خمسة ايام هي الربع الأخير المتبقّي من مهلة إنجاز اللوائح الانتخابية التي تنتهي في 26 الجاري، والقوى السياسية لم تنجح بعد في كتابة الفصل النهائي من التحالفات المستعصية بشكل عام، بالنظر الى التناقضات المعطلة لهذا المسار، والتي تفاقمها وتزيدها افتراقاً وانقساماً، عقلية الاقصاء والابعاد والالغاء والاستئثار التي تحكم أداء بعض القوى التي تقدّم نفسها للناس في مَصاف الانبياء بشعارات برّاقة، سرعان ما تنكشف على ارض الواقع فتخلع تلك القوى ثوب العفّة السياسية والاصلاحية، ليتبيّن بما لا يقبل أدنى شك، بأنّ تلك الشعارات والعناوين الكبرى التي تضجّ فيها آذان الناس عند كل محطة او مفترق، ما هي الّا شعارات وهمية وزائفة، وهي جزء من عدة الشغل او عدة النصب السياسي، لاقتناص المغانم والشراكة في محاصصات إنتخابية عجيبة غريبة تطيح بكل ما يُقال عن المبادىء والأخلاق السياسية.
مع صدور قانون الانتخاب على علّاته والثغرات التي تعتريه، راهَن المواطن اللبناني على انتخابات تؤمّن ما يشبه نقلة الى تمثيل نيابي صحيح فيه شيء من العدالة والتوازن، فإذا به يكتشف بأنه يتعرّض لعملية نصب سياسية، من نافذين في الدولة والسلطة الحاكمة ومستويات سياسية، سبق ان قدّموا أنفسهم له بأنهم خشبة خلاصه، فإذا بهم يقفزون فوق حلمه وطموحاته، ويجعلونه مجرّد جسر لعبورهم الى السلطة لا اكثر، وليس المطلوب منه سوى ان يمنحهم وكالته ومن ثم يستلقي على قارعة الطريق في انتظار أوان استحقاق جديد، فيستدعى للاستخدام والعبور عليه من جديد. أمام هذه الحالة لا يجد المواطن سبيلاً سوى ان يصدر الشكوى ويطلب العلاج لهذا المرض القاتل، لكنه سرعان ما يُصاب بالإحباط عندما يجد نفسه يطلب الدواء من المتسبّب بالداء.
ما يجري على حلبة اللوائح وطريقة لملمة أعضائها من هنا وهناك، كشفَ كل الاقنعة، ومحاولة تركيب «بازل» من خليط متناقض ومكوّنات متصادمة أصلاً ولم تلتقِ سياسياً في السابق ولا تلتقي اليوم ولن تلتقي غداً، فَضحَت «فَجع» بعض القوى للتربّع على الكرسي، ايُّ كرسي. فلأجله تبيح هذه الفئة من السياسيين ومن السلطة الحاكمة، كل الموبقات والمحظورات، وتقفز فوق كل المبادىء والاعتبارات والاخلاق وتلقي بقانون الانتخاب وأحكامه في سلة المهملات، وتسخّر كل ادواتها المشروعة وغير المشروعة لتحقيق غاياتها.
وفي سياق الادوات غير المشروعة، تتبدّى الممارسات التي يعلو صوت المواطن من استفحالها؛ وعلى وجه الخصوص الممارسة العشوائية في السياسة والدعاية والاعلام ومخالفات لا حدّ لها، و»على عينك يا تاجر» وليس هناك من رادع يردع، وليس من مسؤول يسأل، وليس من هيئة رقابية تقول ماذا تفعلون؟ لكأنّ هناك شراكة كاملة بهذا الامر على مستوى السلطة الحاكمة.
ما يحصل، مرئي ومسموع من كل الناس، والشكاوى تتصاعد على مرّ الساعة، لكن ما يثير الريبة انّ السلطة السياسية التي ضَجّت آذان الناس بشعارات الحيادية والنزاهة الانتخابية والنظافة وما الى ذلك من كلام عن العدالة والقانون، تدير الأذن الطرشاء لِما يحصل، ولكلّ هذا التخويف والضغط الذي يمارس على فئة معينة من الناس، سواء باستهدافهم بوظائفهم، او تهديدهم بلقمة عيشهم وقطع أرزاقهم، او تهديدهم بإعداد او بالأحرى تلفيق ملفّات ضدهم، أمّا تهمتهم فهي انهم لا يمتّون بالولاء لجهة سياسية معينة وفاعلة على مستوى الدولة والسلطة.
