في خضمّ الاهتمام باستحقاق الانتخابات النيابية؛ حملاتٍ وتحضيرَ لوائح ونسجَ تحالفاتٍ ينجح هنا ويفشل هناك، تتبَّعت الأوساط اللبنانية مفاعيلَ التحوّل الجاري في السياسة الخارجية الأميركية وما يَعكسه من معالم مواجهة على ساحاتٍ في المنطقة والعالم، وكذلك تتبَّعت تطوّرات التصعيد الروسي ـ البريطاني غير المسبوق، وتبادلَ طردِ السفراء بين موسكو ولندن، على خلفية تسميمِ العميل الروسي السابق سيرغي سكربيل وطردِ ديبلوماسيين. كذلك لفتَ الأنظارَ تصعيدُ النبرة السعودية ضدّ إيران عبر تهديد وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنّ بلاده ستسعى إلى حيازة قنبلةٍ نووية في أسرع وقتٍ ممكن في حال نجَحت طهران في تطوير هذا النوع من السلاح، واصفاً المرشدَ الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي خامنئي بـ»هتلر المنطقة». ولم تغِب عن الاهتمامات التطوّرات العسكرية التي تشهدها الغوطة الشرقية التي خرَجت منها أمس دفعاتٌ جديدة من المدنيين، وكذلك عفرين وإدلب. غير أنّ مجمل هذه الأحداث والتطوّرات الإقليمية والدولية، على أهمّيتها، لم تحجب الأنظارَ عن التظاهرة الدولية التي شهدتها العاصمة الإيطالية مع انطلاق أعمال مؤتمر «روما 2 « المخصّص لدعمِ الجيش والقوى الأمنية اللبنانية. والذي صدر بيانه الختامي ليلاً متحدثاً عن «مساهمات كبيرة قدمها شركاء لبنان» ومؤكداً تبني المؤتمرين خطط التسليح التي قدمها لبنان. (التفاصيل ص8)
نجَح لبنان أمس في تأمين انعقاد مؤتمر «روما 2» الذي حضَره ممثلو41 دولة. ولمسَ لدى هذه الدول نيّةً حقيقية بمساعدته، وخصوصاً مساعدة الجيش اللبناني.
لكنّ «كلمة السر» في المؤتمر كانت: «عليك (لبنان) أن تساعد نفسَك لكي نستطيع مساعدتك، وبمقدار ما تلتزم القرارات الدولية وسياسة «النأي بالنفس» وتحييد نفسِك عن نزاعات المنطقة، بمقدار ما يَكبر حجم المساعدات وتتعزّز الحماية الدولية».
وفي هذا الإطار، علمت «الجمهورية» أنّ المسؤولين الذين اجتمعَ بهم رئيس الحكومة سعد الحريري على هامش المؤتمر أجمعوا على ضرورة أن تترجِم الحكومة اللبنانية فعلياً بيانَ «النأي بالنفس» الذي صَدر عنها منذ ثلاثة أشهر. ودعوا إلى احترام القرار 1701 بنحوٍ أكثر فاعلية، وتمنّوا حضوراً عسكرياً وأمنياً للدولة اللبنانية في جنوب الليطاني وعلى طول الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية في هذه المرحلة الدقيقة، لكي لا يكون هناك انتشار لغير قوى الشرعية اللبنانية، ما يعطي ذريعةً لإسرائيل لإدخال لبنان في إطار أيّ مواجهة يُحكى عنها.
وفي المعلومات أيضاً أنّ المجتمعين في روما دعوا السياسيين إلى عدم زجِّ الجيش اللبناني في استحقاقاتهم الانتخابية وفي نزاعاتهم الداخلية لأنّ لبنان ظلّ صامداً حتى الآن بفِعل المؤسسة العسكرية».
في المقابل، طلبَ المجتمع الدولي من «حزب لله» التزامَ بيان «النأي بالنفس»، معتبراً «أنّ الترجمة الفعلية لهذا الالتزام تكون بالانسحاب العسكري من سوريا».
لكنّ الجانب اللبناني، وبمقدار ما أبدى استعداداً أمام المجتمع الدولي لتعزيز الانتشار العسكري للجيش في الجنوب اللبناني، أبدى عدم قدرتِه على أن يفرضَ على «حزب الله» الانسحابَ من سوريا، وتمنّى على المجتمع الدولي «أن ينظر إلى قضية الحزب كقضية إقليمية أكثر ممّا هي قضية لبنانية». ولكنّ الجانبين الأوروبي والأميركي لم يقتنعا بالجواب اللبناني. وسمعَ لبنان تحذيرات من الأوضاع المقبلة وأنّ مِن مصلحته تحييدَ نفسِه لكي لا تشمله أيّ تطوّرات يمكن أن تحدث.
