IMLebanon

مانشيت:المنطقة على نار الإشتباك الأميركي – الروسي.. ولبنان على مفترق الإنتخابات والمؤتمرات

 

لبنان المنهمك بالإعداد للاستحقاق الانتخابي بعد 52 يوماً، وبمحاولات انتشالِ اللوائح المتنافسة من عمقِ التناقضات والخلافات السياسية، يحاول في ما أبقاه هذا الاستحقاق من وقتٍ للسياسيين، اللحاقَ بمسلسل التطوّرات المتسارعة من حولِه، والتي تنذِر بإسقاط وقائع جديدة على مساحة المنطقة، قد تعيد خَلط الأوراق وترسم علامات استفهام حول الآثار التي ستُرخيها، والمدى الذي ستبلغه بدءاً بالملف النووي الإيراني وصولاً إلى الأزمة السورية التي شهدت في الآونة الأخيرة تحوّلاتٍ نوعية في خريطة المواجهات العسكرية والسياسية.

في المقلب الأوّل للصورة الداخلية، يسود ترقّب لبناني حذِر للتطوّرات الدولية والاقليمية التي تشهد تسارعاً خطيراً، إنْ حول الملف النووي الايراني، وتصاعُد الاشتباك الاميركي ـ الايراني حوله، الى حدٍّ بات ينذِر بوضعِ هذا الملف مجدّداً في دائرة إعادة النظر فيه من قبَل الادارة الاميركية، بالتزامن مع تلويح ايران بالخروج منه تِبعاً لأيّ إجراء أميركي، وإنْ حول اسباب الاشتباك الاميركي ـ الروسي وخلفياته وتداعياته والذي بلغَ مرحلة احتدامٍ غير مسبوق على الجبهة السورية، وفي الميدانَين السياسي والعسكري في آنٍ معاً، الأمر الذي أدخَل المنطقة في حالٍ من حبسِ الأنفاس، تتعزّز معها الخشية من اتّساع رقعة الاحتمالات السلبية الى ما أبعد من نقطة الاشتباك، ومن شمولِ شظاياها وتداعياتها لبنانَ بشكل أو بآخر، وهو ما ستُظهره الأيام المقبلة.

مؤتمر روما

وفي المقلب الثاني، ترقّبٌ إيجابي لبناني رسمي وسياسي، لِما سيتمخّض عن مؤتمر روما 2 المنعقد في العاصمة الايطالية، وحضَر لبنان فيه رسمياً عبر رئيس الحكومة سعد الحريري على رأس وفدٍ وزاري، وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. وقد بدأت أمس الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر برَز فيها لقاء الحريري بمساعِد وزير الخارجية الاميركية دايفيد ساترفيلد، وبَحث معه التحضيرات للمؤتمر، كما عَقد قائد الجيش لقاءً مع رئيس أركان الدفاع الإيطالي الجنرال كلاوديو غراتسيانو وبحَث معه سُبلَ تطوير العلاقة بين الجيشين اللبناني والايطالي وتفعيلها.

المشنوق

وفيما عبَّر الحريري عن تفاؤله بالمؤتمر وأشار إلى إيجابيات مؤكّداً أنّه «سيكون هناك دعمٌ عربيّ كبير للبنان في مؤتمر روما، ونحن ملتزمون بالنأي بالنفس، والفرَقاء في لبنان يطبّقونه»، رأى عضو الوفد الوزاري وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ البيان الختامي للمؤتمر سيكون سياسياً، مستبعداً أن يكون هناك نصّ يؤثّر على استقرار لبنان.

وقال لـ«الجمهورية»: المجتمع الدولي متفهّم لأوضاعنا الداخلية ويولي أهمّية قصوى لاستقرارنا. وللمرّة الأولى يطرح لبنان استراتيجية لخمسِ سنوات للجيش وقوى الأمن الداخلي، وهذا أمر جيّد، وفي اجتماعاتي أنا شخصياً مع معظم السفراء المعنيين لمستُ إيجابية مطلقة لدعمِ لبنان».