الناس رفعت الصوت، والسلطة، كل السلطة، متّهمة حتى تثبت براءتها من رعاية هذا التدخّل البغيض، وبالتالي لا عذر للحكومة في أن تتقاعس وتترك حبل التدخّل فالتاً على غاربه، وكذلك غضّ النظر على جهات سياسية تمارس عملية ابتزاز مكشوفة في بعض المؤسسات والادارات والوزارات، على موظفين ومدراء وتخييرهم بين الولاء لهم والدخول تحت خيمتهم وبين التطيير من الوظيفة والتضييق عليهم، وثمّة حالات عديدة حصلت، ولا تكلّف من يريد ان يعرف سوى أن يسأل الناس عنها.
على انّ الواضح هنا، هو انّ الضرب بالميت حرام، والرهان على استفاقة انتخابية للسلطة الحاكمة، كمَن يطلب العسل من أفواه «دبابير»، ذلك انّ هذه السلطة هي قفص الاتهام أصلاً، خصوصاً انّ بعض اركانها الكبار حوّلوا مقرّاتهم الرسمية فروعاً لماكينات انتخابية وسخّروها لتغليب فئة على فئات اخرى، اضافة الى انّ بعض الوزراء المحظوظين يحاضرون علناً بالعفّة والنزاهة، فيما هم حصروا مواقعهم الوزارية والرسمية في خدمة أغراض انتخابية.
وإنّ الكثير من الجولات الخارجية لبعض الوزراء، وخصوصاً تلك التي تحصل في اتجاه بلاد الاغتراب، هي جولات انتخابية تتم على حساب خزينة الدولة ومن دون حسيب او رقيب. يضاف الى ذلك البازار المفتوح لبيع المقاعد ضمن اللوائح، لمَن يريد ولمن يزيد من المرشحين المتموّلين وبملايين الدولارات.
ترقّب ومؤتمرات
سياسياً، ظلّت التطورات الاقليمية المحيطة بلبنان، في عين الرصد الداخلي، ترقّباً لِما قد تؤول اليه الامور في ظل ارتفاع وتيرة التصعيد الاميركي ضد ايران وما يُحكى عن خطوة اميركية مرتقبة ناسفة للاتفاق النووي مع ايران، وبلوغ التصعيد السياسي بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا سقفاً غير مسبوق.
وعلى الرغم من انّ بعض المقاربات السياسية شرّعت الباب على احتمالات سلبية تصل الى حد المواجهة بين الدولتين العظميين، الّا انّ المستويات السياسية والرسمية اللبنانية تقارب الاحداث ببرودة واستبعاد تدحرج الامور الى تطورات دراماتيكية، وهو ما أكد عليه اكثر من مسؤول، مع الاشارة الى انّ ربيع لبنان لن يكون ساخناً، وانّ الانتخابات النيابية في أمان، وليس هناك ما يدعو الى القلق عليها.
واذا كان الهم الحكومي محصوراً في هذه الفترة بالتحضير لمؤتمر «سيدر» في باريس، فإنّ إشاعة أجواء وردية مسبقة لهذا المؤتمر لا تنسجم مع ما تَنصح به المراجع السياسية بعدم الرهان على إيجابيات قد لا تحصل، خصوصاً انّ سقف التوقعات لدى بعض المسؤولين اللبنانيين مرتفع جداً.
وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «إنعقاد المؤتمر اشارة طيبة، ولا نستطيع ان نَستبق النتائج ونقول انه سيقدّم العلاج اللازم والسحري للأزمة التي يعانيها لبنان. لذلك يجب الّا نكبّر الرهان من الآن حتى لا تكبر خيبة الامل فيما لم نَصل الى تحقيق ما نريد من هذا المؤتمر، علماً انّ بعض المسؤولين الدوليين المعنيين به، ومن بينهم فرنسيون، لم يعكسوا ما نتوخّاه من ايجابيات، او حتى مسكّنات ايجابية للوضع الاقتصادي اللبناني، بل ألمحوا الى سلبيات، وربطوا ما يمكن ان يتقرّر في المؤتمر من دعم للبنان بإصلاحات، في الموازنة، وهو ما ليس موجوداً في الموازنة التي سيقرّها مجلس النواب قبل انعقاد المؤتمر».