غوتيريس
وكان الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس قد شدّد خلال المؤتمر على ضرورة تضامنِ المجتمع الدولي مع لبنان، ورأى «أنّ الانتخابات في أيار المقبل دليل على التزام لبنان بالديموقراطية». وقال «إنّ المؤسسات الأمنية في لبنان حقّقت كثيراً وحقّقت الأمنَ على الحدود، وإنّ ذلك لم يكن ممكناً لولا دعمُ دولِِ كبريطانيا والولايات المتحدة». ودعا إلى «الالتزام بالاستقرار في لبنان من أجلِ الشعب اللبناني والاستقرار في المنطقة».
الحريري
وحضَرت الاستراتيجية الدفاعية في كلمة الحريري أمام المؤتمرين، فأكّد أنّ مناقشتها ستتمّ عقب الانتخابات النيابية. وأعلن انضمامه إلى دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المجتمعَ الدولي «لدعمِ القوات المسلحة اللبنانية، بغية تمكينِها من الاضطلاع بواجبها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وفقاً لاستراتيجية الدفاع الوطني». وقال: «لقد التزَمنا الاستثمار في جيشنا وقوّاتنا الأمنية في موازنتنا الجديدة. ومعاً، وبدعمِكم والتزامكم، يمكننا بناء شراكةٍ قوية لحماية مؤسسات الدولة اللبنانية».
وتحدَّث عن سياسة النأي بالنفس التي التزَمتها الحكومة، وأشار إلى «أنّ هذا الأمر يشكّل اليوم مسؤوليةً جماعية، وتراقبُه كلّ مؤسسات الدولة عن كثب لضمان تنفيذِه من أجل مصلحةِ لبنان الوطنية في الحفاظ على أفضل العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي عموماً». ودعا إلى إعطاء لبنان «الفرصة والوقتَ لإنجاز ذلك».
وتناوَل الحريري في كلمته أيضاً القرارَين الدوليين 1701 و 2372 «اللذين بحدّ ذاتهما يحضّان المجتمعَ الدولي على دعمِ قوّاتِنا المسلحة». وكشَف أنه «سيتمّ إرسال مزيدٍ من جنود الجيش اللبناني إلى الجنوب مع تأكيد النيّة لنشرِ فوجٍ نموذجي هناك». وتطرّقَ إلى تهديدات إسرائيل وانتهاكاتها اليومية لسيادة لبنان، مشدّداً على وجوب توقّفِ هذه الانتهاكات.
البخاري
وشارَك في مؤتمر روما القائمُ بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري إلى جانب رئيس الوفد السعودي إلى المؤتمر، وقال في تغريدةٍ له عبر «تويتر»: «المملكة ضنينة على سلامة لبنان واستقراره والمحافظة على وحدته الوطنية». وقد عاد البخاري ليلاً إلى بيروت.
قائد الجيش
وعلى هامش مؤتمر روما، حضَر قائد الجيش العماد جوزف عون، اجتماعاً في قيادة القوات المشتركة الإيطالية، وقدّم عرضاً مفصّلاً عن حاجات الجيش. وأبدى الجانب الإيطالي تجاوباً كبيراً مع حاجاته القتالية التي تدعمه وتعزّز قدراته في مجالات التسليح والتدريب واللوجستية.
وقالت مصادر مواكِبة لمؤتمر روما لـ»الجمهورية» إنّ برنامج لقاءات قائد الجيش كان حافلاً في يومه الثاني، إذ اجتمع إلى أكثر من شخصية عسكرية ايطالية، حيث سمع إشادةً بدور الجيش ودعماً مطلقاً للمؤسسة، بعدما قدّم شهادة حيّة لتجربة القوات المسلحة اللبنانية في دحرِ الإرهاب، فيما أبلغَه قائد القوات الجوّية الايطالية الاستعدادَ لتدريب الطيّارين اللبنانيين.
وكانت لافتةً الحفاوة الكبيرة التي خصَّ بها رئيس أركان الدفاع الإيطالي الجنرال كلاوديو غراتسيانو ضيفَه اللبناني، وتأكيدَه عمقَ العلاقة بين الجيشين، متطرّقاً الى تجربته الخاصة في لبنان عبر قيادته لقوات «اليونيفيل».