وأشار الى أنّ هذا المؤتمر «هو بتمثيلٍ عالٍ ويعكس نيّات جيّدة على مستوى كل الدول المشاركة، وستسمعون غداً (اليوم) أخباراً جيّدة، عِلماً أن لا أحد ينتظر مردوداً مباشراً، فالخطط ستناقش مع الجهات المعنية وتحتاج الى وقتٍ، وبالتالي على القوى السياسية في لبنان أن تحافظ على الاستقرار الداخلي للاستفادة من نتائج هذا المؤتمر».

ورداً على سؤال قال المشنوق: «نحن لا نتوقع سلاحاً هجومياً، لكن أقلّه أنّ السلاح الدفاعيّ سيؤمّن وبتقنيات متطوّرة وعالية».

إبراهيم

وقال اللواء ابراهيم لـ«الجمهورية»: «الجيش والأمن العام وقوى الأمن الداخلي، كلّ منها لديه متطلباته واحتياجاته، وتمّ تقديم خطط في هذا الشأن وسُلّمت الى المعنيين الذين عبّروا عن استعدادٍ لتلبيتها وتقديمِ الدعم».

وأضاف: «إنّنا متفائلون بالنتائج التي سينتهي إليها المؤتمر، وما يعزّز هذا التفاؤل هو هذه التظاهرة الكبيرة السياسية والعسكرية التي تُقام في روما دعماً للبنان، نحن نلمس بشكلٍ واضح نيّةً جدّية لدى هذه الدول لدعمِ الجيش والأجهزة الامنية. وفي الخلاصة، الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وننتظر النتائج والإيجابيات إن شاءَ الله».

مرجع سياسي لـ«الجمهورية»

والواضح من أجواء الوفد اللبناني، أنّ لبنان يعوّل على المؤتمر كفرصةٍ شديدة الاهمّية، ويَحدوه الاملُ فيها بأن يحظى بالرعاية والدعمِ الكاملين للمؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية وفي مقدّمِها الجيش اللبناني.

واللافت أنّ الايجابيات التي تحرص المستويات الرسمية اللبنانية على إسقاطِها على المؤتمر ونتائجِه قبل انعقاده، مردُّها، كما كشَف مرجع سياسي لـ»الجمهورية»، إلى تأكيدات اقليمية ودولية تلقّاها أركان الدولة، وكذلك المراجع العسكرية والامنية بوجود توجّهٍ جدّي لتقديم الدعمِ الملموس للجيش والمؤسسات الأمنية، وهو الأمر الذي حفّز على إعداد جداول بالاحتياجات الأمنية والعسكرية.

وأكّد المرجع تفاؤله بأن يخرج لبنان من «التظاهرة الدولية» الداعمة له، بما وصَفها، «غنيمة دسمة» تسدّ ولو الحدَّ الادنى من الاحتياجات العسكرية والتسليحية. إلّا أنّ ما يخشاه المرجع المذكور هو دخول العامل الاسرائيلي على الخط ومحاولة التأثير على بعض الدول، لعرقلةِ الجهود الدولية الرامية الى دعمِ الجيش اللبناني، خصوصاً وأنّ المستويات السياسية والعسكرية الاسرائيلية عبّرت علناً عن اعتراضها على تسليح الجيش اللبناني بذريعة أنّ هذا السلاح يمكن أن يصل إلى «حزب الله»، وهي ذريعة واهية بشهادة المجتمع الدولي كلّه».

ويَخلص المرجع إلى القول: «المهم بالنسبة إلى لبنان هو أن يأكل العنب في نهاية المطاف، ونتيجة التجارب السابقة لا نستطيع إلّا أن نكون مِثلَ توما، أريد أن أرى بعيني وألمسَ بيَدي ، ما يعني أنّ الأهمّ بالنسبة إلينا هو ألّا يكون لبنان اليوم أمام فصلٍ جديد من الوعود التي تبقى حبراً على ورق، والتي يشبه مصيرُها مصيرَ المبالغ بالمليارات التي تقرّرت في العديد من القِمم العربية لدعمِ لبنان ولم يصل منها إلى لبنان قرشٌ واحد».

