لا يمرّ يوم إلّا ويُسمع فيه عن ارتكاب مخالفات لقانون الانتخاب بترهيب أو ترغيب ناخبين هنا وهناك، وضغطٍ على مرشّحين لكي ينسحبوا في هذه الدائرة أو تلك، وقد سَحب نائبان حاليّان ترشيحَهما أمس في مشهدٍ ما خفيَ منه كان «أصل الحكاية» وما أعلِن منه جاء مجرّد مسرحية مكشوفة وهزلية، وكلّ هذا يحصل في سياق التحضير لانتخابات 6 أيار المقبل، إلى درجة أنّ بعض النواب الحاليين بدأوا يتحدثون عن رِشى ماليّة بدأت تُدفع في بعض الدوائر، بعيداً من عيون لجنة الإشراف على الانتخابات التي كان تشكيلها المكمّلَ الملزِم قانوناً لإجراء الانتخابات، وبدأ البعض «ينمّر» عليها ويصِفها منذ الآن، بـ»نمر من ورق».
ينشغل لبنان بانتخاباته، فيما دوّامة الدخول في التحالفات ونسجِ خيوطها لم تنتهِ فصولاً بعد، فالصورة ما تزال على ضبابيتها، والمشهد ينبئ يوماً بعد آخر بمنازلات كبرى سيشهدها بعض الدوائر الانتخابية، والاتصالات ناشطة بين الأطراف لإعداد اللوائح في سباق مع موعد انتهاء مهلة تسجيلها في وزارة الداخلية ليل 26 ـ 27 الجاري، في وقتٍ سُجّل انسحاب عددٍ من المرشّحين قبَيل انتهاء مهلة العودة عن الترشيح منتصفَ الليل اليوم، وكان المفاجئ في هذا المجال أمس إعلان النائب خالد الضاهر من «بيت الوسط» خروجَه من السباق الانتخابي لمصلحة لائحة تيار»المستقبل» في عكّار، وكذلك إعلان النائب نبيل نقولا عزوفَه عن الترشيح على لائحة «التيار الوطني الحر» المزمع تأليفُها في دائرة المتن الشمالي.
برّي لـ«الجمهورية»
وفي خضمّ التحضير للانتخابات على وقعِ ما يقرَعه البعض خارجياً من طبول حربٍ في المنطقة، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية»: «إنّنا نتطلع إلى مشاركة كثيفة في عمليات الاقتراع، وهذا واجب على كلّ مواطن».
وخالفَ بري المتشائمين على مصير الانتخابات مكرّراً التأكيد «أنّها ستجري في موعدها»، وقال: «لا أرى ما يجعلني أخشى على الانتخابات، سبقَ وقلت وأكرّر إنّها أصبحت أمراً واقعاً وستجري بلا شكّ في موعدها المحدّد، وسبق أن قلتُ إنّ من يفكّر غير ذلك، عليه أن يخيّط «بغير هالمسلة»، أنا مطمئن إلى الانتخابات وإنّي على يقين أن ليس هناك ما يمكن أن يؤدي إلى تعطيلها أو تأجيلها أو التأثير عليها».
وردّاً على سؤال، قال بري: «موقفي معروف ولم أحِد عنه ولن أحيد، وهو أنّني مع انتخابات نظيفة بكلّ معنى الكلمة، تجري بكلّ حرّية ولا تشوبها شائبة ولا أيّ تشويه لمسارها أو للتحضيرات المرتبطة بها، ولطالما ناديتُ في السابق، ورفعت شعار «لا تشوّهوا الانتخابات، دعونا نجعلها فرصةً للانتقال ببلدنا إلى برّ الأمان»، وأكرر الآن، يجب أن نحميَ الانتخابات، ليس في الأمن فقط، بل أن نحميَ صدقيتها ونظافتها، والنأيَ بها عمّا يمكن أن يشوّهها».
سعَيد
وإلى ذلك دعا النائب السابق الدكتور فارس سعيد وزيرَ العدل عبر «الجمهورية» «إلى أن ينتقل من قصر بعبدا إلى مركز «التيار الوطني الحر» في «سنتر ميرنا الشالوحي» حتى السادس من أيار بغية إدارة الشأن الانتخابي بارتياح، بعيداً من القيود الرئاسية، لأنه إذا استقبل المخاتير والمفاتيح الانتخابية في ميرنا الشالوحي، لن ينتقده عاقلٌ في الجمهورية اللبنانية». وإذ لاحَظ سعيد «وجود خزنةٍ أو خزنتين في كلّ لائحة انتخابية في كلّ أنحاء لبنان» وصَف هيئة الإشراف على الانتخابات بأنّها «نمرٌ من ورق».
وكان سعيد قد اقترح على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «الانتقالَ إلى مركز «التيار» في سنتر ميرنا الشالوحي حتى السادس من أيار «لإدارة الشأن الانتخابي بارتياح من كلّ القيود الرئاسية». وقال في تغريدة له عبر «تويتر «إنّ استقبال هيئة جزّين للتيار العوني ومخاتير كسروان ومرشّحيها في مركز حزبي بدلاً من القصر الجمهورية في بعبدا شأنٌ لا يعترض عليه عاقل».
في هذا الوقت، طلبَت «هيئة الإشراف على الانتخابات» من «كلّ وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة الإقلاعَ عن نشرِ أو بثِّ استطلاعات الرأي عبر البرامج الانتخابية أو السياسية، قبل الحصول على موافقةٍ مسبقة من الهيئة».