وتحدّث المرجع المذكور عن مؤتمر روما، وقال: «نحاول ان ننظر بإيجابية الى نتائج هذا المؤتمر وعطاءاته للمؤسسات اللبنانية العسكرية والامنية، لكن ما جعلنا حذرين هو إعادة إثارة موضوع الاستراتيجية الدفاعية في هذا الوقت بالذات، مع علم المجتمع الدولي كله انها مادة خلافية بين اللبنانيين، بين طرف يربط الاستراتيجية بسلاح «حزب الله» وضرورة نَزعه، وبين طرف يرى انّ تحديد هذه الاستراتيجية على قاعدة انّ سلاح الحزب هو العنصر الاساس في الدفاع عن لبنان في مواجهة اسرائيل. علماً انّ لبنان سبق له ان أكد في الجولات الحوارية السابقة، التي حصلت في مجلس النواب وفي القصر الجمهوري، انّ هذه الاستراتيجية عنوان حسّاس يحلّ بالحوار بين اللبنانيين. وهو ما لا يمانع أحد من عقده في اي وقت بعد الانتخابات النيابية».
بري
واكد رئيس مجلس النواب نبيه بري انّ الانتخابات حاصلة في موعدها، وخلال لقائه عدداً من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في المصيلح أمس، دعا المواطنين، وخصوصاً في الجنوب والبقاع، الى الاقتراع بكثافة.
وإذ شدّد على انه لم يعد هناك 8 و14 آذار، أشار الى انّ «تحالفنا مع «حزب الله» ليس ثنائياً شيعياً بل «أمل ووفاء»، لافتاً في الوقت نفسه الى ان «ليس لديّ أعداء في لبنان بل هناك خلافات سياسية وخصومات، فالعدو الوحيد هو إسرائيل».
مجلس الوزراء
وفي هذه الاجواء، ينعقد مجلس الوزراء في قصر بعبدا غداً، في جلسة وُصفت بالمصيرية للحكومة، خصوصاً في ظل التوجّه الى طرح صفقة بواخر الكهرباء على التصويت في مجلس الوزراء، في خطوة هي الاولى من نوعها بشأن ملف بهذا المستوى الكبير من الخلاف السياسي حوله.
وكشفت مصادر وزارية انّ سبب تأجيل الجلسة من اليوم الى الغد هو إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على طرح خطة البواخر من خارج جدول الاعمال وإحالتها الى التصويت. فيما يصرّ رئيس الحكومة سعد الحريري على التريّث وعدم الذهاب الى هذه الخطوة المرّة.
وعلمت «الجمهورية» انّ عون مصمّم على بَت خطة البواخر في جلسة الغد، ولن يسمح بتأجيلها يوماً بعد.
وقالت مصادر وزارية معارضة لهذه الخطة لـ«الجمهورية»: «انّ وزراء «حزب الله» و«أمل» و«المردة» و«القوات» و«الاشتراكي» و«القومي السوري» سيعارضون الخطة بشدة»، لكنها تخوّفت «من أن تمرّ الخطة اذا ما أحالها عون على التصويت، خصوصاً انها بند عادي يحتاج الى النصف زائداً واحداً والثلث المعطّل لا ينفع معها».
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري صارَحَ بعض من تواصَل معه في هذا الشأن بأنه لا يريد تدهور الامور داخل حكومته، وانه سيعمل جاهداً لتجنّب التصويت.
بوتين يلتقي منافسيه
أعلنَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس أنه سيَعمل على حلّ الخلافات مع الغرب، بعد انتخابات رئاسية حصَد فيها رقماً قياسياً مِن الأصوات وأبقَته في الكرملين لولاية رابعة من سِتّ سنوات، في الوقت الذي تُواجه فيه موسكو مزيداً من العزلة.
ونفى بوتين، الذي حَكم روسيا على مدى نحو عقدين، أنه يقود سباقَ تسلّحٍ جديد مع واشنطن، بعدما كشَف عن مجموعة من الأسلحة النووية «التي لا تُقهر» هذا الشهر.
وقال خلال لقاءٍ مع المرشّحين السبعة الآخرين للرئاسة الذين فاز عليهم: «مِن جانبنا، سنفعل ما بوسعنا من أجل حلّ الخلافات مع شركائنا (الدوليين) بالوسائل السياسية والدبلوماسية».
وأضاف: «غنيٌّ عن القول إنّنا لا نتحمّل مسؤولية كلّ شيء، كما في الحبّ الذي يتطلّب مشاركة الطرفين، وإلّا فإنه لن يكون هناك حبّ بالمطلق».