كذلك بدا العشاء الرسمي الذي أُقيم على شرف الوفد اللبناني العسكري، لافتاً أكثر، وكشفَ الجانب الايطالي أنّه استفاد من تجربة الجيش اللبناني في مهمة حفظِ الأمن في الداخل وانتشاره، مستعيناً بالخطط اللبنانية لنشر 7000 آلاف جندي إيطالي لضبط الأمن ومساعدة القوى الأمنية الأخرى.
السياسة الأميركية الجديدة
على صعيدٍ آخر، توقّفت مصادر ديبلوماسية عند مسار التغييرات في السياسة الخارجية الاميركية بعد تعيين الرئيس دونالد ترامب المتشدّد مايك بامبيو، رئيس وكالة الإستخبارات المركزية، وزيراً للخارجية خلفاً لريكس تيلرسون المعترض علناً على بعض قراراته ومنها قرارُ نقلِ السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وفرضُ رسومٍ على استيراد الفولاذ والألمنيوم.
والخلاف معه حول الاتفاق النووي الإيراني الذي يريد ترامب أن يشمل برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وأن يقوّيَ نظام المراقبة ليشملَ المواقع النووية الإيرانية وأن يضَع موعداً لإنهاء البرنامج النووي برُمّته. فيما تبنّى تيلرسون الموقفَ الأوروبي القائل بعدمِ المسّ بالاتفاق، وربّما المفاوضة في شأن ملحقاتٍ يتّفق عليها الجانبان. علماً أنّ موعد 12 أيار الذي أعطاه ترامب للكونغرس، لتغيير الاتفاق أو الانسحاب منه قد بدأ يقترب.
وتوقّعت المصادر أن تنعكس السياسة الاميركية الجديدة «تشدّداً أكثر حيال إيران ودورِها في مشكلات منطقة الشرق الأوسط «. وقالت لـ»الجمهورية» إنّ «هذه السياسة ستنتقل بالفعل من أيدي تيلرسون ووزير الدفاع جايمس ماتيس مباشرةً إلى أيدي ترامب وبامبيو الذي هو على موجة الرئيس الاميركي نفسِها في هذا المجال، وكان قد سخّر إلى حدّ كبير وكالة الاستتخبارات لمصلحة ترامب شخصياً، ما أزعجَ كثيرين في الإدارة الأميركية ولكنّه أفرح قلبَ ترامب الذي يُثمّن كثيراً مسألة الولاء له».
وأشارت المصادر الديبلوماسية الى أنّ «هذه التغييرات ستُترجَم ضغوطاً متزايدة على إيران والميليشيات المساندة لها بما في ذلك «حزب الله». وقالت: «لا شكّ في أنّ هناك عقوبات آتية على الحزب وإيران، ولربّما تحرّكات على الأرض مشابهة لِما حدث أخيراً من تدخّلٍ عسكري إسرائيلي بدعمٍ وضوءٍ أخضر أميركيين. إلّا أنّ هذه التوتّرات لن تصل إلى حربٍ مفتوحة لأن لا مصلحة لأيّ فريق في الوقت الحاضر في خوضِ مثلِ هذه الحروب».
لكنّ هذه المصادر رأت أنّ ما يحصل «يفرض على لبنان الحذرَ والحيطة، فهو توصّلَ في الماضي إلى اتفاق غيرِ معلن مع الأميركيين لتفادي تأثيرِ أيّ عقوبات ضد «حزب الله» على الاقتصاد اللبناني والنظام المصرفي فيه، ويجب التأكّد اليوم من سرَيان هذا الاتفاق على أيّ عقوبات جديدة. كذلك فإنّ أيّ تحرّكات عسكرية إسرائيلية، ولو كانت موجّهة ضدّ الوجود الإيراني في سوريا، ستؤثّر سلباً على الحالة الأمنية في البلاد وستكون لها تبعاتٌ اقتصادية».
«الحزب»
في هذا الوقت، أعلن نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أنّ الحزب «لا يتوقع أن تشنّ إسرائيل حرباً في لبنان»، إلّا أنّه أكّد الاستعداد لهذا الاحتمال. وقال لوكالة «رويترز»: «لا يوجد حلّ في سوريا اسمُه إقصاء الرئيس الأسد، إنّما الحلّ في سوريا مع الرئيس الأسد وهو المعبر الإلزامي للحلّ». وأكّد: أنّ الحزب سيبقى في سوريا ما دام ذلك ضرورياً». وأضاف: «إذا وصَلنا إلى حلّ سياسي فبالتأكيد «حزب الله» سيعود إلى لبنان في شكل طبيعي».