المشهد السياسي يَسلك مسارات متعدّدة في آنٍ واحد؛ أمنياً وسياسياً وانتخابياً ومالياً، فيما حضَر لبنان وسط هذه الأجواء، في المحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع المسؤولين البريطانيين، وانعكس ذلك في بيانٍ مشترَك بين الطرفين صَدر في ختام زيارة ولي العهد لبريطانيا، حيث عبّر البلدان «عن دعمهما للحكومة اللبنانية وأهمّيةِ تمكينِها من بسطِ سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية ونزعِ سلاح ميليشيا «حزب الله»، والتصدّي لدورها المزعزع للاستقرار». وبحسب البيان الذي وزّعته «وكالة الأنباء السعودية»، فإنّ البلدين «اتّفقا على أنّ أيَّ حلٍّ سياسي يجب أن يؤدّي إلى إنهاء التهديدات الأمنية للمملكة العربية السعودية، والدول الإقليمية الأخرى، وشحنات البحر الأحمر، بالإضافة إلى إنهاء الدعمِ الإيراني للميليشيات وانسحاب العناصر الإيرانية و»حزب الله» من اليمن».
في الأمن استرخاءٌ يقترن بتطمينات من المراجع العسكرية والأمنية، وفي السياسة، هدوء بشكل عام، وفي الوضع المالي استعجال من أهلِ السلطة لإنجاز موازنة بعجزٍ واضح ولا إصلاحات، وهو الأمر الذي يعزّز الخشية من أن يؤثّر غياب الإصلاحات على ما هو منتظر من عطاءات ودعمٍ للبنان من المؤتمرات الدولية.
وأمّا انتخابياً، فكلّما تقلّصَت المدة الزمنية الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل، زاد الإرباك السياسي، واحتدم تنافُس الماكينات الانتخابية اكثر فأكثر، في حقل ألغامِ التحالفات التي زَرعت تعقيداتُها وصعوبةُ صوغِها والنفَسُ الاستئثاري المتحكّم ببعض الأطراف، عبواتٍ ناسفة في العلاقات، في داخل القوى السياسية، وبينها وبين القوى الحليفة لها، وخصوصاً أنّ طبيعة القانون الانتخابي فرَضت على كلّ طرف الدخولَ في معركة «الحاصل الانتخابي» في غالبية الدوائر، وغلّبَ التوجّه الى التحالفات الموضعية، على التحالفات الشاملة.
العقد العادي
في هذه الأجواء، يقف مجلس النواب على عتبة الدخول في عقدِه العادي الأوّل يوم الثلاثاء 20 آذار الجاري، وهو العقد الأخير للمجلس الذي تنتهي ولايته في 21 أيار المقبل. وبسرَيان العقد العادي، يصبح في مقدوره الانعقاد في جلسات تشريعية، لعلّ أولاها جلسة يَعقدها المجلس لإقرار تعديل القانون الانتخابي لجهة وقفِ العمل في الانتخابات المقبلة بالبطاقة الممغنَطة، وأمّا الثانية فهي المتعلقة بإقرار الموازنة العامة للسنة الحالية. وهذا مشروط بإحالة الحكومة لمشروع الموازنة إلى المجلس مطلعَ الأسبوع المقبل.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه تلقّى وعداً بأن يتسلّم المجلس الموازنة يوم الاثنين أو الثلاثاء على أبعد تقدير. وأوضَح أمام زوّاره أمس أنه سيحيل المشروع إلى اللجنة النيابية للمال والموازنة فور ورودِه، مؤكّداً أنّ التوجّه هو لعقدِ جلسات نهارية ومسائية للّجنة بما يمكّنها من إنجاز مهمتِها خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الاكثر، بما يعني إمكان عقدِ جلسة لإقرار الموازنة أواخر آذار الجاري، أو مطلع نيسان المقبل.
وقال: «إنّ التأخير في الموازنة يؤدي إلى مشكل كبير، ومِن شأنه أن يؤثّر على المؤتمرات الدولية التي يعوّل عليها لبنان في تقديم الدعم له، وأنا مِن جهتي أرفع الصوتَ في اتّجاه التعجيل في إنجازها، وبالتأكيد بنسبة عجزٍ أقلّ مِن عجز السنة الماضية».
