليلة الماضية شهدت حسماً شبه نهائي للتوجهات، خصوصاً على الساحة المسيحية، بحيث باتَ في الإمكان الحديث عن حصر إمكانات التحالف الجزئي والموضعي بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» في دائرتي بيروت، وربما في الشوف وعاليه إذا ما رَسا القرار على مواجهة بين «القوات» و«التيار» و«الحزب التقدمي الاشتراكي».
أمّا على خط حزبي»القوات» – «الكتائب» فيبدو انّ الامور المتعثرة أصلاً إزدادت تعثّراً، في ضوء مجموعة من العوامل أبرزها:
• إصرار «القوات اللبنانية» على الفصل بين التحالفات الانتخابية والتموضع السياسي.
• تَمسّك «القوات اللبنانية» بالاحتفاظ بحرية الخيار في التحالفات، خصوصاً مع «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، الى جانب احتمال التحالف مع «الكتائب». وبالتالي، التمسّك بعدم شمول التحالف المقترح بين «القوات» و«الكتائب» كل الدوائر الانتخابية حيث للجانبين حضور شعبي.
• إصرار «القوات اللبنانية» وتمسّكها بكل الترشيحات التي تقدّمت بها، خصوصاً في عاليه وكسروان – جبيل، علماً أنّ العقدة الأكبر ما زالت تتمثّل بالمقعد الماروني في البترون.
ورجّحت هذه المصادر ان تكون الايام القليلة الفاصلة عن موعد إقفال باب الترشيح مطلع الاسبوع المقبل فترة كافية لانصراف كل فريق الى تركيب لوائحه، بعدما تضاءلت فرَص التسويات.
وفي غضون ذلك، أكد الحريري «أنّ الإنتخابات النيابية المقبلة هي بمثابة استفتاء لاستكمال مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري للنهوض بالبلد، وتنمية الإقتصاد، وتحسين مستوى عيش المواطنين». ودعا «أبناء العاصمة» الى «الاقتراع بكثافة لتوفير مقوّمات استمرار هذا المشروع الذي يَصبّ في مصلحة البلد ككل». ووعد «بالاهتمام بتنفيذ مشاريع البنى التحتية ومستلزمات الخدمات الضرورية للمناطق المحرومة، وخصوصاً في عرمون وبشامون».
من جهته، أعلن رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع أنّ «هناك من يحاول عَزلنا واستفرادنا واضطهادنا وملاحقتنا، ولم أستطع فهم ما هي القوّة القادرة التي تمكّنت من جمعهم بعضهم مع بعض ضدنا؟! ويبدو أنّ القوّة القادرة هي «القوّات اللبنانيّة» لأنها بالفعل هي وحدها التي تقف في نهاية المطاف مع الشرعيّة».
بدوره، إعتبر حزب الكتائب «انّ الحل الوحيد للخروج من الأزمات التي يَتخبّط بها لبنان هو في التغيير عبر صناديق الاقتراع، وهي الفرصة التاريخية لإعادة بناء وطن حضاري تحلم به الأجيال الطالعة».