الحدود

في سياقٍ متّصل، برَز في الساعات الماضية تطوّر بارز على صعيد الحدود البرّية اللبنانية، وصَفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالانتصار، ويتمثّل بتثبيتِ نقطةٍ حدودية حسّاسة (النقطة ب) في منطقة الناقورة، ومن شأن ذلك ان يؤدي الى انقلابٍ في الصورة الحدودية البرّية وكذلك البحرية على ما كانت عليه قبل هذا التثبيت، والذي كان من شأنه ان يخلقَ إشكالات وتوتّرات على جانبَي الحدود، ويهدّد بالتالي الحدود البحرية وما تكتنزه من ثرواتِ نفطٍ وغاز هي مِن حقّ لبنان.

وجاء هذا التثبيت، برعاية اليونيفيل، بعد اجتماع في مقرّ قيادتها في الناقورة، تمّ بَعده الانتقال الى الحدود وتحديدُ النقطة «ب» نهائياً على خط الحدود البرّية الجنوبية.

والمعلوم أنّ إسرائيل كانت على مدى المرحلة السابقة تحاول أن تتجاوز تلك النقطة لوضعِها على بضعة أمتار في البر، إلّا أنه تبيَّن أنّ لها امتدادها الخطير في البحر، بما يهدّد المنطقة النفطية اللبنانية. وقد سعَت إسرائيل في الآونة الاخيرة الى تعديلٍ في تلك النقطة مقترحةً أن يتمّ تقاسُمها بينها وبين لبنان، الذي رفضَ هذا الاقتراح، وأصرَّ على ان يتمّ التحديد الدقيق لتلك النقطة عبر «اليونيفيل».

وعلى هذا الاساس عقِد اجتماع الأمس، وانتقل خلاله وفدٌ عسكري لبناني مع «اليونيفيل» الى تلك النقطة، حيث تبيَّن فيها لـ«اليونيفيل» وجود الصخرة التاريخية التي وضِعت كعلامة للحدود بين لبنان وفلسطين في العام 1923، وهي نفسُها التي اعتمد على أساسها ترسيمَ خط الهدنة.

11 يوماً للّوائح

إنتخابياً، أحد عشَر يوماً هي الفترة المتبقّية من مهلة الإعداد الإلزامي للّوائح الانتخابية، التي تنتهي في السادس والعشرين من الشهر الجاري. وبرغمِ ضِيق المساحة الزمنية، فإنّ التعثّر في صَوغ التحالفات يبقى سيّد الموقف حتى الآن، وتبدو غالبية الدوائر خاضعةً للأمزجة السياسية، التي ثبتَ عجزُها عن ابتداع المخارج والحلول التي تُذلّل العقبات المانعة لإخراج اللوائح من قمقمِ التعقيدات والمطالب التعجيزية الصادرة من هذا الطرف أو ذاك.

هذا التعثّر الذي صعّبَ على القوى السياسية عملية بناء لوائح مشتركة بين بعضها البعض، شكّلَ دافعاً لمعظم الاطراف للعودةِ كلٌّ إلى مربّعِه، ومحاولةِ بناء لوائحِه من طرفٍ واحد وفقاً لتوجّهاته وبتحالفاتٍ مختارة تصبّ أصواتها التفضيلية في مصلحته، ويؤشّر ذلك الى أنّ حلبة الانتخابات النيابية في 6 أيار مرشّحةٌ لأن تشهد تنافساً شديداً بين مجموعة كبيرة من اللوائح المكتملة وغير المكتملة، ما يُغلّب، تبعا لذلك، فرَضية أن تحمل صناديق الاقتراع الكثيرَ من المفاجآت.

وعلى الرغم من افتراق الماكينات الانتخابية وتنافسِها الملحوظ، إلّا أنّها تلتقي عند الاعتراف بأنّ محاولات ترسيم الحدود الانتخابية وتحديد اللوائح، معقّدة، وثمّة صعوبةٌ شديدة في محاولة إنزالِها عن حبل التناقضات السياسية المعلقةِ عليه، وهو الأمر الذي يؤشّر إلى صعوبة الخروج قريباً من هذه المتاهة، وتوقّفِ القوى السياسية على اختلافها عن الدوران حول ذاتها.