وأكّد بري أنّ الأولوية حالياً هي للانتخابات والتحضيرات لها.
«الدفاع الأعلى»
إلى ذلك، انعقد مجلس الدفاع الأعلى في القصر الجمهوري في بعبدا أمس بالتزامن مع اعتصام نفَّذه العسكريون المتقاعدون في ساحة رياض الصلح مطالِبين بإنصافهم وإلغاء تجزئة سلسلة الرتب والرواتب على مدى ثلاث سنوات، والعمل على دفعِها فوراً مع الفروقات المستحقّة.
وأشار مجلس الدفاع في بيان إلى أنه «عرض الأوضاع الأمنية في البلاد والإجراءات المتخَذة للمحافظة على الأمن والاستقرار، إضافةً إلى التدابير التي ستُتّخَذ خلال الانتخابات النيابية المقبلة. كذلك عرَض المجلس للتحضيرات الجارية لمشاركة لبنان في مؤتمر روما 2 لدعمِ الجيش والقوى الأمنية اللبنانية».
محضر
وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحدَّث في بداية الاجتماع شارحاً الظروفَ التي فرَضت الدعوة إليه والعناوين المقترحة على جدول أعماله، مشدّداً على أهمّية أن يبقى المجلس على استعداد لتناولِ مختلفِ التطورات وقراءة تردّدات الأحداث المحتملة وضرورة توفير الجهوزية لمواجهة أيّ طارئ أمني محتمل أن تكون انعكاساته على الحدود أو في الداخل.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ الاجتماع تناوَل في الجزء الأوّل منه التدابيرَ الأمنية المقررة لمواكبة الانتخابات النيابية المقبلة والترتيبات الأوّلية التي تمّ التفاهم بشأنها لضمان إجرائها في أفضل الظروف الأمنية وتمّ التوافق على متابعة التحضيرات بالتنسيق بين مختلف الأجهزة من قوى أمنية وعسكرية ومدنية لإدارة الخطة في المرحلة التي تسبق فتحَ صناديقِ الاقتراع والتي تليها، من خلال غرفة عمليات مشترَكة تضمّ جميعَ هذه القوى.
وحول هذا الموضوع أعلنَ وزير الداخلية نهاد المشنوق الجهوزية التامة في كلّ المناطق وخصوصاً حول مراكز الاقتراع، وأبلغ المجتمعين أنّ إجراءات استثنائية اتّخِذت في الأماكن التي لها وضعٌ خاصّ وحسّاس.
كذلك تناوَل المجتمعون بشكل عرَضيّ وسريع التطوّرات الجديدة المتصلة بالجدار الإسرائيلي الإسمنتي وما يتّصل بملف الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، حيث تبيّن أن لا جديد على هذا الصعيد، فتمّ التأكيد على القرارات السابقة المتصلة بالملفّين وتنفيذها إلى النهاية الحتمية التي تؤول إليها.
وأكّدت المصادر الوزارية أنّ الاجتماع لم يتناول ملفّ المسرحيّ زياد عيتاني والمقدّم سوزان الحاج، مشيرةً إلى أنّ معظم الاجتماع خُصّص للبحث في التدابير التي تعتمدها القوى الأمنية والعسكرية وخصوصاً ما يتّصل بالتدابير المتدرّجة من التدبير رقم 1 والتدبير رقم 2 وصولاً إلى التدبير رقم 3 والتعويضات التي يتمّ اللجوء إليها وما تفرضه من علاوات وتعويضات إضافية تزيد على الرواتب الشهرية للعسكريين وبرامج التعويضات في نهاية الخدمة الخاصة بالضبّاط والعسكريين حسب الرتب المختلفة من دون البحث بأيّ مشروع أو اقتراح بوقفِ العمل فيها منعاً للمسّ أو الضرر الذي يمكن أن يلحق بالعسكريين من مختلف الأجهزة قادةً وضبّاطاً ورتباء وجنوداً من مختلف الرتب والمواقع.