الكهرباء
وفيما الاستعدادات الانتخابية على أشدّها، ستكون جلسة مجلس الوزراء التي ستنعقد اليوم في القصر الجمهوري تحت المجهر من باب ملفّ الكهرباء واستئجار البواخر، الذي سيُطرح من خارج جدول الأعمال وسط إصرار رئاسي على الانتهاء من هذا الملف والاتّجاه به إلى التصويت.
قانصو
واستبعد الوزير علي قانصو الوصولَ بملف الكهرباء إلى خيار التصويت، وقال لـ«الجمهورية»: «لم نصوّت مرّةً منذ تأليف الحكومة وحتى اليوم، في النهاية رئيسُ الجمهورية هو من يقرّر، لكن إذا اعتمد خيار التصويت فسيشكّل هذا الأمر سابقةً، ومِن محاذير هذه الخطوة أنّ كلّ المواضيع الخلافية عندئذ ستذهب إلى التصويت، ما يَترك ذيولاً خلافية لسنا في حاجة إليها الآن، بل نحن نحتاج إلى ما يجمع أكثر ممّا يثير حساسيات أو انقسامات، علماً أنّ التصويت مسألة دستورية لا أحد يجادل فيها».
اضاف: «لا شكّ في أنّ لدى رئيس الجمهورية إصراراً على الانتهاء من هذا الملف، كما عبَّر عن ذلك في أكثر من جلسة، مؤكّداً أنه يريد حلَّ مشكلةِ الكهرباء لكي لا تستمرّ في استنزاف الاقتصاد الوطني وزيادة الدين العام ونسبة العجز، ولكي يصل إلى المواطن حقٌّ من حقوقه البديهية. وهناك رأي لدى عدد من الوزراء يدعو إلى اعتماد سياسة بناء المعامل لأنّ جدواها أكبر، بدلاً من اعتماد سياسة شراء الطاقة من البواخر. فلربّما تفاهمنا اليوم على صيغةٍ غير الصيغة المطروحة تُحقّق تأمينَ الكهرباء وتُخفّف من أعبائها المالية».
«القوات»
وفي هذا السياق، قالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: «موقفُنا من هذا الملف ثابت ولن يتبدّل، وهو الأخذ بتوصيات رئيس إدارة المناقصات جان العلّية والتي تضمّنت ملاحظات واضحة وشافية وكاملة على كلّ هذا الملف، وبالتالي لا يمكن أن نوافقَ على أيّ شيء خارج إطار ما تقدّمت به إدارة المناقصات».
واستبعَدت هذه المصادر أن تُطرح خطة الكهرباء على التصويت، «لأنّ ملفّاً من هذا النوع سيَسقط في التصويت، ولأنّ غالبية الوزراء، باستثناء وزراء «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» تُعارضه، فـ«القوات» و«حزب الله» وحركة «أمل» و«التقدّمي الاشتراكي» وتيار «المردة» ضدّ خطة البواخر، وبالتالي فإنّ كلّ هذه القوى مجتمعةً ومشفوعةً بملاحظات إدارة المناقصات لا تؤيّد هذه الخطة، وبالتالي لا مصلحة إطلاقاً لإدخال البلاد في انقسامٍ وشرخ سياسي عشيّة الانتخابات النيابية، فيما المصلحة القصوى هي الأخذُ بملاحظات إدارة المناقصات بغية تنفيذِ الخطة المرسومة في الشكل المطلوب.
وكلّ هذا التأخير الذي وصلنا إليه هو نتيجة تمسّكِِ بوجهة نظر معيّنة خلافاً لِما توصّلت إليه إدارة المناقصات، ويتحمّل مسؤولية هذا التأخير الأطرافُ التي رفضَت التزامَ تقارير الجهة المولجة والمسؤولة في هذا السياق وهي إدارة المناقصات. فعوضَ الذهاب إلى تشنّجٍ وانقسام عمودي وإلى خلفيات انتخابية معروفة، من الأفضل الذهاب إلى إدارة المناقصات وليس طرح ملفّ على التصويت سيَسقط حتماً بنتيجة هذا التصويت».
سجال
وعشية جلسة مجلس الوزراء، استمرّ السجال الكلامي بين «القوات» و«التيار الوطني الحر». فبَعد الوزير غسان حاصباني، قال النائب أنطوان زهرا أمس: «إنّ كلّ ما تمّ تداوله في موضوع الكهرباء» موجود في اللجنة واللجان المشتركة في ما يتعلق بقانون 1200 مليار دولار عام 2010 والتمويل من الخارج أو من دينٍ داخلي»، مشيراً إلى أنّ «هناك من يحاول تضليلَ الناس والقولَ إنّ هناك من يُعرقل ويمكن إظهاره «ليس حبّاً بعلي ولا كُرهاً بسيزار أبي خليل»، إنّما فقط لإحقاق الحقّ وما جرى من تضليل للناس».
وردّ أبي خليل على زهرا بتغريدةٍ قائلاً: «هيدا نصّ القانون 181 / 2011 يظهر جليّاً صحة ما نقوله!… لمّا بدَّك تكذِّب خبّي الجريدة الرسمية!». وأرفقَ أبي خليل تغريدته بنسخة عن الجريدة الرسمية.
وكان بري قد قال حول بواخر الكهرباء وإمكان طرحِها في مجلس الوزراء: «سبقَ وقلت وسأبقى أقول إنّ هذه المسألة فيها هدرٌ حتى لا أقول فيها «شيء آخَر»، سنعارضها وسنبقى نعارضها، كذلك سنعارض أيَّ مسألة أُخرى نرى فيها هدراً، سنعارض وسيقولون إنّنا نعرقل، فليقولوا ما يشاؤون وما يَحلو لهم، هذا الأمر لا يمكن أن نقبل به. ربّما يأخذونها بالتصويت، فليَفعلوا، ولكن بغير موافقتنا».