وقد يكون طبيعياً ومبرّراً لجوءُ كلِّ طرفٍ لتحشيد كلّ عدّتِه الانتخابية وتجميعِ أوراقه الانتخابية وتوسيع دائرة حظوظه وتغليبِ مصالحه وتحسينِ ظروف واحتمالات وإمكاناتِ فوزه في الاستحقاق الانتخابي المقبل، إلّا أنّ ما يُخشى منه هو أن ينسحب ما قد تثيره من إشكالات والتباسات ومناكفات على مرحلة ما بَعد الانتخابات. وكان لافتاً في هذا السياق ما قاله بري أمام «نواب الأربعاء» بـ»أنّ الجميع منصرفٌ اليوم للاستحقاق الانتخابي، الذي سيكون بعده يومٌ آخر نأمل أن تتعزّز فيه مسيرة لبنان واللبنانيين نحو مزيدٍ من الوحدة والاستقرار والازدهار».

جعجع

وأمس أطلقت «القوات اللبنانية» حملتها الانتخابية بعنوان «صار بدّا» بحضور مرشّحي الحزب والحلفاء المرشّحين. ودعا رئيس الحزب سمير جعجع إلى عدم الاقتراع « لمصلحة أيّ لائحة تضمّ أحداً يبرّر أو يغطّي الخللَ الفاضح الموجود في الدولة».

ودعا اللبنانيين إلى «التخلّصِ من السياسيين الفاسدين بدل مجرّدِ الكلام عنهم، فالكلام لم يأتِ يومًا بنتيجة ولم يقدّم أو يؤخّر». وقال: «عليكم صنعُ الدولة في 6 أيار بأصواتكم، فنحن كمواطنين لبنانيين لدينا فرصة ذهبيّة كي نبدأ في صناعة الدولة، وهي تكمن عندما نرفض الاقتراع لأيّ أحدٍ يؤيّد أو يبرّر أو يغطّي الواقعَ العسكري الأمني الاستراتيجي الشاذ الذي نعيشه اليوم في لبنان».

موازنة «ملغومة»

على صعيدِ الموازنة، تَقرَّر عقدُ جلسات مكثّفة للّجنة النيابية للمال والموازنة اعتباراً مِن يوم غدٍ الجمعة بجلسات نهارية ومسائية لدرسِ مشروع موازنة العام 2018، حيث وعَد رئيس المجلس بإقرارها قبل نهاية هذا الشهر، نظراً لمصادفة عيد الفصح المجيد وقبل انعقاد مؤتمر باريس في 6 نيسان المقبل.

والملاحظ من خلال الأرقام والمؤشرات التي وردت في مشروع الموازنة، أنّ الحكومة عملت على خفضٍ بسيط لتخفيف العجز، لكنّها عمدت الى أساليب تجميلية تؤدي إلى خفضٍ دفتريّ في العجز، في حين تبقى الأمور على خطورتها وحقيقتها ماليّاً. كذلك عمدت الحكومة إلى التذاكي من خلال فصلِ عجزِ الكهرباء من متنِ الموازنة. ولوحِظ أيضاً إعادةُ جدوَلةِ دفعِ مستحقّات بعض المشاريع التي بدأ تنفيذُ بعضها، بحيث تمّ خفضُ الدفعات المقرّرة في العام 2018، وجرت زيادة الدفعات للعام 2019، بما يوحي بنقلِ جزءٍ من المشكلة إلى العام المقبل.

وبهذه الطريقة تأمل الحكومة في أن تتوجّه إلى مؤتمر «سيدر» بأرقامٍ دفترية توحي للدولِ المشاركة بأنّ لبنان يعمل على خفضِ العجز تدريجياً. لكنّ الواقع المرير ينكشف في مكانٍ آخر في الموازنة، حيث تنصّ المادة الخامسة في بندِها الثاني الإجازة «للحكومة إصدارَ سنداتِ خزينة بالعملات الأجنبية بحدودِ مبلغٍ لا يتجاوز ستّة مليارات دولار أميركي. بما يعني أنّ البلد مقبلٌ على الاقتراض بقيمة 6 مليارات دولار في العام 2018، سواء استُخدمت الاموال لتغطية العجز، أو لاستبدال ديون.