وقالت المصادر «إنّ قادة الأجهزة العسكرية والأمنية المشاركين في الاجتماع قدّموا تقارير تفصيلية، كلٌّ مِن موقعه، مِن ضِمن مسؤوليته عن جهازه ومؤسسته، وشرَحوا الظروف والأسباب التي تفرض اتّخاذ مِثل هذه التدابير والتي تقود إليها بشكل متدرّج بالإضافة الى كيفيةِ احتساب التعويضات الإضافية التي تفرضها كلّ حالة من هذه الحالات ومدى انعكاساتها على موازناتها».
وهنا تحدَّث رئيس الحكومة سعد الحريري منوِّهاً بالمهامّ التي تقوم بها وحدات الجيش، داعياً إلى البحث في كلّ هذه القضايا بما يضمن ترشيد الإنفاق مع التشديد الذي أكّد عليه رئيس الجمهورية لجهة عدمِ المسّ بمعنويات المؤسسات العسكرية والأمنية.
كذلك تحدَّث وزير المال علي حسن خليل، فلفتَ في تقرير أوّلي عن كلفةِ التدابير الثلاثة والأرقام المقدّرة لها في مختلف مراحلِها وانعكاساتها على الموازنة العامة، وأجرى مقارنةً بين ما كان عليه الوضع قبل تطبيق ما قالت به سلسلة الرتب والرواتب الجديدة وما كان قبلها وبعدها وكلفتها المقدّرة.
وجرى نقاش مستفيض حول هذا الموضوع شارَك فيه المشنوق وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان مقدِّمين شروحات لِما يمكن أن يترتّب على هذا التدبير، سواء بقيَ أو ألغِي أو أعيدَ النظرُ فيه.
وجرى التباحث أيضاً، في سنوات الخدمة للضبّاط والعسكريين وضرورة احتسابِها بنحوٍ لا ينتج عنه تعويضات باهظة إذا ما بقيَت السنة مضروبةً بـ 3 سنوات. وبالتالي خلصَ النقاش الى أنه إذا ما ألغِيَ التدبير فإنّ رواتب العسكريين تصبح أقلَّ مِن رواتب المدنيين، الأمر الذي دفعَ برئيس الجمهورية إلى طلبِ إعادةِ النظر وإعداد تقارير ودراسات لكلّ جهاز أمني من إحصاءات وأرقام إضافةً إلى التداعيات السلبية والإيجابية لقرار الإبقاء على التدبير أو تعديله. وقال للمجتمعين: لا يجب أن نقوم بأيّ خطوة من دون درسِها وفهمِ أبعادِها لكي لا يكون هناك أيُّ خللٍ، متحدّثاً عن تضحيات العسكريين.
وفي جانب من الاجتماع أكّد كلّ قادة الأجهزة جهوزية أوراقِهم من واقع وحاجات، والتي ستعرَض في مؤتمر روما الخميس.
وفي نهاية الاجتماع تمّ التوافق على أن يقوم كلّ قائد جهاز أمني بوضع تقرير مفصّل بأوضاع جهازه من مختلف الزوايا الأمنية والعسكرية والمادية والبدائل الممكنة ممّا هو معتمد إلى اليوم قبل الاتّفاق على موعدٍ آخر للبحث في هذه البدائل وما يمكن اللجوء إليه من تدابير مالية وإدارية.
مصادر أمنية
إلى ذلك، قالت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية»: إنّ «قائد الجيش العماد جوزف عون قدّم عرضاً وشرحاً وافياً لوجهة نظر الجيش حول موضوع إلغاء التدبير رقم 3، مدعِّماً موقفَه بالوثائق والمستندات، حيث قرّر المجتمعون الإبقاءَ حالياً على العمل بالتدبير، كذلك طلبوا من قيادة الجيش إعداد دراسة إحصائية تفصيلية حول عديد الجيش والتعويضات وتكاليفها، وإحالتها إلى المجلس الأعلى للدفاع ليُصار إلى اتّخاذ القرار المناسب بشأنه».